شبكة ذي قار
عـاجـل










حزب البعث العربي الاشتراكي من الأحزاب السودانية التي لها مواقفها أثناء فترات النضال في تاريخ السياسة السودانية. ولدور الحزب في الحياة السياسية؛ التقت (الأهرام اليوم) بنائب أمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي بقطر السودان - عثمان إدريس أبو راس، وطرحت عليه عدداً من الأسئلة، منها المتصل بجدل الهوية السودانية، والأسباب المنطقية لانقسام الحزب بعد ما آل إليه الحال في المركز (بغداد)، وإمكانية وحدة البعثيين، فضلاً عن أن المفاهيم والدعوات التي يتبناها حزب البعث قد تؤدي إلى خلق إشكالات في السودان المتعدد عرقياً، إضافة إلى تراجع المواقف النضالية للحزب، واتهامه بمهادنة نظام الإنقاذ.

 

طوَّفنا بالرجل في مدارات الراهن السياسي، بعد عملية تجوال فكري ومفاهيمي، فعرجنا على قضايا الاستفتاء والمصير، التي كانت حاضرة ضمن أسئلة الحوار، فلم يضنّ علينا بالحديث حول المخاطر المحدقة بالوطن عقابيل يناير. وعن أحوال المعارضة السودانية - وعلى وجه الخصوص (تحالف أحزاب جوبا) - وفشله في تحقيق أهدافه؛ استنطقنا ضيفنا. وقضية دارفور وجدت حظها كذلك ضمن إفاداته. الرجل استمع إلى جميع الأسئلة التي طرحتها عليه (الأهرام اليوم)، ورد عليها بكل طيبة نفس وأريحية، وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار. معاً نتابع أولى حلقاته

 

كيف ينظر حزب البعث العربي الاشتراكي لجدل الهوية حول عروبة البلاد وأفريقيتها؟

سؤال الهوية درج كثير من الإعلاميين على طرحه وتقديمه وكأن المشكل السوداني مرتكزه الأساسي هو فقدان الهوية، أو عدم القدرة على تحديد ماهية المواطن السوداني، ومحاولة خلق تناقض، أو الحديث عن تناقض بين هوية عربية وأخرى أفريقية. في ما يتعلق بواقع السودان؛ أنا أقول إن هذا تناقض مفتعل وغير حقيقي. جغرافيا السودان جزء من القارة الأفريقية، ولكن بخصوص العروبة في السودان؛ أنا أعتقد أن الغالبية الساحقة من أبناء شعبنا، سيما في الشمال، يغلب عليهم الطابع الثقافي العربي الإسلامي وهذا الجزء الذي درجنا على تسميته بشمال السودان، وفيه كل الأقاليم، إذا استثنينا الأقاليم الجنوبية، الثقافة العامة فيه هي الثقافة العربية الإسلامية، ومن هذه الزاوية نحن نعتقد أن المكونات التي كونت الإنسان السوداني - والسودان كوطن في العصر الحديث - التي تمتد إلى عدد من العقود السحيقة؛ لا تعني بأي حال من الأحوال وصفها (عرقية) أو تتعلق بعنصر، باعتبار أن الحديث عن نقاء عنصر ما، ضمن العصر الحالي الذي يعيشه العالم جميعه، هو أقرب إلى الخرافة، إذ تمازجت الشعوب وتلاقحت.. وبخلاف أقطار أفريقية أخرى، السودان لم يدخله العرب بحد السيف. وكانت هناك هجرات واسعة، وهذه الهجرات العربية إلى السودان لاحظنا أنها أخذت، واختارت، البيئة المتناسبة مع طبيعة النشاط الاقتصادي والاجتماعي للمجموعات السكانية المهاجرة من شبه الجزيرة العربية، وحدث اندماج طبيعي بين المجتمعات التي استقبلت الهجرات العربية، وتكوَّن الإنسان السوداني في هذا الجزء من السودان بهذه الكيفية، وفي ذلك الوقت لم تكن هناك إمكانية للنزوح جنوباً أو جنوب هذا الحزام، لأن البيئة نفسها لم تكن بالنسبة للمهاجرين قابلة لاستقبالهم، حيث أن هؤلاء تعودوا أن يسكنوا في بيئة أقرب إلى البداواة، وأقرب إلى الصحراء منها إلى بيئة استوائية.. الحديث حول الهوية والشعور بنزاع هوية بين (أفريقية وعربية)، وكأن هناك تناقضاً بين الهويتين مع بعضهما، بينما الاحتكاك الذي حدث في هذا الصراع - إذا جاز القول - بين مجموعات وافدة ومجموعات أصيلة موجودة، حقبته الزمنية لم تكن حقبة طويلة، ومع ذلك لا نستطيع أن نبرِّئ أنفسنا من أهمية وضرورة إدانة هذه الحقبة نفسها، وعلى كل حال سواء ألعروبة أم الأفريقانية، كلاهما عانى من محاولات طمس الهوية، وكلاهما واجه تناقضَ آخر، تناقض هوية أخرى ذات سمات استعلائية إقصائية استغلالية استعبادية، وهي التي أتى بها الاستعمار على غير مسماه الحقيقي، ولم أر أي تناقض بين العروبة وبين الأفريقانية (أنا عربي وأنا أفريقي) في نفس الوقت، وفي كثير من الأغنيات السودانية الحديثة تُردَّد هذه الأبيات، وأنتم في حاجة لأن تسلطوا الضوء على هذه الحقبة من التاريخ، وبالتالي نحن نحتاج إلى اعتذارات وغير ذلك، وهذه الحقبة التي تمت ممارسته فيها يجب أن تتم إدانتها

 

بعد سقوط المركز في (بغداد)؛ حزب البعث العربي الاشتراكي تقسَّم إلى أربعة أحزاب، ما هي الأسباب المنطقية في الخلافات والانقسامات؟

أولاً، لو سمحت لي، أريد أن أصحح لك مصطلحين، هو لم يكن (سقوطاً)، بل هو احتلال، ويدل على عدم السقوط أنه لا تزال هناك مقاومة للاحتلال.. والتصحيح الآخر هو حول أنه (بعد الاحتلال تقسَّم حزب البعث إلى 4).. هذا ليس صحيحاً.. بل كانت هناك مجموعة أصلاً تحمل الاسم قبل ثورة تموز، وقبل تفجير الحزب ثورته في العراق، هناك مجموعة ارتبطت بالشيء الذي حدث في سوريا، الذي أخذ اسم حزب البعث العربي الاشتراكي، سواء أكانوا طلاباً دارسين هناك، أو إلى آخره.. هؤلاء لديهم التنظيم الذي لم تكن عنده علاقة تنظيمية أصلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي قُطر السودان، وقبل الاحتلال هناك بعض الأفراد لم يستطيعوا مواجهة تحديات تلك الحقبة، حقبة الحصار علي العراق، والخط الذي طرحه حزب البعث العربي الاشتراكي هو خط سياسي وطني، له علاقة بتطورات قضية النضال الوطني ككل، وهناك من كان يعتقد أن الحزب ينبغي أن يكون جزءاً من التجمع الوطني الديمقراطي، والحزب كانت لديه ملاحظات عن التجمع الوطني الديمقراطي منذ أن غيّر التجمع ميثاقه في أكتوبر 1989م، وعدله في مارس 1990م، باعتماده صيغة الكفاح المسلح بديلاً عن الانتفاضة الشعبية وسيلةً لإسقاط النظام. منذ ذلك الوقت الحزب كان له رأي في التعديل الذي قاد مباشرة إلى نقل المركز القيادي للتجمع من داخل القطر إلى الخارج، وبالتالي الاستعاضة عن النضال الجماهيري وخط الانتفاضة الذي يعتمد على نضال الحركة الجماهيرية بخط كفاح مسلح، وهذا كان يعني بالنسبة إلى البعثيين رهن قضية النضال الوطني لإرادة الدولة الحاضنة لمعسكرات الكفاح المسلح، وكانت المجموعة هذه تعتقد أن الموقف من التجمع بهذه الكيفية وكأنما هو موقف يتطابق مع موقف النظام، ونحن كنا نقول إن المسألة تتطلب ألا نضع أنفسنا بين خيارين كليهما يبعد الجماهير عن رؤية طريقة استعادة السلطة واستعادة الديمقراطية، وكنا نعتقد أن العزلة الحقيقية هي العزلة عن الجماهير، ومن ثم الخط الذي انتهجه التجمع هو الذي يقوي النظام أكثر من الخط الذي طرحه حزب البعث العربي الاشتراكي، وهذا كان شيئاً يدور في داخل الحزب لفترة من الزمن، ولكن تفجُّره لم يكن بعد الاحتلال، وحتى العملية التي سميتها أنت انقساماً ونحن نسميها تساقطاً للبعض؛ هي سبقت الاحتلال بسنين، ولكن في نفس الوقت أنا أستطيع أن أقول إنهم لم يستطيعوا تحمل عبء خط يواجه النظام، ويواجه بدائل زائفة للنظام، ونحن لم نؤثر السهولة في أننا جميعاً مع التجمع، وفي إطار التجمع، لاحظ كمية الأخطاء التي تم ارتكابها بحق السودان، سيادته واستقلاله ووحدته لاحقاً، من جراء الانجرار خلف مقررات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، الذي أقر مبدأ حق تقرير المصير، بما يعنيه من شروع في الانفصال، ونتباكى الآن في السويعات الأخيرة من عمر الفترة الانتقالية على خطورته على مستقبل السودان، بتعبيرات (أن يكون أو لا يكون) وغيرها من التعبيرات المستخدمة!

 

أخلص إلى القول أنه من الممكن أن تعجز مجموعة من المجموعات عن أن تتحمل تبعات النضال الذي نذر الحزب نفسه للقيام به دفاعاً عن مبادئه وأهدافه، وأذهب أكثر من هذا وأقول إن النظام أو القوى المعادية من خارج الحزب يمكن أن تصنع عشرات المسميات باسم الحزب بغرض تشويه الحزب، وتشويه سمعته، وفي نفس الوقت خلق قدر من البلبة حول موقف الحزب، ولكن لحسن الحظ أن الجماعات التي تتحدث عنها أنت يكاد المواطن السوداني لا يسمع لها حساً أونشاطاً أو فعالية هنا أو هناك، بينما الثابت أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الذي يمثل هذا المسمى بتنظيماته المختلفة علي مستوى مدن وأقاليم السودان، وعلى مستوى القطاعات المختلفة.. بما فيها القطاع الطلابي.

 

مقاطعة: هل من سبيل لوحدة البعثيين الذين اختلفتم معهم في بعض المواقف النضالية؟

المسألة لم تكن مسألة أننا اختلفنا في بعض المواقف النضالية، بل أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو عبارة عن فكر وتنظيم، والتنظيم تحكمه ضوابط.. كما للفكر مرتكزات، أيضاً للتنظيم ضوابط.. والضوابط التنظيمية تأتي لتحاكم هذه الحالة، والخروج على الانضباط العام للفكر، وعلى الخط السياسي الخارج من هذا الفكر، والضوابط التي تحكم عمليات الخروج منه، أي إنسان أعطى قسم الولاء للحزب يعرف هذا، وبالتالي عند الحديث عن الوحدة، البعثي الحقيقي الذي خرج ويعلم أنه ارتكب أي مخالفات في النظام الداخلي لحزب البعث العربي الاشتراكي؛ يعرف الكيفية التي تجعله يعود جزءاً من هذا الحزب، المسألة ليست وحدة (كيمان)، لأنه أصلاً الانتساب إلى البعث لن يتم على أساس جماعات، بل أنت كفرد طائعاً مختاراً ارتبطت بهذا الحزب، وارتضيته واطلعت على نظامه الداخلي، ولم يكن هناك إنسان أجبرك على هذا القسم، وبالتالي أنت تعرف أن النظام هذا يحدد لكل إنسان مسؤولياته ومهامه وواجباته.

 

هناك حديث يتردد عن أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو حزب قومي عربي وافد، وأن فكرته لم تكن فكرة سودانية أصيلة، كيف ترد علي هذا الحديث؟ 

- هذا سؤال قديم ويتجدد في كل مرة، وبصرف النظر عن أنه حزب وافد، أو حزب مقيم، السؤال هو: ما هي القضايا التي يطرحها حزب البعث العربي الاشتراكي؟ وما هي القضايا السودانية التي لم يستطع هذا الحزب الوافد أو الحزب القومي أن يجيب ويرد على تحدياتها؟ والفكرة البسيطة لحزب البعث العربي الاشتراكي هي أننا نحن أمة، وهناك قواسم مشتركة كثيرة بيننا، ومن حقنا أن نتوحد. والنزوع نحو الوحدة يقدمنا ويقدم هذا الجزء من الوطن ويقدم خدمة للإنسانية ككل، ونحن نعاني معاناة مشتركة، ومعاناتنا المشتركة هي أننا جميعنا نعاني من التخلف ونعاني من هذه التجزئة والتقسيم، ونعاني أيضاً من قدر من التبعية السياسية والاقتصادية لأقطار المستعمر، وخلاصنا من الأمراض الثلاثة هذه (مرض التجزئة ومرض التبعية ومرض التخلف) الحزب ساقه في أهداف مرحلية وهي (الوحدة والحرية والاشتراكية)، الوحدة في مواجهة التجزئة، والاشتراكية في مواجهة التخلف، والحرية في مواجهة التبعية، وهذه هي الفكرة العامة، أما البرنامج التفصيلي الخاص بالحزب في قطر السودان فيرتبط أشد الارتباط بخصوصيته، ولذلك الحديث حول أن هذا حزب وافد، السؤال يتم الرد عليه بسؤال آخر: ما هي القضايا السودانية التي تدعم وتسند أطروحة أن هذا حزب وافد ولم يناقش هذه القضايا ولم تشغل باله؟ نجد أن التضحيات الأغلب للبعثيين ارتبطت بقضايا النضال الوطني التي لم نر فرقاً بينها، أو أي تناقض بينها وبين قضايا النضال القومي، والقائد المؤسس (ميشيل عفلق) رحمة الله ورضوانه عليه كان يقول: إن الوطنية السودانية هي العروبة بذاتها، أما السؤال الذي يقول إنه حزب وافد فردّنا عليه ببساطة شديدة إذا تجاوزنا كل الحديث السابق: ما هي القضية المحلية التي لم يسهم حزب البعث العربي الاشتراكي في النضال فيها؟ ونستطيع أن نقول إن التضحيات التي قام بتقديمها البعثيون وصلت حد الاستشهاد من أجل قضايا وطنية.

 

لماذا دائماً اهتمامات حزب البعث العربي الاشتراكي عربية؟

والله أنا أتمنى أن تكون اهتماماته بالفعل عربية، وأنا لا أرى شيئاً معيباً في ذلك، بالرغم من أنني أنظر عكس هذا، وربما الانكفاء الوطني في الفترة الأخيرة على قضايا وطنية محضة بدون توازن في التناول الوطني والقومي، كان هو مَثْلَبَة الخطاب البعثي في الحقبة الأخيرة، بينما هو تكرار للسؤال السابق له، وأنا أجبت ضمناً على هذا السؤال في أنه: أين القضية الوطنية التي لم ننشغل بها؟ وحجم النشاط للقضية القومية بشكل عام تمثل في ثلاثة أو أربعة محاور، المحور الأول هو مسألة القضية المركزية للعرب، قضية فلسطين وكل الاعتداءات الصهيونية التي كانت تتم، والمحور الثاني هو الاعتداء الصهيوني الذي تم على لبنان قبل سنتين، والمحور الثالث المتعلق بالتحديات الخاصة التي تواجهها تجربة الحزب في العراق قبيل الاحتلال وبعد الاحتلال، وتكاد تكون هذه هي القضايا الرئيسة التي يتم تناولها، وباعتبار ثلاثتها هي قضايا متعلقة بموقف من الاستعمار، وبحالة جديدة تكاد تكون القارة الأفريقية لم تشهدها، وتجاوزتها ولم تكن لدينا أقطار أفريقية مستعمرة.

 

حزب البعث العربي الاشتراكي سلطته مركزية مقرها (بغداد)، والآن بعد احتلال (بغداد) من أين سيدير الحزب نشاطه المركزي؟

- إذا كنت تتحدث عن القيادة القومية، صحيح هذا الحديث.. القيادة القومية توفر لها مركز مستقر في القاعدة المحررة، وعندما تم احتلال القاعدة المحررة أصبحت تدير شؤونها بالطريقة التي تراها مناسبة، وفق الفرص المتاحة لعضوية القيادة، بالطريقة التي تجتمع بها هذه القيادة ضمن ظروف عامة، المسيطر فيها خطاب متواطئ أو متماهٍ مع خطاب اجتثاث البعث لأنظمة في الغالب الأعم هي أنظمة عميلة، وأنظمة معادية للفكرة نفسها، باعتبار أن البعث هو البديل التاريخي لهذه الأنظمة.. وتدير القيادة القومية شؤونها بهذه الكيفية، وما وفرته تجربة الحزب في العراق أنها وفرت مركزاً مستقلاً خلال تلك الفترة.

 

واحتلال العراق نفسه يثبت صوابية الفكرة القومية التي تقول إنه بدون تحرر الوطن العربي ككل لا تستطيع أن تراهن علي تحرر قُطر.. والعراق كقطر كان متحرراً لكن حريته الكاملة لم يكن من الممكن أن يمتلكها إلا في تحرر الوطن العربي ككل، ولذلك سهل بمعنى من المعاني احتلاله، بينما لو كانت دول الطوق أو الدول المحيطة بالعراق فحسب كانت بقدر ما متحررة؛ لما كانت القناة معبراً لطائرات وسفن الإمبريالية، ولا متمركزة فيها، وكانت أقطار الخليج المحيطة بالعراق - العمق الإستراتيجي للبلاد - صعبت كثيراً جداً مهمة الاحتلال.

 

 





الخميس١٠ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حوار : عبد الرحمن العاجب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة