واخيرا رحل الرئيس عبدالرحمن عارف
، بعد تاريخ طويل زاخر
بالمواقف الوطنية الناضجة التي
سجلت له مأثرة تاريخية لن
تنسى على مر الاجيال اثناء وجوده
رئيسا للعراق وبعد تركه الرئاسة .
لقد كان عبدالرحمن عارف وطنيا
عراقيا اصيلا وانسانا طيبا احبه
الجميع ، سواء من اتفق معه او
اختلف . وسوف لن انسى ابدا احدى
اهم مآثره الوطنية حينما شارك في
اول استفتاء على رئاسة سيد شهداء
العصر صدام حسين ، ، ومارس دوره
الوطني كمواطن عراقي شريف واصيل ،
وضع العراق فوق أي مصلحة شخصية .
واسمحوا لي ان اسجل للتاريخ تلك
الحادثة الفريدة في الوطن العربي
. حينما كنت رئيسا لتحرير جريدة
الجمهورية وقبل يوم من الاستفتاء
هاتفني المرحوم مصطفى توفيق
المختار ، ابن عمي ، واخبرني بان
السيد رئيس الجمهورية الاسبق
عبدالرحمن عارف سيحضر للادلاء
بصوته في الاستفتاء في مركز
الاستفتاء في حي المنصور ، واقترح
علي ان ارسل محررا ومصورا لتوثيق
تلك الحادثة الفريدة . وبالفعل
فقد ارسلت محررة ، يتميز اسلوبها
بنكهة قصصية وشعرية ، ومصورا
ممتازا ، وانتظرا الرئيس عارف حتى
وصل ، محاطا بالاجلال والاحترام ،
ومارس حقه الديمقراطي ، بحرية
تامة ، بانتخاب صدام حسين ، الذي
اسقط حكمه واخرجه من رئاسة
الجمهورية ، رئيسا للعراق .
ولم يكن هذا الموقف
غريبا على العراقي الاصيل وابن
الكرخ ، وابن سوق حمادة بالذات
التي خرجت الكثير من قادة العراق
، عبدالرحمن عارف ، رحمه الله
واسكنه فسيح جناته ، فابناء الكرخ
ولدوا وهم مشبعون بثقافة الفروسية
والايثار والتسامح ، لذلك لم يكن
المرحوم عبدالرحمن عارف يحمل أي
ضغينة على من اخرجه من الحكم ،
لانه بحكمته وايثاره عرف ان
المهم هو خدمة العراق وليس من
يخدمه . وفي اليوم التالي
خرجت الجمهورية وهي تحمل عنوانا
بارزا : عبدالرحمن عارف ينتخب
صدام حسين رئيسا ، ومع هذا
العنوان نشرت صور عديدة للرئيس
عارف وهو يدلي بصوته ، محاطا بحب
أبناءه العراقيين في مركز
الاستفتاء . وفي عصر نفس اليوم
تواردت البرقيات والتقارير
الصحفية من الغرب تقول بدهشة :
في واحدة من اندر الحوادث في (
العالم ) العربي رئيس سابق ينتخب
من اطاح بحكمه واخرجه من الرئاسة
، عبدالرحمن عارف يشارك في
الاستفتاء على رئاسة الجمهورية
ويختار صدام حسين رئيسا .
وفي اليوم التالي كتبت
مقالة علقت فيها على مشاركة
الرئيس المرحوم عارف في
الاستفتاء ، وقلت انه العراقي
الاصيل الذي اختار العراق ووضعه
فوق الاعتبارات الاخرى ،
واقترحت تشكيل مجلس شيوخ يضم كل
الوطنيين العراقيين من ذوي الخبرة
، ومن كافة الاحزاب والتيارات ،
خصوصا قادة الاحزاب وكوادرها
والوزراء السابقون وكبار الضباط
المتمرسون وكبار الفنانين
والادباء ...الخ ، ليكون سلطة
تشريعية الى جانب مجلس قيادة
الثورة ، في خطوة اساسية نحو
تحقيق اوسع مشاركة ديمقراطية في
الحكم . وكان في ذهني ان يكون
عبدالرحمن عارف رئيسا لمجلس
الشيوخ لو اسس ، لانه الوحيد ، من
بين كل قادة القوى العراقية
المختلفة ، الذي تجنب القوة لحسم
موضوع السلطة ، بحكمة نادرة ،
ووطنية عالية ، وشعور كامل
بالمسئولية ، ووعي عميق لادوار
القوى العراقية . وحينما كان
الشهيد القائد صدام حسين يردد قسم
الرئاسة رأيت ، من شاشة التلفاز ،
بفرح غامر عبدالرحمن عارف يجلس
متصدرا الخط الاول من قادة العراق
الذين حضروا مراسيم القسم ، الى
جانب الشهيد طه ياسين رمضان وغيره
، فأحيت تلك الصورة في نفسي
الرغبة في رؤية عراق عظيم يشارك
كل أبناءه البررة في الحكم
والمسئولية الوطنية .
اليوم نودع القائد
الطيب والعم الفاضل عبدالرحمن
عارف ( وكان الفقيد ، وشقيقه
المرحوم عبدالسلام عارف البطل
الفعلي ثورة تموز الوطنية عام
1958 ، صديقان لابناء اعمامي
الاكبر سنا مني ، خصوصا للمرحوم
هاشم توفيق المختار ، ولاعمامي
قبل ان يصبحا رئيسين للعراق ) ،
نشعر بأننا بامس الحاجة لروح
الايثار التي تميز بها فقيدنا
الغالي ، فمن دون وضع العراق فوق
المصالح الحزبية والتطلعات
الشخصية ، ومن دون التخلص من
تأثيرات الماضي السلبي للصراعات
القديمة لن يتحرر العراق من
الاستعمارين الامريكي والايراني .
ان مناسبة رحيل
القائد الوطني عبدالرحمن عارف
فرصة لنا جميعا لاعادة النظر في
مواقفنا واساليب عملنا من اجل
الارتقاء الى مستوى ايثارية
عبدالرحمن عارف .
الرحمة للفقيد الكبير
والقائد الوطني عبدالرحمن عارف ،
واخلص تعازينا لعائلة الفقيد فردا
فردا ، ودعاء صادق منا ان يسكنه
الله جنات الخلد .
Salah_almukhtar@gawab.com
|