شبكة ذي قار
عـاجـل










هذا موقع غريب تعثرت به اسمه (ابحاث تاريخية واستقصائية) . صاحبه شاب اسمه فرانشيسكو جل وايت، Francisco Gil-White يحمل شهادة الدكتوراه في الانثروبولوجيا وشهادة الماجستير في العلوم الاجتماعية وحاصل على العديد من الجوائز والزمالات وله العديد من المؤلفات العلمية . يتحدث الانجليزية والاسبانية والفرنسية والمنغولية. ويعمل اضافة الى اختصاصاته العملية في الصحافة الاستقصائية ومنها هذه المقالة التي نشرت في 20 كانون الأول 2005

 

يكتب عن فرضية يتبناها ويأتي لها بالأدلة من الأقوال والأفعال ، لاثبات ان الحرب الامريكية على العراق في 1991 وحتى الآن كانت لغرض واحد: حماية التطرف الاسلامي في ايران. حين أجد الوقت سوف اترجم لكم خطوطها العريضة، او على الأقل الأدلة التي يشير اليها. وفي هذه الأثناء يمكن لمن يستطيع متابعة نقاشه بالانجليزية (في العنوان أعلاه) وهو في الواقع يجيب على تساؤل طالما سألته نفسي: لماذا نصبت الولايات المتحدة حكومة عميلة في بغداد معظم ولائها لإيران؟ أليس هذا ضد منطق الأمور من وجهة نظر امريكا التي تعلن عداءها لإيران ؟ ويتفق مع استنتاجي حول (القاعدة) من أن امريكا تشجع التطرف الذي تسميه (الارهاب الاسلامي) من اجل غايات في نفس يعقوب؟

 

للأسف الكاتب مؤيد للكيان الصهيوني فمن فرضياته الاخرى مثلا أن منظمة فتح شاركت في تأسيسها ألمانيا النازية. ولكن هذا لا يمنع أن نقرأ فرضية علاقة ايران-الولايات المتحدة ونستفيد من الأدلة والاشارات التي أوردها الكاتب ثم نصل الى استنتاجاتنا الخاصة، بعيدا عن حقيقة ميول الكاتب العدائية للاسلام على الأخص، كما يبدو.

 

فرضية سياسة الولايات المتحدة المؤيدة للتطرف الاسلامي


يقول الكاتب ان تبادل الشتائم والفاظ الكراهية بين حكام ايران وامريكا لاينبغي ان يؤخذ على محمل الجد ففي السياسة ليس من الضروري ان تتطابق الاقوال مع الافعال. والمفروض لمعرفة اتجاهات السياسة هو مراقبة التطبيق على الأرض ولمصلحة من تصب نتائج الأفعال.


طالما ان العداوة المفترضة بين امريكا وايران تعود الى 1979 فمن المهم ان نعلم انه في الثمانينات كانت الولايات المتحدة قد خلقت ومولت حركة (الجهاد) في افغانستان والقصد منها مهاجمة الاتحاد السوفيتي الذي يحادد افغانستان. والرجل الذي اخترع هذه الستراتيجية هو زبجنيو بيرجنسكي مستشار الامن القومي في حكومة جيمي كارتر. ومؤخرا (2005) ادلى بحديث لصحيفة Le Nouvel Observateur تفاخر فيه أن خلق المجاهدين في افغانستان كان مقصودا تماما والهدف منه توليد صراع على الحدود السوفيتية . وفيما يلي مقاطع من الحوار:


الصحيفة - يقول روبرت غيتس مدير السي آي أي السابق في مذكراته : بدأت اجهزة المخابرات الامريكية قبل ستة اشهر من الغزو السوفيتي في دعم المجاهدين . في ذلك الوقت كنت المستشار القومي للرئيس كارتر ، وهكذا انت لعبت دورا في هذا الشأن . هل تؤكد هذه المقولة؟


برجنسكس : نعم حسب الرواية الرسمية ان دعم السي آي أي للمجاهدين بدأ في 1980 اي بعد غزو السوفيت لأفغانستان في 24 كانون الاول 1979 ولكن الواقع الذي ظل سرا حتى اليوم مختلف تماما : لقد بدأ الدعم في 3 تموز 1979 حين وقع الرئيس كارتر اول امر للدعم السري للمعارضة ضد النظام الموالي للسوفيت في كابل. وفي نفس اليوم كتبت مذكرة للرئيس اوضحت فيها ان هذا الدعم في نظري سيؤدي الى تدخل عسكري سوفيتي.


ويبدو ان المحاور من الصحيفة الفرنسية قد اصابه الذهول فيسأل : ولكن الا تشعر بالندم لأنك ساعدت في اعداد (ارهابيي المستقبل) بالسلاح والنصيحة ؟


برجنسكي: ماهو اهم لتاريخ العالم ؟ طالبان ام انهيار الامبراطورية السوفيتية؟ هل الاهم هو بعض الرؤوس الحارة الاسلامية او تحرير اوربا الوسطى ونهاية الحرب الباردة ؟


الصحيفة : "بعض الرؤوس الحارة" ؟ ولكن يقال الان مرارا وتكرارا ان الاصولية الاسلامية تمثل تهديدا لكل العالم ...


برجنسكي " هراء !


**


يقال ان جيمي كارتر وبرجنسكي وروبرت غيتس كانوا يحاولون اعطاء السوفيت فيتنامهم : اي صراع مضن لا يمكن ان يخرجوا منه منتصرين . الاختلاف بين السوفيت وامريكا في قضية افغانستان والفيتنام هو مايلي:


امريكا ذهبت الى فيتنام بإرادتها في حين أن الاتحاد السوفيتي لم يطلب (ارهابيين اسلاميين) على حدوده.
الشعب الفيتنامي دعم الثوار الذين حاربوا الولايات المتحدة في حين أن المعارضة الافغانية كانت مصنوعة في الخارج من قبل الولايات المتحدة
فيتنام بعيدة جدا عن امريكا في حين ان افغانستان على حدود السوفيت


إذن نجح الامريكان في خلق حركة متطرفة اسلامية على حدود السوفيت الذين خشوا ان تمتد الى جمهورياتهم الاسلامية المحاددة .


في هذه الاثناء بدأ كارتر وبرجنسكي في بناء القدرة العسكرية السعودية والتي تابعها ريغان ايضا حتى اصبحت السعودية اكبر مستفيد من مبيعات السلاح الامريكي في كل العالم . وقبل سنوات من بدء حرب الخليج في 1991 كانت السعودية قد بنت قواعد ببلايين الدولارات على المواصفات الامريكية من اجل ان يملأها في يوم قادم الجنود الأمريكان. السعودية كما هو معروف تتبع حكما اسلاميا متشددا ، فلماذا تريد الولايات المتحدة تسليحها حتى اسنانها بترسانة رهيبة من العتاد؟ وقد بدأ هذا التسليح في الايام الاخيرة لحكم شاه ايران وقبل قدوم الخميني .


اذن لدينا في عام 1979 ثلاثة احداث :


خلق ورعاية تطرف اسلامي في افغانستان
تسليح السعودية ذات الحكم الاسلامي المتشدد
مجيء الخوميني وحكومة اسلامية الى ايران


واذا كان الفعلان الأولان برعاية امريكية ، هل نستنتج ان الخوميني كان ايضا عميلا امريكيا؟


يقول جاريد اسرائيل في (موقعه ملابس الامبراطور) ان الصفوة الحاكمة الامريكية عملت بحماسة لتشجيع التطرف الاسلامي في اسيا من اجل قلقلة دول آسيا الكبيرة : روسيا والصين والهند وهي القوى الكبرى المتنافسة مع الهيمنة الامريكية . وهذه السياسة ناجحة لأن كل هذه البلدان لديها سكان مسلمون في داخلها وعلى حدودها من الجانبين . ويقول جاريد اسرائيل ان (الارهاب الاسلامي) ليس نتيجة جانبية للسياسة الخارجية الامريكية وانما هي هدفها الرئيسي.


هل هو على حق؟


كما رأينا في اعلاه ان حكام امريكا اعترفوا ان جاريد اسرائيل على حق في قضية افغانستان . لنرى ما اذا كان على حق في عموم مزاعمه ، يمكننا ان نضع فرضيته قيد الاختبار. وليس هناك اختبار افضل من النظر الى سياسة امريكا الخارجية تجاه العراق وايران . وعند تأمل هذه السياسة اما سنخرج بنتائج سخيفة ومفارقات عجيبة او سوف نستطيع تفسير كل شيء. لماذا ؟ لأن الصراع بين هذين البلدين كان ينظر اليه دائما باعتباره عنصرا حاسما لنجاح او فشل الحكومات الاسلامية في الشرق الاوسط او كما وضحها ميلتون فيورست بقوله :" الموضوع الذي على المحك هنا هو من سوف ينتصر ويسود في العراق وربما في الشرق الاوسط : بعثية صدام العلمانية (رغم قسوتها) أم تطرف شيعية الخوميني " - M.Viorst من كتابه قصور الرمال : بحث العرب عن عالم حديث" نشر في 1994


اذا كان هذا هو الذي على المحك، فإن دعم ايران منذ 1979 يعني دعم التطرف الاسلامي كقوة رئيسية يراد لها ان تسود في الشرق الاوسط. وحين اعادت الولايات المتحدة توجيه القيادة المركزية لحماية ايران من العراق، اذن كانت تحمي نمو التطرف لاسلامي، وحين دمرت امريكا العراق في حرب الخليج فقد كانت تحقق نفس الهدف.

 

اذا كانت الفرضية هي ان السياسة الخارجية الامريكية المؤيدة للاسلاميين كانت تعني أن نتائج الحرب الايرانية العراقية لم تكن بصالح الصفوة الامريكية الحاكمة لأن "في آب 1988 كان الاقتصاد الايراني يتداعى ومكاسب العراق من الحرب في الميدان اجبرت ايران على قبول توسط الامم المتحدة لوقف اطلاق النار الذي كانت ترفضه سابقا"- جاريد اسرائيل.


 إذن تحتم الفرضية ان امريكا ستقوم بشيء يعيد قوة ايران نسبة للعراق وانظر ماذا حدث : بعد ثلاث سنوات فقط في 1991 شنت الولايات المتحدة حربا ضد العراق. وسوف أعرض عليكم ان كل جانب من هذه الفرضية كان واضحا في حرب 1991 بضمنها المقدمات والنتائج.


 ان الغرض من سلسلة المقالات هذه هي تقديم خلفية تاريخية ضرورية لفهم افضل لحرب جورج بوش الحالية ضد العراق . وقد اوضحت في المقدمة العامة ان هدف الحرب الاخيرة هذه هي مضغ العراق بين اسنان امريكا حتى يمكن لايران ابتلاعه. وبالتأكيد فإن نتائج حرب جورج بوش من مهاجمة العراق وتدميره ثم الانسحاب سوف يسهل ابتلاع ايران للعراق والتي سوف يصورها القادة الأمريكان على انها (شيء مؤسف ونتيجة غير مقصودة ) في الحرب. ولكن سيكون هذا شيئا مدهشا ان تدبر الولايات المتحدة (بشكل صدفة) النتيجة التي كانت تسعى للوصول اليها منذ 1979. ما أهدف اليه هو أن اضع امام انظاركم ان الغزو الامريكي للعراق - وتقوية ايران - يتماشى مع سلسلة طويلة من المبادرات في  السياسة الامريكية تجاه الشرق الاوسط.


 محورنا الحالي هو حرب الخليج 1991 التي كان هدفها الواضح الذي وضعه مخططو السياسة الامريكية هو اضعاف العراق وجعل ايران اقوى نسبيا . وهذا فعلا ما حققته الحرب. ولكن من اجل فهم الحرب نفسها دعونا ننظر الى المقدمات التي تتفق مع فرضية دعم امريكا للاسلاميين الايرانيين.


 **


 المقدمة المريبة لحرب 1991 : خميني والحرب الايرانية العراقية وقضية ايران كونترا


 منذ ان استولى الخميني على الحكم في ايران في 1979 بدأ في استفزاز العراق . وقد كتبت واشنطن بوست بانه "بعد رجوع الخميني الى ايران منتصرا في شباط 1979 بدأ يشجع شيعة العراق الذين يشكلون نصف سكان البلاد للتمرد على القادة السنة " (واشنطن بوست 24 ايلول 1980 مقالة بعنوان : قرون من العداء يشعل الحرب الايرانية العراقية بقلم وليان برانجين)  ولكن هذا ليس كل مافعله الخميني . أن الكاتب فيورست الذي اشرنا اليه في الجزء الاول يقدم توضيحات كاملة "
 في كانون الثاني 1979 عاد آية الله الخميني منتصرا الى ايران بعد خمسة عشر عاما في المنفى . وقد اعترف العراق فورا بالحكم الجديد وابدى حسن نيته ولكن الخميني لم يتأثر بذلك فقد كان يلوم صدام شخصيا لطرده من النجف في العراق حيث كان يعيش ولم يخف انه يعتبر حكومة صدام ليس ظالمة وضد الشيعة فقط وانما هي ضد الاسلام وكافرة


 وغير شرعية .. وفي بداية صيف 1979 نقض الخميني اتفاقية 1975 بين شاه ايران والعراق التي تعهد فيه البلدان بعدم التدخل في شؤون بعضهما البعض ، وبدأت ايران في تزويد الاكراد بالاسلحة لمحاربة حكم البعث وفي النجف بدأ بتمويل اية الله باقر الصدر لإثارة تمرد ينهي حكم البعث وينصب حكومة اسلامية اصولية."- كتاب فيورست - قصور  من الرمال - المشار اليه في الجزء الاول.


 الآن ، بحكم الفرضية الرسمية وهي ان الخميني عدو لحكام الولايات المتحدة (الشيطان الاكبر) ، فإن تحريض الخميني الفوري على حرب مع العراق يصعب فهمه.والسبب هو الآتي : ان الدكتاتور شاه ايران السابق كان عميلا لأمريكا وقد نصب في مؤامرة الانقلاب التي ادارتها السي آي أي في عام 1953 وبالنتيجة فإن معظم السلاح والمعدات العسكرية  الايرانية كانت صناعة امريكية . ومع حقيقة ان الثورة الايرانية تضمنت بعض المعارك ، فالدولة الجديدة كانت اذن في امس الحاجة الى قطع الغيار للسلاح الامريكي ، ومع ذلك فإن الخميني استمر في اثارة استفزازات مناهضة لامريكا وفي نفس الوقت يثير مقدمات لحرب مع العراق. وقد قام في حينها كما نعلم بالاستيلاء على السفارة الامريكية في طهران  واحتجز بعض الرهائن.


 يبدو في الظاهر ان هذه مفارقة . أليس كذلك ؟ اذا كان الخميني يحتاج الى قطع غيار امريكية لجيشه، فكيف سيدخل حربا مع العراق وكيف يهاجم السفارة الامريكية ؟

 

ولكن كل شيء يتوضح اذا افترضنا ان الخميني في الواقع لم يكن عدوا للولايات المتحدة وانه مثل سابقه الشاه كان عميلا امريكيا وان تحريضاته واستفزازاته كانت جزءا من تمثيلية سياسية لخداع الرأي العام املتها اللعبة الجيوبوليتيكية الامريكية .


 حتى يكون هذا الرأي صحيحا، يتطلب ان نرى الخميني يحصل على اسلحة وقطع غيار امريكية رغم استفزازاته الظاهرة . وقد حصل عليها.


 في 1980 زعمت الواشنطن بوست بان "الاستيلاء على رهائن السفارة حرم الجيش الايراني من قطع الغيار الامريكية والاوربية والتي يحتاجها بشدة " ولكن كان هذا كذبا. فإن ازمة الرهائن لم تحرم الخميني من اي شيء بل على العكس. عرضت الولايات المتحدة ان تدفع بلايين الدولارات في مقايضة الرهائن وقد قبلت ايران هذا وكان المبلغ النهائي 8  بليون دولار .(نيويورك تايمز 11 كانون ثان 1981)

 

وطوال الحرب الايرانية العراقية استلمت ايران شحنات سرية من الاسلحة الامريكية وحين انكشفت الحكاية تسببت في احراج كبير لادارة ريغان في ماعرف عام 1986 بايران جيت وفضيحة ايران كونترا. وقد ادعى المسؤولون الامريكان حين كشف السر ان الشحنات كانت لغرض دفع ايران للتأثير على حزب الله الذي كان في وقتها يحتجز رهائن امريكيين اخرين .وقد اسرعت وسائل الاعلام الامريكية لتأكيد هذه الاكذوبة مثلا في اواخر 1986 كتبت واشنطن بوست "انها علمت من مصادر مطلعة ان وسيطا حكوميا ايرانيا ابلغ ممثلين امريكيين انه يستطيع ان يرتب لاطلاق سراح رهينة امريكية في لبنان اذا باعت امريكا لايران صواريخ 500 TOW المضادة للدبابات."

 

ولكن هذا التوضيح كان سخيفا ـ لأن اكبر قوة في العالم لن تسلح قوة من الدرجة الخامسة من اجل التأثير على منظمة (ارهابية) صغيرة في عالم ثالث وربما لاطلاق سراح بعض الرهائن.

 

وعلى اية حال لم تكن القصة حقيقية في الاساس . فإن التحقيقات التي قام بها الكونغرس حول العلاقة بين ريغان والخميني والتي كشف عنها في 1991 كما نشرت صحيفة نيويورك تايمز فيما بعد ، انه فورا بعد تنصيب ريغان في 1981 غيرت الادارة سرا وبشكل قاطع سياستها وسمحت لاسرائيل ان تبيع اسلحة امريكية بقيمة عدة بلايين من الدولارات والذخائر للحكومة الايرانية "


 وتغيير السياسة هذا جاء قبل الرعاية الايرانية لاحتجاز الرهائن الامريكان في بيروت عام 1982 .."- نيويورك تايمز 8 كانون اول 1991 )


 اذن لم يكن لتسليح ايران علاقة بالتأثير على اطلاق رهائن امريكان في لبنان.


 اذن طالما ان الشحنات الاولية للاسلحة الامريكية الى ايران خلال الحرب الايرانية العراقية كانت تتم عن طريق اسرائيل التي كانت الحكومة الاسلامية تنادي بتدميرها ، فلنا ان نسأل : كيف قبلت الحكومة الاسرائيلية ذلك ؟ وقد تحججت نيويورك تايمز ان اسرائيل كانت تريد اضعاف كلا البلدين : العراق وايران . وان اسرائيل ارادت ان تثبت ان لها سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة . ولكن نفس صحيفة نيويورك تايمز تكشف مايلي بخصوص شحن الاسلحة :


 1- ان طائرات مستأجرة من الارجنتين وايرلندة والولايات المتحدة كانت تستخدم لنقل اسلحة امريكية الصنع الى اسرائيل وفي بعض الحالات مباشرة الى طهران
 2- ان هذه الطائرات المستأجرة لنقل الاسلحة الامريكية الى ايران كانت تطير من قاعدة جوية سرية قرب توسكون في اريزونا تعرف باسم محطة مانترا الجوية .
 3- لسنوات كانت وكالة المخابرات المركزية تستخدم مانترا لشحنات اسلحة سرية


 4- انه كان هناك تدفق مستمر من (قطع الغيار ومعدات اخرى لاسطول طائرات اف 14 التابعة لايران) وانها كانت "معدات حساسة صادراتها مراقبة من قبل المسؤولين الامريكان وكانت تنقل من الولايات المتحدة الى اسرائيل التي لا تملك طائرات اف 14":


 5- انه "كما قال مسؤولون اسرائيليون سابقون ان اتفاقية 1981 مع وزير الخارجية الكساند هيج كانت بالتنسيق مع روبرت ماكفيرلين الذي كان مستشار وزارة الخارجية في حينها "


 وقد اكد هذه الواقعة ملتون فيورست في كتابه الذي صدر في 1994 والمشار اليه سابقا


وقد ذكر فيورست بان الشحنات لم تتوقف حتى نهاية الحرب الايرانية العراقية . وغير معروف اذا كان يقصد عند وقف اطلاق النار في 1988 او عند نهاية الحرب الرسمية في 1990 ولكن الولايات المتحدة استمرت في ارسال الشحنات بعد سنتين او اربعة من ظهور فضيحة ايران جيت في عام 1986 وكان من المتوقع ان ذيوع الفضيحة واعتذار ريغان والتحقيقات الخ قد يوقف مبيعات الاسلحة ولكن طبقا لكتاب فيورست فإنها استمرت .


وقد كسبت امريكا منافع جيوبوليتيكة من تقوية الاسلاميين الايرانيين بل كانت ضربة معلم لأن السوفيت كانوا يرحبون بالخميني رغم انهم لم يكونوا فرحين بتطرفه الاسلامي ولكنهم فضلوه على وجود الشاه وهو عميل واضح لامريكا على حدودهم . اذن قيام الولايات المتحدة باستبدال الشاه بعميل اسلامي يصرخ عاليا بعداوته لامريكا ، يسهل عليها بث عدم الاستقرار والقلاقل في داخل الاتحاد السوفيتي بواسطة التطرف الاسلامي الذي تزعم انها تحاربه. عملية ذكية فعلا.


 اذن ماذا حدث مباشرة قبل الحرب العراقية الايرانية وماذا حدث خلالها وماذا حدث بعدها ليؤكد فرضية دعم امريكا للاسلاميين الايرانيين وتسهيل عملية ابتلاعهم العراق؟ هنا يدخل العقل المدبر : زلماي خليل زاد صاحب نظرية "تدمير العراق وتقوية ايران".

 

الراس المدبر: زلماي خليل زاد


اذا اردت ان ترى كيف تعمل السياسة الامريكية ، اتبع مسيرة زلماي خليل زاد لأنه احد معماريها الرئيسيين. اليكم تسلسل الاحداث:


1988
ايران تخرج من الحرب العراقية الايرانية مهيضة الجناحين واسوأ من حال العراق حتى انها توافق الى وقف اطلاق النار وكان زلماي خليلزاد في حينها "مسؤول مكتب تخطيط السياسة التابع لوزارة الخارجية الامريكية" حينها كتب ورقة للرئيس القادم بوش الاب يدعو فيها الى (تقوية ايران واحتواء العراق) .


1989
ينشر زلماي مقالة في لوس انجيلس تايمز بعنوان "مستقبل ايران كقطعة شطرنج او قوة في الخليج" يقول فيها مايلي :


"لقد دمر العراق الايرانيين في نهاية الحرب وقد أسروا حوالي نصف الدبابات الايرانية والاسلحة والمدفعية وقد اجبر النصر العراقي ايران على تقبل وقف اطلاق النار الذي قارنه خميني بتجرع السم. العراق الآن قوة مهيمنة ولديه 45 فرقة عركتها الحرب مقابل 12 فرقة ايرانية كما ان لديها نسبة اكبر من الدبابات والطائرات . طهران تبحث عن طرق للتغلب على نقصها الاستراتيجي والحصول على درجة من الحماية ضد العراق. ان المزيد من الضعف الايراني لن يكون عامر استقرار ولكنه سيزيد من هيمنة العراق على الخليج مما يجعل ايران اكثر عرضة للتأثير السوفيتي. ومن الواضح ان خليلزاد يفضل ان تكون ايران هي القوة الكبرى في الخليج وليس مجرد قطعة شطرنج ومن الواضح انه لم يكن يحب ان يكون العراق قويا بازاء ايران.


1990
يصبح خليلزاد مساعدا لوزير الدفاع لشؤون التخطيط السياسي وهو منصب سوف يشغله الى 1992 ، وهذا يعني انه كان في عام 1991 في ذات المنصب وهي السنة التي شنت في امريكا الحرب على العراق.


1991- حرب الخليج
امريكا تدمر البنى التحتية العراقية العسكرية والمدنية ثم تفرض حصارا شاملا مات فيه نصف مليون طفل (اكثر ممن مات في هيروشيما) وكان هذا اكبر من جرم العراق (غزو دويلة الكويت) وحتى لو قبلنا بالقصة الرسمية حول ما حدث ولكن ماذا كانت النتيجة من الناحية الجيوبولتيكية ؟ كانت امريكا (تقوي ايران وتحتوي العراق) بالضبط كما نصح خليلزاد.


1992
في مقالة افتتاحية في الواشنطن بوست بعنوان (سلحوا أهل البوسنة) كتب خليلزاد يقول بانه ينبغي تسليح مسلمي البوسنة وان الستراتيجية الافغانية - الاعتماد على الدول الاسلامية لتسليح وتدريب المجاهدين ينبغي ان تتبع هنا. وقد فعلت الولايات المتحدة بالضبط هذا الذي اقترحه. وكما بين تحقيقا اجرته حكومة هولندة فإن المخابرات العسكرية الامريكية نسقت مع ايران لاستيراد الاف من المجاهدين الاجانب الى البوسنة وقد حارب هؤلاء دفاعا عن مسلمي البوسنة .


2003
تعاونت ايران بشدة مع الغزو الامريكي للعراق ( في نفس الوقت الذي كانت تكيل الاتهامات للامريكان لصرف الانتباه ) وقد اتخذت امريكا الاجراء العسكري في غزو العراق لتقوية النظام الايراني . وكان الشخص المسؤول عن العمليات الامريكية في العراق وافغانستان هو خليل زاد.


2005
زلماي خليلزاد وهو الان السفير الامريكي في العراق يدعو الى انسحاب القوات الامريكية في السنة التالية حتى وهو يلاحظ النفوذ الايراني كما وصفه "يعمل على تحقيق هدفه طويل الامد لتأسيس هيمنة اقليمية"


هل ترى ايها القاريء مما جاء اعلاه اي تضارب في السياسة الداعمة لايران ؟ وانا ايضا لا ارى ذلك .


اشير الى ان زبجنيو برجنسكي مستشار الامن القومي في ادارة كارتر كان مرشد خليلزاد حين كان كلاهما في هيئة تدريس جامعة كولومبيا. وكما رأينا فيما سلف أن برجنسكي هو الذي ابتكر سياسة دعم الارهاب الاسلامي في افغانستان 1979 وكذلك سياسة تسليح السعودية .


وهكذا فإن التحجج بأن الولايات المتحدة ليس لديها سياسة عامة لرعاية الارهاب الاسلامي في اسيا يصبح سخيفا . اضافة الى انه من الجدير الاشارة الى انه اذا كان رعاية الارهاب الاسلامي في آسيا هو سياسة امريكية فإن العراق كان اذن عائقا لتحقيقه لأنه كان دولة علمانية. وكان قوة اقليمية مؤثرة . وهكذا يمكن تفسير حرب الخليج في 1991 والاخيرة في 2003 ضد العراق على انها عملية ازالة شوكة في خاصرة ستراتيجية تشجيع الارهاب الاسلامي.


كان العراق عائقا امام سياسة امريكا في تشجيع الارهاب ولهذا شنت حرب الخليج


ذكرنا آنفا أنه في 1988 بعد حرب طويلة امتدت لثمانية اعوام خرجت ايران محطمة اقتصاديا وقد قبلت وقف اطلاق النار على مضض. في تلك السنة ، عين الجنرال نورمان شوارتسكوف الذي سيدير الحرب بعد ثلاث سنوات في 1991 ، ليرأس القيادة المركزية الامريكية او ما تسمى السينتكوم . ماهي السينتكوم ؟


ان قائد السينتكوم يشرف على كل الانشطة العسكرية الامريكية في 19 دولة في الشرق الاوسط وافريقيا والخليج العربي.


يقول ميلتون فيورست في كتابه (قصور من رمال) أن "شوارتسكوف حول القيادة لامركزية التي اقيمت عام 1983 لمكافحة الخطر السوفيتي ، من اجل مجابهة العراقيين الان ، وقد كان مؤمنا بأن العراق هو العدو الحقيقي في المنطقة "


هل يبدو غريبا ان تحول امريكا القيادة المركزية في 1988 لاستهداف العراق؟ حيث ان سينتكوم مركز قيادة هائل جدا والاتحاد السوفيتي كان مايزال موجودا. واكثر من هذا ان السينتكوم كانت قد تأسست "لمكافحة الخطر السوفيتي" نعم ولكن الخطر السوفيتي لمن؟ الإجابة على هذا السؤال نزيل اي غموض في سبب كون العراق الهدف الجديد.


وكما اوضحت نيويورك تايمز في 1988:

"اصل السينتكوم يعود الى 1979 حين اطيح بشاه ايران واضطربت بلاده بسبب الثورة الاسلامية . من اجل توفير قدرة عسكرية لدعم سياسة الرئيس كارتر في الخليج (عام 1980) تأسست قوة النشر السريع المشتركة وكانت مقدمة للسينتكوم .كان بول كيلي هو قائدها الاول وطلب منه رسم خطط للدفاع عن ايران ضد غزو سوفيتي"- نيويورك تايمز 22 تموز 1988


من الواضح مما تقدم ان الولايات المتحدة اقامت السينتكوم بشكل واضح للدفاع عن ايران الخميني فور وصوله الى الحكم في 1979. أليس هذا يتفق مع فكرة ان الخميني كان عميلا امريكيا؟ وماذا ايضا يتفق مع هذه النظرية ؟ ان يصبح العراق الهدف الجديد للسنتكوم في 1988 فور انتصاره على ايران .


اذكركم الان عما كان على المحك في المنطقة "هل يسود النظام البعثي العراقي العلماني ؟ أم شيعية الخميني المتطرفة ؟"


اذا كان هذا هو الموجود على المحك يكون اذن دعم ايران منذ 1979 دعما لصعود الاسلاميين كقوة رئيسية سوف تهيمن على الشرق الاوسط. وهكذا حين اعادت امريكا توجيه القيادة المركزية لتحمي ايران من العراق ، كانت تحمي صعود الاسلاميين وحين دمرت امريكا العراق في 1991 كانت تحقق ذلك ايضا.


زعم البعض (بضمنهم الجنرال نفسه) ان نورمان شوارتسكوف هو الذي اتى بفكرة اعادة توجيه القيادة المركزية (سينتكوم) ضد العراق ، ولكنه كان يتبع الأوامر . لقد كان مسؤولا عن تطبيق هذه السياسة وايضا في ادارة حرب الخليج ضد العراق. ومن الواضح انه كان للجنرال عدة استخدامات فقد كان هو الذي يحضر دبلوماسيا لهذه الحرب ايضا.

 

الولايات المتحدة الامريكية امرت الكويت ان يستفز العراق


طبقا لصحيفة التايمز الصادرة في لندن :


"حين انتقل شوارتسكوف الى القيادة المركزية في 1988 انغمس بسرعة في الثقافة والعادات العربية . وقد ارتدى الملابس العربية في دعوة غداء مع ضباط كويتيين . لقد شرع في جولة دبلوماسية في العواصم العربية "


دبلوماسية لأي هدف؟


كما تبين ، كان الهدف اقناع دول الخليج بان عليهم الان ان ينظروا الى العراق باعتباره عدوا. وقد استغرق منه هذا جهدا كبيرا لأن دول الخليج هذه كانت لتوها قد مولت العراق في جهوده الحربية ضد ايران، وبالضبط لأن الاصوليين في ايران الشيعية كانت هي التي تشكل خطرا عليهم وليس العراقيين. والكويت خصوصا كانت قلقة من الايرانيين لأن لديها اقلية شيعية كبيرة (هجمات ايران على الكويت خلال الحرب مع العراق ، لم تقتصر على مهاجمة السفن الكويتية في البحر وانما في 1983 قام عملاء ايران بتفجير السفارتين الامريكية والفرنسية مما اسفر عن مقتل 6 واصابة 80 . في 1985 جرت محاولة على حياة امير الكويت . وجرت عمليات تخريب لمرافق حقول النفط الكويتية . لم تكن الكويت تود الاعتراف ولكن الكثير من مرتكبي تلك الحوادث كانوا كويتيين شيعة من المتعاطفين مع رسالة خميني وكانت الكويت متأكدة ان وراءهم ايران.)- المصدر فيورست في كتابه قصور من رمال.


اوضحت صحيفة هوستون كرونيكل :


(كان شوارتسكوف يؤمن بأن نصر العراق على ايران غير ميزان القوى في الخليج العربي.. ولكن ملك الاردن حسين نصح شوارتسكوف قائلا " لا تقلق حول العراقيين انهم متعبون من الحرب وليس لديهم نوايا عدوانية تجاه اخوانهم العرب" حتى ملك فهد في السعودية وسلطان قابوس بن سعيد في عمان واللذين لم يكونا يحبان صدام لم يكونا يشعران بالخطر منه"- صحيفة هوستون كرونيكل 11 تشرين اول 1992


ولكن طبقا للكاتب مليتون فيورست كان الحاح شوارتسكوف مستمرا :


أخبرني دبلوماسي امريكي في الكويت بعد تحريرها "كان شوارتسكوف يقوم بزيارات هنا قبل الحرب ، ربما مرتين في السنة .كان جنرالا سياسيا وهذا في حد ذاته شيء غير عادي. وكانت له علاقات حميمة مع الوزراء المهمين . وكان لديه غرائز سياسية جيدة ورغم انه لم يكن هناك اتفاقات او التزامات ولكن حين حدث غزو العراق للكويت كان لديه علاقات مهمة يحتاجها. وكان الكويتيون يخشون انهم حين يستدعونا لن نأتي ولكن شوارتسكوف كان يؤكد لهم باصرار باننا سنلبي النداء.."


ويقر شوارتسكوف انه تجول في الخليج محذرا من العراق.. لم يكن يشكك في شرعية مخاوف صدام بشأن الاموال والجزر ، ولكنه يحدد مهمته بانها تنحصر في اقناع عرب الخليج ان العراق اصبح اشد خطرا من ايران عليهم .

شيء مثير للاهتمام ان نعلم ان شوارتسكوف نفسه يقر بان للعراق مخاوف (شرعية) بشأن المال والجزر .


ولكن لاحظ ان الجنرال (يحدد مهمته بانها تنحصر في اقناع عرب الخليج ان العراق اشد خطرا من ايران عليهم ) اذن مهمته لم تكن تحذير عرب الخليج من - خطر حقيقي - وانما -اقناعهم - بخطر مفترض معين . لو كان الخطر حقيقيا لما احتاج شوارتسكوف ان يقوم بهذه الجولات لاقناع دول الخليج به.لأنهم في تلك الحالة كانوا سيشعرون بالخطر قبل شوارتسكوف. ما فعله شوارتسكوف من تكرار التحفيز وليّ الاذرع في الخليج يعني انه كان يوضح بجلاء للدول العميلة للولايات المتحدة بان الولايات المتحدة جادة في رغبتها ان تراهم يتبنون هذا الموقف " ان العراق الآن هو العدو".


ماتبع ذلك يتماشى مع هذا التحليل. بعد ان قام نورمان شوارتسكوف بجولاته في الخليج وهو يهمس في آذان الملوك والامراء ان العراق كان خطرا كبيرا ، كانت الكويت هي اكثر الدول التي تم تحذيرها بخطر العراق ، هي اكثر الدول خروجا على المألوف، للمبادرة بالصراع مع العراق. ولكن الكويت كانت صغيرة وعاجزة عن الدفاع عن نفسها نسبة للعراق وكما اثبت غزو العراق لها فيما بعد، كما ان شوارتسكوف حذرها مرارا من خطر العراق.


الآن تذكر ايام كنت في الثانوية العامة ، وتخيل بانك تجلس خلف أضعف ولد في الصف ، يأتي احدهم اليه ويهمس بإذنه بأن فتوة الصف يكرهه وسوف يأتي لينال منه، ثم يهمس له بأشياء لا تسمعها. ماذا تتوقع ؟ ربما ان يجري الولد الضعيف ويختبيء. وهذا سيكون تخمينا معقولا بسبب الظروف. ولكن لو تصرف الولد الضعيف بشكل يناقض تماما ما توقعته، كأن ينهض ويشتم فتوة الصف بل يبصق عليه، طبعا سوف تصدم . ولكن افترض ان هناك دليلا على ان الولد الصغير قد عمل على توقيت استفزاز الفتوة وقيام هذا الاخير بالهجوم على الولد ردا لاعتباره ، مع دخول المدرس الصف الذي يأمر بطرده خارج المدرسة. ما الفرضية التي سوف تجول في ذهنك الان ؟ انك لم تسمع كل ما همس به الشخص قبل المعركة ولكنك ستكون غبيا اذا لم تشك في ان مارأيته كان تمثيلية للنيل من فتوة الصف خاصة اذا لم يستطع الولد الضعيف ان يمسح بسمة خبيثة ارتسمت على وجهه. كان الولد الصغير "طعما"


سوف اعطيك الان فكرة عن همسات شوارتسكوف للكويتيين وعن الحيرة التي تسببوا فيها في المنطقة ثم سوف ابين لك ان الكويتيين بذلوا جهدا كبيرا لمسح الابتسامة الخبيثة من وجوههم.


مقاطع من كتاب ميلتون فيورست :


ولي عهد الاردن الامير حسن كان اول من جلب انتباهي الى دليل يوحي بأن هناك تفاهما بين الولايات المتحدة والكويت خلال الربيع والصيف اللذين سبقا الحرب. قال الأمير ان العالم العربي كله يشعر بالدهشة من تصرفات الكويت المتحدية للعراق حول المسائل الخلافية في بداية 1990. وكانت الخلافات بدأت حين ضاعف الكويت انتاجها من النفط وقد صادف مع انهيار اسعار النفط العالمية الى مادون مستوى السعر الذي الهدف الذي حددته اوبيك . وقد اشار خبراء اقتصاد النفط ان الكويت بصفتها دولة صغيرة عدد سكانها لا يتجاوز نصف مليون ولديها استثمارات اجنبية تنتج دخلا هائلا ، فهي اذن كانت تستطيع تحمل انهيار الاسعار، في حين ان العراق وهي دولة ذات 17 مليون نسمة في حينها خارجة من الحرب وغارقة بالديون وتحتاج بشدة الى المال لاعادة الاعمار . وقال الامير مع ان من حق الكويت ان تعمل ما تريد ولكن الحكومات عادة لا تتخذ قرارات بدون حسبان النتائج السياسية وبالتأكيد ليس هناك نظام مسؤول يفشل في اعتبار التباين الكبير في القوة العسكرية بين العراق والكويت.


ماذا كان التفسير؟ كانت سياسة الكويت النفطية تضعف العراق بشدة.


كان العراقيون يحولون ام قصر وهي قرية لصيادي السمك تقع على ساحل العراق الضيق المطل على الخليج الى مرفق بحري مهم.. وكانت ام قصر تحتاج فقط من أجل سلامة ثغر العراق ، الى جزيرتي وربة وبوبيان وهي جزر غير مسكونة من قبل الكويتيين، وتقعان على فم الميناء ، وقد طلب العراقيون من الكويت اما منحهما مجانا او بالتأجير. ولكن الكويتيون رفضوا اي اتفاق بهذا الشأن. في هذه الاثناء ومع انهيار القوة السوفيتية بسرعة ، كانت واشنطن تفكر بامكانية الحفاظ على اسطول دائم في الخليج وهذا يحدث اول مرة منذ مغادرة البريطانيين. وقد تصور الكثير من العرب ان تشدد الكويت بشأن الجزيرتين مقصود به ضمان تفوق الامريكان البحري في الخليج.


خلال المفاوضات بين العراق والكويت في بداية عام 1990 لم تتنازل الكويت عن اي شيء بضمنها تقسيم حقول الرميلة على الحدود مع العراق وهو خلاف يعود الى زمن الاستعمار البريطاني . بل اكثر من هذا زادت الكويت الطين بلة بمطالبتها اعادة قروضها الى العراق مع الفوائد وهي القروض التي منحتها للعراق اثناء الحرب مع ايران.,وكان العراق يأمل ان تتنازل الكويت عن الديون لأن العراق كان يخوض حربا مع ايران، والكويت هي من اهم المستفيدين من هزيمة ايران حيث كان الكويتيون يشعرون بالقلق من ايران بسبب اقليتها الشيعية الكبيرة . وكان رد العراق المطالبة بتعويضات تقارب بليونين ونصف دولار من النفط الذي اتهمت الكويت بانها سرقته بطريقة الحفر المائل من آبار الرميلة . ومما زاد من سوء الاوضاع ان الكويت ارجعت موفدين كانوا قد جاءوا لمقابلة الامير حسب مواعيد متفق عليها سلفا. وقد اعتبر معظم العرب ان الكويت كانت تتصرف بشكل أهوج. وقد قال احد مستشاري الامير حسن "لم نكن نستطيع تجميع قطع الموزاييك . ولكن كانت لدينا شكوكنا. فقد كان الكويتيون يتصرفون بعنجهية . واخبرونا رسميا بأن الولايات المتحدة ستتدخل. لانعلم من اين جاءوا بذلك الانطباع ، من الولايات المتحدة ذاتها ام من طرف آخر، مثل البريطانيين او السعوديين . ولكنهم قالوا انهم يعرفون مايفعلون . وكان يبدو عليهم الشعور بالأمان."- انتهى الاقتباس من فيورست.


ويمكن التكهن بأنهم علموا ذلك من شوارتسكوف الذي كان يزورهم عدة مرات في السنة . وبطبيعة الحال، لم يكن المسؤولون الكويتيون يستطيعون التصريح علنا "نعم نحن عملاء الامريكان وقد طلبوا منا استفزاز العراق مع وعد بدعم عسكري امريكي ولهذا فعلنا ما أمرنا به" ولكن من الطريف ان نرى انهم قالوا علنا شيئا قريبا جدا من هذا المعنى.


الشيخ علي الخليفة وزير النفط الكويتي السابق أنكر اولا "بأن الكويت في مفاوضات مع العراق كانت تحت تأثير احتمال الدعم العسكري الامريكي.." فقد كرر على أسماع ميلتون فيورست الخطاب الكويتي في هذه المسرحية وهو اتهام صدام حسين بكل جريمة على وجه الارض. ثم ختم باعتراف مذهل :


" ولكن السياسة الامريكية كانت واضحة . لقد فهمناها ولكن صدام لم يفهمها. كنا نعرف ان الولايات المتحدة لن تسمح لهم باجتياحنا"


وقد اوضح الشيخ سالم للكاتب فيورست بانه رغم ان الولايات المتحدة لم تكتب ذلك التعهد على ورق ولكن التفاهم بين الولايات المتحدة والكويت واضح جدا وبكلماته :


"في الوقت الذي بدأت فيه الازمة في بداية 1990 كنا نعلم اننا نستطيع ان نعتمد على الامريكان . كان هناك حديث متبادل على مستوى السفراء قبل الغزو لم يكن هناك التزام مكتوب ولكنه كان مثل الزواج. احيانا لا تقول لزوجتك "احبك" ولكنك تعلم ان العلاقة ستؤدي الى اشياء معينة "


لم تكن الولايات المتحدة تستطيع كتابة ذلك على الورق لأنها لو فعلت لامتنع العراقيون عن الغزو. وهكذا بعثوا شوارتسكوف من أجل تليين الكويتيين لمدة سنتين لاقناعهم بتأكيدات امريكا.


الآن السؤال هو : تحت اية فرضية كان من الضروري على حكام الولايات المتحدة دفع الكويت للتحريض على حرب مع العراق؟ تحت فرضية ان الولايات المتحدة تريد الدفاع عن اسلامية ايران ولكن ينبغي في الظاهر ان يكون السبب شيئا آخر. بقيام الكويت باستفزاز العراق يمكن لامريكا الزعم امام الرأي العام انها تدافع عن دولة بريئة تم غزوها. في حين ان نقاد السياسة الخارجية الامريكية كانوا يشتكون بمرارة من ان امريكا كانت تدافع عن نفطها في الكويت. ولكن كل هذا الجدل كان الهاءا وصرف نظر ، لأن القول ان حماية ايران جزء من سياسة امريكا في دعم التطرف الاسلامي ، لم يكن من الفرضيات التي قال بها اي شخص في الاعلام تفسيرا للحرب في الخليج.


ولو كانت امريكا تسعى لحماية الوصول الى نفط الخليج، لما دفعت الكويت لاستفزاز العراق. بل على العكس ان هذا يخالف منطق هذه الفرضية . ولكني سأعود الى هذه النقطة لاحقا.


سخافة فرضية ان امريكا هاجمت العراق من اجل النفط


اعرف ان الكثير من الناس يعتقدون ان امريكا تفعل كل شيء من اجل النفط ولكن اذا كان المرء عالما فينبغي ان يهتم فقط بالبحث عن دليل يدعم هذا الزعم وما اذا كان ذلك الدليل منطقيا.


وطبقا لنيويورك تايمز "حين اسس جيمي كارتر السينتكوم في 1979 فقد فعل ذلك لإنه كان خائفا من ان يستغل السوفيت عدم استقرار ايران ويحاولون الهيمنة على حقول النفط في الخليج" والان ربما تكون القدرة على حماية النفط هي منفعة جانبية للسينتكوم ، ولكن من الصعب القول ان هذا هو كان هدفها الرئيسي.


لقد رأينا سابقا من هذه المقالة ان السياسة الامريكية قد رعت حركات اسلامية حتى حين لم يكن هناك نفط وبرجنسكي نفسه اوضح بأن تشجيع التطرف الاسلامي في افغانستان كان المقصود به تركيع الاتحاد السوفيتي. وفي نفس الوقت الذي بادر فيه برجنسكي بالسياسة المؤيدة للاسلاميين ، تأسست السينتكوم بوضوح لحماية جمهورية ايران الاسلامية ايضا على الحدود السوفيتية. وحتى لو افترضنا ان الهدف الاصيل للسينتكوم كان حماية مصالح النفط الامريكية في الخليج من السوفيت فلاشيء ابدا يفسر بان يحل العراق محل الاتحاد السوفيتي كخطر على تلك المصالح حين وجهت السينتكوم عام 1988 لمواجهة العراق. تأمل:


1- العراق في 1988 لم يكن يشكل خطرا بحجم الاتحاد السوفيتي
2- كان في ذلك العام قد ضعف وتعب من حرب 8 سنوات مع ايران حتى لو خرج منها افضل قليلا من ايران
3- لديه وفرة من نفطه الخاص لهذا كان الدافع لغزو البلاد المجاورة لسبب اقتصادي غير وارد
4- كان ايضا الدافع الجيوستراتيجي اقل احتمالا لان صدام حسين كان يعرف تماما ان اي هجوم على عملاء امريكا في الخليج سوف يستدعي غضب امريكا وكانت هذه قد اوضحت بجلاء اثناء الحرب الايرانية العراقية بموقفها حين رفعت امريكا علمها العلم على ناقلات النفط الكويتية في الخليج.
5- كما رأينا اخذ استفزاز العراق لمهاجمة الكويت الكثير من الجهد من الولايات المتحدة وهذا يبين ان العراق لم يكن خطرا على المصالح النفطية الامريكية في الخليج.


لو كانت امريكا تريد فعلا حماية نفط الخليج فكل ماكان عليها ان تفعله هو تحذير العراقيين من ان اي مساس بالدول العميلة لها في الخليج سوف يعرض العراق للعقاب. ثم اذا فعل العراق اي شيء يمكن للولايات المتحدة معاقبة العراق ولكن مافعلته امريكا هو التحريض على حرب مع العراق الذي لم يكن يشكل اي تهديد .


هذا بالضبط هو ماحدث ايضا في حرب بوش الابن في حربه على العراق.


اقرب الاستنتاجات الى المنطق هي انه في حرب 1991 هاجمت امريكا العراق من اجل حماية ايران . كانت العملية من اجل "تقوية ايران واحتواء العراق" بالضبط كما نصح زلماي خليل زاد. والادلة المتوفرة تبين ان هذا مافعلته حرب بوش الابن ايضا ، وهذا ما سنستعرضه في .. المقالة القادمة .





الخميس٢٧ جمادي الاخر ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ترجمة عشتار العراقية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة