شبكة ذي قار
عـاجـل










في جانب منها, الثورة  تعني تهديم بنى موصوفة بالتخلف وإلغاء واقع برمته مرتبط بهذه البنى ويغذيها. الثورة في معنى من معانيها هدم لما هو موصوف بالتداعي وإعادة البناء طبقا لرؤى الثوار المنطلقة من رؤى وتطلعات الشعب وبهدف أن يكون البناء الجديد متوافقا مع الهندسة المعمارية الحديثة، والتي تتضمن متطلبات السعة والجمالية والرصانة واستخدام المواد التي تقف على المواصفات الأمثل. الثورة تغيير, بعد ذلك, للإنسان وفق أيديولوجية تتضمن نوع واسلوب التربية والتعليم ونوع وطبيعة الخدمات الصحية ومستلزمات الحياة وطبيعة النظام السياسي الذي يدير دفة التغيير الثوري ويضع الخطط الفنية، وينسقها مع الزمن المطلوب. ولكي نصف عملا أو تغييرا ما بالثورة أو الثوري لا بد من:

 

1-  وجود قوة أو قوى سياسية وطنية تحمل فكرا ثوريا وتقف على عقائد سياسية معروفه ومقروءة وحشد  جماهيري مساند,

2-  وجود أهداف معلنة وخطط عامه, على الأقل, للتنفيذ.

3-  انطلاق شرارة للثورة هدفها قلب الواقع القائم كخطوة أولى.

4-  الإعلان عن برنامج التغيير المطلوب والمديات الزمنية المتوقعة للتنفيذ

5-  تواصل وتصاعد عمليات التغيير المتصلة بلحظة الانقلاب الثائر بما يحقق صورة منظورة لمنتجات ومخرجات لحظة الانقلاب.

 

يمكننا القول إن هذا الخط العريض للثورة طبقا لنظرة متواضعة لا تتعاطى مع نظريات فلسفية معقدة ولا يهمها إن وصف القول هنا بأنه خالي من العمق الفلسفي أو البعد الأيديولوجي المركب. لقد مضى زمن فلسفة الثورة ونحن نرى الآن إن الغايات والأهداف الإنسانية التي تفجر الثورات لا تحتاج إلى عقل ابن رشد ولا  إلى جدل أنجلس ولا إلى  ديالكتيك كارل ماركس بل تحتاج إلى حيوية ثورية وموضوعية صادقة في التعامل مع مبررات الثورة باعتبارها حاجة إنسان قبل أن تكون غورا في أعماق الحقيقة والبحث عن مكونات هذه الحقيقة وقبل أن تكون تنظيرا يشرح المجتمع SOCIAL  ANATOMY  أو مشرط جراح يصوغ ملحمة الصلة بين الأهداف والغايات والوسائل لاستبدال القلب .   

 

الثورة اليوم حاجات للشعب تغيب أو تتضاءل بفعل الطاغوت و ضرورات عيش موجودة يراها الجميع ولكنهم لا يطالونها كما يطالها وحوش السلطة, الثورة اليوم من اجل الخبز لجمع يرى أن ثمة نخبة تدوسه بحوافرها والجمع جائع , وهي بهذا الإطار طبقية, وفرص لتطور الحياة تتمتع بها حيتان السلطة والشعب محروم منها.الثورة اليوم تنطلق لان الشعب يرى انحرافات خطيرة في التعبير عن إرادته السياسية والاقتصادية والتربوية والصحية وتنطلق أيضا لان الشعب يرى ويسمع تحت معطيات ثورة الاتصال المعاصرة انه يعاني من الإهانة وانعدام الكرامة لان وحوش السلطة يمارسون الفساد ويرمون البلاد في أحضان إرادة الأجنبي ويخسرونها شرف السيادة وحق الاستقلال الحقيقي . ثمة عوامل كثير يمكن أن توصف وتعدد هنا غير إننا نكتفي بإيحاءات الفكرة.

 

ثمة من قال في المأثور إن من يحسب حساب الموج وتغييرات آنية محتملة وهو يريد السباحة إلى الضفة الأخرى فانه لن يعبر. ونحن نرى إن هذا الموقف يصح على الثورة والطلائع الشعبية التي تتصدى لها : فثمة خيارين لا ثالث لهما :

 

إما الإقدام وببسالة على تنفيذ الثورة بالاستناد إلى نظريتها والممكنات المتاحة والإيديولوجية التي يقف الثوار على أرضياتها ومن ثم التصدي لاحتمالات ما يحصل لاحقا.. أو أن يتردد المنفذون أمام الاحتمالات المختلفة ومنها احتمالات السرقة للنتائج والتآمر والاختراق الخارجي والردة  وغيرها وهذا يعني بقاء الحال على ما هو عليه.

 

ومن هنا فان التغيير الذي تصدى له الشعب العربي في تونس ومصر هو ثورة حقيقية في خطوتها الأولى كما وصفنا أعلاه. وهي ثورة أسطورية في ما أنجزته من انقلاب على الواقع الذي ظن البعض انه يقع في باب المستحيل وعلى هذا فانه قد فتحت الأبواب مشرعه للايجابي الثوري المحتمل :

 

1-  أن تنتج سلسلة الخطوات اللاحقة التي تكمل معنى وصف الانطلاقة الأولى ..وهو وصف لا شائبة فيه على انه ثورة.

 

2-  إن الفعل الذي حصل قد فتح الباب واسعا إلى إمكانية الثورة الشعبية على الاستمرار والتواصل إن أخفقت بعض أهدافها أو تمكنت بعض قوى الردة من النفوذ إلى شرايينها ...لقد أنتجت الثورة باقتدار واضح أداة التغيير بحيث صار في متناول اليد بمجرد أن تتجمع الإرادة الشعبية للتغيير عبر التظاهر والإضراب والاعتصام دون أن يوجه الثوار إطلاقه واحدة إلى صدر وحوش السلطة بل أن لا حاجة بهم إلى شراء إطلاقه واحدة..وهذا انجاز تاريخي بحد ذاته بل هو انجاز تجاوز وصف المستحيل.

 

3- إن السلطة لا تحتاج إلى أجهزة امن ومخابرات لحمايتها لان هذه الأجهزة قد ألغيت أمام فعل سلمي هو التظاهر وهذا يعني إن حاجز الرهبة والخوف من بوليسية الأنظمة قد ألغيت بالكامل أمام توفر الإرادة الشعبية.

 

السؤال الآن : ماذا يريد الشعب الثائر ؟ وهل في حساباته ما هو سياسي مرتبط بالاستقلال الناجز للوطن ؟ هل في حساباته ما هو مجحف بحق كرامة الشعب من سياسات واتفاقات ومعاهدات وعلاقات؟؟

 

هنا علينا أن ننتظر بعض الوقت ونمنح الثورة الفرصة لنصل بعد حين إلى موقفين :

 

الأول: ان الشعب الثائر قد حسب كل هذه الحسابات حتى لو انه لم يسطرها في بيانات الثورة وأحاديث ومدونات رجالها وبذلك نستطيع عندئذ أن نطمئن إلى إن الطلائع التي ثارت قد تعاملت بذكاء جديد على عقليتنا العربية العاطفية ولم تعلن عن المواقف التي تجعل القوى المضادة الداخلية والخارجية تتصدى لها وتجهض خطوتها الأولى.

 

الثاني : أن يحصل الخرق وتسرق الثورة وهنا سنكون أمام استخدام سلاح التغيير الحاضر يسيرا  ألا وهو إرادة الشعب السلمية التي لا تحتاج إلى إسناد شرقي ولا غربي لأنها ليست بحاجة إلى مصانع السلاح .

 

إن عشقنا وولهنا وإعجابنا اللا متناهي فضلا عن انتماءنا العضوي لثورة العرب في تونس ومصر وما يتبعها الآن من ثورة في العراق وأقطار عربية أخرى يجعلنا ننبه وبقوة إلى ضرورة أن تكون الفرصة التاريخية في قبضة الأحرار وان تكون نتائج الثورة من أول غيثها لصالح العرب سياسيا واقتصاديا وخدميا . غير إن علينا أن لا نغض الطرف عن حقيقة عيانية لا تحتاج إلى كشاف سحري ولا إلى جدل ديالكتيكي لنتعرف عليها أو تعلن عن وجودها بل هي تعلن عن نفسها بشكل سافر ألا وهي حقيقة إن الامبريالية والصهيونية وإيران تحاول بكل إمكاناتها أن تنفذ إلى جسد ثورتنا وان تكييف نتائجها لصالح ما أنتجه المثلث القذر ضد الأمة بعد إسقاط الدولة العراقية الوطنية القومية بالغزو والاحتلال.

 

إن من ينظر إلى ثورة الجزء الإفريقي من ألامه بعين واحدة ويفصلها عما جرى ويجري في مشرق ألأمة فهو يخدع نفسه . ومن يفلسف قطرية ثورة مصر مثلا وبحصر أهدافها ضمن اطر قومية مصرية فهو واهم ومخطئ ولا يرى الأشياء بمنظار شفاف . إن ما يحصل في الأمة الآن هو نتيجة طبيعية لأمرين أساسيين :

 الأول: احتلال العراق وما ترتب عليه من تداعيات إقليمية وما قام به العراقيون من مقاومة أسطورية أوقعت وما زالت توقع خسائر جسيمه بمشروع الاحتلال وتحالفاته

 

الثاني : انتهاج الانظمه العربية لسياسات متخلفة أكل عليها الدهر وشرب ومن بينها سياسة الخضوع لإرادة القوى التي تهين العرب وتسرق ثرواتهم وتقف عائقا في طريق رفعتهم وكرامة أوطانهم واستقلالهم وحريتهم الناجز.

 

في ما يخص العراق , وعودة على بدء فان العقل المنفتح والرؤية العصرية تقتضي أن نتعامل مع ما يجري طبقا لما يأتي:

 

1-  إن العراق محتل وتحكمه عملية سياسية جاء بها الاحتلال الأمريكي أخذت على عاتقها إيهام الناس بأنها نابعة من رئة الشعب لأنها أتت بالانتخاب وهذه إشكالية لا يجوز لنا القفز فوقها كقوة شعبية ثائرة تريد التحرير.التظاهرات يمكن أن ننظر إليها على أنها فعل ثوري لأنها تعري زيف الانتخابات ورياء الادعاء الديمقراطي .

 

2- وعليه, فان التظاهر في العراق المحتل يجب أن يسند من الجميع حتى لو لم يحمل شعارات التحرير كمال نهائي نسعى له بكل الوسائل لان التظاهر يعني علنا إن هناك مشاكل للحكومة التي يجادلون في أنها منتخبه وان هذه المشاكل تؤشر خللا فاضحا في العملية السياسية لن يظهر ويطفو بدون التظاهر .

 

3- إن الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات تبرز تناقضا صارخا بين ادعاءات الاحتلال وبين الموقف الشعبي له أبعاد مركبة منها إن الذين انتخبوا لم ينتخبوا طبقا لدراية سياسية هي شرط لا مناص منه للتطبيق الديمقراطي ومنها إن المنتخبين من أدوات المحتل البشرية غير قادرين على إعطاء المخرجات التي تثبت وتبرهن إننا ليس إزاء عملية ديمقراطية حقيقية بل ممارسة فاشلة عديمة المضمون والمعنى وقاصرة عن إعطاء النتائج التي يريدها الشعب.

 

4-   ان تراكم ردود الفعل معبرا عنها بالاحتجاج والتظاهر انما يعمق الفجوة بين السلطة العميلة وبين الجزء من العراقيين الذي صدق بانها حكومة منتخبة ويوسع المسافة بين الشعب عموما وبين العمالة والخيانه في عملية فصل لا بد لها ان تحصل في مرحلة من مراحل الثورة.

 

5-  ان المحتمل من ردود افعال السلطة العميلة ضد المحتجين سيكشف زيف ادعاءهم للديمقراطية وسيسقط عنهم ورقة التوت ..وهذا هدف هام لبسط بعض الالتواءات والانحناءات التي تقف بوجه الثورة الشعبية الشاملة.

 

6-  لجؤ السلطة العميلة المتوقع , بل الحاصل فعلا, ضد المحتجين سيفضح ويلقي مزيدا من الاضواء الكاشفه على التناقض الصارخ في موقف اميركا المزدوج والكائل بمكيالين والذي انقضح في محاولة اظهار نفسها داعمة وساندة لثورة العرب في بعض الاقطار وبين موقفها المخزي في العراق الذي تحتله .

 

7-  أي نوع من الاحتجاجات سيعلن عن تاكيدات يحتاجها البعض من ان اميركا لم تات بالديمقراطية والحرية بل جاءت لتحقق منافع استعمارية سياسية واقتصادية. وسيضخ زخات نور جديدة على طبيعة الاحتلال ونفاقه وكذبه وخديعته للعراققبن .

 

8-   ان عدم وجود أي رد فعل لشعب العراق ضد الاحتلال وزبانيته يعني ان الشعب العراقي راض عن ما يحصل وهذا الحال او النتيجة ستضع المقاومة العراقية في خانق يضيق مع الزمن ..في حين ان الثورة بالتظاهر وسواه وبما متوقع ان يرافقها من ارتفاع سقف الفعل والمطالب والتوجهات هي البيئة الاسلم لتوسع المقاومة وحاضنتها الشعبية وروافد الشعب لاثراءها.

 

ان على الشخصيات الفكرية والاعلامية والثقافية والسياسية وعلى القوى الوطنية والقومية والاسلامية ان تتوحد عند حدود اللقاء الدنيا على الاقل لتقود مفردات الفعل الثائر في العراق لتطور المطالب وترتقي بسقفها الى مستوى المطالبة برحيل الاحتلال وتحقيق الاستقلال والسيادة وان تبتعد عن التحسب المفرط الذي يقيد حركة القوى الحية ومن ثم قوى الشعب الثائرة وجموعه البطله . ان التحسب هنا قد يضر لان المحذور في العراق قد وقع وليس بالامكان ان يحصل اسؤا مما حصل الى اللحظة . فلتكن يراكين غضب وثورة عارمه تبدأ بالمطالبة بالخبوز والخدمات ومحاربة الفساد فهي ليست مطالبة مجرده عن مصامينها السياسية العظيمه ومن ثم الارتقاء الى مستوى دمج الفعل الشعبي الثائر بالمقاومة المسلحة لطرد الاحتلال واستعادة حقوقنا كاملة .لا للتحسب في زمن يتطلب الاقدام والجسارة والمغامرة المحسوبه بقدر من التضحية الضرورية لتحقيق اهداف عظيمه . هو محض راي لكنه لا ينطلق من فراغ قطعا.

 

 





الاثنين١٨ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة