شبكة ذي قار
عـاجـل










لتحديد أغراض وأهداف بسيطة تخدم موضوعي هذا لابد أن أحدد المعاني العامة للدين والدولة والسياسة كل على حدة ثم بعد ذلك سأحاول أن اعرض فكرتي في أين يتوجب على أي منّا أن يقف في نظرته وتعامله مع هذه المفردات وعن الكيفية التي تتلاقى فيها أو تفترق على طريق خدمة الوصول إلى فهم يفيد العراق والعراقيين في زمن أريد له أن تعتريه الظلامية وعمى الألوان وتتابع غير متوازن للصور يجعل تمييزها أمرا في غاية الصعوبة ... زمن أريد له أن يختلط فيه الحابل بالنابل لكي يتمكن رواد هذا الزمن من تحقيق أهدافهم الآنية والتي إن تحققت فإنها بالضرورة ستفضي إلى ما هو كارثي على العراق وعلى الأمة العربية كلها قبل أن تكون كارثة على الدين وعلى الدولة وعلى السياسة، كل لسبب خاص بعنوانه وتعريفه.


الدين مجموعة قيم ومثل وقواعد أخلاقية ومجموعة تعليمات وشعائر وممارسات تعبر عنها وتمنحها الديمومة. الدين وفق قناعات عامة هو قانون ربّاني يكرس الفضيلة والحب والتفاؤل والعدل والصدق والأمانة والإخلاص والروح الجماعية والتعاون الخلاق ويؤطر الذات البشرية بقدرة الخالق على تشكيل هذا الكون العملاق ويعبده لكي يتحرر من عبودية واطئة دونية تمسخ إنسانيته. الدين صمام أمان يحرك النفس البشرية باتجاه فعل الخير وتجنب الشر والفسوق والمجون والخيانة ومكونات العهر والزنا والرياء والنفاق ويسهل التوافق بين هوى النفس وبين قواعد ومسوغات وأدوات الفعل الإنساني الخير. الدين مفتاح لإدخال روح الله سبحانه في نفوس البشر لتتوطن الحياة الجمعية وتفعل ممارسات الوفاء للخالق في تهيئة فرص الحب بين البشر لان الله حب ونور وقوة وسمو وعلو ذات وثبات قرار مثلما هو عقاب وثواب.


بهذه المعاني الجليلة وسواها ما يمكن أن يملأ كتبا فان الدين لا يمكن فصله عن الدولة لان الدولة مؤسسات يشكلها الإنسان لتقوم بواجبات خدمة المجتمع وحماية أمنه وسيادة الوطن الذي ينتمي إليه. الدولة كيانات قانونية وخدمية وتشريعية ومنظومة علاقات محلية وخارجية وجملة قوانين اقتصادية وسياسية ومدنية هدفها تنظيم الحياة البشرية طبقا لمعطيات زمن من الأزمنة التي أبدعتها إرادة الله سبحانه لترفد استمرارية الحياة على المعمورة وتشرق فيها أنوار وتسود فيها ظلمات كقانون دوري تدور به العجلة وتتوزع فيه الفعاليات الحياتية. الدين يضخ في الإنسان الواقع في مكونات مؤسسات الدولة والمؤسّس لها والحامي لأطرها, كل المعاني التي ذكرناها من مكونات الدين فيضمن لهذه المؤسسات قيما ومثل ومكونات أخلاقية ترتقي بها إلى مواقع الفضيلة في الفعل المطلوب لمفاصلها المختلفة. الدين كمثل وقيم وأخلاق وتعاليم انتماء إلى روح الله ونوره وعلياءه وصفاءه وصدقه ونبله وشرفه, الدين بهذا المعنى المبسط هو صمام الأمان لقيام مؤسسات الدولة التي يتصدى لها الإنسان المتدين والمتمثل لكل هذه السمات والصفات العبقرية في تقديم أحسن الخدمات التي تشكلت الدولة من اجلها ويضمن أخلاقية عالية وقدرات تخطيط للنمو مقتدرة وبعيدة عن الفساد.


إما السياسة فهي طرائق ومناهج ونظريات ووقائع يبتكرها الإنسان ويطورها طبقا لاشتراطات آنية ووضعية وبناءا على ما تفرضه معطيات واقع ما, كائن على بقعة ما من بقع الكون الممتد على مساحات مهولة, لا يمكن أن تتساوى في مقدار النور أو الظلام ولا من حيث الارتفاع أو الانبساط ولا من حيث كمية اليابس ولا ذاك المغمور بالمياه ولا من حيث لون بشرة الإنسان الذي قدر له أن يقطن أو من حيث كمية الثروات. السياسة ممكنات عمل يصوغها المتصدين للعمل السياسي ويحددون أهدافها طبقا لمنطلقات فردية أو جماعية. بهذا المعنى البسيط فان السياسة متغايرة في مكوناتها ومنطلقاتها وأهدافها وفي ممكنات عملها. والسياسة متغايرة في انتقاء نوع الإنسان الذي يتعاطاها على عكس الدين ووحدانيته المبتغاة في الإرادة الربّانية التي اقتصرت على عدد محدود من المسميات المعروفة وطبقا لتسلسل متوافق مع نمو الصيغ والتراكيب الاجتماعية انتهت بدين الختم المبارك وهو الإسلام الحنيف. لا ثوابت أخلاقية ولا أهداف ثابتة للسياسة ولا يوجد خط فعل محدد لها، بل هي تتبنى المتاح اعتمادا على المتغيرات التي أشرنا لبعضها. قد يكون للسياسة أخلاق وقيم ومثل لكنها ليست مستقرة ولا ثابتة ولا مضمونة لأنها من نتاج الإنسان وليس من نتاج قوة عليا مطلقة القدسية والصدق والنقاء كما الله سبحانه وتعالى. وعلى هذا فيمكن للسياسة أن تكون بوصف طيب ولكنها أيضا يمكن أن توصف بالقبح والنذالة والبشاعة.


على هذا فان الدعوة لفصل الدين عن الدولة أمر غير مجد ولا معنى له لأن الدين موجود في ذات الدولة وكجزء من غاياتها وأهدافها وخطط فعلها طبقا للتعريف البسيط الذي قدمناه وهو مكون من مكونات الذات الإنسانية التي تتعاطى مع أهداف وغايات وخطط الدولة. وليس بوسع عاقل أن يدعو إلى أي فصل لا عفوي ولا إقحامي، بل إننا نرى أن ضمانة نجاح الدولة وسمو تشكيلاتها لا يضمن إلا بوجود بشر أهل دين حقيقي .. أي أهل قيم ومثل وأخلاق وإيمان حي وصادق وشفاف.بهذا المعنى فان الفرد المتدين لا يشكل أي خطر على الدولة بل على العكس هو ضمانة لسير أخلاقي لعجلات حركتها.


يبقى علينا أن نقرر الصلة بين الدين والسياسة, هنا تقع المعضلة ليس في الدين, كمنطلق للفهم والتقييم لأن الدين له تعريف مستقر وثابت كما أسلفنا, بل في تقلب السياسة وتعدد تعريفاتها وأهدافها وغاياتها وألوانها وجغرافيتها ومكونات ثراها أو فقرها. لذلك حصلت محنة مسيّسي الدين وحصل إخفاقهم وسقوطهم المدوّي. إنهم عاجزون على الثبات على خط سير أخلاقي يتوافق مع تعاليم الدين وثوابته، وهم غير قادرين على ضمان التوافق بين السياسة ومتغيراتها وخضوعها لقوانين يخلقها مخلوق ويغيرها مخلوق وفقا لمتغيرات مخلوقه هي الأخرى بقدرة الخالق جل في علاه.


لقد صارت إحدى مكونات تسييس الدين هي أن يكون الدين في خدمة السياسة ليتصدى لخدمات الدولة ويكيفها لمتطلبات وطبيعة المسيس . أي أن يكون الدين في خدمة منهج المسيس وسياسته . وبعد أن عجز الخط العام للسياسة في احتواء الخط العام للدين انحدرت السياسة نحو مستوى أدنى آخر هو تجزئة الدين إلى مذاهب سياسية واستخدام المذاهب كغطاء مهلهل يغذي السياسة في توقها لحشد الناس وإيجاد قواعد الدعم الجماهيري وهنا أصبحت السياسة عدوة للدين قبل أن تكون عدوة للدولة لأنها أوجدت القواعد والمنطلقات لتمزيق وحدة الدين ووحدة المجتمع ووحدة الوطن على حد سواء.


إذن الدين ذروة قيم وأخلاق وثوابت لا يستطيع أي كان أن يضعها جانبا كمحض هامش لا على المستوى الشخصي ولا على المستوى الاجتماعي ولا على مستوى تعاطي الدولة مع مدخلاتها ولا مع مخرجاتها المختلفة الروحية إن كان هناك ما هو روحي منها ولا المادية حيث إن جل المدخلات والمخرجات هي مادية، غير إن السياسة هي معالجات وضعية لهموم ومشاكل وضعية وتنبع من حاجات وضعية ولغايات وأهداف وضعية وحيث إننا لحد اللحظة لم نجد تجربة دينية مهما كان نوعها قد دخلت على السياسة أو أدخلتها السياسة في تشكيل الدولة فان هذا الفشل المفجع قد دفع بالسياسة إلى التعاقد مع فكرة تسييس المذاهب والمذاهب ليست الدين، بل هي رؤى فقهية مختلفة في الدين ولا أحد يستطيع أن يجزم, إلا ضمن أطر قياس عامه, مَن هو المذهب الأقرب إلى الدين الأساسي لا في المسيحية ولا في الإسلام ولا في سواهما من الأديان الأخرى. وعليه فان تسييس المذاهب هو الذي يجري العمل به الآن وبتصعيد واضح بعد غزو العراق.


يروج بعض مَن تعاقد مع أميركا وإيران والصهيونية أو بعض مَن تعاقد لاحقا مع المتعاقدين هذه الأيام لجمع تواقيع لفصل الدين عن الدولة أو عن السياسة. هؤلاء كانوا أطرافا في مؤتمر لندن وما تلاه من مؤتمرات التنسيق بين أميركا والفرس والصهاينة لاحتلال العراق وهم يعرفون إن مكونات هذه المؤتمرات كانت شيعية وسنية وكردية عرقية انفصالية شوفينية. لا يمكن لعاقل أن يصدق إن هؤلاء كانوا مغيبي الوعي حين كانوا أطرافا في ذاك التنسيق الخائن .. وليس بوسع أحد أن يصدق إنهم كانوا يخططون لإسقاط الكهنوت الديني _ الطائفي بعد أن يستلم الطوائفيون لأول مرة في تأريخهم سلطة باعوا من أجلها الضمير والذمم والأخلاق والشرف والدين لأن نماذج من أمثال كفائي و مكية وسرحان مثلا ليسوا غرباء عن النهج الطائفي الخائن ولم يتعرف عليهم أحد على إنهم على طرفي نقيض معه, ولا بنت الدملوجي ولا سواها من حشرات نفخ الاحتلال في صورتها النتنة إلا نتاج عصر الطوائف.


السؤال الآن .. لو قدر لملايين التواقيع أن تجمع في وثيقة (مكية- سرحان – دملوجي) الداعية لجمع تواقيع فهل سيكون هناك مَن يقرأ هذه الوثيقة من أصحاب مغانم الطائفية السياسية مثل عمار والجعفري ومقتدى والمالكي وطارق وصالح وأياد وعدنان وسواهم، وأن يتنازلوا عن مكاسبهم التي حققوها بترسانة أميركا التي هي الأعظم والأكثر شراسة ووحشية في كل تاريخ البشرية وسيول الدم العراقي المهدور بهذه الترسانة وبدمار العراق زرعا وأرضا وضرعا وحرثا وإنسانا استجابة لتواقيع تجمع على الانترنيت ليفصلوا ألطائفه عن سياسة كانت هي مدخلهم للقبول من المحتل ليكونوا واجهته المدنية في عمله المخابراتي لتوطين مصالحه التي غزى واحتل وقدم خسائر جسيمة من اجلها؟


لهذا أخي ورفيقي العزيز عراق المطيري أنا لم أوقع على هذه الوثيقة ولن أوقع عليها حتى لو وردتني بتوقيع والدي رحمه الله ولن أضيع وقتي الثمين كما فعلت أنت مع إن وقتك أثمن من وقتي, في توضيح ما اقتضى توضيحه من قبلك للصديق الذي دعاك للتوقع .. توقيعك وتوقيعي أشرف وأسمى من أن يوضع جنب تواقيع بعض الأسماء التي وقعت وعممت علينا لنوقع , مع احترامنا لبعض الأسماء الكريمة التي وقعت طبقا لرؤية خاصة بها ... نحن أذكى من أن يغلبنا هؤلاء فيلوثوا أسماءنا، وأذكى من أن يخدعونا بمناورات أتفه من التفاهة. للعلم فقط فلقد كتبنا هذا المقال لنسلط مزيدا من الأضواء على كذبة العصر الأمريكية الصهيونية الفارسية التي يستخدمونها لتمرير مشروع تفتيت العراق وبلاد العرب أي كذبة صلة الدين بالسياسة أو بالدولة فهم يعرفون جيدا إن مَن تعاقد معهم هو بلا دين وبلا مذهب فضلا عن كونه بلا وطنية.


aarabnation@yahoo.com

 

 





الخميس٢٣ صفر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / كانون الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة