تعد مصر الكتلة السكانية العربية الأكبر والأقوى، كما تعد القوة العربية التي كانت تحمل ميزان تعادل القوى الإقليمي في المنطقة، إضافة إلى دول إقليمية مساندة أخرى مهمة مثل العراق .. أخرجت مصر من دائرة الصراع وكبلت بـ(كمب ديفيد) ، وأخرج العراق من هذه الدائرة عن طريق القوة العسكرية الغاشمة التي انتهت باحتلاله وتدميره .
الأمة العربية عبر تاريخها تواجه تحديات قوى إقليمية ودولية تأتي في شكل تحدي جدي مصدره الكيان الصهيوني، وتحدي جدي تصاعد مؤخراً مصدره النظام الإيراني الفارسي، وتحدي محتمل مصدره النظام التركي- العثماني .
التحديات هذه، تحديان جديان وتحدي محتمل، لم تكن التحديات الوحيدة التي تعاني منها الأمة العربية منذ حقب التاريخ السحيق، إنما هنالك تحديات ظهرت على مسرح الأحداث بعد الحرب العالمية الثانية تتمثل بالاستعمار الذي قسم جغرافية الوطن العربي السياسية (سايكس- بيكو)، ووزع المنتصرون في الحرب هذه الجغرافية على الملوك والزعامات العشائرية والقبيلية في واقع يكرس التقسيم بما يتلائم مع المصالح الاستعمار البريطاني والفرنسي على وجه التحديد .
وحين ظهرت القوة الأمريكية على سطح الأحداث الدولية نافست الاستعمار البريطاني في مواقع نفوذه وأزاحته منها وفرضت هيمنتها على المناطق الحساسة ذات المصالح النفطية مثل منطقة الخليج العربي، فيما بات الاستعمار البريطاني يعمل على تقليص نفوذه مرغماً وغلق قواعده العسكرية بدعوى تقليص الإنفاقات العسكرية حتى وصل الأمر ببريطانية العظمى التي لا تغيب عن ممتلكاتها الشمس، أن أصبحت تابعاً أو مستشاراً لأعمال الإجرام والقرصنة الدولية التي ترتكبها الامبريالية الأمريكية ومن ورائها الصهيونية العالمية الحليفة .
أرست أمريكا خلال العقود الستة من القرن الماضي وحتى الآن ركائز تعتقد أنها ذات قيمة إستراتيجية تطلق عليها (عامل استقرار) في المنطقة .. تلك السياسة الغائمة من شأنها أن تتبدل حسب الرؤية الأمريكية لطبيعة الاستقرار الموصوف .. فمثلاً : ترى السياسة الأمريكية ومنذ السبعينيات أن الأنظمة الملكية هي عامل استقرار، وكذلك الدول التي تتماشى مع أجندتها السياسية والأمنية والاقتصادية، وإذا ما خرجت عن هذا الثلاثي سميت بأنها دولة لا تتمتع بالاستقرار، وهي خارج نطاقه، والحقيقة أن دولة ما تعتمد سياسة مستقلة لا تحبذ إملاءات سياسية من الخارج وتحافظ على مصالحها .. وهذا هو السبب الذي يخرج تلك الدولة من خانة المسميات الإستراتيجية الأمريكية (عامل استقرار في المنطقة) !!
دعونا نفصل طبيعة الإستراتيجية الأمريكية حيال مصر :
في خضم الأحداث المتصاعدة في مصر لإنهاء الحكم الديكتاتوري العميل، أطلقت " هيليري كلنتون " وزيرة الخارجية الأمريكية تصريحاً تدعو فيه إلى ما أسمته ( ضرورة قيام النظام المصري بإصلاحات سياسية ) .. والمعنى في ذلك :
أولاً- إبقاء موقف أمريكا السياسي، يتمثل بمواصلة الدعم غير المحدود للنظام المصري .
ثانياً- إبقاء النظام المصري باعتباره ( أحد ركائز الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة) .
ثالثاً- النظام المصري له المركزية في استقرار عملية حماية الكيان الصهيوني .. فهو يختلف عن النظام التونسي- حسب الإستراتيجية السياسية الأمريكية .
رابعاً- النظام المصري حليف كقوة استقرار في المنطقة .
إن ما يهم الولايات المتحدة والكيان الصهيوني هو بقاء (كمب ديفيد) تحت رعاية وحماية النظام المصري، الأمر الذي يحمي الكيان الصهيوني .. كما أن انهيار النظام المصري في مثلث العمالة المركزية في المنطقة (مصر – الأردن – السعودية) وبصورة رسمية، سينسحب على أضلاع المثلث المتهرئة التي تؤكد أدوارها في حماية المصالح الأمريكية والعبث بمقدرات الشعب العربي وبمستقبله تحت يافطة (عامل الاستقرار في المنطقة) .. بيد أن الموقف الأكثر وضوحاً للإدارة الأمريكية أبداه نائب الرئيس الأمريكي " جوزيف بايدن " ، الذي صرح لشبكات التلفزة الأمريكية يوم الخميس الماضي (( لا ينبغي على مبارك أن يتخلى عن السلطة .. إن مبارك حليف لنا في عدة أمور .. مبارك أظهر مسؤولية كبيرة في العلاقة والمصالح الجيو سياسية في المنطقة .. وأظهر جهوداً خاصة في عملية السلام في " الشرق الأوسط " وتطبيع العلاقات مع إسرائيل .. لكل هذه الأمور فأنني لا أدعوه ديكتاتوراً )) !!
ما قاله (جوزيف بايدن) لا يحتاج إلى توضيح ويؤكد أن نظام حسني مبارك نظام معتمد أمريكياً وإسرائيلياً في ثلاث مداخل :
أولاً- حماية الكيان الصهيوني
ثانياً- حماية المصالح الأمريكية .
ثالثاً- ضرب مرتكزات القوة والنهضة والتوحد في الأمة العربية وإجهاض مقاوماتها .
التوقعات المحتملة ...
- تعوٌل الولايات المتحدة على دور الجيش المصري في حال فشل أجهزة الأمن من السيطرة على الوضع في مصر .
- الجيش المصري تعتبره أمريكا العمال الضامن لحماية المصالح السياسية الأمريكية في مصر وحماية الكيان الصهيوني .
- استنجد النظام المصري بأمريكا من خلال الوفد العسكري برئاسة " سامي عنان " رئيس أركان الجيش المصري الذي أجرى مباحثات مع كبار المسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية حول :
أولاً- كيفية مواجهة الوضع في مصر .
ثانياً- طلب تزويد الجيش المصري بأحدث معدات السيطرة على الثورة المندلعة في مصر .
ثالثاً- أوعزت أمريكا للكيان الصهيوني لتزويد الجيش المصري بمعدات السيطرة المطلوبة، نظراً لتسارع الأحداث، بإرسال هذه المعدات إلى الجيش المصري على وجه السرعة !!
رابعا- إن أمريكا تدعي أنها قد ضمنت ولاء القيادات العسكرية المصرية من ( رتبة عميد فما فوق ) .. جاء ذلك في تصريح مسئول سابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي في ولاية كلنتون !!
الذي سيحصل من محاولات يبديها النظام المصري هو استخدام قوى الأمن في (إتعاب) حشود الشعب المصري الثائر و(إنهاكه) .. وحين تفشل كل هذه الجهود سيتم (تفعيل) دور الجيش المصري وفرض ضغوطه القوية ، اعتقاداً من هذا النظام أنه يستطيع أن يرجع عجلة الثورة إلى الوراء .. فيما أبدى " ستيفن كوك " عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ومن داخل مصر (( إنه من المتوقع أن تطوراً كبيراً جداً سيحدث، وربما انهيار نظام مبارك )) .
المعدات الداعمة للأمن والشرطة المصرية قد وصلت من (إسرائيل) .. وبعد أن اختفت هذه الأجهزة بضعة أيام عادت من جديد تتعامل مع ثورة شعب وكأنها مجرد احتجاجات وتظاهرات (مطلبية) .. والجيش المصري ظل محايداً بالرغم من إدراكه إن الشعب لا يرغب بالنظام ويسعى إلى تغييره بالجملة والمعنى في هذا .. إنه قد توكل له مهمة حسم الأمر بعد فشل محاولات الأمن القمعية .. والمتوقع حتماً أن تتحرك قطعات عسكرية مصرية، مهما تكن قليلة، لتشق طريقها الوطني إلى صفوف الثورة من أجل التغيير وطرد النظام العميل وقلع جذوره الفاسدة والعميلة .
قلعة العمالة الصهيونية والأمريكية في المنطقة في طريقها إلى الانهيار .. الديمقراطية التي تتمسح بها أمريكا قد كشفت عن عورتها وافتضحت .. وسياسة المناورات العسكرية المشتركة لحماية الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية قد انهارت .. وتحولات القوى في المنطقة لا أحد يستطيع أن يضع عصي العمالة والتخريب في عجلة الثورة المصرية العظيمة التي لن تتراجع ولن تتوقف . !!
