شبكة ذي قار
عـاجـل










من المقومات الأساسية للثورة الصناعية الحديثة التي بدأت في اوروبا في الربع الأخير من القرن الثامن عشر هي الطاقة. ومع تزايد استخدام الآلة في مجالات الإنتاج المختلفة من زراعية وصناعية وخدمية تزايد الاعتماد على الطاقة في حياة الإنسان بصورة عامة. وبدخول الدول الصناعية المتقدمة في المرحلة التي سماها المؤرخ الاقتصادي والت وايتمان روستو (Walt Whitman Rostow) مرحلة الاستهلاك الكبير الواسع، ازدادت الحاجة إلى الطاقة، وارتفع استهلاكها ارتفاعا كبيرا. وحيث إن تواجد الطاقة الرخيصة غير متوزع بالتساوي على مختلف مناطق العالم -شأنها شأن معظم الأشياء والقدرات تسعى الدول المتقدمة إلى تأمين مصادر حصولها على الطاقة بكافة السبل. وتزداد أهمية ذلك في ضوء الطبيعة الناضبة لأحد أهم مصادر الطاقة النظيفة نسبيا البترول والغاز. ويتضح ذلك جليا من النظر إلى إحدى الدول من كبريات مستهلكي الطاقة وهى الولايات المتحدة الأمريكية التي تستورد كميات كبيرة من البترول، ليس لعدم تواجد احتياطاته فيها، ولكن بغرض إطالة عمره من المصادر الداخلية بدلا من الاستيراد.

 

وبانتهاء الحرب الباردة وغياب القطب الاشتراكي عن الساحة الدولية وجد العالم نفسه أمام قطب واحد يملك أكبر قوة اقتصادية وعسكرية على الأرض ويحمل أبشع مظاهر الغطرسة والاستهتار بالبشرية وتاريخها.لقد أثار هذا الوضع الناشئ شهية الإمبريالية الأمريكية بالسيطرة الاقتصادية والعسكرية على العالم ورغبتها في أن يسير التاريخ وفق إرادتها، وهذه الرغبة ليست جديدة, إنها رغبة قديمة عند الولايات المتحدة عبَّر عنها جون فوستر دالاس عام 1953 عندما وضع في غرفة مكتبه كرة أرضية مضيئة يستعرض فيها أحلامه في السيطرة على العالم وإقامة الأحلاف العسكرية والحكومات الموالية لأمريكا في مغارب الأرض ومشارقها لتحقيق هذا الحلم.

 

إن فكرة السيطرة على العالم لم تغب لحظة عن بال الأمريكيين، لكنها بعد انفرادها بأعتى قوة عسكرية وأكبر تجمع رأسمالي في العالم حثت الخطى لتحقيق هدفها ووضعت الخطط والمشاريع واتبعت جميع السبل اللا مشروعة واللا أخلاقية والتآمرية لوضع خططها موضع التنفيذ ,وحيث إن وجود القانون الدولي وهيئة الأمم المتحدة شكل عقبة أمام أمريكا لذلك عمدت إلى تجاوز الأمم المتحدة ومحاولة إلغائها ونسفها من الجذور، وضربت عرض الحائط بكل الأعراف والقوانين الدولية. وإذ لم تفلح في شطب الأمم المتحدة سيطرت على مجلس الأمن وجعلته لعبة بين يديها ودائرة من دوائرها وصاغت قراراته كما تريد مستهترة بالحلفاء والأعداء على السواء. كما قامت امريكا بنقل العالم من حالة السلم والاستقرار النسبي التي استمرت أكثر من نصف قرن في ظل الحرب الباردة شهد فيها العالم تقدماً رائعاً في مختلف مجالات العلم والثقافة والحضارة والتقدم في العلاقات الدولية، ورغم أجواء الحرب الباردة أصبح الحفاظ على السلم العالمي قضية الشعوب بأكملها.  لكن ما إن انهار القطب الاشتراكي حتى أسفرت الولايات المتحدة عن وجهها القبيح، فشن حلف الناتو بإرادة وإدارة وأسلحة أمريكية أبشع حرب همجية على يوغسلافيا فهدمت المصانع والمدارس والجسور والمشافي ودمرت جميع جوانب الحياة وأثارت النزاعات العرقية والدينية والطائفية، وكانت المذابح التي شهدتها شعوب يوغسلافيا تفوق بوحشيتها مذابح القرون الوسطى، وتم تقسيم يوغسلافيا الدولة القوية التي لعبت دوراً إيجابياً كبيراً في تأسيس كتلة عدم الانحياز ونشاطها إلى دول عرقية ودينية متحاربة.

 

قديما قال جورج كليمنصو مهندس اتفاق سايكس بيكو لتقسيم المنطقة العربية بين الدول الاستعمارية الغربية أثناء الحرب العالمية الأولى  إن النفط ضروري كالدم. وقال كولدرج رئيس الولايات المتحدة عام 1924, إن تفوق الأمم يمكن أن يقرر بواسطة امتلاك النفط و منتجاته وحديثا قال جون سي غانون نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية خلال مؤتمر مجلس الطاقة في كولورادو في كانون اول 1996م   ((... علينا أن نعترف بأن أمتنا لن تكون آمنة إذا لم تكن إمدادات الطاقة العالمية آمنة؛ لأننا نحتاج إلى كمية ضخمة من النفط المستورد لإمداد اقتصادنا. لأن الكثير من هذا النفط يرد من أقطار الخليج، فان الولايات المتحدة سوف تكون بحاجة للإبقاء على مراقبة شديدة على الأحداث والبقاء متورطة في الخليج لحماية تدفق إمدادات النفط الحيوية... )(، وقد كتب مايكل كلير في  الحروب على الموارد ,أن الجنرال أنطوني زيني قال إن منطقة الشرق الأوسط ذات قيمة واضحة لنا كمصدر للنفط والغاز الطبيعي ,وفى دراسة نشرتها مجلة فورتشون الأمريكية في حزيران 1979 بعنوان (التدخل العسكري في منابع النفط) جاء فيها , ((...لقد أوضح كل من براون وزير الدفاع وبريجنسكي مساعد الرئيس كارتر لشئون الأمن القومي مؤخراً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات بينها استخدام القوات العسكرية الأمريكية لحماية مصالحها...)).

 

وجاء في دراسة للدكتور بيتر تيزجر بشأن (التدخل العسكري الأمريكي في منابع النفط) نشرتها مجلة شئون فلسطينية العدد 112 مارس 1981 جاء فيها ((... أنه من بداية السبعينيات بدأت المصادر العسكرية الأمريكية تتحدث بوضوح عن أنه إذا تعاظم اعتمادنا على النفط الخارجي أو تدهورت سيطرتنا في السياسة الخارجية والنفوذ الدولي فإن البديل قد يكون إرسال حملة عسكرية إلى الشرق الأوسط تجعل فيتنام تبدو بالمقارنة كنـزهة...)) ,وذكر نيكسون في مذكراته التي كتبها سنة 1983 ((...أصبحت الآن مسألة من يسيطر على ما في الخليج العربي والشرق الأوسط تشكل مفتاحاً للسيطرة على ما في العالم وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين في اتخاذ أية إجراءات ـ بما في ذلك الوجود العسكري ـ من شأنها أن تحمي مصالحنا...)).

 

وفي مارس 1990 نشرت جريدة الحياة جانباً من تقرير بعنوان (التقرير الأمني السنوي لمجلس الأمن القومي الأمريكي) جاء فيه ((...إن المصالح الحيوية الأمريكية في الشرق الوسط المتمثلة أساساً في مصادر الطاقة والعلاقات الأمريكية القوية مع بعض دول المنطقة تستحق وجوداً أمريكياً مستمراً وربما معززاً في المنطقة ,وإن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود بحري لها في شرق البحر المتوسط وفي منطقة الخليج والمحيط الهندي وستسعى إلى دعم أفضل للأسطول من الدول المحيطة وإلى خزن معدات سلفاً في مختلف أنحاء المنطقة...)). كل هذه المخططات والاستعدادات لشن الحروب تأتي بسبب النفط واحتياج الولايات المتحدة الشديد خاصة ما اضمحلال تجارب الاعتماد على طاقة أخرى مثل طاقة الشمس والرياح والمياه .. إلخ . وتتضح أهمية النفط واحتياج الولايات المتحدة بقسوة له بقراءة سريعة للبيان الذي ألقاه وزير الطاقة الأمريكي سبنسر أبراهام أمام لجنة السياسة الخارجية في الكونجرس في 20 حزيران 2002، والذي كشف فيه عن ((... أن متوسط الاستهلاك اليومي من النفط في الولايات المتحدة بلغ 19.7 مليون برميل ،وأن تستورد الولايات المتحدة نحو 10 مليون برميل ، أي ما يعادل 52 % من إجمالي الاستهلاك الأمريكي من النفط ، والذي يشكل 40 % من إجمالي استهلاك الطاقة في الولايات المتحدة. وقد نفاجئ ببعض الحقائق الاقتصادية الهامة المرتبطة بآليات استيراد النفط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ففي الوقت الراهن فإن زيادة سعر البرميل من النفط بدولار واحد يعني زيادة المدفوعات الأمريكية على الواردات النفطية الصافية بمقدار 4 مليارات دولار سنويا، أما اذا نفد الاحتياطي الأمريكي فإنه وبفرض ثبات حجم الاستهلاك الأمريكي من النفط فإن ارتفاع سعر البرميل بمقدار دولار واحد سيعني زيادة المدفوعات الأمريكية على الواردات النفطية بأكثر من ستة مليارات دولار في العام...)), اذن  فالولايات المتحدة التي ترغب في أسعار النفط منخفضة عند أدنى حد ممكن ولأطول مدى تجد أن مصلحتها الأنانية تقتضي تحقيق ذلك من خلال آليات الضغط بالثقل العسكري الرهيب على الدول المنتجة والمصدرة الرئيسية الكبرى للنفط في الخليج من جهة، والوجود العسكري المباشر أو احتلال بلد نفطي عملاق كما هو الحال مع العراق لاستخدام نفطه في إحداث إفراط في الإنتاج وانهيار الأسعار حيث من المؤكد أن الولايات المتحدة في حال احتلالها العراق ستعمل على زيادة إنتاجه وصادراته وتحويله للمنتج والمصدر المرجح في سوق النفط الدولية، ولاشك أن هذا الأمر سيكون كارثة لدول الخليج وإيران وروسيا والمكسيك وفنزويلا وكل الدول المصدرة للنفط في العالم.

 

هناك اربعة عناصر اساسية في استراتيجية الولايات المتحدة لغزو العالم والسيطرة عليه وهي ...

 

1ـ السيطرة على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية,

2ـ وضع اليد على جميع مصادر الثروة الطبيعية (من مواد اولية ومصادر الطاقة) التي تعتبرعوامل حسّاسة لنمو ثرواتها ونفوذها وذلك عبر فعاليات الشركات متعددة الجنسيات,

 

3ـ ثم الوصاية على 191 حكومة هي اعضاء في منظمة الامم المتحدة,

 

4ـ واخيراً الغزو والاحتلال ومراقبة هذه العناصر بواسطة شبكة من القواعد العسكرية المنتشرة في كل اركان الكرة الأرضية (في القارات, والمحيطات والجو, والفضاءات).

 

إنها امبراطورية من الصعب تحديد مدى اتساعها, لكن من الممكن وضع تصوّر عام انطلاقاً من معلومات اصبحت عامة في التقارير السنوية التي يتم تقديمها إلى الكونغرس الامريكي حول النفقات العسكرية القومية وحول شبكة القواعد العسكرية المتمركزة في الخارج وفي سلسلة تحاليل لتصوّر هذا المجمع في مناطق عديدة من العالم

إن المخططات الأمريكية للسيطرة على منابع النفط في العالم لم تكن وليدة الحاجة في الوقت الراهن كما يراهن البعض أو كما تكشفه الحقائق ولكنها بالإضافة إلى ذلك هي ظاهرة تعودت عليها هذه الإمبراطورية الاستعمارية ودأبت على ذلك شركاتهم العابرة للقارات وأصحابها الذين لم يترددوا في كنس وتسوية دولاً بأكملها بحثا عن النفط كما فعل روكفلر حيث قتل الملايين من أهل فنزويلا بحثا عن النفط . وكانت الشركات النفطية الاحتكارية في الولايات المتحدة كلها ملكا للرأسمال الخاص ، جمع الكارتل النفطي الدولي في تركيبته العضوية اتحادا بين رأس المال الخاص و رأس مال الدولة الاحتكارية لعدد من الدول الإمبريالية الكبرى. و لقد ارتبط النفط تاريخيا باسم روكفلر ، ذلك أن هذا الأخير هيمن على الصناعة البترولية الأمريكية و العالمية مدة نصف قرن ، و أسس شركة  ستاندرد أويل اوف أوهايو  في عام 1870. و هكذا استطاع روكفلر أن يسيطر سيطرة مطلقة على صناعة تكرير النفط ، و وسائل النقل ، وأنابيب نقل النفط عبر الولايات المتحدة من المحيط إلى المحيط ، و اتسم بشراسة الرأسمالي الاحتكاري ، وكان شعاره  الضعفاء هم أناس طيبون ، فقط لأنهم لا يتمتعون بالقوة اللازمة ليكونوا أشرارا ، و أصبح جون روكفلر في نهاية القرن الماضي الإمبراطور الذي يتربع على إحدى أهم الإمبراطوريات المالية في التاريخ  فشركة ستاندرد هي الشركة المسيطرة على صناعة النفط داخل أمريكا و هي أيضا أكبر مصدر للنفط في العالم. ولما كانت الدراسات الاقتصادية تؤكد بأن 70% من احتياطي النفط موجود فى أراضى منطقة الشرق الأوسط، ويختزن العراق في باطنه 11 % من احتياطي النفط العالمي. فإن طاولة المخططات الأمريكية وضعت البوصلة تجاه هذه المنطقة وبالتأكيد ليس هي فقط . وهنا يقول الدكتور رونالد فان دي فوخت خبير الشئون الأمريكية  إن دوافع الحرب على العراق هي  النفط ثم النفط ثم النفط  ، ويضيف  لكن من حق شعوب العالم اليوم أكثر من اي وقت مضى التعرف على الحقائق وخلفيات التركيبة السياسية للدول التي تمارس لعبة السيطرة والنفوذ، أن لم يكن عبر الدبلوماسية الدولية المتسلطة فبالسلاح والحرب، وهذا هو حال التوجه الأمريكي الواضح منذ نهاية الثمانينيات.

 

مر العراق العائم على بحيرة نفطية بتاريخ من الاستعمار لنهب ثرواته وتعاقبت على احتلاله الامبراطوريات الامبريالية وذلك بسبب الموقع الجغرافي للعراق وأهمية كبرى ، حيث يقع على رأس الخليج العربي، والذي يكوّن مع بقية دول الخليج أكبر مخزن للطاقة في العالم أجمع ، كما يمثل العراق حلقة الاتصال بين أوربا ومنطقة المحيط الهندي ، التي كانت واقعة تحت سيطرة الإمبراطورية البريطانية ، ولذلك وجدنا إمبرياليوا الدول الأوربية بشكل عام، وبريطانيا بشكل خاص ، يسعون بكل طاقتهم إلى مد سيطرتهم على العراق منذ أوائل القرن الماضي، وكان التنافس على أشده بين بريطانيا وألمانيا ,فقد سعت ألاخيرة إلى ربط العراق ، ومنطقة الخليج بخط قطار الشرق السريع ، في محاولة لتمهيد الطريق إلى مد سيطرتها على اكبر مستودع للنفط في العالم ، لكن جهودها لم تتحقق بعد أن خسرت الحرب العالمية الأولى ، وتقدمت الجيوش البريطانية إلى هذه المنطقة ، وبسطت سيطرتها الكاملة عليها ، وهكذا وقع العراق تحت نير الاحتلال البريطاني في أواخر العام الأول ، وبداية العام الثاني للحرب العالمية الأولى التي اندلعت عام 1914 .ورغم رفض الشعب العراقي لقوات الاحتلال البريطانية، واندلاع ثورة العشرين، واضطرار بريطانيا إلى تأسيس ما سمي بالحكم الوطني ، والإتيان بالأمير فيصل ابن الحسين ملكاً على العراق ، إلا أن سيطرة بريطانيا على مقدرات العراق عسكرياً واقتصادياً ، وسياسياً ، استمرت عبر أشكال جديدة أخرى . فقد اكتفت بريطانيا بقاعدتي الحبانية الواقعة شمالي بغداد ، والشعيبة الواقعة قرب البصرة ، إضافة إلى قاعدة الرشيد في بغداد ، محتفظة بقوات جوية وبرية فيها، فيما شددت قبضتها على مقدرات العراق عبر المستشارين العسكريين ، والسياسيين ، والاقتصاديين ، والثقافيين، وكان هؤلاء المستشارين هم الحكام الحقيقيون للبلاد ثم بدأ بدأ التنافس الأمريكي البريطاني على منطقة الخليج في واقع الأمر منذُ عام 1920، ثم ونظرت أمريكا إلي العراق ونفطه وطلبت من بريطانيا في مؤتمر سان ريمو بضرورة مشاركتها بنفط الخليج ، لكن بريطانيا رفضت ذلك رفضاً قاطعاً في ذلك الوقت ، مما حدا بالرئيس الأمريكي  ودرو ولسن إلى إرسال رسالة إلى الحكومة البريطانية يقول فيها ((... إنكم تريدون ممارسة نوع من الاستعمار ، اصبح موضة قديمة ...)) ,وبالفعل تحركت المخططات الأمريكية للسيطرة على منابع النفط العراقي .فالعراق يحتل نفط العراق المركز الثاني من حيث الاحتياطي العالمي بعد السعودية. والعراق المخزون الحقيقي أعلى بكثير من الأرقام المتداولة، مع جودته العالية. و احتمالات الاكتشاف الجديدة هائلة، مع قلة التكلفة الانتاجية. و التوقعات ترشحه كآخر نفط ينضب في العالم.

 

والمحصلة النهائية تؤكد أن السيطرة على العراق تعني التحكم فيما يقارب نحو ربع اجمالي احتياطي النفط العالمي، ثم إن العراق بموقعه الاستراتيجي يجعل من يسيطر عليه يكون على مرمى حجر من ثلثي الاحتياطي العالمي للنفط الذي يتركز في الخليج العربي. ولعل ذلك يضمن للولايات المتحدة تحقيق أكثر من هدف جزئي في سياق هدفها الأساسي الى ان...

 

ـ السيطرة على نفط العراق تقلل من اعتماد واشنطن على النفط السعودي.

ـ السيطرة على ثروة نفطية بهذا الكم تساعد على التحكم في أسعار النفط، ومن ثم الحد من تأثير أوبك، وربما في النهاية تنجح في تحطيمها, أو على الأقل تهميشها كمرحلة أولى.

 

ـ السيطرة بقوة على المصالح الاقتصادية للقوى الطامحة في لعب دور في النظام الدولي، عبر التحكم في امداداتها من النفط الخليجي.

 

هذا بالإضافة إلى أن اللوبي النفطي الذي يسيطر على الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية يخطط للسيطرة على نفط العراق لصالح الشركات الأمريكية وهو ما أكده الواقع فمع دخول الغزاة بغداد كانت وزارة النفط الوزارة الوحيدة التي قامت بحمايتها قوات الاحتلال الأمريكي وكان تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، قد نقل عنه قوله ((...ان الرئيس العراقي صدام حسين يجلس علي 10 في المئة من احتياطي البترول في العالم، ولديه ثروة هائلة ولايمكننا ان نتركه يعمل علي هواه...)).

 

ذكر تقرير في صحيفة نيوزداي أن فصيلا في البيت الأبيض دفع بأنه إذا ما تولت حكومة عسكرية أمريكية مؤقتة مقاليد الامور في العراق، فإن عليها أن تعمل أولا على تأمين منشآت النفط العراقية وأن تستولي على البترول وصفه (غنيمة حرب) وهو ما لم تكنه .


فالعراق يمتلك 115 مليار برميل من احتياطي النفط ثاني أكبر احتياطي عالمي. و يؤكد الخبراء أن يكون المخزون الحقيقي للنفط في العراق أكبر من ذلك بمراحل عديدة , إذ أن الإمكانات النفطية الحقيقية في البلاد لم تكتشف بعد بسبب دخول العراق في حروب متصلة (إيران و الكويت) و عقوبات اقتصادية لسنوات عديدة. فمنطقة الصحراء الغربية للعراق المحاذية للمملكة العربية السعودية و الأردن مازالت أرضا بكر من كل تنقيب عن النفط فيها.و حسب تقديرات المعهد الفرنسي للنفط , وهو مؤسسة أشرف على تكوين عدد من المهندسين العراقيين, فإن الأحواض الرسوبية لهذا الشريط يمكن أن تحتوي لوحدها على 200 مليار برميل من النفط الخام. فقد قال وزير النفط السابق عامر الرشيد العام الماضي أن من أصل 73 حقلا تم اكتشافها حتى الآن , فإن 24 حقلا فقط هي التي تنتج فعلا. و عموما فإن حوالي 2000 بئر فقط هي التي تم حفرها في العراق(أما العدد المنتج منها حاليا فهو في حدود 1500 إلى 1700 بئر) هذا مقارنة مع حوالي مليون بئر في تكساس مثلا.

 

و يأتي غالبية النفط العراقي الخام من أكبر حقلين في البلاد هما الرميلة و كركوك. ويقع حقل الرميلة في الجنوب و يمتد إلى مسافة قليلة داخل الأراضي الكويتية و يشتمل على حوالي 663بئرا و ينتج ثلاثة أنواع من النفط هي:البصرة العادي,و البصرة المتوسط, و البصرة الثقيل. أما حقل كركوك الذي اكتشف لأول مرة في عام 1927 فيحتوي على 337 بئرا. وتقع حقول النفط العراقية المهمة على طول الحدود مع إيران , من المنطقة الكردية في كركوك و الموصل في الشمال و حتى منطقة البصرة في الجنوب مرورا ببغداد في الوسط.

 

وهنا لابد من الاشارة والتذكير بأن القرار الامريكي في استهداف العراق ليس وليد اللحظة ، حيث انه وفي العام 1973م قامت القوات الامريكية بمناورة عسكرية في شتاء ذلك العام وتحديداً خلال شهر شباط في صحراء موجاف الامريكية كان العدو المفترض في تلك المناورة يرتدي الزي العسكري العراقي. وقد جاء ذلك بعد قيام القيادة السياسية العراقية باتخاذ قرار تأميم النفط في الاول من حزيران عام 1972م. وكان بوش الأب قد كشف  في خطاب له يوم 12 ايلول 1990  بقوله ((...ان العراق يسيطر على 10% من احتياطي النفط العالمي، ويسيطر مع الكويت على ضعف هذه النسبة. وإذا سُمح للعراق بابتلاع الكويت، ستكون له القوة الاقتصادية والعسكرية والغطرسة لتهديد جيرانه الذين يسيطرون على نصيب الأسد من النفط العالمي. ولا نستطيع ولن نسمح لاي شخص  بالسيطرة على مورد حيوي كهذا ....)) وكان وزير الطاقة الأمريكي الأسبق جون هارنجتون قد أعلن في عام 1987 ((...أن العراق يعوم على بحيرة من النفط وأن احتياطياته ربما تفوق الاحتياطيات السعودية الضخمة التي تبلغ نحو ربع الاحتياطيات العالمية المؤكدة من النفط، وفي هذه الحالة اذا استطاعت الولايات المتحدة السيطرة على العراق ونفطه من خلال الغزو ووضع حكومة عميلة هناك، فإنها يمكن أن تتحكم في حجم الإنتاج العالمي من النفط من خلال مضاعفة حجم الإنتاج العراقي، ويمكنها بالتالي أن تعمل على خفض أسعاره بشكل كبير بما يحقق مصالحها كأكبر دولة مستهلكة ومستوردة للنفط في العالم حتى لو أدى ذلك الى تدهور اقتصادي يصل الى حد الكارثة بالنسبة للدول المصدرة الرئيسية للنفط، وبالذات الدول التي تعتمد على النفط بشكل كامل تقريبا في تحقيق دخلها وضمان مستويات معيشية عالية لمواطنيها مثل دول الخليج...)). و كان كولن باول قد صرح في 22 يناير 2003 بان احتلالا عسكريا سيتم للعراق وان البترول هو امانة لشعب العراقي وستتم حماية حقول النفط، وتزامنا مع ذلك اشارت المعلومات الى أن اجتماعات مكثفة كانت قد جرت بين مسؤولين في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين بحضور رجال من الخونة العراقيين (كانوا يسمون انفسهم المعارضة العراقية ) لدرس المسائل النفطية. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية قد نقلت عن مصادر لم تذكرها بالاسم أن هنالك عشقا تاريخيا بين الإدارة الأمريكية بدءا من الرئيس بوش إلى اصغر الموظفين، والنفط. وفي اليوم التالي لتصريحات باول نقلت صحيفة (الغارديان) البريطانية عن مصادر قولها إن اجتماعا مهما عقد في أكتوبر الماضي بين مسؤولين كبار في مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وشركات نفطية مهمة هي اكسون موبايل وشيفرون تكساكو وكوكوفيليبس وهاليبورتون لدرس آفاق الصناعة النفطية في العالم بما في ذلك الوضع العراقي.

 

وقد ازداد استهلاك الولايات المتحدة من النفط الخام العراقي بنسبة 24 في المئة في يناير 2002 ، رغم استعدادات إدارة الرئيس جورج بوش لشن حرب تقول إنها لا علاقة لها بالنفط. وتحولت الشركات الأمريكية بسرعة إلى الخام العراقي لتعويض النقص الناجم عن إضراب فنزويلا المستمر منذ شهرين قبل بداية العدوان على العراق والذي أدى إلى خفض إمداداتها للأسواق العالمية. وساعدت زيادة الإمدادات العراقية المصافي الأمريكية على التعامل مع الانهيار المفاجئ في الإمدادات من فنزويلا التي تراجعت صادراتها إلى نحو 30 في المئة من المستويات المعتادة. وقالت مصادر من قطاع النفط إن الولايات المتحدة حصلت في كانون الاني على 15,1 مليون برميل يوميا في المتوسط من الخام العراقي، أي ما يعادل 13% من إجمالي وارداتها من النفط ارتفاعا من 925 ألف برميل يوميا في ديسمبر 2002.  وتشتري الشركات الأمريكية الخام العراقي عبر شركات وسيطة تحت إشراف الأمم المتحدة ثم تعيد بيعه للمصافي الأمريكية. ومنذ أن ألغى العراق الرسوم الإضافية في سبتمبر 2002 زادت الشركات الأمريكية باطراد مشترياتها من النفط العراقي رغم التهديد بإحتلال العراق وارتفع نصيب الولايات المتحدة من صادرات النفط العراقي الرسمية بمقتضى اتفاق مبادلة النفط بالغذاء إلى 67 في المئة من 58 في المئة من الامدادات العراقية في ديسمبر2002.

 

وكشفت صحيفة نيوزداي الأمريكية الجمعة 10-1-2003 أن مسئولين أمريكيين قدموا اقتراحات للإدارة الأمريكية تدعو لاستخدام عائدات النفط العراقي في تغطية تكاليف الحرب الأمريكية الوشيكة ضد العراق. ونقلت الصحيفة عن مايك أنتون المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله((... إن البيت الأبيض وافق على أن تلعب عائدات البترول العراقي دوراً مهماً خلال فترة الوجود العسكري الأمريكي في العراق ولكن فقط من أجل مصلحة العراقيين، على حد قوله. وأوضح أن عائدات البترول العراقية سيتم استخدامها في حالة الحرب والتواجد العسكري الأمريكي في العراق ولكن لن يتم استخدام العائدات كلها في هذا الشأن، مشيراً إلى أن جزءا من تلك العائدات سيتم استخدامه في المعونات الإنسانية للاجئين العراقيين ولإعادة إعمار البنية التحتية للعراق. ...)) لكن مصدرا مطلعا على ما يدور داخل الإدارة الأمريكية أشار - في تصريحات للصحيفة - إلى وجود أصوات قوية بالبيت الأبيض تؤيد استيلاء واشنطن على عائدات النفط العراقي، وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه هناك أصوات داخل البيت الأبيض استقرت على أن البترول هو غنيمة الحرب بالنسبة لهم.

 

غاية امريكا من السيطرة على النفط العراقي هي السيطرة والتحكم باقتصادات الدول الاوربية مل المانيا وفرنسا وكذلك التنين الصيني وباقي دول العالم كاليابان والبرازيل من خلال السيطرة والتحكم باسعار النفط والتحكم باسعار الدولار خصوصا بعد الكارثة المالية التي عصفت بالاقتصاد الامريكي والاقتصاد العالمي ,ولهذا تريد امريكا ان تكون اقوى الضعفاء بعد غرقها في المستنقع العراقي وتكبدها لخسائر جسيمة بالاموال والارواح, ولتحقيق ذلك لجأت امريكا الى تطبيق سياسة الدولار الضعيف, برغم ان الكثير يعتقد الكثيرون ان الدولار الضعيف يجسد نهاية هيمنة وسيطرة الولايات المتحدة الامريكية على العالم، وان هذه الهيمنة تعيش لحظاتها الاخيرة نتيجة ما ارتكبته في الساحة الدولية. لكن الحقيقة عكس ذلك تماماً، فضعف الدولار ما هو الا سياسة جديدة تحكم الولايات المتحدة يدها على خناق الجميع.فسياسة الدولار الضعيف وسيلة متعددة الاغراض تحقق كل مصالح الولايات المتحدة ليس فقط اقتصادياً وعلى المستوى الداخلي بل سياسياً ودولياً. فبهذه السياسة سيصبح النظام المالي العالمي تحت السيطرة الامريكية، التي تحاول دائماً تصويره على انه في احسن احواله نتيجة حسن الادارة الامريكية الرشيدة.ان سياسة الدولار الضعيف تمكن أيضا من الضغط على اليورو الذي مثلت ولادته تحديا لهيمنة الدولار الأمريكي على السوق المصرفي الدولي. وأحد أفضل الطرق لضرب اليورو هو رفع قيمة الدولار أو تخفيضها وفقا لتغيرات الوضع الاقتصادي الدولي في مختلف الفترات لإضعاف اليورو والسيطرة على الاقتصاد الأوروبي.فسياسة الدولار الضعيف سيف ذو حدين، تستفيد منها الولايات المتحدة وتدفع ثمنها أيضا. مثلا، بتخفيض قيمة الدولار، انخفض تدفق الاستثمار الأجنبي إلى الولايات المتحدة بنسبة64%، وتسرب الرأسمال إلى الخارج، وفقدت الممتلكات بالدولار الأمريكي قوتها الجاذبة السابقة. كما ان السيطرة على النفط العراقي والتحكم من خلاله باسعار النفط والاقتصاد العالمي بشكل عام خصوصا الدول المستوردة للنفط... فسيطرة أمريكا على العراق ستجعلها تتحكم باسعار النفط وستنخفض الى أدنى مستوى وسيصل النفط الخليجي ليس العراقي فقط الى أمريكا بأبخس الأثمان حيث لن يكون النفط الخليجي ذو اهمية على اقتصادها ... مما ينعكس في النهاية على المستوى الاقتصادي لهذه الدول وهذا سيؤدي الى إضعاف الدول الخليجية والدول العربية عموما حيث تمثل الدول الخليجية القوة الاقتصادية للدول العربية.

 

ماذا كانت النتيجة بعد كل هذه السنين؟ هل نجحت امريكا في السيطرة على العالم من خلال سيطرتها على النفط العراقي؟ الم تمر امريكا بأسوأ كارة مالية من مئة سنة؟ الم تعلن مئات البنوك الامريكية افلاسها؟ الم يكن شعار اوباما في حملته الانتخابية سحب القوات المحتلة الامريكية من العراق باسرع وقت؟ الم يكن شعاره تحسين الوضع الاقتصادي الامريكي المنهار جراء غزوه للعراق؟ الم تكن هذه الشعارات سببا في وصوله الى البيت الابيض؟ الم تنتشر هذه الكارثة الاقتصادية في عموم العالم؟ الم تعلن دولا عديدة افلاسها؟ اليونان ونيوزيلندة والبرتغال ودولا اخرى كثيرة, ناهيك عن دول الخليج العربي... ان امريكا تقاتل يشتى الوسائل لتكون اقوى الضعفاء , برأيي ان امريكا لم تسطع حتى الآن الإستفادة من نفط العراق , (احد اهداف الاحتلال الرئيسية) وسبب ذلك هو ادراك المقاومة العراقية للمخططات الأمريكية والتي سرعان ما كانت أنابيب النفط خاصة جيهان كركوك وخطوط النفط المرتبطة بمصفاة بيجي. ورغم شركات الحراسة الخاصة التي اوكلتها سلطات الاحتلال لتأمين أنابيب النفط العراقية من هجمات المقاومة إلا أن المقاومة نجحت حتى الآن في منع الاحتلال الأمريكي من الاستفادة بأي قطرة من النفط العراقي.

 

ـ يتبع ـ

 

 





الاربعاء١٦ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / تموز / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نبيل ابراهيم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة