شبكة ذي قار
عـاجـل










• النضج .. لا يتم بالتلقائية ولا بالصدفة ولا بالنمطية.
• حرق المراحل .. يشترط تقدير دقيق للحالة .
• التخلف عنها .. أو إبقاءها كما هي .. حالة غير مطلوبة .
• التحسب مطلوب في تقدير الموقف .. ولكن الاستكانة أخطر !!


كنا قد أطلعنا على الفكر السياسي وهو يشير في أحد مفاصله المهمة إلى مسميات ذات مدلولات عميقة، لها من الترابط والافتراق ما يجهض الحركة الثورية، باعتبار أن الحركة والسكون هما متلازمة في وحدة يصعب فك عناصرها، وأحياناً قد ينقلب السكون إلى حركة . بيد أن عملية الربط بين الظرف الموضوعي والشرط الذاتي تكاد أن تكون أكثر عمقاً وأبعد مدلولاً في حركة الشعب الدائبة وتطلعه المشروع نحو التغيير الحتمي باتجاه الأفضل والأحسن والأمثل، وبما يصون ذاته وكرامته الإنسانية .


والعلاقة كما نراها بين الذاتي والموضوعي مسألة تعد في طبيعتها الموضوعية المفتاح، الذي يؤشر استدلالات النضج ومعاني الحركة ، ومثل هذه العلاقة تكون متبادلة التأثير في كل منهما .. فلا الذاتي يستطيع أن يتغلف ويبتعد عن الواقع ، ولا الموضوعي يتمكن من ذلك أيضاً ويكف عن التأثير والتأثر .. ولكن، من يؤثر أكثر، ومن يعجل في النضج الموضوعي .. الشرط الذاتي أم الظرف الموضوعي ؟!


دعونا نفصل هذا الجانب من باب الفكر السياسي الذي لا غنى عنه، لأنه تراكم تجارب إنسانية وليس جدلاً فكرياً مجرداً يخلو من مخرجات واقع صارم ومتحرك على الدوام ، لكي نصل إلى قناعة ربما تضع الترابط في موضوع التوضيح بدون استباق أو تضخيم أو تقزيم لحالة كل من الرابطين : الذاتي يستمد اتساع مدركاته من الموضوعي في حركته الدائبة، التي تتصاعد وترتقي إلى درجة النضج والتناسق فتتحول عندها إلى تجربة غنية تستقر في خانة المعرفة الإنسانية، يستدعي منها على واقع معاش آخر في التفعيل والتثوير والتنوير إلخ .. وكما نرى أن العلاقة متبادلة بين الذاتي والموضوعي، ولكن قد يعمد الذاتي أحياناً على ما يسمى بـ(حرق) مراحل التثوير، أو يعكف على التعاطي مع الحالة بنمطية راكدة تنزع عنه صفة الثورة، أو يرتضي التراجع غير المرن بدواعي الخوف من حركة غير محسوبة وغير ناضجة، بالرغم من صواب ذلك في مسألة الاحتساب .. لكن الذي يمتلك تجربة غنية وعميقة ودراية واضحة يستطيع أن يضع في الاعتبار (تقدير الموقف) دون (حرق) مراحل ودون (ركود) في الحالة، ودون (تخلف) عنها .. وكل هذه المفردات المؤطرة لها مسبباتها ومخاطرها .. كيف ؟!


حرق المراحل : التثوير من أجل الإنضاج مسألة معروفة في أدبيات الفكر السياسي .. ولكن التعجيل في الإنضاج غير المتوازن له أيضاً إشكالاته وتداعياته إذا لم يكن محسوباً تماماً وبالقيراط من حيث القدرة والظرف، ومن حيث تقدير القدرات واحتمالات المضموم وتدارك الأسوأ من الاحتمالات، خاصة إذا كانت الساحة يلعب فيها أكثر من لاعب، والجميع متحفز ويريد أن ينضج الذاتي فيه وعلى طريقته الخاصة وبما يحقق له مصالحه، ولا يغفل (إجهاض) ما يمكن إجهاضه لإنجاح شروطه الذاتية .. بيد أن الحديث ينبغي أن يتناول الحالة العامة ، وهي حالة الشعب من جهة، والحالة الخاصة بالقوى المضادة لهذا الشعب وإمكاناتها وقدراتها على إجهاض قوى الشعب التي تعمل على النقيض .


التفصيل هنا .. هو أن الشعب العراقي وحالته العامة الراهنة تختلف عن الحالة التي كان عليها عام 2003 من حيث :


أولاً- تقلص واضح للحالة الطائفية المثارة ، إذ لم تعد تنطلي على شعب العراق (أقاويل ومقولات وفتاوى) الاحتلال وأحزاب السلطة العميلة ولا مرجعياتها.


ثانياً- اتساع الفجوة بين الشعب العراقي من جهة والاحتلال وسلطته العميلة ، وبصورة أفرزت واقعاً يزداد احتجاجاً ورفضاً وتمرداً، في تناقضه مع السلطة خلال ثمان سنوات، ومع الاحتلال الذي جاء بهذه السلطة .


ثالثاً- الإدراك العميق من لدن الشعب وقواه الوطنية بأن العلاقة القائمة بين الاحتلال وسلطته العميلة هي علاقة عضوية ، ومن الصعب أن تنطلي على الشعب العراقي وسائل التفريق بين الاحتلال وسلطته العميلة .


إذاً .. التحولات على الساحة العراقية طيلة هذه السنين العجاف قد أفرزت واقعاً جديداً، هو في محصلته ضد الاحتلال ومخلفاته السلطوية الفاسدة والفاشلة .


فما الذي يخيف القوى الشعبية الواسعة وقواها الوطنية دون استثناء من الزحف باتجاه هدفين :


1- طرد الاحتلال عن طريق القوة المسلحة من لدن المقاومة الوطنية العراقية الباسلة بكل فصائلها وقواها المناضلة والمجاهدة .


2- إسقاط الحكومة العميلة الفاسدة والفاشلة من لدن الجماهير العراقية الواسعة (المحتجة والرافضة والمقاومة) بالضد من واقع الاحتلال وما أفرزته، طيلة ثمان سنوات من الاحتلال وعمليته السياسية المتفسخة .


الهدفان المذكوران، هما في حقيقة الأمر هدف واحد .. لأن التناقض الأساس هو مع المحتل الغازي .. أما الحكومة فهي جزء من مخلفاته وإفرازاته القذرة .. وهذا ما أدركته جماهير العراق بغض النظر عن انتمائها السياسي والمذهبي والاثني إلخ ..


فما الذي يخيف القوى الوطنية العراقية من هذه التحولات التي تصب في صالح الثورة ؟! ... في هذا الإطار يمكن حصر المخاوف المحتملة :


أولاً- ردود فعل أحزاب السلطة .


ثانياً- ردود فعل الاحتلال من خلال ما نصت عليه الاتفاقية الأمنية ، وما تشير إليه من عمل عسكري مشترك لقمع التحرك الشعبي / إذا طالب برحيل الاحتلال / وعمل محدد يترك حيزاً للتحرك والإعلان عن مطالب خدمية لا تتعرض للاحتلال!!


ثالثاً- ردود فعل إيرانية داعمة لسلطة الاحتلال بحكم الترابط العضوي، وبحكم التوافق الإستراتيجي مع الإدارة السياسية الأمريكية .


من ردود الأفعال المتوقعة هذه تتسرب المخاوف .. وهي مخاوف تأتي في مناخ أخطر نظرية عرفها مسرح العلاقات الدولي الذي تنعدم فيه المحددات وتلعب فيه الفضائيات بمختلف أشكالها وأهدافها ومقاصدها دوراً مرسوماً، وهي الفوضى المنظمة .. وليس ذلك تهويلاً، لأن الواقع شيء والنظريات شيء آخر قد لا يتطابق ولا ينجح، والمخاوف التي مبعثها ما تقدم ، وعلى أساس توقع استخدام مفرط للقوة قد تنتهي بحرب أهلية ، تظل في إطار التحسب وليس في نطاق المخاوف ، والفرق كبير كما نرى، لأن الاحتمالات هذه ينبغي أن تكون محتسبة في تقدير الموقف على نحو يضع الأمور في نصابها الصحيح ( لا اندفاعه غير محسوبة ) ولا ( مراوحة راكدة ومستكنة ) ولا ( تراجع يفتقر المرونة الثورية ) !!


حالة الغليان، التي تعم الوطن العربي من دون مناطق العالم المختلفة هي حالة يقظة وطنية قومية جاءت نتيجة عجز النظام العربي الرسمي وركوع معظم وحداته السياسية للأجنبي وطغيانها على الشعب العربي، فضلاً عن الفساد والتهتك وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وللكرامة الإنسانية .. ولكن المحيط الأجنبي ومشاريعه الخبيثة ومنها تلك النظرية البائسة، ما تزال تعمل في استثمار التناقضات المذهبية والاثنية وغيرها (لإسقاط النظم وتحريف الاتجاهات) بطريقة خلط الأوراق، اعتقاداً من صانعيها بأنها ستؤسس لهم أبواب " الشرق الأوسط الجديد " الذي تدعو إليه الشراكة الأمريكية – الإسرائيلية – الإيرانية !!


هذه النظرية قد حققت صدمتها الأولى في المنطقة حيث ضربت العراق واحتلته عسكرياً ، وتلك حالة لن تتكرر.. والسبب في ذلك، هو أن المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، قد أبطلت مفعول هذه النظرية في ركنها العسكري، الأمر الذي دفع بالإمبريالية الأمريكية – الصهيونية إلى تغيير الأسلوب بخلط الأوراق واستثمار حالة :


- نقمة الجماهير العربية على حكامها العاجزين والفاسدين والمتواطئين .


- مستوى التقاطع القائم بين الجماهير والأنظمة العربية .


- المستوى الذي بلغته بعض الأنظمة بعدم جدوى بقائها في الحكم واستنفادها الكامل كقيادات عميلة قدمت خدمات كبرى للإمبريالية الأمريكية والصهيونية مثل نظام ( بن علي ) ونظام ( حسني مبارك ) .


- مستوى الضغط والظلم والاستهانة بكرامة الشعب العربي .
- مستوى الفساد المالي والإداري والانحطاط والتفسخ وانتهاكات حقوق الإنسان التي يصعب السكوت عليها .
- مستوى العجز وافتضاح علاقات العمالة والتواطؤ الخارجي على حساب الشعب العربي ومصالحه المشروعة ومستقبل أجياله .


كل هذه العوامل المتفاعلة منذ عقود ، التي تراكمت عند حافة الانفجار، قد وضعت الإمبريالية الأمريكية والصهيونية أمام اللاخيار في وقف المد الجماهيري أو إرجاعه إلى حالة التهدئة سوى مباركة جماهير تونس ومباركة جماهير مصر، والتزام جانب الصمت المطبق سياسياً وإعلامياً حيال ما يحدث في البحرين من تدخل إيراني سافر، وما يحدث في العراق من مجازر وانتهاكات وتدمير لم يثر اهتمامات جدية ولم يحظ بتغطية إعلامية ضرورية ، وهذه حالة مرصودة .


ما يجري حالياً في العراق هو التحفز للزحف الجماهيري السلمي ضد السلطة الفاسدة والعاجزة والعميلة .. ولكن هناك حالة تفريق غير موفقة بين حالتين :


الأولى - محاولة الحكومة العميلة وأحزابها الطائفية تأطير زحف الجماهير بإطار المطلبية الحياتية .. وتلك مسألة تدخل خانة التنفيس لامتصاص الضغط الشعبي العارم على الاحتلال وسلطته العميلة .


الثانية – حالة التصدي الشعبي للاحتلال والعمل على طرده ، وتلك مسألة جعلت قوات الاحتلال والقوات الحكومية تطلق الرصاص دون اكتراث بالنتائج !!
الجزيرة .. إعلام السلطة الرابعة .. والفوضى الخلاقة .. هل من ترابط ؟


- من الواضح تماماً أن لهذه القناة القدرة على خلق رأي عام محرض ، بما تملكه من إمكانات تسندها السلطة الرابعة المتخفية بسياساتها المدروسة بعناية فائقة .. فقد لعبت دوراً محورياً في تونس ومصر، واستطاعت أن تساعد في إنضاج هاتين الثورتين .. ولكن تركيز القناة هنا استثنائياً ومقصوداً حين تحولت إلى (أداة) هدم للنظام التونسي التعسفي، وللنظام المصري المتفسخ ، فيما تحولت الإمبريالية الأمريكية إلى نصير للثورة في كل من تونس ومصر.. والهدف هو التقرب من القيادات الجديدة من أجل الالتفاف على الثورة، لغرض إفراغها من مضمونها الثوري العادل، والعمل على عزلها عن عموم شرائح الشعب واحتوائها والإبقاء على اتفاقيات العبودية .


ولكن من الواضح أيضاً أن هذه الفضائية المهمة تغض النظر عن أحداث جسام لا تقل خطورة تقع في البحرين حيث لافتات يرفعها محتجون مسيسون يحملون صور (علي خامنئي وخميني ومحمود نجاد )، الأمر الذي تتهدد فيه البحرين أرضاً وشعباً بتحرك طائفي صفوي مدروس .. فأين هي " الجزيرة " من هذا التدخل الصفوي في البحرين ؟ ولماذا الصمت هنا والحماسة هناك ؟ أي لعبة إعلامية تلعبها الجزيرة في هذا الأمر ؟!


وما يحصل في تونس ومصر وليبيا تتحمس له الجزيرة بشكل ملفت ، لماذا ؟
هل هناك دور مرسوم للجزيرة لتطبيق نظرية الفوضى المنظمة عن طريق استثمار غضب الجماهير العربية المشروع على الأوضاع المزرية والكرامة المهدورة ؟! ولماذا تمارس فضائية الجزيرة أسلوب التعتيم والانتقائية في الساحات العربية التي تعاني جميعها من الإحباط والتسلط والقهر والإذلال ؟ فلو كانت فضائية الجزيرة منصفة وعادلة وموضوعية ولديها نظرة واحدة دون أن يساورها شك في أي منها ، لما مارست هذه الانتقائية الخبيثة التي عبرت عنها بحماسة منقطعة النظيرهنا وبرود حتى القرف هناك والساحات العربيات كلها تعاني وتغلي ؟!


كيف نبدد مخاوف الإجهاض المتسربة ربما من عوامل ثلاثة أنفة الذكر؟ إن هذه العوامل لا تقف حائلاً دون التحرك المحتسب لتقويض ركائز الاحتلال وطرده من أجل الوطن وحريته واستقلاله ومستقبله :


- الأمريكان يريدون البقاء في العراق بحجة هناك مخاوف من اشتعال نيران حرب أهلية بعد انسحابهم - بحسب روبرت غيتس – وزير الدفاع الأمريكية، وهم في كل الأحوال يرسمون إبقاء قوات لما بعد الانسحاب المزعوم والإبقاء على القواعد العسكرية (المدن) التي أنشأها في عدد من مناطق العراق !!


- المقاومة الوطنية العراقية الباسلة لن تتوقف مهما كلف ذلك من أثمان، بل على العكس سيزداد الفعل المقاوم النوعي كلما أمعن الاحتلال وسلطته العميلة في الجريمة والفساد والتخلف .


- إسقاط الحكومة الصفوية بسبب فشلها وعجزها وعدم نزاهتها ودوافعها الطائفية الإجرامية يشكل هدفاً مركزياً لعموم الشعب العراقي في هذه المرحلة .


- البديل عن هذه الحكومة العميلة لن يكون وطنياً في ظل الاحتلال أبداً مهما كانت المسميات والشخوص، الذين يدورون في العملية السياسية والمتعاونون معها، مهما كلف ذلك من تضحيات ، بل على العكس سيزداد الفعل المقاوم النوعي كلما استمر الاحتلال وطغمته العميلة جاثماً على الرقاب .


- الشارع العراقي حين يتحرك، لا يتحرك باسم فئة أو طائفة أو قومية أو قبيلة أو عشيرة أو حزب ، إنما يتحرك بالجملة التي تعبر عن الوطنية العراقية في كل شرائح المجتمع العراقي ، وبكل قواه السياسية الوطنية والقومية والإسلامية .


ومن هذه الزاوية .. فأن استخدام القوة من لدن الاحتلال وسلطته العميلة لإجهاض التحرك الشعبي العارم شيء متوقع، كما أن إمدادات إيران بعناصر (الحرس والقدس) بالسلاح عند ارتفاع المد الجماهيري الرافض للاحتلال وسلطته العميلة ، شيء متوقع أيضاً .


- من الصعب أن يستمر الشعب العراقي على الصمت حيال الاحتلال الغاشم وسلطته العميلة الفاسدة .. فهو في كل الأحوال مستمر في نضاله وجهاده على وفق إستراتيجية مدروسة وليست (عفوية) .


- عملية الإسقاط المؤكدة ، وعملية الإجهاض المتوقعة قيد الدرس الميداني، الذي يضع (سيناريوهات) متعددة لاحتمالات متعددة !!


- لا تحرير بدون تضحيات أبداً .. والتحرير في كل خطواته ينبغي أن يكون مدروساً ليس على الورق فقط، إنما على الأرض ، وإن إهمال فرص الزخم بدواعي التخوف، قد يفضي إلى إطالة أمد التحرير الذي ينبغي أن ينضج باحتساب النتائج لا بالتخويف أو التراجع !!

 

 





الخميس٢١ ربيع الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٤ / شبــاط / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة