شبكة ذي قار
عـاجـل










تفاءل كثير من العرب والمسلمين بالتغيير في أمريكا معتبرين أن وصول أوباما إلى الحكم رغم جذوره وأصوله بمثابة مصالحة أمريكية مع الذات ومع العالم بعد دورتين لرئيس أشعل الحروب، وبذر الحقود، ونشر منهج الاستئصال، وثقافة الصدمة والترويع. كان أسوأ ما تميز به حكم بوش ابتعاده عن القيم الأخلاقية والتي كان من أبرزها ازدواجية المعايير وبشكل فاقع مستنداً إلى قانون القوة والبطش والجبروت.


وصول أوباما للحكم كان فرصة كبيرة للولايات المتحدة وللعالم لتسود روح التصالح وترتفع فيه القيم الأخلاقية أو بأضعف الإيمان يتوقف درك هبوطها. غير أن أوباما سرعان ما خيب الآمال في الوفاء في وعوده، ليتبين لنا بأن الرجل إما كان ككثير من السياسيين الغربيين مخادعاً وغير صادق في وعوده، وإما أن السلطة بزخرفها وبتركيباتها المعقدة وبجماعات الضغط المتحكمة في مفاصلها تفسد المصلحين وتطيح بوعودهم.


من السهل واليسير تعداد مواقف أوباما من قضايا العرب والمسلمين والتي تظهر أن مواقف الرئيس الأمريكي الجديد، قديمة وتشكل امتداد لمواقف سلفه بوش من حيث الافتقار إلى القيم الأخلاقية وافتقادها للمعايير المستقيمة. القضية الفلسطينية والتي تشكل في الضمير العربي والإسلامي علامة فارقة، تتحدد من خلال المواقف منها، المشاعر الشعبية بغضاً وحباً والمكانة الوجدانية قرباً وبعداً، كانت مواقف إدارة أوباما منها بأبعادها الإنسانية والسياسية والقانونية، أبعد ما تكون عن العدالة والإنصاف والقيم الإنسانية.


فالمواقف الإيجابية "النسبية" والتي اتخذتها إدارة أوباما في البدء من قضية الاستيطان تم التراجع عنها بأسلوب محرج بل ومخزي، والموقف الأمريكي الرسمي من تقرير غولدستاين ومحاولة وأده قبل أن يرى النور ومنع إنصاف ضحايا الهولوكست الإسرائيلي يدعو للخجل والخيبة. والضغوط المستمرة على السلطة الفلسطينية –الفاقدة للشرعية الانتخابية والتي تنعدم فيها المناعة السياسية- للعودة للمفاوضات العبثية لم تتوقف على الرغم من الإهانات الإسرائيلية للإدارة الأمريكية والتي كان من أبرزها الصفعة الاستيطانية الشهيرة لجو بايدن.


مجزرة قافلة الحرية والقرصنة العبرية والتي تمت في المياه الإقليمية الدولية بحق ناشطين إنسانيين عزل، جاءت كاختبار واضح لا يحتمل التأويل ولا تتعدد فيه التفاسير، فهي جريمة مكتملة الأركان وانتهاك صريح وفج للقانون الدولية لم تستطع الدول الغربية ولا الأمم المتحدة تجاهله أو المرور عليه مرور الكرام حتى ولو بعبارات انتقادية أو مواقف محتجة تكون على استحياء أو خجل. وحدها الإدارة الأمريكية تقريبا وقفت موقفا صارخا في المسألة بابتعادها عن الموازيين القيم الأخلاقية والأخلاق الإنسانية والتي اتفق عليها المجتمع الدولي وتوافق عليها.


لم تكتف الإدارة الأمريكية بتجاهل الجريمة الإسرائيلية بل زودتها بالغطاء والحماية من الإدانة الدولية في مجلس الأمن، وذهبت أبعد من ذلك من خلال تنسيقها مع الدولة العبرية –بحسب نتنياهو- بإخراج مسرحية ما يسمى بتخفيف الحصار على غزة لتنفيس الغضب الدولي على مجزرة الحرية وترحيبها بالإعلان الإسرائيلي واصفة إياه عبر المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس بأنه خطوة في الاتجاه الصحيح. الحصار الإسرائيلي ابتداء مخالف للقانون الدولي بحسب تصريحات أممية وقد أدى إلى معاناة إنسانية كبيرة وسقوط العشرات من الضحايا جراء نقص الدواء والغذاء والرعاية الصحية، والخطوة الإسرائيلية ولو صدقت لا تعفي الاحتلال من التزاماته الدولية ولا تسقط واجب محاسبته عن تجاوزاته وجرائمه.              


حين تحدث أوباما بصرامة وحزم عن ضرورة أن تدفع شركة "بريتش بتروليوم" BP البريطانية تعويضات عن كارثة التسرب النفطي في خليج المكسيك وهو ما تم بالفعل، تذكرت الأضرار الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والتي ألحقتها أمريكا بالعراق والذي ما يزال يسدد تعويضات عن احتلال نظامه للكويت منذ عقدين. وإذا كان التسرب النفطي بالقرب من السواحل الأمريكية غير متعمد، فإن جريمة غزو العراق تمت من خلال إدارة أمريكية منتخبة تحدت القانون الدولي واستهزأت به. وبطبيعة الحال لا مجال للمقارنة بين الخسائر في الحالتين، ففي الوضع العراق تحطمت أمة وسقط ما يزيد عن مليوني ضحية وتدمرت البنى التحتية ورافق كل ذلك وما يزال مآس إنسانية مرعبة ومخيفة، وبالتالي فإن دفع التعويضات للعراق والعراقيين هي خطوة ضرورية لتصحيح الخطيئة الأمريكية هناك.


من العسير أن نجد خلافا بين سياسات بوش وأوباما في قضايا الشرق الأوسط، بل نكاد أن نجد تطابقا من حيث غياب العدالة والقيم الأخلاقية والاحتكام إلى قانون القوة والبطش والهيمنة.





الثلاثاء١٠ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / حزيران / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو احمد الشيباني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة