شبكة ذي قار
عـاجـل










مع خروجي ليلة أول أمس من مبنى الفضائية الفرنسية (فرانس24)، بعد ان استضافني مقدم الاخبار حكيم بالطيفه في نشرة الأخبار الرئيسية المسائية الذي تناول تطورات "العملية السياسية" في العراق المحتل، رن هاتفي المحمول وكان على الخط ان أحد الأصدقاء من المغرب وهو (شخصية وطنية معروفة) وبادرني بالتحية وقال : عدا عن الكلام المنطقي الذي قلته الآن، فأني أود ان اوضح لك أن البعض منا كان يعتقد ان موقف نظام الرئيس الراحل صدام حسين من ايران، هو بسبب ذيول الحرب العراقية - الايرانية، ولكن بعد ما جرى منذ احتلال العراق الغالي و إلى اليوم أثبت صدق رؤيته لجار السوء ايران، و ان ما تقوم به بعض قيادات الاكراد، التي تهدد وحدة العراق وسيادته، تؤكد لنا الآن حجم المؤامرات التي كانت تحاك ضد نظام البعث. وأود ان اعترف لك أن الكثير من الأمور كانت غائبة عن رؤيتنا لمجمل التطورات التي كانت تجري

 

ما أريد الآن ان أوضحه لهذا الصديق الذي أحترم، و التي تمتد معرفتنا لأكثر من عشرين عاماً، منذ ان كان لاجئا سياسيا في فرنسا، والتي لا يشوب تاريخه الوطني والنضالي أي شائبة. أننا في المشرق العربي، وبحكم معايشتنا لكل مايجري، كنا ندرك بحكم نظرتنا القومية حجم الأخطار التي تهدد أمتنا العربية

 

هذا الحديث أثار بي شجناً عميقاً، و ذكريات وفية، لشخصتين من المغرب العربي، كانا يمتلكان فهماً دقيقاً للأوضاع العربية، و يتحليان بصدق الموقف وادراك عميق للمخاطر الكبيرة التي تهدد أمتنا

 

الأول هو الصديق و الراحل الكبير الفقيه محمد البصري، الذي زارني في مكتبي بباريس عقب غزو العراق و احتلاله و انطلاق المقاومة العراقية الباسلة والمشروعة. ونظر مطولاً إلى صورة الرئيس صدام حسين التي اعلقها على الحائط في صدر مكتبي وقال: (هذا خير رجال هذه الأمة). ثم اوضح لي: اود ان اتناقش معك بمشروع اصدار مجلة اسبوعية من باريس تهدف للدفاع عن المقاومة في العراق و فلسطين. ثم قال لي: ان الدور الايراني المشبوه والمدان في تسهيل غزو العراق واحتلاله واضح لنا. لما يكنه الفرس من حقد على العرب وخاصة على العراق، كان صوته يتهدج من الالم على احتلال العراق ثم روى لي هذه الواقعة 

 

قال: بعد إنتصار "الثورة الإسلامية" و وصول خميني إلى السلطة، ذهبنا كوفد كبير للتهنئة و لإيجاد حلول للقضايا العالقة بيننا وبين ايران وهي: الجزر الاماراتية الثلاث، وشط العرب مع العراق، وتسمية الخليج وبعد تحديد الموعد مع خميني، تركونا ننتظر أكثر من نصف ساعة عن الموعد المحدد، ثم دخلنا لنجد ان خميني قد وضع مترجم معنا (مع انه يتكلم العربية مثلنا) وبعد التهنئة أخترنا ان نبدأ بالمشكلة الأسهل وقلنا له: نحن نسمي الخليج بـ العربي، وأنتم تسمونه بـ الفارسي، وطالما أنكم ثورة "اسلامية"، فنحن نقترح و لدينا موافقة من جميع الدول العربية بما فيه العراق، على ان نطلق على الخليج اسم الخليج الاسلامي طالما ان جميع الدول المطلة عليه هي اسلامية وان ندع تسمية العربي والفارسي. فأجابنا عبر المترجم: الخليج فارسي وسيبقى فارسياً. فآثرنا ان نتوقف هنا وان لا نطرح المشاكل الأكثر صعوبة

 

عندما خرجنا من مكتبي لأيصاله الى الفندق الذي ينزل به، و قبل الصعود الى سيارتي، رأينه يترنح و يهوي نحو الارض، عندما امسكته من يده حتى لا يسقط بشكل مريع، غاب عن الوعي، و بدأت ادلك صدره و اصيح لمن في المكتب لأعطائي زجاجة ماء و الاتصال بالأسعاف، و نقلناه الى المستشفى لنكتشف هناك اصابته بأزمة قلبية، من ألمه على ما جرى. بعد شفائه غادرنا عائدا الى المفرب برفقة زوجته السيدة سعاد، و بعد اقل من شهر اتصلت بي السيدة زوجته لتقول لي باكية: الفقيه اعطاك عمره.. رحمه الله 

 

الشخصية الثانية هو الاستاذ منصور الكيخيا (وزير خارجية ليبيا السابق، ومندوبها في الأمم المتحدة) قبل ان يتحول إلى معارض لنظام القذافي. ورغم انه أخبرني يوماً، ان القذافي شخصياً هو من قاد "الجرافة" التي عملت على تهديم منزله في ليبيا وإزالته من الوجود

 

كان "أبو رشيد" عائداً من زيارة إلى الولايات المتحدة، زرته في منزله في ضاحية "سان كلو" الباريسية. وتحدثنا مطولاً عن الأوضاع العربية، وكان يتكلم بمرارة عن الجهود الامريكية الحثيثة لإطاحة النظام العراقي (مطلع التسعينات). وقال لي : طالما ان صدام حسين له هذه المواقف الشريفة من فلسطين وباقي القضايا العربية، فأنهم سيعملون على الاطاحة به

 

ثم نظر إلي وقال: بحكم الثقة التي بيننا أريد أن أخبرك سراً.لقد إتصلت الادارة الامريكية بي أثناء وجودي هناك، وعرضوا علي كان اسباب الدعم في مواجهة القذافي. وأجبتهم: اننا أرفض ان أمول أو أدعم من أي أحد. لأنني ارفض ان أكون عميلاً. و في هذه الخيارات، فأنني افضل ان اكون "عميلا" لوطني و حتى لنظام القذافي الذي اعارضه على ان اكون "عميلا" لكم أو لغيركم

 

و يوماً غادر ابو رشيد باريس إلى القاهرة لحضور مؤتمر حول حقوق الانسان العربي، وتم إختطافه من هناك وأختفت اثاره حتى اليوم. بعد فترة إلتقيت بباريس مسؤول اللجان الشعبية الليبية في فرنسا وقلت له: لو لم يكن لنظامكم معارض وطني حقيقي مثل منصور الكيخيا، لكان عليكم إيجاد معارض شريف من صنفه

 

ما أردت تسجيله في هذه المقالة، لا داع لشرحها، وأترك ذلك لفهم القارئ الذي يهتم بقضايا أمتنا العربية .. وما أكثرها .. وما أمرها

 

 





الاحد٠٨ ذي الحجة ١٤٣١ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / تشرين الثاني / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب علي نافذ المرعبي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة