شبكة ذي قار
عـاجـل










تشتهر المجتمعات العربية  ( خصوص )  بالتمسك بإمجاد أسلافها والتفاخر بانسابها ،، على اساس أن الخلف يحمل دم السلف ويرث عنه صفاته ،، إلا أن المجتمعات العربية لم تحتكر هذه الطبيعة الأجتماعية أو تنفرد بها ،، بل نقلتها إلى المجتمعات المحيطة بها  ( مثل إيران وتركي )  حيث ظهرت بوضوح على سيرهم وتاريخهم ،، وكذلك تأثرت بها أغلب المجتمعات التي وصلتها الفتوحات الأسلامية ،، ومن الطبيعي أن تتعرض أي حالة أجتماعية إلى أستغلال شخصي يترك أثراً عليها ،، وما نريد تسليط الضوء عليه في هذا الموضوع هو الأدعاءات الكاذبة بالنسب الهاشمي.  

 

لا يختلف المجتمع الأسلامي عن غيره باحترام وتقدير الانساب ،، خاصة الهاشمية منها ،، المتعاقبة من ذرية اولاد علي بن ابي طالب  ( ع )  ،، حيث يكون لذريتهم موقعاً مميزا في المجتمع الأسلامي ،، والمجتمع الشيعي بصورة خاصة ،، على أعتبار أن القاعدة الفلسفية للمذهب الشيعي تعتمد على الإمامة المتوارثة من الاب الى الابن في أولاد علي بن أبي طالب  ( ع )  ،، فلا بد أن يكون لذريتهم مكانة كبيرة في المجتمع الشيعي ،، خصوصا أن المذهب الشيعي من المذاهب المغالية ،، وقد حظي هذا الموضوع باهتمام كبير من قبل البعض لما يحمله هذا الترابط من تأثير في المجتمع الشيعي ،، وخصوصاً الفرس ،، فظهرت أكذوبة زواج الحسين بن علي  ( ع )  بشاه زنان بنت كسرى ليولد لهما علي السجاد بن الحسين الذي خرج من صلبه بقية الأئمة المعصومين لدى الشيعة الاثنا عشرية ،، من أجل أن يقال أن دم ملك الفرس أختلط مع الدم الهاشمي ليجري في عروق الأئمة!!.

 

ولو راجعنا تاريخ الصفويين لوجدنا أنهم حرصوا على استغلال هذه الميزة الاجتماعية ،، ونسبوا أصولهم الى بني هاشم لما يحمله هذا النسب من تأثير على عامة الشيعة ،، كذلك لفت هذا الموضوع أهتمام البريطانيين ،، فأرسل هوارد جونس الوزير الإنكليزي المفوض تقرير سري إلى الخارجية البريطانية نقتبس منه هذا الجزء "يجب أن نرسل عددا من السادة  ( أصحاب العمائم السوداء )  والآيات والملالي والدراويش من الهند إلى المراكز الدينية للشيعة وأماكنهم المقدسة التي يتبركون بها، لندير بالتدريج هذه الطبقة من رجال الدين في إيران كما نريد"،، وهنا يظهر أن بريطانيا صنعت من بعض الهنود رجال دين وربطتهم بالنسب الهاشمي  ( لاحظ أشارته للعمامة السوداء )  !!،، وهذا يصل بنا إلى الأدعاء الباطل للخميني بالنسب الهاشمي رغم أنه من أصول هندية حسب ما أشار أليه بكتاب  ( شرح دعاء السحر ص9 )  ،، كذلك أكده الدكتور موسى الموسوي ،، حيث قال ،، أن والد الخميني قدم من الهند وكان يحمل أسم  ( سينك )  قبل أن يكنى بـ  ( مصطفى )  ،،  ( كتاب الجمهورية الثانية للدكتور موسى الموسوي ص 352 )  ،، ومن الجدير بالذكر أن شقيق الخميني الكبير يدعى  ( بسنديده )  ،، وهو أسم هندي ظل محتفظ به حتى وفاته.

 

من المؤكد أن خصوصية النسب الهاشمي دفعت البعض للأدعاء به للحصول على الاحترام والتقدير الذي يناله حامله في المجتمع الشيعي ،، وهناك من أدعى به لكسب بعض المردودات المالية كالخمس والنذور التي يفضل عامة الشيعة منحها لصاحب النسب الهاشمي الذي يطلق عليهم اليوم كلمة "السيد" بدلا من العامي  ( الذي لا يعود بالنسب الى بني هاشم )  ،، ومع مرور الزمن زاد عدد المدعين بالنسب الهاشمي بألقاب جديدة مثل الموسوي ،، الحسيني ،، الحسني ،، الرضوي ،،، الخ ،، للدلالة على أن حامل كنية  ( الموسوي )  من ذرية الأمام موسى الكاظم  ( ع )  ،، والحسني من ذرية الحسن بن علي  ( ع )  ،، وهكذا ،، لكن هذا لايعني أن كل من تلقب بهذه الألقاب هو كاذب ومدعي ،، إلا أن معظم المدعيين يربطون نسبهم بالأمام موسى الكاظم  ( ع )  لكثرة أولاده وأحفاده ،، مما يسهل عملية الربط الزائف مع ذريته المنتهية فروعهم بوفاة اخر الفرع دون ان يعقب فيتم الربط مع هذا الفرع المبتور ،، وبعض من هذا التزييف يكون مكشوف لدى الباحثين والعارفين بأصول المشجرات وعلم الرجال والانساب أو ورثة المشجرات الصحيحة أنفسهم ،، ولهذا تجد أن لبعض المدعين أكثر من سلسلة نسب تختلف من مصدر لاخر ليعطي الاختلاف تشكيكا بالخطاء يطغي على عملية الإقحام والربط الزائف ،، مثل آل الطباطبائي الحكيم ،، الذين أختلفت المصادر بنسبهم وتسلسلهم.

 

الجدير بالذكر أن ظاهرة الادعاء بالنسب الهاشمي أتبعت من قبل الغرباء القادمين من مناطق أخرى لكي يحضوا بالاحترام والتقدير في المجتمع الجديد ،، رغم عدم امتلاكهم ما يثبت صحة أدعاءهم إلا أن الناس تصدقهم بدافع البساطة ،، وأشهار النسب الهاشمي بين العامة أصبح كافياً للأثبات حتى وأن غاب الدليل التاريخي ،، في كتاب  ( المشاهد المشرفة )  للسيد حسين ابو سعيده الموسوي  ( وهو باحث تاريخي ونسابة معروف في النجف )  ،، يذكر أن نسب المرجع أبو القاسم الخوئي يعود للسيد تاج الدين محمد  ( المدفون في أذريبجان )  ،، ويعتمد في هذا الربط على مصدر واحد هو الخوئي نفسه ،، حيث يذكر  ( حسب قوله )  ،، وللتاريخ ،، أذكر أن السيد حسين أبو سعيده الموسوي ذكر مرة أن قرار القيادة العراقية الذي صدر بنهاية التسعينات بعقوبة السجن لمن يدعي انتسابه الهاشمي بدون أثبات قد أسقطت الكثير من العمائم السوداء عن الرؤوس وحل محلها عمائم بيضاء ،، لكن ما أن أحتل العراق وحلت عليه بركات المحتل حتى عادت العمامات السوداء للظهور من جديد على رؤوس كانت تعتليها العمامة البيضاء ،، وكذلك أنتشار ظاهرة أرتداء  ( الكوفية )  الزرقاء والخضراء والسوداء ،، وتبدلت الألقاب من  ( أسم العشيرة )  إلى  ( الموسوي )  ،، ويكاد أن يكون عدد مدعي النسب الهاشمي بالعراق يتجاوز الخمسون بالمائة من العراقيين ،، فأصبحت المؤسسات الحكومية يديرها مدعوا النسب الهاشمي ،، المدير ورئيس القسم والمناصب المهمة يتربع على كرسيها  ( السيد ) !!،، فبعد أن كانت الشهادة والخبرة هي المؤهل الوحيد التي يحدد بموجبها الرجل المناسب في المكان المناسب ،، حلت محلها كنية  ( السيد )  لتقرر مصير الوظيفة.

 

مسألة الأدعاء الكاذب بالنسب الهاشمي أصبحت حالة عامة أنتشرت في جميع الطوائف الأسلامية بدون أستثناء ،، ولمعرفة حجم الأدعاء بالنسب الهاشمي فما عليك سوى الصراخ بكلمة  ( سيد )  في الشارع حتى ترى العدد الكبير من الناس الذين سيلتفتون نحو مصدر الصوت ،، ولهذا فأن أفضل علاج للمشكلة هو أجراء تحليل للـ  ( DNA )  لاثبات صحة الأدعاء!!.

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الايرانية والتاريخ الصفوي

٢٥ / كانون الاول / ٢٠١٠

 

 





السبت١٩ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٥ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة