شبكة ذي قار
عـاجـل










"الدين أفيون الشعوب" لطالما كانت هذه المقولة التي أطلقها أحد القساوسة مثاراً للجدل والخلاف بين الرافضين لها واعتبارها كفرا وتطاولا على حرمة الاديان التي تبني أفضل المجتمعات بالشرائع السماوية وبين المؤيدين لها مثل ماركس الذي دأب على ترديدها ليتشدق بالفكر المادي الذي يؤمن به ويروجه، وهنا نجد أن كل طرف أنحاز إلى وجهة نظره بتعصب غير مبالين ببعض المحطات التاريخية التي تستوقفنا للمقارنة بين ما يدحض هذه المقولة ويفندها وبين ما يجعلها حقيقة واقعية، فصاحب الفكر المادي تجاوز التاريخ الاسلامي العريق والنقلة النوعية التي حققها الدين الاسلامي للأنسانية عندما حررها من العبودية والاضطهاد والطبقية التي كانت سائدة في عصر الجاهلية، ليخلق مجتمع حر متساوي بالحقوق والواجبات ويبين للفرد ما له وما عليه من خلال الشرائع التي نص عليها الدين ومنها خصوصية العلاقة ما بين الخالق والمخلوق التي تكون مباشرة ومتواصلة عن طريق أركان العبادة التي حددها الدين الاسلامي بدون أن يكون هناك وسيطا أو حلقة وصل بين الله سبحانه وتعالى وعباده، حتى لا تكون الحالة مشابهه لمن يتقرب الى خالقه بعبادة الاوثان.


ومن الجانب الاخر فأن المعارضين لهذه المقولة تجاوزوا تاريخ الشعوب التي وقعت ضحية السلطة المتسترة بالدين، فعندما يكون رجال الدين أصحاب نفوذ وسلطة مطلقة على كل جوانب المجتمع فمن الطبيعي ان ينعكس هذا النفوذ بشكل سلبي ليترك أثرا واضح المعالم على مسيرة المجتمع أبتداءا من الفرد وانتهاءا بالشعوب، حيث أن التوجيهات التي تصدر من رجال الدين أو مركز العبادة ستكون ملونه بصبغة دينية تصل الى حد أعتبار تلك التوجيهات أمرا مقدسا واجب الطاعة وتنفيذه ملزم على كل فرد بدون مناقشة على اعتبار أن رجال الدين حلقة وصل ما بين الخالق والعباد خاصة في المذاهب المغالية، والأمر لايقتصر على الاديان السماوية فعندما نسلط الضوء على تاريخ الفراعنة مثلا نجد أن المعبد كانت له السلطة العليا في ذلك المجتمع حتى على المركز السياسي المتمثل بالفرعون، حيث وصل نفوذ الكهنه الى التدخل بالشؤون السياسية وفرض نفسهم بقوة السلطة الروحية لتغيير القرارات والمواقف والتأثير على مراكز القوى في الدولة مما تركوا اثرا واضحا في تاريخ تلك الحضارة، بالاضافة الى سيطرتهم الكاملة على الرعية باعتبارهم عبيدا يأتمرون وينفذون دون مناقشة كما هو الحال في الأوامر العسكرية التي تصل الى حد القبول بالموت.


ومن الملاحظ تاريخيا أن أغلب الحضارات السالفة والامبراطوريات والانظمة كانت تقرب رجال الدين من مركز الحكم لنفس الدافع وهو السيطرة على الشعوب مما يذكرنا ذلك بمقولة ميكافيللي "الدين ضروري للحكومات لا من اجل الفضيلة بل من اجل السيطرة على الناس"، كما يجب أن نذكر تاريخ الصفويين وأستغلالهم الدين للتأثير على المجتمع. في النهاية يمكن أن تتوافق مقولة "الدين أفيون الشعوب" مع المجتمعات المحكومة من قبل سلطة متسترة برداء الفضيلة والدين تحرف الشرائع وتجير الدين لصالحها لتقييد الفرد باغلال العبودية التي تجعل من المجتمع مسير من قبلها لا مخيراً بعقله، أما الدين فهو ما يحمي البشرية والعلاقات الحياتية من الانحرافات إذا ما كان جزءاً من المجتمع وليس ثوباً يرتديه المتسلطون.

 

 





السبت٠٨ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة