شبكة ذي قار
عـاجـل










• إن الأجنبي .. لا يتعامل بالعواطف .. بل بالمصالح .
• إن الأجنبي .. ليس لديه صديق دائم .. ولا عدو دائم .
• إن الأجنبي .. لديه مشروع كبير لتفكيك المنطقة .. بدون استثناء .
• إن الأجنبي .. ما يزال يشن حرباً (إمبريالية – صليبية) على العرب والمسلمين.
• والإشكالية الكبرى .. إن بعض العرب يتعاملون إستراتيجياً مع الأجنبي !!


مثلت بريطانيا في التحالف الأمريكي، الذي تشكل قبيل العدوان على العراق، صفة المرجعية للإمبريالية الأمريكية في مناطق نفوذها .. حيث أصبحت ذيلاً لهذه الإمبريالية بعد أن فقدت مواقعها، كما هو حال فرنسا حالياً مرجعية للإمبريالية الأمريكية في مناطق نفوذها .. الأولى مرجعية خليجية شرق أوسطية، والثانية مرجعية أفريقية وللمغرب العربي في التحالف الأطلسي الذي يعمل عسكرياً ضد ليبيا في الوقت الحاضر.


وكما كانت الإمبريالية الأمريكية عمياء في منطقة الخليج والمشرق العربي، بمعنى الخبرة، فأنها عمياء أيضاً في القارة الأفريقية وشمالها، وإن مرجعيتها، كما أسلفنا، هما بريطاني وفرنسا .. الأولى تراجع دورها ونفوذها وخسرت ممتلكاتها وتعرت تماماً أمام العالم وأمام الشعب البريطاني، لكنها استمرت كلباً مسعوراً يلهث وراء فتات المصالح .. أما الثانية ممثلة بجمهورية (ساركوزي) الفاشلة، فهي في وضع ضعيف في الداخل نتيجة تردي الأوضاع الاجتماعية وتزايد معدل البطالة والتمييز بين المواطنين الفرنسيين على أساس الجنسية واكتسابها، وفشل سياستها الخارجية وخاصة مشروعها حول " شمال جنوب دول حوض البحر المتوسط " ، فضلاً عن النكسة الكبيرة التي واجهت (سا ركوزي) حين خذلوه الأفارقة، وبلدانهم مناطق نفوذ فرنسية ما عادت تستجيب للسيد القديم كما يحلو لقصر " الأليزيه " ، فتراجعت شعبيته حسب استطلاعات الرأي العام الفرنسي الأخيرة، ومن أجل أن يكون قوياً ويستعيد مكانته بات كلباً مسعوراً،هو الآخر، للإمبريالية الأمريكية في حربها العدوانية الأطلسية على ليبيا ، فحطم مصداقية فرنسا في بناء (أوربا موحدة ومستقلة ) بانسياقها وراء التهور الأمريكي، وكرس المقولة الأمريكية التي تفيد بأن يكون الاتحاد الأوربي تحت القيادة الأمريكية في حلف شمالي الأطلسي، الأمر الذي سيتسبب بانقسام أوربا على نفسها بين من يريد الاستقلالية وبين من بات ذيلاً للإدارة الأمريكية المهزومة.


دول حلف شمالي الأطلسي، حيال مثل هذا الموقف، قد انقسمت وتردد بعضها، والمنطق الذي يقف عنده البعض منهم، أن تقاد الحملة العسكرية أطلسياً وليس أمريكياً، فيما يرى البعض الآخر وهم قلة قليلة، أن أمريكا هي راعية للحلف سياسياً وعسكرياً فلها أن تقوده. وتلك حالة تمثل جوهر الإشكالية الأوربية في الوقت الحاضر والمستقبل. من يقود الحلف الأطلسي، أوربا الموحدة والمستقلة أم أمريكا المتفردة التي تتطلع لأن يكون القرن الواحد والعشرون قرناً أمريكياً يتحكم بسياسات العالم واقتصادياته، بما فيها حلفائه وأصدقائه ؟!


الحملة العسكرية على ليبيا قد أسقطت دعاوى أمريكا وحلفائها الأوربيات بشأن ما يسمى " التدخل الإنساني " ،لأن الفعل العسكري الغربي بقيادة أمريكية وحزمة النار التدميرية الكثيفة التي استخدمت، قتلت وأبادت وشوهت مواطنين مدنيين عزل ودمرت مواقع ومنشئات مدنية خالصة، فهل أن استخدم القوة العسكرية يأتي لإرساء الديمقراطية، وهل أن الديمقراطية تتأسس من الخارج ؟ وهل أن المساعدات الإنسانية تأتي بأسلوب استخدام القوة ؟ ثم ، وفي هذا الإطار أو المعنى، هل يمكن تصور أن تستمر القيادة الأمريكية في التدخل ؟ وكيف يتصرف العرب، وكيف يكون ردهم ومدى رؤيتهم واستيعابهم لحالة التصعيد والمواجهة السياسية والعسكرية ؟!


في تحالف عام 1991 وتحالف عام 2003 كانت بريطانيا القوة الضاربة الثانية بعد الإمبريالية الأمريكية، ولكن وبعد مرور سنوات على احتلال العراق، تراجع دورها السياسي والعسكري نتيجة لعدد من العوامل يقع في مقدمتها الفعل المقاوم الوطني العراقي الباسل الذي غير من توازنات القوة على ساحة العراق، فضلاً عن ضغط الداخل البريطاني، والرفض العالمي للعدوان غير المبرر.. فسقطت بريطانيا من التحالف ولكنها ظلت مرجعية للإمبريالية الأمريكية، التي بقت وحدها تخسر وتكابر في العراق وأفغانستان حتى أن حلفائها من الدول الأوربية باتوا يتحفظون على سياسة الحرب التي تنتجها أمريكا في تعاملها مع العالم، وما أسفر عنه مؤتمر (لشبونة) لحلف شمالي الأطلسي مؤخراً دليل مؤكد على الرغبة الأوربية بالانسحاب من أفغانستان، لتتفرغ الإمبريالية الأمريكية لمشروعها الكبير في المنطقة، التي تعيش مخاضاً شعبياً استولد سلسلة من الانتفاضات الشعبية الرافضة للواقع العربي الفاسد والعاجز والمطالبة بالإصلاح والتغيير.


الحقيقة الموضوعية هي أن العلاقات الأمريكية الأوربية، ومنها العلاقات الأمريكية الفرنسية، ترتكز على المشترك الرأسمالي الغربي من جهة وعلى المصالح المتبادلة من جهة أخرى، أما المفترقات فأنها تأخذ مسارها في تعزيز التطلع نحو الاستقلالية الأوربية وزعامتها، فيما يأخذ التنافس الأمريكي الفرنسي شكل الصراع على مناطق النفوذ الفرنسية في مناطق معينة، ومنها على وجه التحديد أفريقيا وشمال القارة الغنية بالنفط والمعادن النادرة، اعتقاداً من فرنسا بأن أمريكا تريد إزاحتها عن مناطق نفوذها كما أزاحت من قبل بريطانيا، ومع ذلك فأن فرنسا لا تتقاطع مع أمريكا وكذلك أخواتها الأوربيات، ولكنها تدخل في شراكة إستراتيجية، لكي تبقي على مناطق نفوذها ولا تدع أمريكا تتفرد بالغنيمة.. وهكذا جاء التحالف الإستراتيجي الفرنسي- الأمريكي في العدوان على ليبيا، في الوقت الذي تعاني فيه حكومة (ساركوزي) من فشل في سياستها الخارجية وخاصة مشروع شمال جنوب دول حوض البحر المتوسط، والموقف الأفريقي الذي خذل (ساركوزي) في مسألة التحريض على ليبيا، الأمر الذي حفز القرار الرئاسي الفرنسي على الاصطفاف مع العدوان الأمريكي المبيت منذ زمن على ليبيا، وهو الأمر الذي وضع فرنسا، التي تعتمد مبادئ الحرية والإخاء والمساواة، على طريق السقوط كفرنسا وكأوربا، قوية وموحدة ومستقلة !!


الجامعة العربية .. ومجلس التعاون الخليجي .. والموقف :
أعطت الجامعة العربية موافقتها لأمريكا وحلفائها للعدوان على ليبيا، فيما قدم (عمرو موسى)، خلافاً للميثاق، موقفاً مؤيداً للعدوان على أمل أن يتسلق، وحسب الصفقة التي أبرمت مع حمد بن خليفة أل ثاني إلى رئاسة مصر، وذلك عند حضوره اجتماع باريس يوم 19/3/2011، فيما حضر (حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني)، النائب الأول لمجلس الوزراء ووزير الخارجية اجتماعات الإتحاد الأوربي شخصياً وموافقته مندوباً عن الأمير على خطة حظر الطيران على ليبيا وقصف المواقع الليبية وتعريض السكان المدنيين للقصف الوحشي تحت يافطة التدخل الإنساني، وتسهيل مخطط احتلال أمريكا وفرنسا واسبانيا وإيطاليا للشريط الساحلي النفطي الليبي، وفرض سياسة الأمر الواقع على ليبيا .


إن الجامعة العربية وهي تكرر تدويلها للأحداث العربية خلافاً للميثاق، كما عمدت على تدويل حالة العراق عام 1990، ومحاولتها دعم تدويل أحداث داخلية عربية، مثل مقتل الحريري ومحكمته الدولية، وهي محاولات متعمدة لحشر الأجنبي في الشأن العربي، تمثل حالة تآمرية خطرة يتوجب حسمها شعبياً بكل الوسائل الممكنة والمتاحة.


أما مجلس التعاون الخليجي، وقطر أحد أعضائها المؤثرين، فقد أعطى موافقته على حظر الطيران على ليبيا .. والمعنى في هذه الموافقة إعطاء الضوء الأخضر، أي (شرعنة) العمل لتقسيم ليبيا، أي أن مجلس التعاون الخليجي يوافق على تقسيم بلد عربي وشرذمة شعبه العربي المسلم، وهو الفعل ذاته الذي أقدمت عليه الجامعة العربية، حيال العراق تماماً في صيغة خطوط حظر طيران تتحول تدريجياً إلى واقع تقسيمي على الأرض .. ويكاد التاريخ أن يعيد نفسه في مسلسل الحروب الإمبريالية والصهيونية وإسقاط النظم في المنطقة العربية، ولكن بأساليب مختلفة تبعاً لواقع المصالح في تلك البلدان. إن أغطية التدخل متعددة ومعروفة، ومخطط إخراجه يقتضي وضع الأمور على مراحل .. فقد استغلت أمريكا ومن ورائها الصهيونية الحراك الشعبي المشروع للمطالبة بالإصلاح والحقوق والعزوف عن السياسات المنحرفة التي تضر بالمصلحة العربية العليا وتمس بالكرامة الإنسانية، فزجت طاقاتها ( عملاء، ومرتزقة، أموال، وأسلحة، وإعلام عربي محرض.. إلخ) من أجل إنضاج الحالة إلى نقطة التدخل والعدوان تحت غطاء ما يسمى (التدخل الإنساني) تحت مظلة مجلس الأمن الذي تقوده أمريكا .


والتساؤل في هذا المرمى.. كيف تواجه الأنظمة شعوبها ؟ وكيف تعالج الموقف المتأزم من بداياته بالرغم من تراكم العوامل المحركة للصراع؟ وبالتالي، متى يتعلم العرب دروس الماضي ؟!


والأشد قهراً، أن الكثير من شرائح الأمة ومواطنيها يتصورون أن الأجنبي يعمل على وفق (العواطف، والمبادئ، وأحكام القانون، والشرعية)، ولا يدركون أن الأجنبي يعمل وفقاً (للمصالح)، التي تقوده إلى إعلان الحروب وإبادة الجنس البشري، كما حصل في هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين، حين ألقت أمريكا قنابلها الذرية وإبادة دفعة واحدة قرابة نصف مليون ياباني، وشوهت أكثر من (2) مليون إنسان، ولوثت (أجنة) ما يزال الشعب الياباني يعاني منها حتى الوقت الحاضر. وكما حصل في اليابان تكرر بإسلوب آخر في العراق، حيث استخدم الأمريكيون المحتلون القنبلة الفراغية في معركة المطار، واستخدموا الفسفور الأبيض في الفلوجة، واستخدموا اليورانيوم المنضب في ذخيرة أسلحتهم ضد الشعب العراقي في مجزرة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.. ثم نجد الغرب يتحدث عن الحرية، واحترام حقوق الإنسان والشرعية، والقانون الدولي، وحماية المدنيين، وحق الشعوب في تقرير مصيرها !!


وكما حصل في تلك البلدان، يحصل في ليبيا، بغض النظر عن طبيعة العلاقة الكائنة بين الحاكم والمحكوم، وما تتعرض له ليبيا حالة استعمارية ضارية تستهدف تقسيم الأرض والشعب ونهب الثروات.. فما هو موقف الأنظمة العربية إزاء هذا العدوان على وفق ميثاق الجامعة العربية ومواثيق الدفاع المشترك؟ وما هو موقف الشعب العربي، ومنه على وجه التحديد المثقفون والمفكرون والسياسيون ورجال الدين؟ وما هو موقف الأحزاب السياسية العربية الوطنية منها والقومية والإسلامية من هذا الانتهاك الفاضح للسيادة والاستقلال الوطني والكرامة الإنسانية المستباحة في العراق وليبيا وباقي أمة العرب ؟! ثم متى يدرك العرب شعب وحكام أن الأجنبي لا تهمه سوى مصالحه، وليس لديه صديق دائم ولا عدو دائم ؟!


الإشكالية الكبرى، التي تشكل مأزقاً وطنياً وقومياً عربياً، هي اشتراك أنظمة عربية مع الأجنبي في العدوان على بلد عربي مسلم هو ليبيا والعمل على تقسيمه وشعبه ونهب ثرواته، كما فعلت بعض الأنظمة العربية وسهلت احتلال العراق ودمرته ومزقت شعبه . فقد اعترف حلف شمالي الأطلسي باشتراك (قطر والإمارات والأردن) عسكرياً في العدوان على ليبيا، فيما موَلت الفعاليات العسكرية الأطلسية السعودية وقطر والإمارات وغطت نفقاتها العسكرية في فرض حظر الطيران.


هذا الواقع المؤلم المخالف لكل القيم والأعراف العربية، والمناقض لكل القوانين الوضعية والسماوية يتطلب من الشعب العربي في كل من قطر والأمارات والأردن والسعودية محاسبة هذه العائلات العميلة الفاسدة والمتسلطة على رقابها منذ عقود من السنين، قبل أن ينسحب عليه وعلى مستقبله .


وهنا نستطيع أن نقول .. لولا هذه الأنظمة التابعة للأجنبي ومعها النظام المصري الذي أسقطته الجماهير المصرية المناضلة والمجاهدة، لما استطاعت الإمبريالية والصهيونية وحلفائهما أن يدخلوا العراق ويسقطوا نظامه الوطني ويدمروا ويمزقوا ويشردوا شعبه .. ولولا هذه الأنظمة التابعة للأجنبي ومرتزقته والعملاء والمجندون الذين تم تسريبهم إلى ليبيا مع السلاح والأموال التي وزعت على العملاء لما استطاعت الإمبريالية وحلفائها من دخول ليبيا والعبث بأمن شعبها وتعريض الوطن إلى التمزق والنهب والتدمير . ولا أغالي القول، أن هذه الأنظمة العائلية (العربية) هي أكثر خطراً من الإمبريالية.. فعلى شعبنا العربي أن ينظف داره من هذه العائلات الفاسدة المتحكمة، لكي يتحاشى الطعن من الخلف.. وعلينا جميعاً أن نتعظ ، لأن الإمبريالية والصهيونية تتسرب من الثغرات التي تملأ الأوطان، سياسياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً .. فمتى تتعلم أمة العرب؟!

 

 





الاحد٢٢ ربيع الثاني ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / أذار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة