شبكة ذي قار
عـاجـل










من بين المفاهيم التي تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة العمل بها والسعي إلى ترسيخها في خارطة الشرق الأوسط الجديد التي تطمح إلى تحقيقها بمختلف الوسائل , ثقافة الانتماء إلى الدين أو الطائفة على حساب القومية وتحويل طبيعة الصراع النهضوي التحرري الذي تخوضه الأمة العربية معها إلى صراع قومي ديني إقليمي داخلي , وقد عملت منذ ما يقارب النصف قرن مضت على تغذية هذا المشرع ودعمه بأسباب النجاح والسعي إلى إنشاء نموذج يمكن الاقتداء فيه في المنطقة فأسست لدولة تدعي الإسلام في إيران بعد أن تخلت كما هي عادة المستعمر عن شرطيها الأول في الخليج العربي الشاه محمد رضا بهلوي وقدمت الخميني كبديل لاستقطاب الشيعة في العالم تحت لواء المظلومية حيث لم تكن دولة في العالم آنذاك قد أعلنت تبنيها للفكر الطائفي الشعوبي بهذا الشكل الذي يتحدث عنه الدستور الإيراني واعتناقها للفكر الشيعي وبالفعل قد نجحت باستقطاب الأقوام غير العربية بشكل عام ونجحت إلى حد ما في استقطاب قسم من الناطقين بالعربية كما نجحت بدمج ومزاوجة الموروث المجوسي وثقافة تعذيب النفس بإحياء أكثر الوسائل فاعلية في تأجيج العداء الفكري بين المسلمين في مجالس العزاء الحسينية وتنمية الثأر والانتقام مع معتنقي باقي المذاهب الإسلامية ونجحت في نشر الفوضى التي تسميها خلاقة لإحياء المبدأ الاستعماري القديم الذي يقوم على قاعدة فرق تسد .


تلك الثقافة ساعدت إلى حد كبير في السعي إلى الشروع بحملة مسعورة تعادي الفكر السلفي المتشدد الذي تم إعداده لمعسكر مقابل لا يقل عن المعسكر الأول خطورة ودورا في إطالة أمد الصراع وتوسيع رقعته وكل ما يقع بين هذين المعسكرين بما فيه الفكر العلماني والفكر القومي يجب أن يكون وفق السياسة الغربية ضحية هذا الصراع ترافق ذلك فعاليات منظمة مدروسة تحقق انجازات مرحلية باتجاهات مختلفة تصب في محصلتها النهائية بشكل مباشر أو غير مباشر في تذويب الانتماء إلى القومية وتحويل اتجاه مشروعها النهضوي التحرري إلى صراع بيني من اجل البقاء , الأمر الذي يساعد مع وجود حكام هم أصلا أدوات قمع للجماهير في الانشغال عن التغلغل الاستعماري الجديد الذي اتخذ صورا عديدة بين الاحتلال المباشر كما حصل في الغزو الأمريكي للعراق أو الهيمنة تحت مظلة الأمم المتحدة لتنفيذ المشروع الغربي كما حصل في جنوب السودان أو إيجاد ذراع يمثل الإرادة الأجنبية في بنية القطر كما حصل في لبنان .


تأسيسا على ذلك وإذا اعتبرنا أن مرحلة ما قبل الغزو الأمريكي للعراق هي مرحلة إعداد أو بناء قواعد الانطلاق للمشروع الغربي الجديد , والغزو هو نقطة الصفر , فان مرحلة ما بعد الغزو هي مرحلة جني الثمار وتحقيق النتائج , وإذا كانت السياسة الأمريكية تهدف بالدرجة الأولى إلى تأمين حماية الكيان الصهيوني على اعتبار انه المدخل أو نافذة المرور الأولى للأمة العربية بالدرجة الأساس والمنطقة بشكل عام فإنها فعلا قد نجحت في الوصول إلى هذا الهدف لان الكيان الصهيوني الآن أصبح في أفضل حال من الأمان لا يمكن أن يصل إلى مستواها في جميع الظروف فحدوده آمنة للغاية ومحصنة بعدة خطوط من جميع الجبهات وبرعاية دولية وبمساهمة النظام الرسمي العربي ولم تعد هناك جبهة تشكل له مصدر خطورة إطلاقا ولسنا بحاجة إلى مزيد من التفصيل في هذا الجانب لأنه معروف حتى للجهلة والأميين وحتى في داخل فلسطين باتت الصواريخ اليتيمة التي تطلقها حماس بين فترة وأخرى لا تشكل إي خطورة على إي مستوطنة يهودية ولم تعد سوى بالونات هوائية وليست أكثر من فرقعات صوتية عبثية .


ظن ساسة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص والغرب بشكل عام إنهم قد وصلوا بهذا الحجم من التضحيات التي قدموها في العراق وأفغانستان في ظل أنظمة حكم مطيعة إنهم قد بدؤوا فعلا مرحلة جني الثمار متناسين عمدا أو قاصدين عمق الترابط بين أبناء الشعب العربي الواحد الذي يمتد في عمق التاريخ إلى آلاف السنين وان ما يعانيه العربي في العراق لا يشعر فيه أخوه ابن المغرب أو أن الفلسطيني بعيد عن التونسي والموريتاني مثلا وهكذا باقي الشعب العربي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي وظنوا أنهم بإنهاء القيادات القومية في هذا القطر أو ذاك سيصلون إلى مبتغاهم وستنصهر القومية وتذوب أمام الشعارات الطائفية وتجاهلوا أن الدين الإسلامي والمسيحي وحتى اليهودي والقومية يشتركون جميعا في بوتقة واحدة تصب في مصلحة الإنسانية .


إذا كان الإنسان العربي في خمسينات القرن الماضي التي شهدت مرحلة مهمة من تاريخ النضال التحرري القومي العربي وكانت عمليات التحرير متباعدة بين أول قطر وآخر قطر كجزء من الضريبة التي دفعها للتخلص من أطماع الغرب فانه اليوم قد سئم التخاذل الرسمي الحكومي وهو يدرك إمكانياته في تحقيق حلمه القومي بعيدا عن الهيمنة الأجنبية فهب ليصنع مستقبله الأمثل من حيث لا احد يحتسب , هب في نهوضه من إحدى قلاع الدكتاتورية القوية , من تونس فأسقطها وحطم قيوده وها هي القلعة الثانية تتهاوى أمام صموده , ورغم المحاولات التي راهن عليها الغرب بتحييد قلب العروبة مصر ومحاولات التطبيع فقد نهض من بين ثنايا الأرض جيل هادر أعاد لها كرامتها واثبت خطأ وفشل كل النظريات التي لا تؤمن بنهوض الأمة العربية القومي وسيستمر توالي سقوط أنظمة العار تباعا .


ملاحظة مهمة لم تغب عن تفكير الثوار العرب الجدد اليوم وهم يصنعوا تاريخا مشرقا جديد لامتهم أن لا يهملوا تجربة آبائهم الغنية في الكثير من الدروس والعبر المهمة في التعامل مع أعداء الأمة فهم رغم تسابقهم لاقتطاع اكبر ما يمكنهم من أوصال امتنا إلا أنهم يتوحدوا وتذوب كل خلافاتهم في النيل منها .


إن عدونا لن يستسلم ولن يعلن انهزامه ويحاول سرقة إي نهوض قومي عن طريق زج وجوه جديدة فهو إذ يستعجل في التخلي عن عملائه الذين احترقت أوراقهم أمام الشعب ضمن تمسكه بالشعارات البراقة التي أفرغها من محتواها كالديمقراطية وحق تقرير المصير واحترام خيار الشعب يسعى بما أوتي من جهد لركوب المد العالي وإشراك عملائه الجدد في عملية التغير كما يحصل الآن في مصر حيث حرك نماذج لا تبتعد عنه لسرقة جهد الجماهير الذي انطلق بشكل عفوي مع انعدام أو توحد قادة هذا الانطلاق .


حيا الله شعبنا في كل أقطاره من المحيط إلى الخليج وليبارك في جهود أبنائه الاصلاء بانطلاقة الثورة العربية الكبيرة .
المجد والخلود لشهداء العروبة ومن نصر إلى نصر.

 



Iraq_almutery@yahoo.com
alqadsiten@yahoo.com

 

 





الخميس٠٧ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة