شبكة ذي قار
عـاجـل










يتشكل الوجود من عناصر أساسية معروفة من بين أهمها أربع حاسمات هي الارض والهواء والماء والانسان. فاذا حصل توازن عام بين ما هو فاسد و بين ما هو صالح أو اذا طغت نسبة الصالح على الفاسد بين هذه المكونات, نجا الكون ومكوناته وسارت الحياة برتابة أو بقفزات مقننة للازدهار والرخاء, وتتدني متطلبات الحياة أويحصل الفناء ان طغت صفات السوء والشر في هذه المكونات. انها معادلة الخصب والبوار والتي توازي معادلة الحياة والموت ومعادلة الفجور والتقوى في ما بثه الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته.

 

لنفترض الآن ان مكونات العملية السياسية الامريكية الفارسية الصهيونية في العراق قد تمكنت بارادتها أو بمعونة الارادات التي تنفخ فيها سبل البقاء والحياة من تشكيل الحكومة الاحتلالية التي تعسرت ولادتها فأننا سنكون أمام انفراج في محنة صممت لتجعل العراقي يقبل بهذا الانفراج ويخضع له باعتباره انجاز يقود للانقاذ بعد أن تعسرت الولادة وتعددت حتى العمليات والمداخلات الجراحية القيصرية .. غير ان العراقي سيجد نفسه أمام نتائج ثابتة سنتنبأ بها من هذه اللحظة وسنضع رهانا لا تراجع عنه بأنها ستكون أسوأ من سابقاتها من حكومات الاحتلال لسبب بسيط ومباشر، هي ان هذه الحكومة هي نتاج أربع مكونات فاسدة هي كما أسميناها الماء والارض والهواء والانسان. كيف؟

 

يقاتل الانسان بكل طاقاته ليستصلح التربة بغسلها تارة وشق المبازل واستخدام الاسمدة وتقنيات الاستصلاح الاخرى المختلفة تارة اخرى .. غير ان التربة المالحة هي تكوين طبيعي يقاوم الاستصلاح ومن المرجح أن يغلبه آنيا أو في زمن لاحق فضلا عن ان الحاصل الذي ينمو في ظروف الاستصلاح عموما ما يكون سيقانا بلا ثمر أو بثمر خاو خفيف الوزن أو عديم القيمة. وعليه فان الارض الخصبة وحدها هي المؤهلة لانتاج حاصل وثمار تغني وتشبع وتحقق أهداف الزرع وتضمن مردودات عالية للزراع ولخلق الله.

 

مكون التربة يقابل هنا أحد مكونات حياة الانسان بكل روافدها وتفرعاتها في التربية والصحة والعلم والصناعة والتجارة وفي العمل السياسي المؤطر لهذه المفردات وسواها. فان كانت التربة التي تنتج السياسة مالحة, سبخة, غير صالحة للانماء فانها تنتج سلوكا وأفعالا سياسية مرتبكة متخاذلة تقبع تحت الخط الادنى المقبول لمواصفات الوطنية وأقل بكثير من أمنيات وتطلعات الشعب .. أي انها ستنتج عمل سياسي فاشل. بكلام آخر, ان تربة العملية السياسية غير قابلة للاستصلاح وان الجهد الذي يدخل عليها من كل الجهات لن يغير هذه الحقيقة.

 

الماء .. يشكل قرابة ثلاثة أرباع مساحة الارض. غير ان الصالح منه لحياة الانسان والاستهلاك المباشر أو غير المباشر لا يشكل الاّ نسبة ضئيلة جدا لغلبة المسطحات المالحة. والملوحة هنا مصطلح يقبع وراءه الكثير من المعاني والدلالات وكذلك تترتب عليه العديد من النتائج. وثمة من الماء المالح ما لا ينفع معه أي من وسائل التحلية. انه ماء تراكبت فيه مكونات عديدة عصية على التنقية مهما تقدمت أساليبها وتقنياتها. حياة الانسان مرتبطة كليا بالماء الصالح للاستخدام وكذا حياة بقية مكونات الحياة طبقا لارادة ربانية اعجازية ليس لنا الا أن نقف باحترام وخشوع أمامها لنقول سبحانك اللهم سبحانك وحدك لا شريك لك. ومكون الماء يصلح تماما في النمذجة على ادارة الدولة بحكومة صالحة أو مالحة لا ينفع معها أية عملية تحلية. ان اللاعبين برقاب شعبنا من الساسة الذين استعانوا بقوة الغزو للوصول الى السلطة هم كمثل الماء المالح المج لا فائدة ترتجى من تنقيته ولو استخدم الذين يستخدمونه كل تقنيات التنقية والتحلية حتى لو كانت بالمبادلات الايونية والاوزون وهي الاكفأ والاعلى كلفة..!! انهم خبث فاسد لا طائل من استخدامه وعلى مَن حاول استخدامه أن يوقف هدر المال والجهد وسفك الدماء اثناء محاولات الاصلاح فالفجور فجورلايمكن ان يتحول الى تقوى والمالح مالح لا يصلح لا للسقي ولا للشرب ولا للاستحمام وهذا هو حال المتصدين للعملية السياسية الاحتلالية وتركيبهم وطبعهم ومن العبث ان يظن البعض غير ذلك.

 

لكي لا يقال عني اني حالم أو متفلسف بلا أرض أستند اليها, أقول ان الحل الذي بوسع أميركا ان تنفذه فورا لينقذ العراق ويحمي بعضا من ماء وجهها .. ولن أقول ان مقاومتنا البطلة هي مَن سيحققه, وهي قادرة بعون الله على تحقيقه ... أقول ان بوسع أميركا أن تخطو خطوات الى الامام في التخلص من هؤلاء المساكين الذين ألقت بهم الى تهلكة الحكم وهم ليسوا أهلا له ولا هم بكفؤ لمهماته ولا يعرفون علمه ولا متطلباته المختلفة .... بوسع أميركا أن تنقذ ما يمكنها انقاذه من ماء وجهها وممتلكاتها اذا نفذت الآتي .. وهذه نصائح مجانية من شخص يعادي أميركا الغازية المعتدية ويمقتها الى حد كسر العظم والنخاع:

 

1- اعادة كل مَن جاءت بهم خلف دباباتها الى حيث كانوا يعيشون بعد أن تصفي من تريد أن تصفيه منهم وترسله الى جهنم وبئس المصير وتعيد ما سرقه البعض من أموالها وأموال العراق.

 

2- الغاء الدستور وكل القوانين والاوامر التي أصدرها الحاكم الامريكي الفاشل بول بريمر واعادة المليارات التسعة التي نهبها بريمر خلال سنة ادارته لسلطة الاحتلال في العراق. لمصلحة أميركا الغاء قوانين الاجتثاث وحل الجيش وقوى الامن ومؤسسات الدولة الاخرى لتعيد للعراق هيبة كانت تتهاوى وتنحني أمامها دول وقوى وشعوب وبدونها لن يصلح حال العراق ولن تنجح أميركا: لان العراق لا يمكن أن يقبل ان يعيش بغير السيادة الكاملة والعزة الكاملة.

 

3-  القبول والاذعان لحل لا يمكن أن ينجح غيره وهو ادخال عملية سياسية علمانية وطنية قومية مؤمنة تحتوي هوية العراق الجغرافية والطوبغرافية والدينية والعرقية و الاّ فان أميركا ستظل تنزف في العراق حتى تسقط غير مأسوف عليها. هذا لان العراق لا يعيش الاّ بتربة خصبة وهواء نقي بلا تلوث وماء فرات زلال رقراق وانسان حكيم عاقل متوازن حر الارادة ومنفتحة امامه افق الانطلاق للتطور. نحن نعرف طبعا ان أميركا ماء مالح غير قابل للتحلية وليس بوسعها أن تكون صالحة لتقوم بمثل هذا الفعل لذا سيكون البديل هو أن ترحل فورا ومعها كل حاضرة من حواضر وجودها المدنية والمخابراتية والعسكرية، والاّ فانها ستظل تنزف في العراق حتى الهلاك. والحل هذا لا يمتلكه ذراع في عراق الازمة الاحتلالية، بل ذراع المقاومة العراقية الباسلة. ان على أميركا أن تتيقن ان المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية هي الجهة الوحيدة القادرة على اعادة العراق الى سابق عهدة كدولة وكشعب وان الاعتراف بها والتفاوض معها لترتيب اعادة العراق الى عراقته واصالته هو طريق أميركا الوحيد لاصلاح حالها والهرب المسؤول الصحيح والسليم الوحيد المتاح أمامها.

 

4- على أميركا أن تسلم السلطة بعد تفاوض متوازن الى رجال العراق الغيارى من أبناء المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية ليشكلوا حكومة انقاذ وطني من كفاءات العراق العلمية والادارية في مختلف المجالات. وكفاءات العراق معروفة للقاصي وللداني بناها العراق في فترة الحكم الوطني والقومي بين عام 68 وبين عام الغزو  وقوامها جيش من العلماء في كل الاختصاصات العلمية والانسانية والطبية والهندسية والزراعية والتجارية والصناعية والتربوية وهم ينتمون الى كل فئات الشعب العراقي والى كل القوى الوطنية والقومية والاسلامية الممثلة له.

 

هواء العراق سممته ولوثته عملية الغزو والاحتلال وحولته الى مكون خانق بأعفان العملاء الخونة الذين جلبتهم عجلات الاحتلال, ولن يتنقى الاّ بخروج كل عوامل التلويث. ولن يستقر العراق ولن ينعم أحد لا من الغزاة ولا من عملاءهم ما دام هواءنا مصاب بالتلوث بوجودهم. لا حكومة يترأسها المالكي ولا غيره من الخونة والعملاء بوسعها ان تعيد النقاء لهواءنا الاّ بانسحاب الاحتلال ومعه كل مرتزقته وأجراءه وشركاءه في تدمير بلدنا الحبيب.

 

ظل علينا ان نقول ان الانسان العراقي مميز بخصال وسمات معروفة من أهمها نقاء السريرة والوضوح والفعل المباشر المستهجن للمناورات الجبانة والمنافقة, وهو انسان شجاع ومستقيم ومؤمن ويعرف ما يريد تماما حتى لو لم يكن يمتلك القدرات في التعبير اللفظي عن هذه الارادة بفعل عوامل الامية والجهل التي عادت لتتسرب اليه بعد عدوان عام 1991 والحصارالمجرم لثلاث عشرة سنة الذي انتهى بالغزو والاحتلال. العراقي وطني صادق الولاء ولا يضع أي عامل ديني أو طائفي أو عرقي أو فئوي أو عشائري فوق الوطن .... وذلك لعمري هو فرق العراقيين بملايينهم الثلاثين عن بضعة الألوف النجسة التي امتطاها الاحتلال لتشكل واجهة فعله المدني المخابراتي المجرم لتفتيت العراق أرضا وانسانا. اذن .. الحل الوحيد لأزمة العراق هو أن تقوم الجهات الدولية وعلى رأسها أميركا باعادة تصدير الهياكل والبنى الاجرامية التي استوردتها معها وبغير ذلك سيظل العراق منتفضا الى يوم الدين وحتى يتحرر من براثن اشباه الاوادم الذين لوثوا مكوناته الانسانية فاتعبوا خلق الله واساءوا للحاضر وللماضي وللمستقبل. وستبقى اميركا تنزف والعراق ينزف لان العراقيين لن يقبلوا ابدا بغير بشر اسوياء ومخلصين وشرفاء يقودونهم ويمثلونهم.

 

أميركا تدرك الآن ان الأمن والأمان والاطمئنان والطمأنينة التي تخيلتها وخُيل لها انها ستحصل عليها في بلد ملوث الانسان والتربة والماء والهواء بعيدة المنال وعليها أن تعمل الآن في اتجاه معاكس لما فعلته بالغزو وبعده عل ذلك يساعدها في تقليل خسائرها والتكفير عن بعض مما ارتكبته بحقنا من جرائم وخطايا وآثام. والله اكبر.

 

 

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

aarabnation@yahoo.com

 

 





الخميس١٠ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٢ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة