شبكة ذي قار
عـاجـل










قد يكون للمشروع الأمريكي الهادف لتغيير أنظمة الحكم في المنطقة بداية سبقت الثورة الإيرانية ،، لكن الواضح أمامنا أن الخطوة الأولى كانت مع شاه إيران ،، فقد كان أنقلاب أمريكا على حليفها محمد رضا بهلوي وتخليها عنه مفاجأة كبيرة ،، يمكن وصفها بالصدمة ،، لأن أستبدال نظام ملكي علماني بنظام رجعي دكتاتوري ديني لم يكن متوقعاً!!،، فقد استغلت أمريكا نقمة الشعب الإيراني على الشاه وهيأت الظروف المناسبة لإندلاع ثورة ،، حيث فرض جيمي كارتر (تحت مسمى حقوق الأنسان) على الشاه فسح المجال لمعارضيه وأطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعدم التعرض لهم ،، مما أدت تلك (الفروض) إلى تكبيل يد الشاه وتحرير يد معارضيه (كما فعلوه في مصر ويحاولون تطبيقه في ليبيا) ،، وبالنهاية خرج الشاه من إيران بنصيحة أمريكية (كما تخلى حسني مبارك عن كرسيه) ،، وقد أثمرت الجهود الأمريكية بتعبيد الطريق أمام رجال الدين للوصول للسلطة والاستفراد بالحكم ،، فحققت أمريكا بذلك أهم أنجاز والذي يمثل القاعدة التي سينطلق منها مشروع التغيير المرتقب ،، فشكل الأنظمة الحاكمة للمرحلة القادمة أسلامي متشدد خصوصاً في إيران ،، حيث ستلعب الجمهورية (الأسلامية) فيما بعد دوراً طائفياً كبيراً في المستقبل القريب يزعزع أمن وأستقرار المنطقة ويصدع روابط المجتمع العربي الأسلامي ،، وقد أثبتت الأيام صحة ذلك ،، من خلال ما حدث في لبنان ،، السعودية ،، العراق ،، البحرين ،، ألخ ،، ويتضح من تلك الأحداث أن العراق كان التالي على قائمة التغيير الأمريكية بعد إيران ،، فقد أجتهد الخميني دون مبررات إلى أتخاذ موقف عدائي من العراق (مباشرة بعد تسلطه في إيران) أبتداءاً من التحريض على اسقاط النظام الوطني الحاكم في بغداد مروراً بالعمليات الأرهابية التي نفذها حزب الدعوة العميل وأنتهاءاً بجر العراق إلى حرب دامت ثمان سنوات.


أن ظهور الأحزاب الدينية على الساحة العراقية (بعد التغيير في إيران) ولعبها دور المعارض السياسي ،، جاء لسببين ،، الأول لأحتواء الشارع الأسلامي (الشيعي بالذات) وتحريكه في الوقت المناسب ،، والثاني ،، تهيئة قاعدة في العراق لأقامة نظام حكم أسلامي شيعي!!،، وهذا ما خططت له أمريكا ولاشك في ذلك ،، لكن أنتصار العراق على إيران (رغم الدعم الأمريكي الأسرائيلي للخميني) أفشل المشروع الأمريكي ،، وكان على العرب أن يتخذوا موقفا مماثلا من إيران والمشروع الأمريكي ،، لأن الخطر ليس بعيد عنهم ،، لكن مع الأسف قرر العرب أن يكونوا كالنعام يخفون رؤوسهم تحت الرمال ،، يقول سياسي خليجي معروف عن هذا الموضوع في لقاء تلفزيوني ،، أن حاكم البلد (الذي ينتمي له) لم يوجه لإيران أي اتهام بخصوص الأحداث التخريبية التي قامت بها مجموعة تابعة للحرس الثوري في البلاد!!،، وقد وصف (نفس السياسي) الموقف بـ (الحنكة السياسية)!!،، ولم يقل (تقية) !!،، المهم أن (الحنكة السياسية) لازلت تمارس لحد هذا اليوم مع إيران رغم أتساع نفوذها في المنطقة حتى بات أكبر من سلطة الحكام.


على أية حال ،، كان للمشروع الأمريكي أن ينتهي لو لا أن بعض الدول العربية سارعت لأنقاذ الموقف وتأمرت على العراق ،، وبدأت مرحلة جديدة ،، حرب الكويت ،، صفحة الخيانة والغدر ،، الحصار الاقتصادي ،، مؤامرات انقلابية عديدة وأشهرها محولة العميل طالب السهيل ،، ورغم هذا لم تنجح الجهود الأمريكية في تطبيق مشروعها على العراق ،، ففرضت التغيير بالقوة العسكرية ،، وحسمت الموقف لصالح التيار(الأسلامي) ،، وأصبح حزب الدعوة هو البديل كما كان مخطط له من قبل!!،، ولاشك مطلقاً أن التغيير الذي حدث بالعراق أثر على المنطقة بأسرها ،، فالمشروع الأمريكي ماكان له أن يستمر لولا بقاء النظام الإيراني المتأسلم قويا ليشكل خطراً على دول المنطقة ،، وهذا ما لايمكن حدوثه بوجود عراق قوي يقف ضد التطلعات الفارسية والمخططات الأمريكية الصهيونية ،، فخسر العرب موقفهم وأمنهم وأمانهم ،، فكان الأجدر بهم أن يدعموا العراق ليبقى سداً منيعاً أمام مثلث الموت الفارسي الأمريكي الصهيوني.


أذن ،، تجلت الحقيقة والمرحلة القادمة تتطلب حضور أسلام سياسي للتحكم بالمنطقة ،، ولهذا عندما أحتلت أمريكا العراق سلطت الأضواء على السيستاني ومن خلفه رجال الدين والأحزاب الاسلامية ،، وظهور بريمر مع رجال الدين يثبت ذلك ،، ونرى نفس الصورة تتكرر في مصر بعد التغيير ،، فأمريكا تنازلت عن رجلها في مصر (رغم مواقفه معهم) من أجل فسح المجال أمام تيار الأسلام السياسي ،، وظهور القرضاوي على الساحة ينبأ بظهور خميني جديد ،، الأخوان المسلمون فرضوا وجودهم على الساحة وأصبحوا يطالبون بمقعد رئاسة الوزراء !!،، وفي تونس الوضع أكثر تعقيداً ،، فقد ظهرت الأحزاب الأسلامية على الساحة التونسية لتطالب بإقامة نظام حكم مبني على الشريعة يؤهل لإحياء دولة خلافة إسلامية !!،، ولم يستبعد الناطق الرسمي لحزب التحرير الأسلامي التونسي (وهو حزب شكل حديثاً) اللجوء للتمرد والعصيان المدني!!،، أما أمريكا فقد بدأت تروج لأحتمالية قيام أنظمة أسلامية في المنطقة ،، وهذا ما جاء على صفحات الـ (واشنطن بوست) ،، التي ذكرت أيضاً تصريح لمسؤول أمريكي (رفيع المستوى) جاء به ،، "لا داعى للخوف من الإسلام السياسى فى هذه البلدان"!!،، والسؤال الذي يطرح نفسه ،، هل تصريح المسؤول الأمريكي عبارة عن رسالة ترحيب موجهة للأحزاب الأسلامية ؟!.


قول أخير ،، وصول الأسلاميون للسلطة أو عدم وصولهم لن يغيير من واقع تسلطهم في الأنظمة الجديدة ،، فالثقل الذي يتمثل به التيار الأسلامي اليوم سيسمح لهم بتوجيه دفة الحكم والتحكم بالقرارات والمواقف السياسية حتى وأن كانوا خارج النظام ،، وخير مثال هو السيستاني ،، فعلى العرب أن يدركوا أن في كل بلد سيكون هناك سيستاني ،، هذه وجهة نظري الشخصية وكلي قناعة بها.




بلال الهاشمي
باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي
الموقع: http://bilalalhashmi.blogspot.com/

البريد: alhashmi1965@yahoo.com

 

 





الاثنين٠٩ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٤ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة