شبكة ذي قار
عـاجـل










• عدم التدخل في الشؤون الداخلية .. مبدأ أممي .
• وللتدخل .. أغطية مختلفة ومتعددة .. وكلها محرمة .
• وخرق هذا المبدأ .. يرتب أوضاعاً غير طبيعية .
• منها .. الفوضى .. وخلط الأوراق من أجل المصالح .


ليس غريباً أن تُحَرِكْ طهران طابورها الخامس في المنامة .. وليس غريباً أيضاً أن تعلن أن السعودية تدخلت في الشأن البحريني، وكأنما تقول باستحياء أن السعودية قد تدخلت في شأنها الداخلي ، لأن طهران تصر وتعمل على أساس أن البحرين أرضاً وشعباً هي تابعة لبلاد فارس . وبالقدر الذي تعلن فيه طهران أنها تتطلع نحو إرساء علاقات تقوم على منافع متبادلة مع دول الخليج العربي، تعمل طهران على نخر هذه الدول من الداخل طائفياً باسم ( حقوق الإنسان، والديمقراطية، والشرعية الدستورية، والأكثرية والأقلية، والأحقية والمظلومية ..إلخ )، وهي أدوات ما تزال تستخدمها أمريكا والكيان الصهيوني .!!


صفاقة مقرفة أن تعلن طهران أن السعودية تتدخل في الشأن البحريني .. وصفاقة أخرى جاءت بتوجيه من طهران بتحريك أتباعها في العراق لمناصرة أتباع إيران في البحرين حيث :


1- أصدر المالكي بياناً يعرب فيه عن قلقه حيال (تدخل قوات خارجية في البحرين، وعدم تعرض الوحدة الإسلامية إلى الخطر) .. فيما يمزق المالكي الوحدة الإسلامية في العراق على أساس طائفي مقيت !!


2- طالب علي السيستاني (الذي قبض قبل احتلال العراق 200 مليون دولار من رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي السابق)، السلطات البحرينية بـ( وقف العنف ضد المواطنين البحرينيين) .. فيما يسكت السيستاني على جرائم الحكومة العميلة ضد المتظاهرين العراقيين الذين يطالبون بحقوقهم وتحسين أحوالهم ومنع الفساد والمفسدين !!


3- طالبت (جوقة) المنطقة الخضراء في حمى مسعورة مجلس الأمن وجامعة الدول العربية (التدخل الفوري لإيقاف الانتهاكات الحاصلة في البحرين، وخروج القوات الأجنبية - السعودية والإماراتية - من البحرين، لأن ذلك يشكل انتقاصاً للسيادة ) .. فيما تسكت هذه (الجوقة) القذرة عن الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية، وترى أن هذا الاحتلال لا يشكل انتقاصاُ لسيادة العراق !!


4- ودعت أحزاب إيران الحاكمة في العراق ، ومنها الفارسي مقتدى الصدر إلى مظاهرات في البصرة وكربلاء وبغداد ضد الحكومة البحرينية ( لقمعها الشيعة في البحرين ) .. فيما تسكت هذه الأحزاب التابعة لطهران عن قمع حكومة المالكي للشعب العراقي بكل مكوناته، الذي يرزح تحت نير الاستعمار الأمريكي منذ ثمان سنوات !!


5- والملفت في توجيه طهران لأتباعها في العراق، أن فريقاً من هؤلاء الأتباع قد هدد الدول " المتدخلة " بأن ( الشيعة الفرس يستطيعون ضرب المصالح البحرينية ومصالح المتدخلين في أي مكان ) !!


6- النظام الفارسي استعرض عضلاته في صيغة تهديد أجوف، حين أرسل قوارب حرسه وبعض سفنه الحربية صوب مياه الخليج العربي وبطريقة استفزازية .. لماذا ؟! ، هل أن الأمر يعنيه ويهدد أمنه وأراضيه، حتى يتخذ مثل هذا الإجراء ؟ أم إن النظام الفارسي أراد أن يبعث رسالة تطمأن أتباعه المتظاهرين من أصل فارسي، بأنه يدافع عنهم ويساندهم ويدعمهم في نشاطاتهم لإرباك الأمن في عموم المجتمعات العربية في الخليج وخارجه ؟!


استعراض العضلات هذه تصرف سخيف جداً وفاضح يعكس وصاية النظام الفارسي على أتباعه من أصل فارسي، وتدخله في الشأن البحريني، كما يؤكد ارتباطه بتحركات أتباعه الفرس في دول المنطقة في عصر بات فيه التدخل وبأغطية طائفية متهرئة من هذا النوع مدخلاً فاضحاً .. بيد أن التحرك العسكري الفارسي في مياه الخليج العربي، أدى إلى ردود أفعال إقليمية ودولية مضادة لطهران، وخاصة تركيا وباكستان اللتان أعلنتا صراحة أنهما ستتدخلان إذا ما أوغل الفرس في فعلهم العسكري إلى درجة تعرض أمن المنطقة إلى الخطر.. وهي منطقة مصالح دولية متشابكة لا أحد يستطيع السكوت على استهتار النظام الصفوي حيالها .


والمفارقة في هذا الأمر، أن العراق محتلاً من لدن قوة استعمارية غاشمة .. فبدلاً من تعبئة تظاهرات تأييد طائفية لأتباع طهران في البحرين، كان يتوجب لو كان هناك شيء من الكرامة الوطنية، أن يصار إلى التعبئة الكاملة لطرد المحتل الغازي للعراق دون قيد أو شرط .. ولكن التبعية الطائفية الإيرانية هي التي تتفوق لدى هؤلاء العملاء القتلة واللصوص على الوطنية الشريفة والنبيلة .


الاحتجاج الإيراني الصفيق مردود من أساسه لاعتبارات منطقية وواقعية، تقع في مقدمتها :


أولاً- إن التدخل السعودي الإماراتي جاء بناءً، ليس على معطيات الظرف الراهن الخطير فحسب، إنما على نص دفاعي متفق عليه في إطار مجلس التعاون الخليجي، يقتضي تقدير وضع الحاجة إلى معالجة مخاطر خارجية وقلاقل داخلية تهدد مجمل الأمن القومي الخليجي.


ثانياً- إن التدخل السعودي الإماراتي حالة نوعية متقدمة تعالج حالة خطرة تعرض لها الواقع الخليجي .. وكما يحصل في البحرين حصل في اليمن حين تسلق المخربون الطائفيون الخارجون على القانون بأسلحتهم الإيرانية المهانة جبال( صعده) لكي يهزوا الأمن الوطني اليمني والسعودي في آن واحد .


ثالثاً- إن التدخل السعودي الإماراتي لا يتعارض مع القانون الدولي ولا مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولا يثير حفيظتها، لكونه محدود ومشروط بانقشاع حالة التدخل الفارسي في نسيج المجتمع البحريني المتداخل، وهو الأمر الذي يعالج في إطار الأنظمة والقوانين والتشريعات الدستورية الخليجية، وهو شأن يحدده شعبنا العربي في الخليج العربي .


رابعاً- التدخل السعودي الإماراتي ليس توسعياً استيطانياً كما يفعل النظام الفارسي الحاكم في طهران، حين يستخدم (التشيع الفارسي) كحصان طروادة في المجتمعات العربية، من أجل القفز إلى سلطاتها السياسية خلال حتى عقود من السنين، على حساب دينها الإسلامي الحنيف وهويتها القومية العربية ومصالحها الحيوية .


خامساً- الفعل العسكري السعودي الإماراتي يأتي في صيغة دفاع عن أمن المنطقة ولإجهاض حالة التدخل الفارسي في الشأن البحريني، مكفولة بميثاق مجلس التعاون الخليجي.


ولا نبالغ حين نقول إن هذه الخطوة، بما تحمل من مدلولات أمنية لا تقتصر على الأمن البحريني فحسب، إنما هي في الأساس صيغة دفاعية إستباقية صوب فتيل فارسي أخذ يشتعل في البحرين واحتمال أن يمتد إلى السعودية ذاتها والكويت والإمارات وغيرها.


ربما يتساءل البعض، هل أن الفعل العسكري السعودي الإماراتي هذا يأتي في صيغة إستراتيجية ( الأمن القومي العربي) أم ( الأمن الخليجي ) ؟!


والإجابة .. لو كان هذا الفعل في صيغة الأمن القومي العربي، لكانت السعودية وغيرها، قد تحركت عسكرياً لمنع الاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق .. بل هي وأخواتها ساعدت عليه وأمدته وفسحت المجال لإتمام مهامه القذرة، الأمر الذي يسقط هذا التوصيف، ويبقي على حالتين متداخلتين، هما الدفاع عن النفس بصيغة الدفاع عن الأمن العربي الخليجي.


وهنا .. تستيقظ الأيديولوجية في تأثيرها على متطلبات الأمن القومي العربي، لتؤكد مفهوماً ناقصاً ومتناقضاً حول مسألة الأمن .. فحالة الدفاع الأمني القطري هي جزء من حالة الأمن القومي العربي، التي تحكمها قواعد تتأسس على عناصر جيوبولتيكية لا علاقة لها بالأيديولوجية .. فمثلاً : العراق دولة عربية حيوية، والسعودية دولة عربية حيوية كذلك، بين الدولتين اختلافات سياسية، ولكن هذه الاختلافات لا ينبغي أن تشكل عاملاً معرقلاً للدفاع عن أمن السعودية وأمن العراق، فحين يتعرض أمن السعودية إلى الخطر تستيقظ قدرات الأمن في العراق لحماية السعودية، ويفترض أن توظف الوحدات السياسية العربية قدراتها كلها في إطار التنسيق المشترك والفعل المشترك لدرء الأخطار القائمة والوشيكة على أي قطر عربي .. فالأمن القومي العربي صيغة متقدمة على الأمن القطري، فكلما تماسك الأمن القطري، حظي الأمن القومي العربي بنصيب كبير من العافية والقوة والمنعة . والإشكالية في هذا المرمى إن نظرية الأمن القومي العربي قد تعرضت للتشويش والإجهاض بفعل النزعات الإختلافية .. فالعراق في ظل الحكم الوطني كان يدرك هذه الحقيقة ، وتجاربها كانت واضحة تماماً .. فحين تعرض القطر السوري الشقيق للخطر الإسرائيلي الوشيك تحرك العراق وصد هذا الخطر بالرغم من اختلافات في السياسة، لأن سوريا بلداً عربياً وشعبها وقيادتها عربية .. وحين تعرضت مصر إلى عدوان إسرائيلي تحرك العراق لحماية مصر من عدوان إسرائيلي خطير، بالرغم من اختلافات السياسة بين بغداد والقاهرة .. وما ينطبق على سوريا العروبة ومصر الكنانة، ينطبق على الأردن أرضاً وشعباً .. وينطبق على الكويت حين كانت الصواريخ الفارسية تضرب شعب الكويت، تصدى لها العراق وأمطر بلاد العدوان الفارسي الحاقد بالنار وأخرس مصادر العدوان، بالرغم من اختلافات السياسة بين العاصمتين بغداد والكويت !!


الأمن القومي العربي وأسسه الإستراتيجية ينبغي أن تكون متماثلة وناضجة في طبيعة متحسساتها الأمنية والعسكرية دون تداخل في التأثيرات، وتقاطع في الاختلافات بين العواصم .. لأن قرار الدفاع القومي العربي ينبغي أن يحكمه مجلساً أعلى للدفاع القومي .. عندها تُحَجَمْ المخاطر ويسود الأمن في إطار نظام أمني عربي إقليمي خالص لا يحتاج إلى اتفاقيات حماية أجنبية !!


نعود إلى الخطوة السعودية حيال البحرين بأنها خطوة صائبة في بعض جوانبها الأمنية المهمة، ولكن الحالة تظل عالقة ما لم تعالج قانونياً ودستورياً وثقافياً، وتجتث العناصر المحركة للطائفية الفارسية من جذورها، ليس في البحرين فحسب، إنما من عموم أقطار الخليج العربي ومحيطه .. الفارسي يعود إلى وطنه، وعليه هناك أن يتظاهر كما يحلو له وكما يشاء !!

 

 





الجمعة١٣ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة