شبكة ذي قار
عـاجـل










لماذا يعيش العراق كلّ هذه الفوضى منذ سبع سنوات عجاف؟ لماذا لم يستطع العراقيون أن يحلّوا مشاكلهم في ما بينهم؟ لماذا تتوالى الإخفاقات، وتزداد الأمور تعقيداً من سنة إلى أخرى؟ هل فشلت التجربة الديمقراطية سياسياً ودستورياً واجتماعياً؟ لماذا لم تستمع القوى السياسية الجديدة لصوت العقل، ولم تلتفت إلى أي نقد، ولا تريد أي معارضة لها؟.


هذه الأسئلة وغيرها، ليست بحاجة إلى أجوبة عادية، أو إلى حلول وهمية لا تمتّ للواقع بأي صلة.. كما أنها ليست أسئلة تتعلق بمشكلة الحكم التي يعاني منها العراقيون، بعد مضي قرابة ستة أشهر على الانتخابات العامة، بل إنها أسئلة تريد أن تكشف أجوبتها للناس عن حجم المأساة التي يعيشها العراقيون. عندما وجدوا أنفسهم فجأة يتحولون في حرب شعواء، إلى حكم طوائف تعيش في خنادق فاسدة وخانقة، وهم يسمعون أوهاماً ماكرة وشعارات كاذبة، بغية محاصصات حقيقية يريدون أن يرسخوها في المجتمع بأي وسيلة كانت.. والأخطر من كل هذا وذاك. أن قياداتهم قد حظيت بمباركة المحتل الأميركي، الذي كّرس الانقسامات باسم «المكونات العراقية الثلاثة وتحقيراً لبقية الأقليات» بديلاً عن الوحدة العراقية، فأسيء للوطنية إساءات بالغة، علماً بأنهم يضحكون على الناس باسم الوطنية وشعاراتها.. بل والمضحك عندما يريدونها «حكومة شراكة وطنية»، ولا قدرة لهم على تشكيل حكومة شراكة سياسية!.


لقد بدا أسّ الخراب واضحاً فاضحاً منذ عجلتهم لإجراء انتخابات، وكتابة دستور أقضّ مضاجع كل العراقيين ببعض بنوده التي أساءت للعراق، وخلقت بنية من المعضلات والتعقيدات.. نعم، يعيش العراق كل هذه الفوضى، بل وسيجتاحه الدمار والانقسام أكثر، لأن الخلافات التي يعيشها العراقيون ليست كما يقال «إنها سياسية عادية»، بل هي أخطر مما نتخيل، فهي بنيوية ومركبة تمتد في كل الاتجاهات..


إنها خلافات معلنة، مزقّت المجتمع العراقي أيديولوجياً وعقائدياً وإعلامياً، مما جعل المجتمع يتشّظى طائفياً وتسوده الأحقاد والكراهية.. إنها ليست خلافات على «تشكيل حكومة»، بل نتيجة فاضحة لإخفاق بنود «دستور» وصفته عام 2005 بأنه سيحمل تابوت العراق!.


وعليه، فإن العراقيين ليس باستطاعتهم حل مشاكلهم بأنفسهم، كونهم قد فقدوا الثقة في ما بينهم وكل طرف يحمل نوايا مبيتة ضد الآخر.. وبطبيعة الحال، سيلجأ كل طرف إلى جهة خارجية معينة لتثبيت ركائزه.. وستتوالى الإخفاقات لسنوات عجاف قادمات، كما يعتقد بذلك العقلاء، إذ لا يمكننا أن نكذب على الناس ونخدعهم ونوهمهم بالانتصار، ونحن نرى ترجمة حقيقية للمحاصصة، ليست السياسية فحسب، بل في كل ما يحدث في المجتمع..


إن المعضلة أكبر مما نتخيلها، فإذا كان المجتمع غير منسجم أصلاً منذ القدم، فكيف سيكون منسجماً في ظل احتقان طائفي، وتشرذم عرقي وتؤججه وسائل إعلامية، وأدوات سياسية، وثقافات متعصبة؟ كيف يمكن المضي بعملية سياسية منافقة وكاذبة تدّعي التوصّل إلى حكم شراكة وطنية، في حين أن عصفاً طائفياً مقيتاً يأكل العراق والعراقيين؟.


كيف يسكت العراقيون على شناعة سياسية معلنة من قيادي يعلن على منبر الجمعة بإلغاء اسم بغداد ويلعن مؤسسها ويصفه بالقاتل؟ كيف يمشي العراقيون في أهم شارع عريق لديهم يفاخرون به اسمه شارع الرشيد، وهارون الرشيد يصنف مجرماً في إعلام رسمي تذيعه فضائية عراقية رسمية؟.  كيف يتشدقون بتشكيل حكومة شراكة وطنية، وهم ليس لديهم الحد الأدنى من احترام أحدهم للآخر؟ لماذا لا يقبلون بأي طرف من الأطراف المعارضة؟ يرفضون لأنهم يدركون أن الخطايا لا يتحملها طرف واحد.. وعليه، فهم يريدون تضييع الشناعات في دوامة الكل!.


إن معضلات العراق لا يحلها تشكيل حكومة مهما كان نوعها، ولا ينفعها توزيع مناصب بين قوى سياسية متصارعة وجدت نفسها تتصّرف بالعراق كما تشاء، ذلك أن العملية السياسية نفسها تحمل متفجراتها بيديها، وأن بنود الدستور نفسها لا تصلح أبداً لتشكيل مستقبل رائع للعراقيين. إن العراق لا يتحمل أبداً أن تحكمه أي بنود انقسامية، ولا أية محاصصات طائفية وعرقية، ولا أية مذاهب دينية..


وأعيد القول: إن العراق إن لم يجد له حياة مدنية وديمقراطية حقيقية، وسياسات مستقلة عن أية مرجعيات انقسامية.. وإن لم يجد سياسات ورؤى إعلامية بعيدة عن إذكاء العداوات وإثارة الأحقاد والتوقف عن الأخذ بالثارات، لتنتقل إلى فضاءات جديدة يبث فيها الوعي الوطني، وينشر التسامح، وتمارس القطيعة مع التاريخ والتمييز الطائفي والعرقي.. فستبقى معضلات العراق تنتقل بالمجتمع من كارثة إلى أخرى.. إذا لم يتعلّم حكام العراق الجدد لغة جديدة في خطابهم، وأسلوباً نظيفاً في وطنيتهم، ومقاربة حقيقية في ما بينهم على حساب الآخرين، بالاعتماد على دستور مدني، فإن الدمار سيلحق بكل العراقيين، ولن ينفعهم حتى إن أصبح العراق أربعة أو خمسة كيانات، لا سمح الله، فكل واحد منها سيأكل الثاني، في ظل هيمنة وتدخل إقليمي سافر، واستفحال المشكلات البنيوية كالنفط والمياه والأرض والعاصمة.. إلخ.


إن أكثر ما يؤرق أي عراقي من العقلاء اليوم، هو أن يغدو مصير العراق هباءً منثوراً ويدفع العراقيون ثمناً باهظاً آخر من سلسلة الأثمان التي دفعوها. فهل ثمة صحوة ضمير من أجل حل هذه المخاطر البنيوية؟ وهل هناك من يشاركني في كل ما ذهبت إليه؟ الجواب: نعم، ولكن بعد حين!.

 

 





الاربعاء٢٣ شعبـان ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / أب / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ابو احمد الشيباني نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة