شبكة ذي قار
عـاجـل










نشرت شبكة البصرة المجاهدة حوارا مطولا مع الشاعر رعد بندر لمناسبة الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس صدام حسين رحمه الله ...

 

 

نص الحوار :

الشاعر الكبير رعد بندر يستعيد ذكرى الشهيد صدام حسين ، ويزلزل الأرض تحت الأدباء المتخاذلين والمترددين .

 

لم يستشهد في ليلة الوقوف على عرفات إلا مسلم ابن عقيل في الكوفة وصدام حسين في بغداد .

صدام حسين أحزن أعداءه بطريقة استشهاده .

سينحني التأريخ الكوني أمام المقاومة العراقية .

التحرير قادم لا محالة .

إذا كانت تذكرة دخوا العراق مجانية فتذكرة الخروج منه ستكون باهضة الثمن .

الديمقراطية لا تسمح لادباء الداخل حتى بالعطاس بوجه المحتل .

لا يوجد أديب فلسطيني واحد يسمي الاحتلال تحريرا .

جمعوا المناضلين في (لوري قلاب) ليترأسوا الهيئات والشبكات الاعلامية .

يا دمي .. كن دمي ... ويا أضلعي كن َّلي سُلّمي .. 

 

 

فارس لا يشق له غبار ، عدته يراعه الصارم وقلبه الجريح المتألم ، غريب على خليج الاحزان ، لو بحثت عنه لا تجده وإذا بحثت ثانية تجده حنينا يتوزع وأكفا تمسح دموع الأمهات والبنات في العراق ، وفراشات أمل تدغدغ خلجات أطفال العراق .

 

غائم بثقل همومه بعد أن غاب قمر العراق وغابت شمس العراق ، لكن الوعد ملء جوانحه ، والأمل يدفع بأشرعته فتراه تارة يبحر بك لآفاق انبلاج الفجر الموعود وتارة يتفجر ينابيعا من الشعر العذب الفرات ليروي ظمأ العراقيين المتعبين فتشرق وجوههم بأمل الانتصار وأخرى ممسكا بتلابيب المحتلين والخونة والمأجورين هازهم بعنف اقتدار الحق على الباطل ومسجلا بحروف من الذهب بطولة الشعر المقاوم في أبهى صفحات التأريخ ..

 

إنه الشاعر الكبير رعد بندر شاعر أم المعارك يستضيفه موقع البصرة في حوار لمناسبة الاحتفاء بالذكرى الرابعة لاستشهاد شهيد الحج الأكبر الرفيق القائد صدام حسين رحمه الله وطيب ثراه .

     

متى كان لقاؤكم الأول بصدام حسين ، وكيف واجهتم نبأ استشهاده ؟

 

في تموز يونيو 1980 كان لقائي الأول معه ، حين انتهى اللقاء قال (سلِّم لي على أهل البصرة ، وسلم على والدك) قلت له والدي قد توفي قبل ثلاث سنوات ، وضع يديه على كتفيِّ وقال ( من لديه شاعر شاب مثلك لم يمت ، منذ هذه اللحظة سأكون أباً لك ) ، منذ ذلك الوقت وأنا أحفظ لإبوَّته مكانتها السامية في نفسي .

في يوم السبت 30/12/2006 كانت قناة الجزيرة تبث لقاءاتها مع بعض السياسيين والمحللين ، ماذا لو تم اعدام صدام حسين ؟ في السادسة صباحا ثمة رفّة موجعة في قلبي ، قلت لزوجتي لقد استشهد الرئيس ، قالت متلعثمة هل أعلنوا الخبر قلت لم يعلنوه ولكنني شعرت بذلك ، بعد لحظات أعلنت قناة الجزيرة استشهاد الرئيس .

 

ما سر كل تلك الدموع التي ذرفت والشموع التي اتقدت والقصائد التي كتبت في رثاء هذا القائد ؟ أين تجد عظمة صدام حسين ؟ هل هي في بناء دولة عصرية متقدمة أم في طريقة استشهاده الشامخ ؟

 

صدام حسين ليس قائدا بالصدفة ، لقد خلق هذا الرجل لكي يكون على ما كان عليه ، عاش كبيرا ومات كبيرا ، قليلون هم الموتى الأحياء ، أمر يدعو الى الدهشة أن يُهنِّيء الفاقدون أنفسهم على مَن فقدوه ، صدام حسين جعلنا نُهنِّيء أنفسنا على استشهاده ، ومِن المتعارف عليه أن يبتهج أعداء القتيل بقتله ، صدام حسين أحزن أعداءه باستشهاده ، رجل مثله ليس من السهولة أن يتكرر ، ولهذا سيكون قبره مزارا وستحتاج قرية العوجه الى مئات المترجمين لإصطحاب زائريه .

 

من يقرأ شعركم بعد استشهاد صدام حسين يجده ابلغ وأروع مما كان من قبل بماذا تفسر ذلك ؟

 

أنا لم أفقد صدام حسين فقط بل فقدت العراق أيضا ، الشاعر الذي يفقد عينيه تنبت في أصابعه عشرُ عيون ٍناتئة ُالدموع .

كل مليمتر واحد قطعته مشيمتي بدورانها خلفي وأنا أغادر العراق منحني ملايين الأميال من المطاولة .

ابتسامة صدام حسين وهو أمام الموت وضعت في يدي دِلاءا وحفرت تحت أقدامي بئرا من الضوء .

دماء العراقيين التي سالت وأضلاعهم التي تقوَّست على مواجعهم .

هلاهل العراقيات لشهدائهن .

كبرياء الأمهات الذي يذكرني بالأم اليونانية التي كانت تودِّع ابنها وهو ذاهب الى القتال وهي تقول له : عُد حيا أو ميتا ولكن لا تعُـد منهزما .

أنين المعتقلين الذين كل ذنبهم أنهم لم يرتضوا لأنفسهم أن يكونوا مهرِّجين في السيرك .

المقاومة العراقية التي سينحني أمامها التأريخ الكوني .  

 

هؤلاء هم مادتي للكتابة ، ولهذا فإنني أرى أن أدب المقاومة ليس بكاءا على الأطلال وليس أدبا تجفيريا ولا تأرَّجُحيا أو انتقائيا ، إنه أدب يُسمِّي القتلة بأسمائهم ، لا يهادن ولا يخاتل أو يراوغ ، يفضح القتلة ويُعرِّي الجناة ويُضيء دماء الضحايا ، أدب يُقبِّل أيدي المقاومين ويملأ شواجير بنادقهم بالحروف .

 

ما هو مصدر تفاؤلكم بزوال الاحتلال وأذنابه وعودة العراق الى أهله الشرعيين ؟

 

إنني واقعي بطبعي أقتفي أثر مواطيء أقدام التفاؤل التي لم أعهد هشاشتها من قبل ولهذا أنا على يقين من أن العنقاء ستنفض عنها الرماد ثانية ، وسيقود الوطن صانعو جماله والقابضون على جمر دمائهم ، أما الذين يرفعون ياقاتهم الآن في العراق فسيُركلون على مؤخراتهم إلى المزابل ، التحرير قادم لا محالة ، إن التنقيب الماهر في فطرة وتكوين العراقي تكشف عن مواجهات عنيفة يختلقها مع نفسه فتفرز من بين ما تفرزه النقمة على كل ما يحيط به ، هذا الكائن الصبور والخجول والمتشبث بانسانيته وأرضه حد اللعنة قادر في لحظات على استدعاء شراسته دفعة واحدة وعندها تتحول مساماته الى أفواه مدوية فإذا كانت تذكرة دخول العراق مجانية فستكون تذكرة الخروج منه باهضة الثمن .

 

كيف تقيمون الأدب العراقي المقاوم ؟ وأين هو من الأدب الفلسطيني المقاوم آخذين بنظر الاعتبار الفارق الزمني ؟

 

لا يوجد أدب للمقاومة في الداخل ليس لعدم وجود حاضنة  له فقط بل لاصرار من يحملون صفة الأدب على تبني العتمة بكل صخبها ، لكن هذا لا يعني أن كل أدباء الداخل يخضعون لهذا التوصيف ، خاصة وأن الديمقراطية لا تسمح لهم حتى بالعطاس بوجه المحتل وحكوماته فإذا تجرأ أحدهم على انتقاد درجات الحرارة مثلا وقال بأنها أكثر ارتفاعا عما كانت عليه قبل 2003 فسيتهمونه بشتى التهم التي تضعه أقلهن مرارة أمام فوهة مسدس كاتم للصوت ، أما الآخرون فمنهم من اتخذ الحياد البائس طريقا سالكة للبقاء داخل المشهد الأكثر بؤسا وهؤلاء هم المبتسمون دائما أمام الدبابات ومن فوقها والحكومات ومن تحتها والذين لا يريدون دخول الجنة بضربات الهراوات كما يقول لينين ، ومنهم من تجاوز مرحلة توزيع الابتسامات الفوقية والتحتية الى مرحلة (الردح) الثقافي وهؤلاء لا يترددون عن مسح حذاء الجندي الأمريكي وهو في طريقه لقتل عائلة عراقية في حين أن الحَمَل الوديع الذي بداخلهم سرعان ما تحول الى دب شرس لمجرد اعلان قرار اغلاق النوادي التي يتقيأون على طاولاتها فتظاهروا من أجل شرف حريتهم التي اغتصبت ، (أيها الأحبة لقد فُضَّت بكارة حريتنا فموتوا تحت أقدام شرفها المنتهك) ، هذا ما قاله لوسفير شيطان الفردوس المفقود في خطبته أمام آوانيه المستطرقة ، وبالمقابل فليس كل الذين خرجوا بعد الاحتلال يستحقون أن نرفع لهم قبعاتنا فالبعض منهم يغرد خارج جرح العراق وكأن أرتال المحتل تسير على شوارع مقاديشو والبعض يرمي بدبقه صوب الداخل بحثا عن أيدٍ جاذبة ولم يتبق إلا الذين يحملون فوانيسهم في النهارات المعتمة اضافة الى عدد محدود ممن غادروا العراق قبل احتلاله وهؤلاء لم يلقوا بعراقيتهم على أعتاب دكاكين السمسرة كما فعل غيرهم بل حافظوا عليها وعانوا من أجل حراستها الكثير ، عليه ستكون أية مقارنة بين الأدب الفلسطيني والعراقي بهذا الجانب تحايلا على الواقع .

 

من البديهي إذا ما تم احتلال وطن ما تشرق عليه شمسان : مقاومة البندقية ومقاومة القلم ، في العراق لم تدع المقاومة ُالمحتل َمن أن يلتقط أنفاسه أما مقاومة القلم فانطوت على عشوائية الموقف وهلاميته إلا من رَحِمَ العراق .

 

بالتأكيد هناك أوجه اختلاف كثيرة بين أدباء البلدين منها :

لا يوجد أديب فلسطيني واحد يسمي الاحتلال الصهيوني تحريرا .

لا يوجد بين الأدباء الفلسطينيين من يروِّج للحكم الثيوقراطي (الديني) ويتقافز أمام عرَّابيه .

لا يوجد بينهم من كان ذا شاربين كثيَّن وما أن دخل المحتل العراق حلقهما ليبدو ليبراليا وهو لا يمت لليبرالية بصلة إلا بشاربيه المحلوقين .

لا يوجد بينهم من تقوَّس ظهره على كتاباته للنظام الحاكم وما أن ديس وطنه ببساطيل المحتل وتغيرت الوجوه ادعى أن ما كتبه قد كتبه وسيف النظام على عنقه !!

إنني أفهم معارضة الأديب على أنها رفض لكل ما ينتجه النظام وعدا ذلك فهو دعارة سياسية بامتياز .

 

بعض الأدباء العراقيين أداروا ظهورهم لوطنهم المحتل في حين انبرى أدباء عرب وأجانب للكتابة عنه بماذا تفسر ذلك ؟

 

أولا أحيي كل الأدباء العرب والأجانب الذين كتبوا لمحنة العراق وناصروا شعبه ومقاومته ، وجوابا على سؤالك أقول : أحدهم سأل الحسن البصري قال ما حُكْم ُمن يقتل ذبابة في الحرم المكي ؟ أجابه : ويحكم يا أهل العراق تقتلون الحسين ابن علي وتسألون عن حكم من يقتل ذبابة في الحرم المكي !. هل يوجد تفسير لهذه الضآلة الأخلاقية ؟ إن من تثاءب تحت خوذة المحتل وانحاز له وبشَّر به دخيل على عراقيته ومع هذا فقد نجد لوضاعته وانحطاطه تبريرا كونه نتاج العقل الناقع بالمثولوجيا بوصفها الديني الطاريء وليس الأسطوري المتجذر وإلا بماذا تُفسَّرُ ظاهرة ُالتبرع بالوطن ؟ هناك أدباء كونيون لم يفرطوا بأوطانهم أو يديروا لمحنها ظهورهم ريماك وبريشت توجَّها للجبهة الألمانية كمحاربّين ، سيغفريد ساسون قاتل في الجبهة الفرنسية ، فولتير رفع يافطات الإدانة بوجه غطرسة البلاطيين ، نيتشه سفّه النازية في فرنسا وغيرهم كثير في حين نجد في العراق من يسمي المحتلين بالأصدقاء ويستميت للدفاع عن جرائمهم .

 

ماذا نتوقع من جوقة سماسرة أيبست زراديمهم يافطة ُنعي الشاعر الكبير يوسف الصائغ حين رفضوا تعليقها على جدار اتحاد الأدباء وهو من مؤسسيه ، تخيَّل يافطة من القماش الأسود جعلتهم يتحسسون البلل تحت أحزمتهم !

 

كم تضحكنا الاستعراضات البطولية الجوفاء سواء لمن خرجوا من العراق أو الذين ما زالوا في الداخل ونقلوا أقلامهم كما تُنقل البنادق من كتف الى أخرى وكم نشفق عليهم حينما يدعون بأن ما كتبوه للنظام كان درءا للمخاطر التي قد يتعرضون إليها ، ونعرف ويعرفون أن ما كتبوه كتبوه وهم في كامل نفاقهم الفاقع وحينما كانوا يتدافعون أمام مكاتب رؤوساء التحرير متأبطين نصوصهم تدافعوا وهم في أعتى حالات حيويتهم الإنتهازية .

 

قد تتقبل عقولنا تبرريهم الفج والمخجل هذا لو أنهم نشروا نصا أو نصين واكتفوا بذلك ولكنها تبصق عليهم حين تجد أن نصوصهم التي نشروها قادرة لو أحرقوها على بقاء أكواخ سيبيريا دافئة طوال شتاء قارس .

 

جسدت الملحمة الغنائية للشاعر الليبي الكبير علي الكيلاني (من يجرا يقول) مشاعر العرب تجاه الرئيس الشهيد ، هل دار في خلدكم أن تكتبوا واحدة على غرارها ؟

 

إنني أعمل على هذا ، بالمناسبة أنت تعرف كان لفعل الأغنية الوطنية العراقية فعل الدبابة في الجبهات قبل الاحتلال ولكنها انحسرت وتراجعت بعد 2003 عدا إضاءات قليلة لا تشكَّل اضافة واضحة الى مسيرتها الطويلة بكل تأريخها المبهر ، وأعني هنا ما أنجزه الفنانون والشعراء المناهضون للاحتلال خارج الوطن وسبب ذلك يعود الى عدم توفر الامكانات المادية التي تدعم مشاريعهم وتذلل صعوبات معيشتهم كما أن إعلام الداخل الذي ينقر على دف استرضاء الحكومات قد حول الذائقة الجمعية الى ذائقة ذات ايقاع طوباوي واحد وحشرجات عقيمة تغازل الدعاة الثيوقراطيين قد أسهم في انتكاستها وتغييبها وهي حالة مقصودة ومدروسة تتبناها نقابة الفنانين الحالية التي أفرغها القائمون عليها من محتواها الوطني وحولوها الى دكة لغسل الموتى .

 

وللعودة الى السؤال أقول أن الملحمة الغنائية للأستاذ علي الكيلاني قد تفردت بضخامتها وحيوية انبعاثاتها وقد جسَّدت استشهاد الرئيس صدام حسين بطريقة زاخرة بالمشاعر وانتقدت مسرحية المحاكمة التي جرت بسخرية لاذعة وقدمت نفسها للمتلقي وهي مضيئة بعروبيتها الراسخة .      

 

أمر وارد في هكذا أعمال أن يتغلب النص على اللحن والعكس صحيح ولكن الكيلاني أطلق قامتين متساويتين قامة النص وقامة اللحن اضافة الى الاداء ، ليس غريبا على مبدع مفعم بالضوء كالكيلاني أن ينتج مثل هذا العمل الخالد .

 

كيف تنظر إلى تداعيات الاحتلال بعد استشهاد الرئيس على الجيل الحاضر والأجيال اللاحقة ؟

 

في العراق احتلالان أمريكي ظاهر وإيراني باطن ، الأول في طريقه الى المغادرة بكل اطراقات أوجه جنوده كما أسلفت ، الخطر يكمن في الاحتلال الثاني الذي يؤدي مهمتين مصيريتين بالنسبة إليه هما مسح العقل وتنصيب الآلهة ، والنتيجة أننا أصبحنا أمام ظاهرة الإقطاع الديني ، المذهب هو الأرض والأتباع هم الفلاحون .

بالتأكيد ستكون تداعيات الاحتلالين شاقة وقاسية وطويلة ، أما عن استشهاد الرئيس فسيبقى مشهد الإعدام حاضرا في الفكر البشري ، دائما ما يكون انتماء العقل للأبطال الأسطوريين مبنيا على نتاج المخيلة ، من منا رأى رينيه أو أنكيدو أو أخيل ؟ ومع هذا انتمينا إليهم ، يقول أودن عندما كتب عن درع أخيل : تخيَّلته وعقدت صداقة معه ، الأمر مختلف تماما مع صدام حسين لقد رأه الجميع في مشهد إعدامه ، إنه البطل الخارج من بين قوسيِّ المخيلة وغيبياتها ، هناك دعم إلهي لهذا الرجل لكي يُعمِّرَ على الأرض طويلا .

 

كيف ودعت دار الكتب والوثائق التي أحرقها المحتلون وأعوانهم ؟ بل كيف ودعت العراق ؟

 

كنت مبتهجا بوجودي في دار الكتب والوثائق ليس بوصفي مديرا عاما لها بل شاعرا ، كانت الدبابات الأمريكية على مقربة منها حين اندلعت بها النار ، الغزاة لا يعبأون بذاكرة الأوطان المحتلة .

 

المتنبي والأخطل ورامبو وجرير وسارتر وأخوان الصفا والحلاج والجواهري وكولن ولسون وشوبنهاور وحسين مردان وتولستوي وروسو وبريتون وابن رشد وهوميروس تركوا لحمهم المحترق على الرفوف وهرعوا بما تبقى من أجسادهم لإطفائها دون جدوى ، من الغرابة أن يدلق الموتى لحومهم على النار لتخمد في حين يتدافع الأحياء كي ينفخوا عليها لتشتعل !!

 

يبدو أن الذاكرة كانت تقلق دعاة الحرية .. ولكن ماذا عني ؟ كل الذي فعلته لحظتها أنني قلَّدت صوت سيارات الإطفاء !.

 

أما كيف ودعت العراق فقد كتبت ذلك في قصيدة طويلة سأذكر لك مقطعا منها :

 

أنا شاعر ٌناتِيء ٌمثلما مِرفق ٍفي زحام ْ  

معي في الحقيبةِ نايٌ أوزِّع ُأفواهَه ُفي جيوبي  

تأفّفَ موتي لأن َّالمقابرَ مرَّت ْعلى بابِهِ مطبقاتِ الجفون ْ  

أخاف ُارتباكي وأخجل ُمن موطن ٍقد يظن ُّبجرحي الظنون ْ   

هو الموت ُ  

فاربط ْعلى دمعتيك َالحزام ْ  

يا دمي كُنْ دمي  

ويا أضلعي كُنَّ لي سُلّمي  

تُقلّبُ وجهي يدٌ أسودٌ ريقُها  

سحبت ُقماطي وَرَائي  

وجِلْدي يحزّ ُبأسنانِهِ في ردائي .

 

هل تعتقد أن الأدب والاعلام المقاوم يسيران بخط متواز مع المقاومة على الأرض أم ما يزالان قاصرين عن اللحاق بهما ؟

 

إعلام المقاومة يسير بخطىً بطيئة ولكنه مؤثر وبارز والسبب ليس في منظومته أو الضاخين له ولكن في قوة التعتيم عليه والتي هي واحدة من استراتيجيات الآخر الذي يؤمن أن الإعلام ثلاثة أرباع النصر أو الهزيمة خاصة في معركة مصيرية لم تنتهِ بعد ُطرفها الأول أمريكا وإيران بكل تقنيات وامكانيات ورواج آلتهما الإعلامية والطرف الثاني المقاومة بكل تصميمها وفاعليتها .

 

الجميع يعلم كيف أسست أمريكا وإيران إعلامهما المضاد للعراق ، فقد تم جمع بعض المناضلين في (لوري قلاّب) من البلدان التي كانوا يناضلون في مقاهيها وسراديبها وتم تدريبهم على إدارة الشبكات والهيئات الإعلامية ، كم كانت المهمة مربكة وصعبة ، فليس من السهل المجيء بمناضلين من خلف طاولات (الطاولي) و(مايكات ردَّات اللطم والتطبير) ليترأسوا تلك الشبكات والهيئات !

 

إنهم يُذكّرونني ببيت المتنبي :

 

ومثلُـك َيُؤتى من بلادٍ بعيدةٍ

              ليضحك َربَّاتِ الحِداد ِالبواكيا

 

كما أن الجميع يعرف كيف ألقم بريمر وقاسم سليماني النباح التحرري لهم و(رشَّا) على بعض مناضلي الداخل والخارج (رشَّاتهما) المليونية كي يؤسسوا فضائياتهم الحالية ويروِّجوا الى ولاية الفقيه والقوات التحالفية الصديقة التي حررت العراق من الصين الشعبية !

 

وبهذا توفرت الفرصة لأشباه الصحفيين والإعلاميين والأدباء والكتاب سواء من كانوا في الداخل أو من جاؤوا بأحذية المحتل ليكونوا في الواجهة وظل المحترفون غارقين في وحل خيباتهم ، والعيب ليس في هؤلاء الأشباه بل في الذين قبلوا على أنفسهم أن يُهانوا بهذه الطريقة المزرية .

 

إزاء هذا الواقع العقيم لا يمكن أن تمتد قامة إعلام المقاومة بموازاة قامتها القتالية على الأرض ، نعم هناك مواقع وطنية ومنتديات على الشبكة اللاكترونية قادرة وبكل جدارة على أن تنهض بالعمل الإعلامي المقاومي بشكل مهني ورائع ولكنها على جهودها الكبيرة لن تستطيع أن تقوم بهذه المهمة بمفردها ، كما أن وجود فضائية الرافدين والرأي اللتين تتبنيان الإعلام المقاوم غير كافيتين رغم أنهما واجهتان كبيرتان للمقاومة ويشكلان خرقا واضحا للإعلام المضاد .

 

ولكنني أسأل : من الذي سينتصر في النهاية ، الاحتلال ودُماه المعبأة بالقطن أم المقاومة المتشحة بدماء ودموع العراقيين ؟ لقد أثبت لنا التأريخ أن المقاومة دائما ما تجعل المحتل ومن جاء معه ومن ارتضى به يبحثون عن عزائهم في مكان آخر .. وهذا ما سيحدث بكل تأكيد ..  

 

ماذا تقول لصدام حسين في الذكرى الرابعة لاستشهاده ؟

 

وضعوا في عنقك حبلا ليشنقوك ، حين انتهى المشهد أغلقت الباب خلفك وتركت الموتى في غرفة الإعدام .

لم نفعل ما فعلناه لأننا نحبك فقط ، بل لأننا أنت .

على مر العصور لم يستشهد في ليلة الوقوف على عرفات إلا أنت في بغداد ومسلم ابن عقيل في الكوفة .

إنهم يخشونك ميتا أكثر مما كانوا يخشونك حيا .

في المعتقل كانوا يريدون أن يروا دموعك ، إنهم يريدون منك شيئا لا تملكه .

اشتقنا لك كثيرا .

                     

 

شبكة البصرة

 

 





الاثنين٢١ محرم ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / كانون الاول / ٢٠١٠م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب رعد بندر شاعر ام المعارك نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة