شبكة ذي قار
عـاجـل










 تفضي المنظومة الديمقراطية الحقيقية والمعرفة في قواميس السياسة إلى ممارسة المواطنين حق الاقتراع لتحديد الحزب الذي يستلم السلطة بعد انتهاء الفترة الزمنية المحددة دستوريا لولاية الحكومة المنتخبة. الهدف المعلن للعملية الانتخابية الديمقراطية هو التبادل السلمي للسلطة في أنظمة متعددة القوى السياسية، يلعب جزء منها دور المعارضة في الوقت الذي يمارس جزء آخر الحكم ضمن حياة سياسية مستقرة. وللقوى السياسية العاملة برامج واضحة ومعلنة مشتقة من الأيديولوجية السياسية التي تأسست عليها تلك القوى والأحزاب وضمن أطر الإيديولوجية السياسية العامة للدولة المعنية. والديمقراطية بهذا المعنى تعني:

 

أولا": إن الناخبين هم مَن يحدد الجهة أو الائتلاف الذي سيحكم.

ثانيا": إن الانتخابات وصناديق الاقتراع ولا شئ غيرها هي التي تحكم الجهة التي ستشكل الحكومة.

 

ما يحصل في ديمقراطية الغزو الصهيوني الأمريكي الفارسي للعراق هو غير ذلك ويحتاج إلى تعريف جديد حيث لا نتائج الانتخابات تؤسس حكومة ولا أصوات الناخبين لها دور في تحديد مسار العملية الديمقراطية المفترضة، الأمر الذي يعني أننا إزاء ديمقراطية وانتخابات غير مطروقة.

 

لقد أُريد للديمقراطية كنمط حكم معاصر, مرجّحة ومفضّلة على أنماط الحكم الأخرى، أن تكون الستار والحاجب الأخير لغزو العراق ونحر نظامه الوطني. وأُريد لها أن تكون وسيلة الخداع السياسي للعراقيين لقبول التعاون, ولو بحدوده الدنيا بدءا, مع التفريخ السياسي الاحتلالي والمسمى بالعملية السياسية كأمر واقع لا مناص من التعامل معه. خداع العراقيين للقبول بنتائج الاحتلال عبر تمرير كذبة توقّعَ الأمريكان إنها ستفرز نتائج ميدانية إن لم تكن ربحا فلا خسارة من وراءها. غير إن من الواضح الآن إن الأمريكان قد أخفقوا في حساباتهم للعمل السياسي تماما كما أخفقوا وخسروا في عملهم العسكري. فلقد صار بحكم المؤكد إن خسائر العملية السياسية قد تكون أفدح وأكثر حرجا لجهة أميركا وإيران كرعاة وشركاء للعملية.

 

الفضيحة الأكبر التي سقطت بها العملية السياسية هي ليس فقط في إخفاقها المريع في إنتاج حكومة كما يحصل في كل دول العالم التي تمارس ديمقراطية حقيقية أو حتى تلك التي تمارس ديمقراطية صورية، بل في الكشف عن إن الانتخابات وصناديق الاقتراع والديمقراطية التي تم إنتاجها في العراق المحتل هي كذبة وخديعة كبرى لان مَن يحكم تشكيل الحكومة هي أطراف دولية غير عراقية وليس نتائج الانتخابات. إنها في الحقيقة حكومة يتفق عليها المستفيدون من احتلال العراق ومنهم أميركا وإيران ودول جوار وإقليمية أخرى بهذا القدر أو ذاك من غير أن يكون لنتائج الانتخابات أي فائدة تُذكر، سوى تكريس التمزق العرقي والطائفي. لذلك تم تناسي نتائج الانتخابات التي ضاعت بها أموال طائلة ودماء بريئة ودخلت القوى السياسية الاحتلالية بتناحر لم يعرف أحد إلى اللحظة أي سبيل لا لمنتصر فيه ولا من علامات نهاية تلوح في الأفق له. وضاع في هذا الخضم الظلامي حق الناخبين وحق الدستور وحق الديمقراطية وحق التعددية لسبب بسيط جدا، هو إن حزب الدعوة الحاكم لم يفُز في الانتخابات كما كان المالكي يتوقع..

 

وشهدت الشهور السبعة المنصرمة مسرحيات وتمثيليات سياسية وإعلامية يعجز أمامها العقل البشري إن حاول تحليلها أو البناء عليها لأغراض الخروج بتقييم محدد لما يجري وما سيحصل. غير إننا كعراقيين نراقب المسرح بعيون مبصرة نستطيع أن نلتقط بعض ما حصل ونضعه أمام شعبنا بنقاط محددة قد يؤسس عليها مَن هم اقرب منا إلى فلسفة البحث عن الحقيقة ونحن نلاحق حركة المالكي الذي أنتجته الديمقراطية الأمريكية بديلا لحكم وطني شهد له العالم بالانجاز والاستقرار وكفاءة الإدارة ووضوح الاستراتيج والتكتيك :

 

1-   تحرك الفرقاء الديمقراطيين ومنهم رئيس الحكومة الاحتلالية وحزبه نحو تركيا ومنحوها حق اختراق الأراضي العراقية ولمسافة عدة كيلومترات لملاحقة الأكراد العصاة من جهة واستثمارات تزيد على ثلاثة مليارات دولار في حقل الغاز فقط لتامين موافقتها على ترشيح المالكي لولاية جديدة. و يهمنا هنا أن نذكر إن كلا الفقرتين العسكرية والاقتصادية قد طرحت على نطاق واسع على إنها من بين أخطاء وذنوب النظام الوطني الذي نحره الغزو والاحتلال الديمقراطي فضلا عن كون التحرك على تركيا لكسب موافقتها على بقاء دولة القانون في الحكم هو خرق فاضح وإسقاط مهين للعملية الانتخابية الديمقراطية واهانة للناخبين، وأقل ما يقال عنها إنها حركة مقترنة برشوة مهينة.

 

2-  تم التحرك على سوريا لنفس الأغراض أعلاه وحصلت مصالحة عجيبة من نوعها بين دولة القانون المالكية والحكومة السورية نتج عنها وعود بمد أنابيب نفط جديدة للشقيقة سوريا ورفع سقف التبادل التجاري إلى الحد الذي يرضي الأخوة السوريين لتجاوز زعلهم الذي حصل نتيجة اتهامهم بدعم الإرهاب أو المقاومة وشتمهم ليل نهار وعلى وسائل الإعلام كلها إلى الحد الذي بدا للناس إن حكومة المالكي إنما تحرض أميركا على توجيه ضربة عسكرية مدمرة للشقيقة سوريا. الهدف كان ليس تطوير العلاقة مع سوريا محبة بها وتقوية لاقتصادها، بل من اجل كسب رضاها على المالكي ليبقى في الحكم لدورة انتخابية جديدة. ومرة أخرى تقف المقارنة هنا تفرض حالها بين الأمس الوطني الذي كان يرفع سقف التعاون مع سوريا لأنها شقيقة وعمق استراتيجي وشُتم إلى حد البشاعة لموقفه القومي ذاك حين قرر أن تكون مشتريات العراق ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء من العرب ومنهم سوريا على سبيل المثال لا الحصر. التعاون القومي يُشتم والتعاون التجاري لإغراض المساومات السياسية يكرس في زمن الديمقراطية المفلسة!!. بكلام آخر فان الرشوة مقبولة بينما الموقف القومي الأخوي مرفوض!!.

 

3-   نفس الأمر يُقال عن مساومة المالكي لمصر وللأردن ومحاولات اغراء القطرين بالمردودات الاقتصادية والنفطية التي سيتكرم بها المالكي لو قام البلدان بتأييد بقاءه. الفائز الثاني في الانتخابات الفريدة من نوعها يستجدي التأييد ليكون هو الأول. إذن لا انتخابات ولا هم يحزنون ولا ديمقراطية ولا تعددية ولا تبادل سلمي للسلطة والأمر كله خداع للعراقيين وضحك على ذقونهم. والاهم إن قرار التوزير ليس نتاج انتخابي. والعلاقة مع الأقطار العربية تحكمها مصلحة المالكي وحزب الدعوة لا أكثر ولا اقل فألف مبارك على الأنظمة العربية.

 

إيران وحدها التي لم يتحدث المالكي ولا أي من فطاحلة حزبه عن رشاوى سياسية واقتصادية لنظامها حين يؤمها كل يوم حشد من رجالها في العراق فضلا عن المقيمين هناك يديرون شؤون العملية السياسية من طهران أو من قم أو من مشهد. ربما لان إيران لا تحتاج إلى نفط العراق, غير إننا نعرف إن إيران تأخذ النفط العراقي سرا" وعلنا" وبالحلال والحرام معا. أو إن العلاقات النفطية مع إيران لا تحتاج إلى إعلان سافر يشبه الإعلان عن العلاقات المقترحة مع سوريا والأردن ومصر مثلا ! وربما لان إيران لا تهتم بالعلاقات التجارية وما يهمها فقط هو العلاقات الإيديولوجية الطائفية. وربما أيضا لان إيران لا تؤثر في العملية السياسية الاحتلالية كما هو حال سوريا والسعودية!!!ّواحتمال آخر هو إن المملوك لا يجرؤ على إعلان مساومات اغرائية مع مالكه الذي لا يمتلك حتى حق مطالبته برفع علم العراق عندما يزوره صاغرا مثل أي مملوك. ثمة احتمالات كثيرة تطرحها سياسة الإغواء بالرشا النفطية للعرب وسياسة الأخلاق والمبادئ الدينية والطائفية التي طرحتها مكوكيات المالكي وجماعته مع إيران. وبقدر تعلق الأمر بالعلاقات التجارية فان العراقيين عموما والفراتيين والجنوبيين منهم خصوصا يعرفون ميدانيا إن هذه المحافظات العراقية قد تحولت إلى سوق مفتوحة للبضائع الإيرانية المختلفة الصالح منها والطالح وان حجم التجارة الإيرانية في العراق يصل إلى عدة مليارات دولار سنويا. والغريب العجيب إن الطائفيين من خدم وعبيد ولاية الفقيه يتعاملون مع البضاعة الإيرانية للعراق وكأنها دعم للاقتصاد وللمستهلك العراقي!! في حين يروجون للعلاقات التجارية مع الأقطار العربية الشقيقة على إنها تجارة مصالح مادية صرفة ولا روح ولا إخوة فيها.

 

المالكي لا يدوس على أصوات الناخب العراقي ويهين ممارسته الانتخابية فقط بل يمارس عملا سياسيا منحطا مع العرب الذين يطوف عليهم لكسب تأييدهم إذ يقول للعالم وللعراقيين خصوصا كله إن هؤلاء الحكام العرب يُباعون ويُشترون في سوق العملات ولا تربطهم بالشأن العراقي لا عروبة ولا إسلام، بل مصالح دولاريه فقط. ونحن لا يهمنا أصلا ما يمارسه المالكي أو غيره من أطراف العمالة من تجارة بأصوات من انتخبوه بقدر ما يهمنا أن نقول لأبناء شعبنا إنكم تُخدعون وُتباع معاناتكم تحت غطاء الشيعية الكاذب. ونقول أيضا إن الانتخابات التي تنتهي باستجداء التوزير إقليميا ودوليا هي انتخابات مزورة ولا قيمة لها وتستند إلى ديمقراطية مزيّفه تثير السخرية والشفقة.

 

aarabnation@yahoo.com

 

 





الثلاثاء١٨ ذي القعدة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة