شبكة ذي قار
عـاجـل










رغم الفترة الطويلة التي مضت على حادثة أختفاء موسى الصدر، إلا أن أعادة فرز الأوراق وقراءتها من جديد يمكن أن يوضح الصورة أكثر ،، حتى تصل إلى الأجيال القادمة.

 

 ولد موسى الصدر في مدينة قم عام 1928، وعاش في إيران ودرس فيها حتى حصل على شهادة جامعية في العلوم السياسية وآخرى في الشريعة الاسلامية من جامعة طهران، ثم أنتقل إلى العراق ،، (بحجة) الألتحاق بالحوزة العلمية في النجف!!،، (رغم وجود حوزة قم) ،، وحقيقة أنتقاله للعراق مرتبط بمشروع كان يقف خلفه شاه إيران ،، إلا وهو تأسيس (حزب الدعوة الأسلامية) ،، فقد عايش موسى الصدر (قريب محمد باقر الصدر أحد أبرز القيادات في حزب الدعوة) فترة تأسيس الحزب وبدايات عمله ،، للاستفادة من التجربة التي نقلها وطبقها بعد ذلك حرفياً في الجنوب اللبناني ،، ثم توجه إلى لبنان وحصل على جنسيتها بقرار خاص وأستثنائي من الرئيس اللبناني فؤاد شهاب عن طريق (وساطة) من شاه إيران ،، فأعتبرت الجنسية جواز مروره للمجتمع اللبناني ،، وقد عمل موسى الصدر على نقل أفكار حزب الدعوة في محاربة الشيوعية عن طريق تدريس مؤلفات (محمد باقر الصدر) و نشرها، وقد كرس موسى الصدر نفسه للنهوض بمجتمع الجنوب اللبناني وكسبه وتطويعه ،، فأسس حركة (المحرومين) عام 1974(وهي نسخة عن سياسة المظلومين)، ولحقها تشكيل أفواج المقاومة اللبنانية المعروفة بـ (أمل)، السيئة الصيت، (من قادتها مصطفى شمران وهو إيراني عمل وزيرا للدفاع بعد الاطاحة بالشاه)، وقد سجلت حركة أمل في تاريخها أبشع المجازر الدموية وجرائم الاغتصاب والتعذيب والقتل ضد الفلسطينيين في الحرب الأهلية اللبنانية التي أندلعت عام 1975، مثل ،، حصار وتدمير مخيم تل الزعتر ومجازر مخيمات صبرا وشاتيلا عام 1982،،، وقد ظهر موسى الصدر في الاوساط الشيعية كقائد ورجل دين ثوري، أستحكم على قاعدة شعبية كبيرة من الشيعة، واستقطب عدد كبير من مثقفيهم ،،  حتى من الساحة الإيرانية التي سبقت الاطاحة بالشاه ، فكان لموسى الصدر مواقفاً أيجابية مع المناهضين لسياسة الشاه خاصة الاحزاب الليبرالية التي حسب على تيارها، وكذلك التيار الاسلامي المتمثل بجماعة الخميني (يرتبط موسى الصدر بقرابة نسب مع الخميني)الذين تمركزوا في العراق ولبنان، فقد حصل لهم على دعم كبير من الحكومة السورية سهل لهم عملية تنقلاتهم وتحركاتهم بجوازات سفر سورية، كذلك كان حلقة الوصل التي جمعت الخميني وجماعته بالرئيس السوري حافظ الاسد، بالاضافة إلى دوره البارز في تقريب الافكار بين التيارات الاسلامية والعلمانية داخل الساحة الايرانية ،، ومن الجدير بالذكر أن موسى الصدر لم يكن معادياً لنظام الشاه أو معارضاً له ،، بل كانت تربطه علاقات حسنة ووثيقه مع الشاه الذي دعم الحركة بالجنوب اللبناني، رغم أن الصدر كان محسوباً على حركة تحرير إيران (نهضت آزاري إيران) التي أسسها مهدي بزركان ،، والتي أيدت حصول أصلاحات سياسية مثل أقامة ملكية دستورية وهو مشروع طرحه المرجع كاظم شريعتمداري وأيده موسى الصدر، ورفضه التيار الاسلامي بشدة وأثار حفيظة الخميني ضد موسى الصدر وشريعتمداري ،، على أعتبار أنهم عملاء للشاه ،، مما أدى إلى شن حملة أعلامية كبيرة خاصة ضد الصدر الذي أعتبر خطراً  يهدد مشروع الخميني  للأسباب التالية:

 

1- العلاقات الوثيقة التي تربط موسى الصدر بالتيار الليبرالي الذي خشى الخميني وجماعته نفوذهم بعد الاطاحة بالشاه على حساب تهميش التيار الاسلامي المتمثل برجال الدين.

 

2- أتخاذ موسى الصدر جانب المرجع شريعتمداري ودعم مشروعه في تأسيس ملكية دستورية، يعد رفضاً من قبل الصدر لمشروع نظام ولاية الفقيه الذي عزم الخميني على أقامته في إيران، ليمنح نفسه سلطة دينية وسياسية لن يحصل عليهما في نظام الملكية الدستورية.

 

3- الموقع المفترض لموسى الصدر في إيران بعد الاطاحة بالشاه، خاصة وأن حركة تحرير أيران (نهضت آزاري إيران) التي يترأسها مهدي بزركان، كانت تعمل تحت عمامة موسى الصدر.

 

4- التوجه العربي الذي يلعب الصدر على أوتاره يختلف جذريا مع الأجندة الشعوبية التي يحملها الخميني.

 

5- تمتع موسى الصدر بشعبية واسعة في الأوساط الشيعية واستقطابه قاعدة كبيرة من مثقفي الشيعة المستقلين ستجعل منه منافساً قوياً للخميني على الساحة الشيعية.

 

6- وجود موسى الصدر بثقله الشيعي على الساحة سيؤثر على نفوذ الخميني في بعض المناطق مثل لبنان، خاصة وأن الخميني يسعى لأن يكون القائد الثوري الأوحد والمرجع (الديني والسياسي) العام للشيعة في العالم وصمام الامان في الجنوب اللبناني.

 

7- النفوذ للكيانات والتنظيمات التي أسسها موسى الصدر أمر مستحيلاً، وأي مشروع حركة أو حزب او مقاومة جديدة تدعمه إيران مصيره الفشل مع وجود حركة أمل وزعيمها موسى الصدر. 

 

ومن الجدير بالذكر أن المرجع كاظم شريعتمداري تم الأعتداء عليه بالضرب أمام أهل بيته من قبل جلاوزة الخميني وهدد بأن تغتصب بناته أمامه أذا ظل على موقفه المعارض للخميني!!.

 

وبالنسبة للجنوب اللبناني ،،، يمثل الجنوب اللبناني العصا السحرية التي تمنح صاحبها القوة، لتعزيز وجوده أمام الغرب، وبالتحديد الولايات المتحدة الامريكية الراعية للكيان الصهيوني، وقد سعى الشاه من قبل للفوز بالجنوب اللبناني عن طريق النهوض بالمجتمع الشيعي (انتقل الكثير من رجال الدين الشيعة إلى لبنان في تلك الفترة ومنهم محمد حسين فضل الله الذي أسس الحوزة العلمية في لبنان) ودعمه لحركة الجنوب اللبناني بقيادة موسى الصدر، إلا أنه أخفق في أحتواءها لاسباب عديدة منها:

 

1- عدم الترويج لشاه إيران في الجنوب اللبناني كما كان محسن الحكيم يفعلها في العراق حيث يذكر له قوله "ان نظام الشاه هو المدافع الوحيد عن شيعة العالم وهو حصنهم الحصين والوحيد".

 

2- أن دعم الشاه لحركة الجنوب اللبناني لم تقربه من المجتمع، بل حددت علاقته بقيادة الحركة، وهذا يعني أن هناك حاجز بين الشاه ومجتمع الجنوب اللبناني هو موسى الصدر.

 

3- لم ينجح الشاه بأن يكون صمام الأمان في المنطقة مع وجود موسى الصدر على الساحة.       

 

أن فشل الشاه في الجنوب اللبناني منح الخميني دافعاً لمراجعة الحسابات وتجاوز العقبات التي أخفق الشاه بتجاوزها، وعندها حدد خطواته بدقة متناهية ليفرض نفسه بقوة في الجنوب اللبناني من خلال:

 

1- تحجيم دور موسى الصدر في الساحة اللبنانية بعد التخلص منه.

 

2- تأسيس حزب الله (ذراع إيران الطويل) ليأخذ دوره على الساحة اللبنانية بعد تهميش حركة أمل.  

 

3- أعلان قادة حزب الله ولاءهم المطلق للخميني.

 

4- الترويج لأفكار الخميني في الجنوب اللبناني.

 

في أطار الجولة العربية التي بدأها موسى الصدر مع الكويت يوم 23 آب عام 1978، وصل إلى ليبيا يوم 25 من نفس الشهر بدعوة من الرئيس معمر القذافي يرافقه محمد يعقوب وعباس بدر الدين، ثم أختفى ورفاقه دون أن يعثر لهم على أثر أو يسمع عنهم أي خبر، سوى ما صرح به رئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود عن مغادرتهم الاراضي الليبية، متوجهين إلى روما على متن الرحلة 881 في 29/8/1978، وقد ذكرت السلطات الايطالية أن شخصين وصلا إلى أيطاليا قادمين من ليبيا، أحدهم يرتدي زي رجال الدين، وقد حجزا غرفتين في فندق هوليداي آن لمدة عشرة أيام إلا أنهم لم يمكثوا سوى بضع دقائق غادرا بعدها الفندق تاركين خلفهم جوازي سفر يحمل أحدهم اسم موسى الصدر والأخر يحمل أسم محمد يعقوب.

 

أستطاع الخميني أن يحرز تقدما ملحوظا بعد غياب موسى الصدر مثل:

 

1- أدخال جماعات وحركات صغيرة مرتبطة بإيران في حركة (أمل)، من أجل أن يظهروا على الساحة اللبنانية، ثم تركوا الحركة ليشكلوا حزب الله الذي برز على الساحة كجبهة مقاومة أسلامية (تديرها إيران) على حساب تهميش حركة أمل، وما كان لهذا أن يحدث لولا غياب موسى الصدر.

 

2- أن غياب موسى الصدر عن الساحة الأيرانية بعد الاطاحة بالشاه مهد للتيار الأسلامي في أيران أن يقضي على منافسيه وينفرد بالسلطة بعد أن تحالف مع الشيوعيين للتخلص من التيار الليبرالي وتجريد الساحة الايرانية من المقربين لموسى الصدر، أما بأبعادهم أو أغتيالهم كما حدث للدكتور مصطفى شمران.

 

3- ما كان للخميني أن ينفرد بالساحة الشيعية مع وجود منافس كموسى الصدر يمتلك قدراً كبيراً من الشعبية والحضور في الاوساط الشيعية، فغياب الصدر منح الخميني مساحة أكبر للعب دور القائد الروحي الأوحد خارج المجتمع الايراني.

 

4- أصبح حزب الله اللبناني (ذراع إيران الطويلة) هو المتحكم في الجنوب اللبناني بعد أن أخذ دور حركة أمل، وبالتالي فأن الخميني وجماعته أصبحوا صمام الامان في المنطقة عن طريق حزب الله الذي ارتبط رسميا بإيران.

 

ومن المواقف التي لها دلالة على ما كان يبيته الخميني لموسى الصدر هي ،،، قبل أن يبدأ الخميني خطبته في حسينة جمران (شمالي طهران)، تهجم صادق خلخالي (رئيس المحاكم الثورية) وأمام أنظار الخميني على الشيخ محمد مهدي شمس الدين (وهو من المقربين لموسى الصدر) متهماً شمس الدين والصدر بأنهم عميلين للشاه!!، كذلك يرى مدعي عام المحاكم الثورية عبد الكريم موسى اردبيلي أن موسى الصدر وجماعته كانوا عملاء للشاه!!. 

 

ومن الجدير بالذكر ،،، أن محمد مهدي شمس الدين أرتمى باحضان أبو القاسم الخوئي (الذي كان على خلاف مع الخميني وجماعته) ليصبح أحد أقطاب مؤسسة الخوئي في لندن وعضواً في ادارتها، وما أن توفي الخوئي وذهبت عمامة المرجعية للسيستاني حتى برز جماعة ومؤيدي الخميني، فتم محاربة وتهميش محمد مهدي شمس الدين فأعتزل عن المجتمع وظل حبيس داره في لبنان حتى وفاته!!.

 

بعد مرور أكثر من عام على حادثة الاختفاء، أرسلت حركة أمل والمجلس الشيعي وفداً إلى إيران لمقابلة الخميني وعرض قضية موسى الصدر أمامه، إلا أنهم منعوا من مفاتحة الخميني بالموضوع من قبل الايرانيين بحجة أن الخميني مهتم بالموضوع ولا حاجة لتذكيره، ورغم هذا فأن الخميني لم يقدم على أي خطوة بهذا الاتجاه!!.

 

وصل صبري البنا (ابو نضال) للعراق عام 2002 (عن طريق إيران) بجواز يمني مزور، إلا أن الظروف شاءت أن تنتهي حياته في العراق منتحراً وهذا ما صرح به طاهر جليل الحبوش رئيس جهاز المخابرات العراقية لوسائل الاعلام، والمعروف عن صبري البنا أرتباطه بالمخابرات الإيرانية وجماعة الخميني بالتحديد، وأن جماعة صبري البنا أستهدفت موسى الصدر عام 1978عن طريق صاروخ أطلق على مكتبه، إلا أن الصدر لم يكن موجود في حينها!!، والجدير بالذكر أن حادثة انتحار صبري البنا في العراق أعاد فتح ملف اختفاء موسى الصدر من جديد، وبدأ تحرك سياسي مكثف من قبل إيران للبحث عن مصير موسى الصدر، وهنا يأتي السؤال التالي، لماذا عادت قضية موسى الصدر للظهور على الساحة الاعلامية بعد حادثة انتحار صبري البنا، ويظهر معها أهتمام مرئي من قبل إيران في خصوص هذا الموضع، فهل يا ترى لصبري البنا يد في أختفاء الصدر كأن يكون الاداة التي استخدمت في العملية؟؟!!.   

 

بلال الهاشمي - باحث في الشؤون الايرانية والتاريخ الصفوي





السبت٢٨ رجــــب ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة