شبكة ذي قار
عـاجـل










حرص رموز الإدارة الأمريكية على الظهور كلهم بموقف موحد وثابت يوبخ ويلعن عميلهم التقليدي حسني مبارك ونظامه، ويوجه له الإنذارات والنصائح بعدم استخدام العنف أو بإدانة بعض مظاهر العنف ضد ثوّار شعب مصر حتى خيل للناس إن أميركا لم تذبح في حياتها دجاجة، وان البشر مقدّسين عندها وإنها مستعدة للتخلي عن أهم قواعد وجودها ونفوذها وسطوتها في مصر من اجل أن لا تراق قطرة دم مصرية واحدة. كل زعيمات وزعماء أميركا لم يلفظوا جملة واحدة في التصريحات التي تدخلوا بها بفضاضة وباستهتار في الشأن الداخلي المصري كانت تتمحور بشكل غريب ومثير للريبة على ضرورة أن يكون تعامل الجيش وقوى الأمن المصرية متحضرا وإنسانيا وان تحترم إنسانية المحتجين والمتظاهرين وصولا إلى موقف آخر متزامن هو الآخر في منتهى الغرابة وهو التخلي دون مقدمات وبلا حياء عن مبارك وتوجيه التصريحات المتكررة والخطابات الرنّانة على لسان اوباما (طيب ولكنه لا يعرف ثقافة الشعب المصري .... وفقا لرؤية طرحها حسني الخفيف في مقابلة متلفزة) بضرورة أن يتخلى حسني فورا عن الحكم ... فورا وبدون تأخير ليوم واحد!!.


وفي ذات اللحظات التي كان نهيق زعماء الامبريالية وعبيد الصهيونية الأمريكان يتعالى محاولا النفوذ عبر الدعوة إلى ضرورة عدم اللجوء إلى العنف في مصر،إلى جسد الثوار ونبض فعلهم, كانت طائرات أميركا تغير على حشود من العراقيين في مدينة الشعلة كانت تحتج على تفجير مجلس عزاء في المنطقة. وسقط نتيجة القصف الجوي الأمريكي الذي نُفّذ لفض التجمع أو الحشد الاحتجاجي السلمي عشرات من الأبرياء العراقيين بين قتيل وجريح لتضاف إلى ضحايا التفجير وهم بالمئات . والعجب إن رئيس وزراء حكومة الاحتلال الأمريكية في المنطقة الخضراء قد أعلن لاحقا إن مَن قتل الأبرياء في مجلس العزاء هم القاعدة وهذا يعني إن القاعدة قتلت ثم جاءت أميركا بطائراتها لتقتل المزيد من العراقيين الذين استهدفتهم القاعدة في توحد فريد بين إرادة القاعدة في القتل مع إرادة أميركا في قتل مَن يحتج على القتل وعلى القتلة. ثم وتزامنا مع الدفاع الإنساني الأمريكي المتحضر عن ثوّار مصر ضد بلطجية حسني الخفيف كانت هناك طائرات أمريكية تدعم دبابات وعناصر من شرطة نوري المالكي تنفذ إنزالا على عراقيين وُصفوا بالمطلوبين في محافظة ديالى ... ونحن ندري إن القوات الأمريكية المحتلة كانت تنفذ عمليات أخرى كثيرة في كل أنحاء العراق بين مداهمة واعتقال وتنفيذ حكم إعدام وإسناد (متحضّر) لفرق الموت الفارسية، وغير ذلك من ممارسات يومية لم تتوقف ليوم واحد في العراق منذ غزوه عام 2003. شرطة المالكي أيضا أطلقوا النار على متظاهرين في محافظة القادسية وأصابوا وقتلوا عددا منهم في تأكيد آخر لموقف أميركا القاتل أو المساند للقتلة في العراق.


نحن إذن إزاء موقفين متناقضين تماما.. موقف أميركي متوحش, قاتل, مدمر يرتكز إلى القوة الغاشمة في تنفيذ كل شئ في العراق وضد شعب العراق أدّى بمجمله إلى قتل قرابة اثنين مليون ونصف المليون عراقي قتلا مباشرا أو بإسناد لوجستي لقردة أميركا من فرق الموت التي يقودها احمد الجلبي وهادي العامري وعبد العزيز الحكيم وإبراهيم الجعفري وعدنان الدليمي وغيرهم, وتيتيم وترميل ملايين الأطفال والنساء وتهجير الملايين وقطع أرزاق وسبل العيش لملايين واعتقال مئات الألوف من العراقيين، فضلا عن تمزيق وحدة العراق بانتهاج سياسة المحاصصة الطائفية والعرقية واعتماد دستور فيدرالي والمشاركة والمساعدة في تأسيس أفسد دولة في تاريخ البشرية الحديث والمعاصر... وموقف أميركي انساني متحضّر محب للناس ومشفق على دماءهم في مصر حتى يخيل للمرئ إن الذي يقتل في العراق هو غيره الإنسان الرءوم الرحيم في القاهرة.


الموقف العدواني القاتل غير المتحضر واللا انساني الذي أفرز فضائح أبو غريب وسواها من عمليات الاغتصاب والتعذيب الوحشي في العراق مفهوم عندنا وخبره ملايين العراقيين وكتب عليه الكتاب أطنانا من الورق غير إن الافتراضات والاحتمالات تفرض حالها في الكيل المخالف الذي كالته السياسة الأمريكية في ساحة مصر التي ثارت على نظام مبارك العميل بامتياز للامبريالية الأمريكية والصهيونية وعرّاب سياستهما المعادية للعرب وتطلعاتهم ووحدة مصيرهم وسيادة أراضيهم وحقهم في ثرواتهم وفي سلوك سبل التقدم والازدهار.


وإذا كان فعل القتل والتدمير مفهوما ولا حاجة بنا إلى التعليق عليه الآن فان بعض الافتراضات والاحتمالات لا مناص منها للاقتراب من إنسانية أميركا المنافقة الكاذبة إزاء ثوّار مصر الذين زلزلوا الأرض ليس تحت أقدام قطط أميركا السمان برئاسة حسني الخفيف، بل تحت أقدام أميركا وكيانها الصهيوني المسخ، وفاجئوا العالم كله بعودة شعب مصر العظيم إلى حواضر التاريخ:


1- احتواء الموقف المفاجئ تماما لأمريكا ومحاولة الدخول على الثوّار عبر إعلام مخادع ومزيّف وكذّاب، في الوقت الذي ترتب المخابرات والخارجية الأمريكية المواقف الأقرب إلى حقيقتها المعادية لمصر وشعبها تماما كما هي معادية للعراق وشعبه.


2- الإيحاء بأن أميركا مع الإصلاح السياسي وتسانده إلى الحد الذي يجعلها تتخلى عن أهم عملاءها واستغلال الوقت للتعرف على قيادات الثورة المصرية وفهم مدى قربهم أو ابتعادهم عن سياسة حسني الخفيف الواقعة في جوف الامبريالية والصهيونية.


3- محاولة كسب الوقت لتأمين دخول البدائل الأمريكية من نماذج البرادعي وعمرو موسى وغيرهم إلى صدر الثورة واختراقها. ثمة العديد من الاحتمالات الأخرى التي سيحين وقت الحديث بتفاصيلها غير إننا الآن إزاء واجب إضاءة الازدواج وطبيعة الميزان الذي تكيل به بمكيالين متناقضين.


العراق يعيش تحت شبح اللا دولة وتعصف به رياح الفساد المالي والإداري وتحكمه مافيات وميليشيات وأحزاب أصولية وعرقية وأخرى بلا أصل ولا فصل، بل محض شلل للانتفاع والارتزاق. وهذه هي الصورة المكثّفة لما أنتجته آلة أميركا وترسانتها العسكرية المجرمة وتساند على إدامته بيد قردتها من الخونة والعملاء والمفسدين والمنتفعين على حساب سواد الشعب العراقي المنكوب. أميركا غير قادرة على إجبار قردتها على إصلاح شئ في البلد الذي خرّبته، وتمارس قتل مَن يعارض أو يرفض أو يحتج على احتلالها لبلدنا وعلى تسليطها لأبغض وأحط عصابات السلب والنهب والفساد والإفساد وحمايتها لممارساتهم الشاذة والمنحرفة في أفسد حكومة شهدها عالم العصر الحديث والمعاصر. الحاصل إن ثروات العراق تضيع بالمليارات مع عجز سافر من قبل أميركا على إصلاح الكهرباء كمتطلب حياتي لا غنى ولا استغناء عنه على سبيل المثال لا الحصر.


العار الأمريكي على ازدواجية وتناقض يقع بين الغزو والاحتلال لتدمير الشعوب المتطلعة للحرية وبين النفاق والرياء والحيل الباهتة لإبقاء نماذج الفساد والإفقار والتجهيل جاثمة على صدر العرب في مصر مثلا، سيظل يلاحق أميركا مهما حاولت أن تظهر بمظهر التحضر والمدنية والديمقراطية، وكل الناس في كل العالم أدركوا حجم التناقضات المهينة التي تسبح أميركا في مياهها المتعفنة, فبين عراق تقتل المتظاهرين والمحتجين فيه بطائراتها وبين موقف كاذب من ثوّار مصر, بين هذا وذاك, تبقى ذاكرتنا العربية تحمل كل معاني البغضاء والكراهية والثأر ضد أميركا المجرمة. وليس أمامنا إلاّ أن نقول إن أوان الثأر والانعتاق من زمن ( دي أميركا يا صدام ) قد حلّ مشرقا يتألق بوعد الحرية والانعتاق.

 


aarabnation@yahoo.com

 

 





الثلاثاء٠٥ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٨ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة