فشلت واشنطن في أفغانستان والعراق ، ولم تستطع حتى الآن أن تحقق الانتصار الحاسم الذي روجت له ، كما فشلت في حربها بالوكالة في الصومال والسودان ، وما يحدث على هذه الساحات ، يؤكد حقيقة ما أشرنا ، ويؤكد أيضا أن هذه الامبراطورية العملاقة ، وبأسلحتها المتطورة جدا ، وإمكاناتها الهائلة ، لم تستطع أن تنتصر على مقاومة بأسلحة متخلفة في أفغانستان ، بل أن واقع الحال يؤكد أن طالبان تسيطر على أكثر من نصف هذه البلاد ، واستطاعت ولأكثر من مرة أن تضرب في عمق كابول ، وجاءت إقالة الجنرال ماكريستال ، لتؤكد وضع القوات الأميركية الصعب ، وهو ما أدى إلى توتير العلاقات بين العسكر والبيت الأبيض.
فشل واشنطن ليس سرا ، بل هو الذي فاقم الخلافات بين العسكر والبيت الأبيض ، وهو الذي عزز قناعة العسكر باستحالة تحقيق الانتصار ، وضرورة التخطيط إلى انسحاب "مشرف"..،.
ما يجري في العراق الشقيق ، ليس ببعيد عما يجري في أفغانستان ، ويؤكد فشل السياسة الأميركية ايضا ، حيث لم تحقق الأمن والاستقرار والديمقراطية كما وعدت ، بل حولت البلد الشقيق إلى ساحات للمتفجرات والمفخخات ، ونفخت في الطائفية والمذهبية ، وأصبحت المحاصصة الطائفية السياسية ، هي سمة البلد الشقيق ، وبوصلة الأحزاب والفعاليات السياسية والدينية ، لا بل أصبح العراق في عهد الاحتلال الأميركي أوضح مثال على فساد الإدارة ، وشراء الضمائر ، وانفلات الأمور ، إلى درجة القيام بالسطو المسلح على البنوك في وضح النهار.
لقد تحول البلد الشقيق إلى عصر ما قبل الصناعة ، كما هدد جيمس بيكر ، طارق عزيز ، خلال محادثاتهما في جنيف ، بلا ماء ولا كهرباء ، وتفشت الأمراض والأوبئة الخطيرة ، مثل الكوليرا ، ما دفع المواطنين العراقيين إلى الخروج في مظاهرات صاخبة ، ضد الحكومة ، مطالبين بإيصال التيار الكهربائي ، حيث وصلت الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة في البصرة ، في حين لا تصل الكهرباء لأكثر من نصف ساعة في اليوم.
كل ذلك حدث ويحدث بسبب أميركا ، وبسبب الاحتلال الأميركي ، وبسبب دستور بريمر ، أول مندوب سامي لأميركا ، الذي شرع الطائفية والمحاصصة والتقسيم ، وهذا ما يفسر وصول الحالة السياسية إلى استعصاء ، بعد تعذر تشكيل حكومة جديدة وفقا للدستور ، الذي يكلف رئيس أكبر كتلة برلمانية بتشكيل الحكومة ، في حين يصر المالكي على الالتفاف على هذا النص ، معلنا بأنه شكل تحالفا يضم أكبر عدد من النواب ، وهو ما يؤكد أن البلد الشقيق مقبل على انفجار قريب ومدمر ، وما ارتفاع وتيرة التفجيرات في المدة الأخيرة إلا دليل أكيد على أن الأسوأ قادم ، وأن هذه الحكومة الطائفية لم تستطع أن تحقق الأمن والاستقرار.
واشنطن مسؤولة عن هذا الخراب في هذه الدول ، ومسؤولة عن أكثر من ذلك بإطلاق الجنون الصهيوني ليعيث في فلسطين خرابا ودمارا ، وهي وراء انهيار الصومال ، ووراء استمرار الحرب في دافور ، وفشل كافة المصالحات ، ووراء استعصاء الحالة السياسية في العراق. ووراء استمرار العدوان الصهيوني.
باختصار... اميركا شأنها شأن كافة الامبراطوريات ، وشأنها شأن كل القوى المحتلة ، مصيرها إلى اندحار ، وإلى زوال ، والتاريخ يعيد نفسه هذه المرة وبكل ثقة.