شبكة ذي قار
عـاجـل










قراءة في كتاب "نعم للتوراة ... لا للقرآن" للكاتب نذير علي القرشي
صدر في تموز من العام الماضي 2009 كتاب هام للسيد نذير علي القرشي بعنوان "نعم للتوراة.... لا للقرآن... العراق نموذجا". والعنوان كما يبدو للوهلة الاولى استفزازيا للقارئ قبل الشروع بقراءته بصورة متأنية. وكما يستدرك المؤلف ذلك فانه يقدم توضيحا في تمهيده للكتاب بالقول ص7: [ مما لاشك فيه ان عنوان الكتاب يثير الريبة، والوقوف مليا، والتساؤل عما يستبطن بين طياته، وهو وصف الحقيقة الحاصلة، ووصف لما يحصل في مجتمعنا، وما ينبغي أن يخيفنا ويرعبنا، لا وصف الحقيقة؛ بل الحقيقة نفسها].


وفي هذا الايجاز المركز للمؤلف تكمن جملة من الحقائق المتعددة لوجوه وظروف احتلال العراق، راجعها المؤلف من موقف جهادي مقاوم للإحتلال وركائزه المحلية بكثير من الجرأة والمعرفة بخفايا كواليس المسرح السياسي ، وخاصة بما يتعلق بموقف المرجعيات الشيعية والحوزة النجفية من الإحتلال الامريكي – البريطاني للعراق ونتائجه الكارثية على العراق ومستقبله. يذهب المؤلف في التمهيد لفصول الكتاب الاربعة الواقعة في 508 صفحة الى القول والتذكير بمعاناته مع اليهود وصنائعهم من التوراتيين الجدد بالقول: [... ونذهب مع معاناة السيد المسيح حينما يصف اليهود قائلا: ( فانتم تشهدون على أنفسكم، إنكم أبناء قتلة الانبياء)]، ثم يستذكر المؤلف موقفا آخر عن نص لشكوى الخميني ومعاناته مع تلك الحوزة النجفية بالقول المنسوب الى الخميني: [ لا ادري ماذا أفعل بجو النجف هذا، كلما قمت بخطوة يواجهني بعض معممي النجف بالمعارضة، ووضع العقبات، فإن أنا اتخذت موقفا حازما وشديدا إتجاه حكام العراق، رفعوا أصواتهم في النجف فورا انه : يريد أن تدب الفوضى في حوزة النجف...وإن أنا سكت عن حكام العراق يقولون : هو إنسجم معهم ... وإن عاملتهم بلغة النصح، يقولون: ما الذي جرى حتى يتعامل مع نظام الشاه بتلك الصورة، وعامل نظام العراق باللين، وحتى عندما أقوم بعمل ما لمصلحة السيادة في النجف، فلن يقلعوا عن معارضتي، ووضع العقبات في طريقي ].
ويذهب المؤلف الى استشراف وموقف الإمام المجاهد السيد محمد الحسني البغدادي حول مستقبل تلك المرجعية النجفية بعد تحليلات عدة عنها يكتفي بالقول: [... ونسأله تعالى أن لا يبتلينا بما هو أشد وأشنع، وهو أن يأتي زمان تشتد المحنة فيه بنحو يكون تحقق إسلام المرجع وإيمانه كالمتعذر. ص 8]. ان نصوصا اخرى هامة اوردها المؤلف، منها نُسبت الى السيد محمد باقرالصدر، الصدر الاول، وابن عمه الصدر الثاني، تُشخص بدقة وجرأة وضع مرجعية النجف ومواقفها المشينة لنفسها وطائفتها، حتى وصل الأمر بالصدر الثاني ان يذكرها قائلا بمرارة : [... منذ فترة والاستعمار يسعى الى زرع مجتهد في الحوزة]، وسعى الصدر الثاني حينها الى رفع شعاره المقاوم الخالد: [ كلا.. كلا... أمريكا... كلا... كلا إسرائيل... كلا... كلا يا شيطان]. وظل هذا الشعار على لسان جماهير العراق وورثته بعض قواعد التيار الصدري شعارا لها، واحيانا استهلكه بعض قادة التيار للاستهلاك السياسي والاعلامي المحلي في بعض التظاهرات والتجمعات الشعبية، ولكنهم سرعان مانسوه بعد ان إنغمسوا في ملذات والاعيب العملية السياسية الجارية اليوم في رواق البرلمان العراقي في المنطقة الخضراء وخارجها، ووظفته باستثماراتها السياسية الواسعة ضمن العملية السياسية لملئ بعض الجيوب الساعية الى الامتيازات والوظائف.


وهكذا عملت ادوار العملية السياسية وتوافقاتها وبمشاركة عدد من رموز التيار الصدري، لا الى إسقاط الشعار الصدري العتيد ضد أمريكا واسرائيل وخلفهما شياطين الاحتلال؛ بل الى تجاوز حتى تلك الفتاوى التي جرمت المتواطئين مع الاحتلال، ومنها فتوى السيد آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي الذي اعلنها مبكرا قبل وخلال وبعد وقوع الاحتلال الامريكي للعراق، مخاطبا ومحذرا الوسط الحوزوي من مغبة الانخراط بلعبة المحتل وألاعيبه: [... عندما أفتى بإهدار دم جميع من يتعاون كـ " جاسوس أو عميل" مع المحتل التوراتي، حتى وإن كان المتعاون زعيم الحوزة النجفية].


من هنا نستكشف سر وضع السيد نذير علي القرشي لعنوان كتابه الموسوم (نعم للتوراة... لا للقرآن)، وهو عندما يعترف لقرائه في ذات التمهيد الغني بالآيات والاحالات والإستشهادات الدينية النصية الموثقة الرافضة للاحتلال، والداعية الى المقاومة، ورفض الطائفية بكل أشكالها السياسية والإجتماعية. وبعد نص فتوى السيد أحمد البغدادي يكتب السيد القرشي الحقيقة التالية : [... وقد تبين لجميع المختصين بالعلوم الشرعية أن الحوزة النجفية ومؤسساتها التابعة لها انخدعت بتمويهات وإدعاءات التوراتيين الجدد، الذين خلقوا التبريرات المختلفة والمضللة لاحتلال العراق، وأضمروا الاهداف الحقيقية والرئيسية وراء شنهم الحرب على العراق، بإدعائهم تخليص العراق من الدكتاتورية وبناء عراق جديد مزدهر ].


يُكرس المؤلف الفصل الثالث بكامله للشأن العراقي في مواجهة المحتل، ويتوقف بشكل مركز عند ظاهرة وأزمة القيادة في التيار الصدري وتبدل مواقفه من حالة المقاومة المسلحة الى الانخراط في العملية السياسية، ووقف المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وحل جيش المهدي. إن المعالجات التي كتبها السيد القرشي حول ظاهرة وبروز القيادة العاطفية للتيار الصدري وحجم أخطائه كانت تنم عن معرفته الدقيقة والقريبة عن كثب من قادة التيار الصدري وتطورات احواله ومتابعة أخطائه القاتلة بحق وحدة فصائل المقاومة الوطنية العراقية ودور" قيادة" التيار في تأخير وحدة المواجهة الوطنية العراقية الشاملة للاحتلال شمالا وجنوباً.


لقد جرى ذلك بسبب الخلل الأساسي في مواصفات ووضع وسلوك "القائد" نفسه من جهة، وبتأثير التضليل والمساومات الخيانية التي اعتمدتها الحوزة السيستانية وبقية التيارات الشيعية السياسية عليه من جهة اخرى. تلك القوى التي انخرطت منذ البداية في اللعبة السياسية وكرست مع الاكراد وغيرهم مبدأ المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة، بادارة وتنسيق مع المحتل مباشرة، وبتلك الممارسات شقت الصف الوطني، بتوجيه مباشر من إدارة الاحتلال، وبتواطؤ مكشوف من أغلب المرجعيات الشيعية والحوزة النجفية.


ان الجماهير التي اندفعت الى الشارع، واستعرضت بحماسة بعنوان جديد لها باسم "جيش المهدي" كانت في فورة وحالة عاطفية جياشة، وبعضها كانت ساذجة أو خائفة من المجهول، ومنها كانت مندفعة بجو مشحون تحت تحريض وسيادة المليشيات الطائفية والإثنية والحزبية المرتبطة بمصالح الاحتلال، وحين ارتضت تلك الجماهير الولاء والقبول بقيادة مقتدى الصدر لها، اكدت الوقائع التالية انها لم تعي ما اقدمت عليه لانها كانت لا تعرف تلك الشخصية الا برابطة الاقتران لها باسم الإمام الصدر الثاني، ممثلة بأحد ابنائه، مقتدى، ذلك الشاب الذي لم تختبره بعد معارك الحياة اليومية، فكيف اليافع الذي يجد نفسه أمام مسؤولية بقيادة جماهير غير مؤهل لها، وأجواء من المطالب الشعبية المرتبطة بمعارك ومقاومة شرسة تهدف الى تحرير للعراق ضد محتل غازي خبيث جاء بقواته، ومعه استشارات من مراكز الأبحاث الاستراتيجية، وتساعده نخبة من عملاء الاحتلال، وقد اوغل المستعمر الجديد مسبقا بامتداد خيوطه المخابراتية في اختراق عدد من المرجعيات الدينية وأطراف واسعة من فصائل المعارضة العراقية السابقة في المنفى والداخل.


ذلك الاختراق الذي كان يخشاه ويحذر منه الصدر الثاني، والد مقتدى نفسه، خلال سنوات حصار العراق وقبلها بسنوات.
ان الطغمة التي سيطرت على التيار الصدري إستغفلت براءة وضعف " القائد" المنصب على التيار تمكنت أخيراً من تسيير دفة التيار وفق التطلعات الامريكية بعد إضعاف مقاومة التيار واستدراجه منفرداً ومن ثم استنزافه بمعارك الكوفة والنجف والديوانية ومدينة الصدر. وزجت قيادة التيار قواعده وعدد من أفراده في معارك هامشية وتنفيذ عددا من الاغتيالات السياسية والطائفية مستغلة بعض تنظيمات جيش المهدي والتيار في بشاعة الاحتراب الطائفي المقيت، حتى أوصلته بخبث منظم وسذاجة سياسية الى التدجين وقبول سياسات المساومة والتطبيع والتراجع المتدرج أمام سلطات المحتل وقبول التعاون والمساومة مع حكومات الاحتلال المتعاقبة.
ولم يجري ذلك بعيدا عن الاستشارة الحوزوية وعن التأثير المباشر لتوجيهات المرجعيات وتدخلات الحوزة السيستانية خاصة، التي قادت التيار الصدري الى ماهو عليه اليوم، فصيلا فاعلا في العملية السياسية الجارية، بعد أن أفلحت قياداته في الهيئة القيادية السياسية المتراجعة امام شروط المحتل الى توجيه جماهيره نحو الانغماس في ملهاة ومذابح الفتنة الطائفية الدموية المقيته، وخاصة إثر تفجير مرقد الإمامين العسكريين بسامراء.


قبلها تمكنت قيادات التيار الصدري المتحكمة به حاليا الى :( ... ان توجه [الجماهير] لعطاءات بسيطة لتمتص هذه المقاومة، وتحول الجماهير الى جماهير " أليفة" مع المحتل، لذلك ليس غريبا علينا ان نرى ان المحتل وأعوانه يدفعون بعض المرتزقة من "المراجع" و " المعممين" و" الشخصيات المستقلة والحزبية"، ليقوموا بهذا الدور، من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لتفريغ الجذوة الثورية والروح الوطنية عند الجماهير.).


وهكذا انتقلت ( القوى المناهضة للإحتلال من عمل مناهض للمحتل، وبطريقة العمل الفردي العشوائي، وغير الخاضع لتقاطع المصالح مع الغير، فكل يعمل على الشاكلة التي يراها مناسبة).


ولا شك ان كثيراًً من قرارات مقتدى الصدر نَمَّت عن عشوائية وعدم إتزان في تأييد أو رفض التعاون مع هذا الطرف السياسي أو ذاك، سواء كان ذلك ضمن أطراف العملية السياسية او خارجها. لقد كان هناك الكثير من تصرفات النزق السياسي وفي تبدل مواقف السيد مقتدى الصدر لا يحكمها قانون أو رؤية سياسية واضحة أو السير بخط سياسي ثابت، يمكن المراهنة عليه او التحالف على ضوئه. حتى الجناح المنشق عن قيادة الصدر المسمى بـ " عصائب أهل الحق" ظل بعيدا عن الوصول والتحالف الى بقية اطراف وفصائل المقاومة العراقية.


كما ان الخط السياسي الذي تبناه التيار الصدري، بعد طرحه السلاح ارضا، أو قبول بيعه للأمريكيين بصيغة من الاستسلام المُذِل، لم يبرره الصدريون على ارض الواقع وكيف استزاغت القيادة الصدرية قبوله، فلم تعد تشهد ساحات العراق وشوارعه تلك المظاهرات المليونية الموعودة ولا تنظيم حركة الاحتجاجات الجماهيرية لرفض الاتفاقيات والمواثيق والعهود وسياسات القمع الوحشي التي نفذتها ووقعتها سلطة المالكي؛ بل ارتهنت حركة التيار الصدري الى المناورات والحسابات الظرفية ضمن اطار الحملات الانتخابية المرجوة لحشد الانصار والاتباع.


وكانت فصول المسرحية الملهاة باستمرار تقلبات ومواقف الكتلة الصدرية وتحالفاتها بين هذا الطرف او ذاك كافية للحكم على عدم جدية النضال السياسي الصدري ودعوته لإسقاط الاحتلال أو رموزه وحكومته المستمرة حتى اليوم وبعد سبعة اشهر من ظهور نتائج الانتخابات المهزلة.


ولو كان التيار الصدري جادا في مقاومته السلمية لدعى الى الاحتجاج واعلان العصيان المدني والانتفاضة الشعبية السلمية لإسقاط حكومة المالكي، وانهاء مهزلة الشد والجذب والتصريحات المتبادلة بين القوائم المتهالكة على كراسي السلطة وامتيازاتها.


لقد سارت عجلة المحتل وسلطاته القمعية الاحتلالية بيسر وبقليل من الخسائر وبامتياز أكبر بعد أن نجح المالكي بدعم امريكي بـ "صولة الفرسان" في البصرة، ساعده موقف وغياب الصدر عن الساحة ودعوة مقتدى الصدر لإنهاء الكفاح المسلح وقبوله صاغرا الانخراط بالعملية السياسية التي كان يرفضها وحتى السكوت عن حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذها المالكي بدعم القوات الامريكية ضد قواعد التيار. كما ان هجرة مقتدى الصدر وإنجراره للطائفية، وباللجوء الى اختيار إيران منفى اختياري له، كانت مؤشرا لضعف قيادته وحنكته السياسية والعسكرية لتسيير أوضاع ألتيار.


لجوء السيد مقتدى الصدر الى ايران يرى فيه القرشي موقفاً (... فيه من الغموض واللبس الذي يشوش الامر على المجاهدين من جميع الفصائل الاخرى)، لكون ايران لها مصالحها الخاصة بها في العراق. حسب تعبير القرشي ص 211، الذي يرى في اختيار الصدر لإيران دون غيرها من البلدان كان موقفا غير موفق لخيارات الصدر بقوله: [... اما تصورنا لعدم توفيقكم باختيار ايران فهو نابع من تلك الامور التي ذكرناها... ومنها : وجودكم في إيران يجعلكم تخسرون الشارع العربي جميعا، ويصنفكم الى الى مرتزقة تعملون لصالحها، حالكم حال المجلس الاعلى، وهذا الامر لا اعتقد فيه مصلحة للعراق وللتيار]. وفي سياق نقده لهجرة مقتدى الصدر الى ايران ووقفه العمل المسلح، وبما جاء في بيان مقتدى الصادر في 8 جمادي الثانية 1429 هـ بانه بهجرته تلك التي بررها مقتدى انه ( ... أراد أن يقطع الطريق على المحتل واذنابه و " حكومته المنتخبة" بالمساس بأهلنا.... الخ)، لان تلك الحجة وتبريرها واهية؛ لان المحتل لا يحتاج الى مبرر لقتل الناس أو إعتقالهم. وحكومة المالكي تفتخر علناً بملئها السجون والمعتقلات والمحتشدات السرية، سواء من عناصر التيار الصدري او غيره بحجة "القاء القبض على المطلوبين للعدالة " والحقيقة من خصوم السلطة المالكية وسلطات الاحتلال.


يشير المؤلف السيد نذير علي القرشي الى جملة الأخطاء الصدرية منذ بداية إعلان ظهور التيار وتشكيل جيش المهدي الى تظاهرات سعت دون ذكاء وحساب النتائج المترتبة عنها الى : (... اظهار القوة والامكانيات القتالية لدى ابناء التيار الصدري لمحاربة العدو المحتل، بالطريقة المعروفة بين بلدان العالم، والطريقة التي قاتل بها التيار كانت من الاخطاء المرعبة التي استفاد منها العدو الكافر، واستطاع ان يجيرها لخدمته، فهو في الواقع كان بإمكانه القضاء على التيار بكامله، كما حدثنا مسؤول رفيع المستوى في " وزارة الدفاع" في حينها، والذي كان على إتصال بأرفع المستويات القيادية العسكرية الأمريكية في معركة النجف وكربلاء ومدينة الصدر، لو اراد أن يتخلى عن البقية الباقية التي لديه من الخوف من شعوبه والعالم، ولكنه عمل بدهاء، وكانت خسائره غير متناسبة مع حجم الخسائر التي وقعت على أبناء التيار الصدري في الوسط والجنوب. على العكس من معارك الفلوجة فإنها أوقعت الخسائر المرجوة منها بالعدو والأمر معروف لماذا؟؟ ) .


ويجيب المؤلف القرشي، موثقا شهادته عن قرب وبدقة : (... في كلا المنطقتين، المقاتلون يحملون القيم الاسلامية ذاتها، والروح الجهادية والإستشهادية، وهم يشتركون في ذات المحنة الواقعة عليهم من تسلط عدو كافر لئيم، والإختلاف فقط في الخبرة القتالية والتخطيط العسكري الإستراتيجي منه والتكتيكي، وعدم كشف العدو المحتل لسر قوتهم، ونوع السلاح الذي بحوزتهم، وكيفية إستخدامه في المعارك الميدانية . ص 172).


ربما تغافل الكاتب هنا واحدة من أهم الثغرات التي اخترقت جبهات التيار الصدري، هي حالات التجسس والاختراق وتعاون مليشيات بدر وعيون نشطاء وأعضاء المجلس الاسلامي الاعلى وحزب الدعوة من الذين شكلوا وانخرطوا في وحدات الجيش العراقي الجديد والشرطة والمخابرات ووضع القادة لهذه التنظيمات العسكرية والامنية أنفسهم في خدمة مصالح القوات الامريكية، وكانوا في مقدمة الصفوف الامامية في كل هجمة ، عملوا كدروع بشرية أمام جحافل القوات الامريكية عند مهاجمتها للمقاومين الصدريين.


وعندما قاتل المقاومون في الفلوجة بشراسة وصمدوا، أوقعوا الخسائر الجسيمة بالعدو الامريكي المحتل، الذي لم يتمكن من السيطرة التامة على ما كان يسميه الاعلام الامريكي بـ " المثلث السني" الا بعد لجوئه الى إستخدام الأسلحة المحرمة دوليا والشروع بشراء الذمم باسم قيام " الصحوات" لتصفية قواعد المقاومة تحت عنوان "مقاومة القاعدة والارهاب والبعث الصدامي"... الخ.


على الجبهة الاخرى كان أفراد التيار الصدري من " الجهاز التنفيذي" للمقاومين في معركة النجف ضحية سذاجة قادتهم أؤلئك، الذين ارتهنوا ورهنوا مصير المعركة مع قوات الاحتلال الى وصايا المرجعية فوقعوا تحت تأثيردعايات الرتل الخامس الشيعي الملتحق بخدمة الاحتلال والقوات الامريكية من خلال سلطات الحكومات العميلة.


في هذا المجال يشير الكاتب نذير علي القرشي الى حقيقة قلما يشير اليها الكتاب الشيعة في مقالاتهم وتناولهم للأحداث المعاصرة بقوله الصريح : ص 172: [...في حين عمد المحتل الى الحيلة مع " قائد" التيار في النجف، وذلك بإطلاق رأس الأفعى، لكي تبث سمومها في " الجهاز القيادي" للتيار، فأخذت السموم مأخذها برأس "القائد"، وقرر تسليم الأمر الى (المرجع القائد السيستاني)؟‼، لكي يقرر مع المحتل وقف القتال، وينفذ اتفاقية المصالحة المذلة والمهينة في جميع مدن الوسط والجنوب، ويبيع الأسلحة التي كانت موجهة الى صدور الأعداء، لكي يستبدلوها بثمن بخس، ليصبح عارا علينا فيما بعد، لأننا عرب ومسلمون مؤمنون، ولنا أعرافنا وعاداتنا التي أقر الإسلام غالبيتها.].


لقد وظف واستفاد مقتدى الصدر من الشعار الذي رفعه والده: [كلا كلا امريكا ... كلا كلا إسرائيل... كلا... كلا.. إسرائيل] لزج مئات الالوف من المواطنين الساعين بشجاعة الى المنازلة مع المحتل، لكنه عندما وجد نفسه تحت الضغط فتخلى عن جماهيره وغامر بها ان صح القول، من خلال تمسكه بموقع قيادة التيار وهو يعرف انه غير جدير بها، ومن خلال الإندفاع في حروب أو انتفاضات غير مدروسة بصورة كافية، وقد سببت قيادته كوارث بشرية واجتماعية وسياسية واقتصادية للبلد ، وفي تلك المغامرات غير المحسوبة لم يفرز مقتدى الخط الفاصل بين جبهة حلفائه وعن اعدائه على ضوء الموقف الوطني الصحيح الداعي الى مقاومة الاحتلال في جميع أطراف العراق، وطرد الغزاة بالبندقية الوطنية المتحدة خلف راية العراق المقاوم الموحد.


ان الانقلاب الصدري من جبهة المقاومة ، حتى بلونها الطائفي المحدود سلفا، الى الانخراط بالعملية السياسية تحت ألوية التحيز الطائفي اسقط المقاومة المسلحة والسياسية الصدرية في مستنقع مصالح الاحتلال الآسن. فقد رحب السياسيون الطائفيون سنة وشيعة الى عودة التيار الصدري مُدجنا منزوع السلاح ،رغم تمسكه بخطابه الثوري الأجوف في قبة البرلمان، إثراء للمشاكسات السياسية مع خصومه لا غير.


لا احد قد حاسب التيار الصدري على أخطائه الفادحة، كتيار مقاوم متراجع بهزيمة منكرة، وبقبوله بيع سلاحه للامريكيين في شوارع مدينة الصدر والمدن الجنوبية الاخرى. ولا أحد من التيار الصدري تجرأ ومارس نقداً ذاتيا لتجربته المرة. ولا أحد منهم حدد أخطاء "المرجعية السيستانية" في تعاملها وتآمرها على التيار؛ بل ممارسة خيانتها لتطلعات الشعب العراقي كله وخذلانها لكافة فصائل المقاومة الوطنية ضد الاحتلال، ومنها التيار الصدري نفسه، الذي أخفق باختيار قادته ووثق بغباء باملاءات المرجعية عليه في التخلي عن أهم معركة يخوضها العراقيون لتحرير وطنهم من الاحتلال.


واليوم يراوح التيار الصدري استعراضاته ومناوراته في برلمان الاحتلال مابين قائمتي إياد علاوي ونوري المالكي، مزايدا كل يوم باللفظ المستهلك في مقاومة الاحتلال. لا بد من التساؤل أمام هذه الظاهرة الخطيرة والاستفهام عن اية مرجعية وطنية أو طائفية يعود التيار و" قائده" اليها في معالجة الأمور الوطنية العراقية ومصير تحرير العراق واسترجاع سيادته؟؟. هل أن أخطاء التيار التي قادته الى هذا المصير كانت بسبب " الطاعة العمياء والجهل المركب" حسب عنوان الحلقة الثامنة من الفصل الثالث لكتاب السيد نذير علي القرشي؟؟ .


لا شك ان كتابات السيد القرشي كانت تدين في محصلتها كتاباته مواقف " رباعي المرجعية" الذين حسب قوله : (... لو أنهم لم يرضوا بالاحتلال لأصدروا فتوى ضده)، وتجعل الأمريكيين حسب تصريحات المستشار السابق للإدارة الأمريكية هنري كيسنجر الذي سبق ان نشر جملة من الإيحاءات القائلة عن دور المرجعية السيستانية في العراق بقوله : (... في حال صدور فتوى جهادية من قبل السيستاني فإنهم لن يستطيعوا البقاء في العراق لمدة اسبوع). وهي حقيقة يمكن ان يترجمها ويحققها العراقيون بمعركة كرامتهم الاولى بتحرير وطنهم ، ونظن ايضا: ان السيد مقتدى الصدر، ومَن مِن حوله قد ادركوا أيضاً بالملموس ان هذه المرجعيات قد رحبت بالاحتلال وسكتت عن مظالمه وأخرت انطلاق عمليات المقاومة في الجنوب العراقي؛ بل باركت بقائه وسلطته لحماية امتيازاتها في احتضان ورعاية العملية السياسية التي كرست الإنقسام الطائفي ووزعت المغانم، وتسعى الى فدرلة وتقسيم العراق وضمان النفوذ الفارسي والتحكم بمصير العراق دولة ومجتمعا.


لا يمكن الاتفاق في بعض الحالات مع بعض تساؤلات الكاتب نذير علي القرشي حول حسن نية التيار وقيادته ، أو براءة التيار من تلك الأخطاء الصدرية الذاتية التي رافقت ظهوره وتكوينه وانطلاقه الجامح في ممارسة العمل السياسي في الشارع العراقي المضطرب، وممارسته القمع ضد خصومه وافراد الطوائف الاخرى، ولا يمكن ربط أخطاء التيار بفتوة وممارسة ومراهقة السيد مقتدى السياسية وحده فقط أو تأثير الوصاية الروحية للحوزة النجفية عليه والمتمثل في فعل ودور المرجعيات وتصوير الحال بمطرقة وسندان فقط. لابد من الوصول الى استنتاجات وخلاصات وتحليلات أعمق للظاهرة الصدرية، لا الاكتفاء بخلاصة عامة ضبابية، غير مدينة بوضوح للكارثة الصدرية وممارساتها في العراق والاكتفاء بالقول الذي كتبه السيد القرشي ملمحا بتبرير نقص الإعداد الثوري والأيديولوجي لأفراد التيار ممن حملوا السلاح ولا يعرفون وجهته بالضبط : (... ولم يكن التيار وقيادته بعيدين عن ذلك الفخ، لأن مجاميع التيار كانت تقاتل من جهة، ومن جهة أُخرى تبحث عن إسناد شرعي لقتالها، وتحاول إستخراجه من أفواه " المراجع الأربعة"، فهذا المقاتل نراه يضع يداً على الزناد، واخرى تفكر بمشروعية عمله، وهو مضطرب الإحساس، وليس لديه اليقين بأن عمله مسنون في القرآن والسنة النبوية وسيرة أهل البيت... الخ.). مثل هذا المقاتل الهش عقائديا لايمكنه السير بمعركة التحرير بعيدا لانه لم يحسم أمره ما بين الطاعة لـ "المراجع العظام" المُتنفعين من أرزاق المحتل وبين واجبه الوطني لتحرير ارضه وعرضه المدنس بالاحتلال الذي ترفضه كل الشرائع والقيم الانسانية.


ان السيد القرشي حاول أن يحسم مثل هذا النقاش بالاكتفاء: (... ان الفتوى الداعية للجهاد قد تعطلت عندما ارتبطت بالمرجعية والمؤسسة الدينية التي وزعت وكلائها من الداعين عبر الفضائيات والاعلام المرتزق المرتبط غالبيته بالمشروع التوراتي الامريكي الى رفض المقاومة الا بتصريح من المرجعية السيستانية).


لقد تم الالتفاف المنظم والمقصود لعملاء الاحتلال وتوابعه الطائفية بابعاد جماهير التيار الشيعي العربي عن مرجعية وقيادة المجاهد الكبير آية الله العظمى السيد احمد الحسني البغدادي التي حددت بوضوح ومنذ اللحظات الاولى للغزو الكولونيالي الجديد شروط الكفاح المسلح وفرض الجهاد على الجميع، ورفضت الانخراط في فخ العملية السياسية الامريكية، والدعوة الى الوحدة والمصالحة الوطنية والارتفاع فوق المصالح الضيقة والثأر للمظالم التي تعرضت لها قطاعات من ابناء شعبنا خلال عهود سياسية سابقة ، ودعت مرجعية الامام البغدادي الثورية الى حفظ وحدة العراق ارضا وشعبا، ورفض الاحتراب الطائفي، واستنكرت دون مجاملة وصراحة وعلنا سياسات الموقف الايراني في التواطؤ مع عملية غزو العراق وتدخلاته في منع وحدة فصائل المقاومة العراقية وانطلاق المقاومة الوطنية الشاملة.


ان المؤلف في مراجعته الصريحة لبعض قضايا خيبات التيار الصدري في أزمة قيادته خلال الفصل الثالث من كتابه، كان يؤكد بوضوح موقفه بالالتزام بخط المرجع الثوري المجاهد اية الله احمد الحسني البغدادي، كخط عراقي وعربي وإسلامي مقاوم بقي صلبا وصريحا للدعوة الى المقاومة دون هوادة، حيث دعى السيد البغدادي بمواقفه وخطبه وفتاواه الى المقاومة الدائمة والمستمرة لطرد الاحتلال وتصفية ركائزه وخدامه وعملائه ومؤسساته السياسية في العراق، وظلت فتاواه الصريحة تدين مواقف المرجعيات المتواطئة مع سياسات الاحتلال ، وتلك الداعية الى الانخراط في العملية السياسية المشبوهة الجارية الآن في العراق.


واذا كان ذلك موقف البغدادي والسيد علي القرشي متفقان على خط واحد، فلا يمكن إذن أن نجد اللوم منصبا على الحوزة النجفية ومواقفها المريبة من الاحتلال وحدها، والسكوت لتبرئة مقتدى الصدر وقيادته السياسية للتيار من الاخطاء القاتلة بحق التيار نفسه والشعب العراقي المكلوم جراء تلك الاخطاء . كما ان عملية تنصيب مقتدى الصدر قائدا للتيار لازالت تثير اسئلة عدة، فالشعوب العربية اليوم تنتفض ضد مسائل استلاب اراداتها بالتوريث للسلطة وربط القيادات السياسية بعوائل وأسماء معينة، فكيف الحال مع قيادة حركة شعبية جارفة في العراق أو ظهور تيار طرح نفسه كتيار مقاوم للاحتلال ويسعى الى اخراج المحتل.


وهنا قد لا نتفق مع المؤلف في تصوره: ( ان مقتدى وقع في شراك وألاعيب المحتل)؛ ذلك أن الذين عرفوا ويعرفون مقتدى الصدر وإمكانياته وظروف تكوينه السياسي او الجهادي قد سكتوا عند مبايعته ولم يعترضوا عندما وضع الصدر على رأس وقيادة التيار أو" جيش المهدي"، وهم يعلمون جيدا ان السيد مقتدى لازال قاصرا عن قيادة حركة مسلحة وثورية أو تيار بهذه الشعبية والاتساع والاندفاع الجارف من دون تدريب او تأطير عسكري وسياسي، وان مقتدى لن يكون أيضا مرجعا دينيا ، وهو بهذا العمر الفتي، وهو غير متكامل الخبرة حينها لقيادة عمل مسلح أو حركة سياسية تدعو الى تحرير العراق بصورة منفردة.


لقد استعرض السيد نذير علي القرشي العديد من مغالطات وأخطاء الخطاب السياسي "لقائد" التيار الصدري السيد مقتدى الصدر؛ بدء من قراره بحل وتصفية "جيش المهدي" وإصداره بيانه الشهير الذي اعلن فيه بأن "جيش المهدي" لا يحل إلا بأمر " المرجعية".


و مثل هذا الخطاب للتيارالصدري على لسان "قائده" مقتدى وسكوت البقية من قياداته يثير الكثير من الارتياب، وحسب نص السيد القرشي عليه وبرده على مقتدى الصدر هناك: (... فيه من الخداع والتضليل للتيار وللسياسيين، الذين من خارج التيار، لأننا نعرف أن المرجعية الموجودة في النجف الاشرف والمؤطرة بـ " رباعي المرجعية"، هم كلهم كانوا ولا زالوا أعداء لعمك ووالدك.... وان المرجعية التي ترسل وتُرجع أمر "جيش المهدي" اليها، هي متى؟ وفي اي وقت؟ كانت مع قضايا العراق المصيرية، بدءاً من الحكم القاسمي، وانتهاءاً الى المحتل التوراتي، ثم ان هذا " الخط المرجعي"[لايمتلك]، أي موقف مشرف نتذكره منه: أهو " الفتاوى": ان الشيوعية كفر وإلحاد، التي ذهب ضحيتها خيرة شباب العراق... ).


وبعد استعراض الكاتب لمواقف تلك المرجعية من البعث والتخلي عن الشعب في كثير من المواقف الصعبة حتى توجوا أعمالهم الأخيرة مع المحتل الفاقد للعواصم الخمسة المعروفة فقهيا، وشرعنة الاحتلال وشريعته السياسية. ويختتم القرشي تساؤلاته للسيد مقتدى مباشرة: (.... وهم في مواقفهم تلك يضلون العباد، ويسوقونهم الى نار جهنم بإصطفافهم مع المحتل التوراتي). ثم يوضح السيد القرشي مخاطبا السيد مقتدى: ان كان السيد مقتدى لا يقصد المرجعية ممثلة بالمراجع الاربعة، قد يقصد بقوله عن مصير وحل "جيش المهدي" ستكون بيد مرجعية السيد الحائري؟ ، فيرد الكاتب القرشي عليه مستدركا: (... فإننا نعرف ان السيد الحائري سلب تأييده منك منذ تأسيسك لجيش المهدي ودخولك المعارك البطولية مع العدو المحتل في النجف الأشرف وبقية المحافظات، اما إذا قلت: ان والدك أرجع مقلديه الى الحائري بعده، كما جاء في خطبته في جامع الكوفة، فاننا نفهم كلامه على غير ماذهبت أنت اليه، وذلك أننا نرى أن السيد أراد في تلك الفترة، ان تفتشوا عن قائد أو مرجع من داخل البلاد، ومن أبناء جلدتكم، ويتحسس بآلامكم ومعاناتكم، فلم يجد أحداً، فارسلكم الى مرجع خارج القطر، وهو يعرف ويدرك صعوبة وصول التيار اليه في ذلك الوقت... وتذكر أيضا إن عدم إمكانية الحائري قيادة التيار، وذلك لوقوعه تحت إمرة ولاية الفقيه ، وإن صفاته الشخصية لا تؤهله لقيادة مثل هذا التيار الثوري العارم. ).


لابد من الاشارة هنا ايضا الى ان الكاتب القرشي، وهو يراجع مواقف بعض المراجع النجفية كمحمد اسحق الفياض وغيره، ممن تشددوا في خطبهم ومواقفهم الطائفية أمام طلبة الحوزة ، وأعلنوا من خلال بعض من تصريحاتهم منع الوحدة الوطنية والاسلامية في العراق، طمعا بالبقاء في مواقعهم الطائفية، وبما تدره عليهم تلك المواقع والمواقف من امتيازات في تسيير الحوزات الدينية، وتضمن لهم الوجاهة الطائفية، كمراجع يمكنهم التلاعب بمشاعر وتوجهات الجماهير، التي تعاني من شظف العيش بظل الاحتلال وسيادة وشيوع التخلف والامية والبطالة في صفوفها.


وعندما فشل مقتدى عسكريا وسياسيا، كقائد للتيار، لاذ الى الظل الحوزوي ليستريح من متاعب المغامرة تلة الاخرى، وبرر موقفه احيانا بالحاجة الشخصية الى التعمق في الدراسة والتفرغ للعلم الحوزوي. لقد غادر مقتدى ساحته العراقية وذهب الى قم في ايران، وكأنه قد ترك الملعب للمجهول أو لهواة العملية السياسية من بقايا قيادات التيار التي قبلت التعامل مع حكومة عميلة فرضها المحتل.


كثيرة هي الاحداث التي تؤكد عدم كفاءة " قائد" التيار؛ بدءاً من زج التيار في حرب ضروس مع قوات الاحتلال وعملائها من جيش وشرطة لحكومة الاحتلال خلال زيارة عاشوراء، خلالها تم قتل أفراد التيار العُزَّل وقنصهم أفراداً وجماعات من أعلى سطوح البناياتات، ومطاردتهم في كربلاء ومحيطها واعتقال المئات منهم.
كان قرار " قائد " التيار تجميد نشاطات التيار المجاهد لمدة ستة أشهر. هل كان السيد مقتدى الصدر يدرك مدى خطورة قراراته المتسرعة والانفعالية، هل استند "كقائد" الى قرارات هيئة لاركان جيشه أم ارتجل قراراته التي تتسم دائما وغالباً بالارتجالية والفردية والطيش السياسي، من غير دراسة أو اجراء الإستشارة الجماعية المطلوبه، فبعد تلك الضربة الموجعة جرت حملة الإعتقالات الواسعة، بما فيها مهاجمة الديوانية، وبعدها مدينة الصدر، واستعمل الامريكان وحلفائهم كافة الأسلحة وإبادة أكبر عدد من المقاومين الصدريين. سكت السيد مقتدى، وكذلك مرجعيته الصامتة والناطقة معاُ .


لقد كان" القائد" أثناء الهجوم على الديوانية ومدينة الصدر غائبا في فترة الغياب الثانية، وفي فتنة البصرة وصولة الفرسان المالكية عليه، خرج القائد بعد الغياب الطويل الذي دام سنة ونصف ليُهًدِأ الوضع ويمسك العصا من الوسط، وبذلك مَكَِّن حكومة المالكي من إحتلال البصرة بمساعدة أمريكية، وبالإعلان عن "قيام دولة القانون ومطاردة اللصوص والمجرمين والقتلة". هي ذات الشعارات التي تقدم بها لاحقا المالكي كبرنامج انتخابي للفوز بعهدة ثانية على حساب دماء العراقيين والصدريين وآلاف المعتقلين من القوى المقاومة لسياسات الاحتلال وحكومة الاحتلال المالكية الرابعة .


وفي جميع تلك المواقف الحرجة والصعبة التي مر بها التيار وقفت القوى والشخصيات المقاومة للاحتلال مع التيار ودعمته بكل الإمكانيات في حين أدار "قائد" التيار ظهره لكل خطوة وطنية لتوحيد العمل الجهادي الوطني المشترك لمناهضة الاحتلال وعملائه.


ان تعاطف المؤلف مع مقتدى بمخاطبته غير المباشرة لمقتدى ومرجعيته الواهمة بالقول الذي حمل من التعارض ما بينهما والواضح في طي النص : [... الم تر كيف انخدع هذا " القائد"، الشاب الطيب، حاله حال اغلب العراقيين من أتباع " المذهب الجعفري" بـ " هؤلاء العلماء"؟؟؟. أليس هذا " المدعي للعلم"، اسحق الفياض ـ استاذا لهذا " القائد"، كيف استفاد المحتل التوراتي من " تسخيره" وتسخير تلميذه الشاب ].


يذهب الكاتب نذير علي القرشي في متابعته لوضع "المرجعية الرباعية" التي يدينها كثيرا في ثنايا الكتاب والمقالات التي اتسمت بجرأة وصراحة فكرية. وبعنوان جرئ ص 180 ورد بالصيغة التالية : (تأطير الرباعي المرجعي... صناعة أمريكية)، مشيرا الى ان المشروع التوراتي ـ الإستشراقي يبقى في جوهره مشروعا " علمانيا"، لكنه كما يشير الكاتب، سيوظف لخدمته العملاء والجواسيس وعلماء السوء، وممن غلبت على أنفسهم الأهواء، كحب الظهور والرياسة وطلب المال من الحكومات والدول الإستكبارية. وهؤلاء جميعا سيجنحون الى التأويلات البعيدة عن الحقيقة المتماشية مع الاستكبار.


تلكم هم "فقهاء السوء" الذين لاذوا بالصمت من الاحتلال واقتصروا على فتاوى المعاملات الدنيوية، ولم يتفقدوا الجوارح، ولم يحترسوا من الغيبة والبطن من الحرام والترجل عن السعي والمشي الى المحتل والطواغيت. اؤلئك هم المتلبسين بثوب العلم ومنهم من اطلق عليه صفة العلماء، كمثل الحمار يحمل اسفارا كما ورد في الكتاب المجيد؛ بل هم كما وصفهم الرسول القائد صلى الله عليه وسلم: ( أشرار علماء امتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلينا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، يصلون عليهم، وهم للعن مُستحقون).


يذهب نذير علي القرشي بعد عرضه حال أمثال هؤلاء" العلماء"، ممن ينطبق عليهم قول الرسول أعلاه، فيصف قيادتهم للفتنة في العراق ويقول عنهم : [ من هذا الباب دخل علينا المستعمر، فكان من أول إجرامه أنه " أطر المرجعية بأربعة أشخاص"، وثم توالت المسرحيات الهزلية على أبناء العراق وأهله، ]، وحصر العلم والفقه بهذه المجموعة من عباد الدنيا، وخدمة الكافر المحتل ليتسلطوا بحكم الفتوى على رقاب البسطاء والسذج وعديمي التفقه، وتبعهم بذلك المنتفعون والانتهازيون، والذين باعوا دينهم بدراهم معدودة، ولا ادري متى سينتهي بنا آخر الأمر مع وجود هؤلاء المتسلطين على عقول الناس].


ان مراجعة كتاب "نعم للتوراة... لا للقرآن)، للسيد القرشي في حلقته الخامسة عشرة تنتهي بملاحظات ضرورية وهامة لأنصار التيار الصدري تكشف كثيرا من المغالطات في الخطاب وترى في القيادة الوراثية إنما هي اصطفاف مرجعي – طائفي –حكومي وحل جيش المهدي بأمر المرجعية خطاب فيه من الخداع والتضليل كما أسلفنا، وان الذين أُرجعت اليهم مسألة التيار هم خلفاء المرجعية التي قتلت السيد محمد باقر الصدر وتآمرت على الصدر الثاني كما يختتم القرشي ملاحظاته بذلك ويرى فيهم انهم المختلفين قولا وعملا ومنهجا مع مرجعية الصدرين. وان تلك المرجعية التي اوكل اليها مقتدى الصدر حل جيش المهدي في بيانه يرى القرشي انها لم تكن في يوم من الأيام مع قضايا العراق المصيرية، وهذه المرجعية هي نفسها التي تصرح (... بأنها ليس لها دخل بالسياسة وهي غطاء روحي للمسلمين)، ويختتم القرشي ان البحث عن مرجعية تتوفر فيها المواصفات الثورية وترفع حقا شعار( كلا... كلا... امريكا.. كلا... كلا اسرائيل... كلا... كلا يا شيطان) هي مرجعية العالم السيد احمد الحسني البغدادي التي عبرت عن تطلعات شعبنا في التحرير ودحر الاحتلال وعملائه ومرجعياته المتواطئة مع الغزو وآثامه وجرائمه التي لاتغتفر.

 

 





الثلاثاء١٩ شوال ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٨ / أيلول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة