كلمة الرفيق الدكتورعبد المجيد الرافعي

 في مهرجان إحياء ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة في بيروت

 
 
شبكة المنصور
 

في مهرجان إحياء ذكرى قيام الجمهورية العربية المتحدة في بيروت

الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي :

إعادة التضامن داخل النظام العربي الرسمي واستعادة القرار العربي

دعوة أطراف الحركة القومية العربية لحوارات جدية،

في العراق يتم قتل مشروع الشرق الأوسط الجديد

 

تحت شعار

«في الوحدة خلاص الأمة وفي التجزئة ضعفها وهوانها». 

 

وفي 21/ 2/ 2010، أحيت القوى القومية العربية في لبنان «مهرجان الوحدة العربية»، في قاعة سينما «أريسكو بالاس» - الصنائع، في الذكرى الثانية والخمسين لقيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا.

 

حضر الاحتفال عدد كبير من الشخصيات الوطنية والقومية، وحشود شعبية من شتى المناطق اللبنانية. وكان أول المتكلمين رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد الذي اعتبر «أن شعلة الكفاح القومي العربي التحرري والتقدمي لن تنطفئ أبدا. وهي إذا ما خبت أحياناً إلا أنها سرعان ما تعود إلى التوهج لإنارة طريق التحرير والتقدم والوحدة». واشاد سعد بالمقاومة الفلسطينية الصامدة في غزة وفي كل أنحاء فلسطين، والمقاومة في العراق التي أجبرت أقوى جيوش العالم على اتخاذ القرار بالانسحاب، وكذلك بالمقاومة في لبنان والتي تقف على أهبة الاستعداد لمواجهة أي عدوان صهيوني جديد، بعد أن ألحقت الهزيمة بالجيش الإسرائيلي عام 2006.

وقال أمين سر قيادة حزب طليعة لبنان العربي الاشتراكي الدكتور عبد المجيد الرافعي «إذا كان تغيير واقع التمزق العربي ليس متوفراً فان واجبنا هو التحذير من خطورة استمراره، ودعا الرافعي إلى إعادة التضامن داخل النظام العربي الرسمي، وبدء أطراف الحركة القومية العربية، أحزابا وحركات وقوى وشخصيات فكرية وسياسية، بحوارات جدية، وكذلك دعم ظاهرة المقاومة العربية وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة.  

وأشار رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم مراد إلى أن قرار الوحدة في الإطار العربي، وعلى أي مستوى، يشكل في الوقت نفسه، قراراً بالحرب ضد الامبريالية والصهيونية. وأضاف: لا بد من الاعتراف، بأن هناك قوى داخلية وخارجية متفاعلة، تعمل في سبيل الوحدة، وعلى العكس، هناك قوى تعمل في سبيل التجزئة، فلا تكون الوحدة كما لا تكون التجزئة، أمراً حتمياً، بل هي مرهونة بنوعية الصراع وفاعليته، فالتاريخ صراع إرادات، والمنتصر هو الذي يملك الإرادة الأقوى.

 

وألقى الوزير السابق بشارة مرهج كلمة تجمع اللجان والروابط الشعبية، معتبراً أن في زمن تعاني فيه الأمة شتى أنواع الاحتلال والاستلاب والاستغلال يغدو الإيمان بالوحدة العربية بدون معنى ما لم يقترن بالنضال من اجل تحقيق هذه الوحدة وتجسيدها في دولة اتحادية قوية تحرر الأرض المحتلة وتصون الثروة المبددة وتسترد الحقوق المغتصبة. وقال إن دولة الوحدة التي نطمح لها هي الدولة المتفوقة حكماً على الدولة القطرية، هي دولة المقاومة والديمقراطية.

 

وتحدثت الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي المحامية رولا سمراني داعية جميع القادة العرب إلى تحمل مسؤولياتهم ومواجهة ما يحيط بالأمة من تحديات ومخاطر دفاعاً عن شرفها وكرامتها وحماية مصالحها وصيانة وحدة وسلامة بلدانها. وقالت إن خيار المقاومة ما زال خيارنا في لبنان وفلسطين والعراق وسورية لأنه الوحيد القادر على تحرير الأرض المحتلة وعلى إبقاء امتنا قوية منيعة.

 

واختتم المهرجان بكلمة لرئيس المؤتمر الشعبي اللبناني الأستاذ كمال شاتيلا، قائلاً: «قوى التغريب والتطرف بطبيعة بيروت، بمشاعر اللبنانيين الأحرار، بمجد الوطنيين والعروبيين أبناء العاصمة الذين ضربوا الانتداب الفرنسي وحطموا مشروع أيزنهاور الأميركي وأطاحوا بحلف بغداد البريطاني وواجهوا اتفاق 17 أيار، وقال: على الرغم من اصطناع العصبيات المذهبية والموجات التدويلية، انتصرت عروبة لبنان وانتصرت وحدته. ودعا شاتيلا إلى التمييز بين الانتماء إلى العروبة والانتساب إلى الأنظمة، بين حركة الوحدة العربية وبين الأخطاء التي يقع بها بعض الوحدويين.

 

نص كلمة الرفيق الدكتور عبد المجيد الرافعي

 

أيتها الأخوات، أيها الأخوة، أيها الحفل الكريم

عندما نتطلع في هذه المرحلة على ما لحق بالأمة العربية، من تهاون للأنظمة الرسمية، ومن نكران لأهمية النظرية القومية وتطبيقاتها في الوحدة بشكل خاص.

 

وعندما نتطلع إلى ما وصل إليه الوضع العربي من هوان، يشدنا الحنين إلى تلك الأيام الناصعة التي كانت فيها الحركة القومية تعيش أحلى مراحلها، وكان أحلى ما فيها أن رائديْ تلك الحركة، وهما البعث والناصرية، أعلنا الوحدة بين قطرين عربيين: مصر وسورية.

 

لقد غالبنا الشوق إلى تلك الأيام، ونستذكر الفرسان العرب الذين اندفعوا إلى إعلان وحدة بين قطرين عربيين كبيرين. وحدة طالما كانت تمثل حلماً كبيراً للعرب كل العرب من المحيط إلى الخليج.

 

وحدة جعلت الشارع العربي يلتهب بالهتاف لها معلناً أنه سوف يحميها بالدم والروح،

وحدة جعلت القوى المعادية تضمر الشر لها، معلنة أنها لن تدعها ترى الحياة والنور،

لقد تغلَّبت قوى الشر والعدوان أخيراً لأنها كانت تملك من مقومات الهدم والتفتيت أكثر مما كانت تملكه قوى الوحدة من عوامل البناء.

 

محطة أيها الحضور الكريم كان لا بُدَّ من الوقوف على مشارفها وإحيائها والاحتفاء بها على الرغم من أنها دخلت ذاكرة التاريخ، أساء إليها البعض الشيء الكثير واتخذوا من فشلها برهاناً على أن المسألة القومية كانت أضغاث أحلام تعشش في أوهام الرومانسيين، ولأنها كذلك راحوا يغدقون عليها وعلى المؤمنين بها شتى النعوت والأوصاف. ودعوهم إلى الخروج من تلك الأوهام.

 

أيها الحفل الكريم

إذا كان الوقت المخصص لا يسمح بالاسترسال حول معاني المناسبة التي نحتفي بها اليوم، إلاَّ أن الكلام المكثَّف قد يرسم معالم خطة للمستقبل علينا أن نخصصها من أجل إحياء هذه الذكرى، واستنهاض همم المؤمنين بالوحدة العربية، لنفيها حقها من الاهتمام الذي كان الغائب الأكبر حتى عن ذاكرة القوميين. وجميعنا نتحمل وزر هذا الغياب.

 

في هذا الوقت لا بُدَّ من التساؤل عن حجم المؤامرة التي أحاطت بالأمة العربية، كما عن أسباب نجاح هذه المؤامرة، وتحديد المسؤولية عن التقصير في مواجهتها، والتفتيش عن السبيل إلى استعادة الحركة القومية لحيويتها.

 

في تشخيص أسباب فشل الوحدة لم تلجأ الحركة القومية العربية إلى النقد الهادف، بل أخذ كل تيار من تياراتها في تلك المرحلة ينأى بنفسه عن تحمل المسؤولية وأرخى بثقلها على عاتق الآخرين، أما التيارات الأخرى التي ناصبت القومية ووحدتها العداء فأغرقت الساحة الفكرية والسياسية بكل أنواع القذف والتشفي. وهي لم تمارس النقد بل مارست الجلد بحق القومية والقوميين معاً.

 

إنها مرحلة شهدت الصراع بين التقدميين أنفسهم أكثر مما كانت حركة من الصراع بين التقدمية والرجعية، كما شهدت حالة من الصراع بين القوميين أكثر منها بين القوميين وغيرهم من التيارات الأممية. وكان الصراع بين الأنظمة التقدمية أشد إيلاماً من صراعها ضد الأنظمة الرجعية.

 

لقد غطت المواجهات العربية – العربية على المواجهة العربية – الأجنبية، فزادت الحركة القومية ضعفاً على ضعف، الأمر الذي أكسب العوامل الخارجية قوة على قوة.

 

أيها الحفل الكريم

أيتها الأخوات أيها الأخوة

لم يتوقف ذلك المشهد التاريخي المأساوي عند حدود المرحلة السابقة، فالخطورة هو أن المشهد أنتج نفسه باستمرار في المراحل اللاحقة، وهو لا يزال يتكرر في هذه المرحلة بالذات بشكل أشد إيلاماً. إن المشهد يتجدد من دون أن نجد دواءً يوقفه عند حدود. ومن هنا تبتدئ مهمتنا ودورنا من خلال هذا اللقاء وفي هذه المحطة التاريخية بالذات.

 

إن خطورة ما تمر به الأمة العربية هو أنها تحوَّلت إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد. إذ لم يكتفي العدوان الخارجي، كما الهوان الداخلي، بإبقاء الأمة العربية مجزَّأة حسب خريطة سايكس بيكو، بل إنه، وتحت أسماعنا وأبصارنا، يقوم بالمزيد من التفتيت والتقسيم، وهو لا يزال يعمل نهشاً بجسد هذه الأمة وأقطارها، قطراً يليه قطر. فقد احتلت الطائفية نفوسنا ونصوصنا، واحتل الخطاب الطائفي والعرقي والمناطقي والعشائري كل شبر من أفكارنا. وهذه هي الأمة تتحول إلى مجموعة من الدويلات والإمارات، تجد كل منها قوة من الخارج تدعمها وتغذيها، وتستغلها أداة رخيصة لمآربها وأهدافها.

 

وأخطر ما في الأمر، هو أن المسخ والتبديل والتفتيت يتم  بأدوات إيديولوجية تعمل على اجتثاث كل ما هو قومي ووطني، فكراً وسياسة وأحزاباً. وهذا الواقع نجده الآن، وبوضوح في العراق ولبنان واليمن وفلسطين. وكل هذا يجري من دون أن نحرك ساكناً أو نقوم بمجرد رد فعل.

 

في هذا اللقاء لم يعد من الجائز أمامنا على الإطلاق أن ندع حالة الافتراق والصراعات الجانبية، العربية – العربية، تسيطر على مساراتنا الفكرية والسياسية والنضالية. وإذا كنا لن نستطيع التغيير في اتجاهاتها بالسرعة المطلوبة، فإنما التحذير من خطورة استمرارها هو واجب الحد الأدنى. فمن على هذا المنبر الآن نتوجه بنداء إلى كل المؤسسات الرسمية والشعبية والفكرية من أجل العمل على:

 

-إعادة الحد الأدنى من التضامن في داخل النظام العربي الرسمي. هذا النظام الذي بغيابه تمت مصادرة القرار العربي، وأصبحت قضايا العرب بأيد أجنبية تصوغها على مقاييس مصالحها.

 

-دعوة أطراف الحركة القومية العربية، أحزاباً وحركات وقوى وشخصيات فكرية وسياسية، إلى البدء بحوارات جدية لا يجوز أن تتوقف لسبب من الأسباب.

-إسناد الحالة الصحية الجديدة القديمة وأعني ظاهرة المقاومة العربية، وفي المقدمة منها المقاومة المسلحة، ودعوة أطرافها إلى البدء بالخطوة الأولى نحو توحيد جهودها.

 

أيها الحفل الكريم

إن الدعوة إلى إحياء ذكرى الوحدة بين مصر وسورية، يجب أن تتحول إلى بداية عملية لما دعونا إليه، إذ يمكن أن تشكل بداية لنواة جبهوية بين القوى القومية، يكون عمادها، كل أطراف الحركة القومية من بعثيين وناصريين وقوى وشخصيات قومية. هذه النواة إذا ما بدأت الخطوة الأولى فإنها ستجد في التيارات الماركسية والإسلامية المخلصة كل إسناد ومشاركة، تلك التيارات التي وعت أهمية المسألة القومية في حياة العرب.

 

ولا يسعني في هذا اللقاء المهم إلاَّ أن أتوجَّه بالتحية والإكبار إلى المقاومة العربية التي أعادت الحيوية إلى الفكر القومي العربي، ووضعته على مساراته الصحيحة. وأخص بالذكر المقاومة العراقية، ليس للحصر، وإنما لأننا إذا أردنا أن نقتل مشروع الشرق الأوسط الجديد فإنما يتم بسحق رأس الأفعى الأميركي في العراق. فمن هناك ابتدأ تنفيذ المشروع فعلاً، وهناك يجب أن يُقبر، دون أن نغفل الدور التاريخي للمقاومة في فلسطين ولبنان.

 

كما أتوجه بالتحية والإكبار إلى الرئيس الخالد جمال عبد الناصر الذي قاد أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي، وإلى الشهسيد صدام حسين الذي قاد من الخندق أكبر تجربة للمقاومة العربية في مواجهة الإمبراطور الأميركي مباشرة.

 

الدكتورعبد المجيدالرافعي

بيروت في ٢١ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

.
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين  / ٠٨ ربيع الاول ١٤٣١ هـ

***

 الموافق ٢٢ / شـبــاط / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور