شبكة ذي قار
عـاجـل










هل أخفقت القيادة العراقية في فهم وإدراك السياسة الأمريكية

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ) النساء 71

صدق الله العظيم

 

 

 

تمهيد :-

تحدثنا في الجزء الأول من بحثنا هذا عن المأزق الذي يحيط بالمشروع الجهادي العراقي حيث أكدنا على إن سبب المأزق لا ينبع من داخل العراق إنما من محيطه العربي أولا وقبل كل شئ . كما تحدثنا في الجزء الثاني من البحث عن أهمية دوائر المخابرات في الحياة العامة للدول وخاصة في الدولة العراقية وكيف نشئت كما تحدثنا عن الظروف التي رافقت ولادة جهاز المخابرات الوطنية وعن دور حزب البعث " فكريا وسياسيا وامنيا " في خلق جهاز مخابرات عراقي بمستوى متطور قادر على تنفيذ المهام الموكلة إليه ،

 

إما في هذا الجزء فسنتطرق إلى المشروع الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين واستبداله بنظام موالي لها في العراق ، وعلى اثر هذا فسنناقش ما اذا كانت القيادة العراقية على اطلاع كامل وادراك تام لما يحاك للعراق داخل اروقة البيت الابيض ووكالة الاستخبارات المركزية.

 

مشروع الولايات المتحدة الامريكية لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين 1990-1997 :-

رغم أن المشروع الأمريكي لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين واستبداله بنظام موالي للولايات المتحدة ليس بالأمر الجديد ، فمنذ عام 1990 والإدارات الأمريكية المتعاقبة وهي تدعو وتخطط إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين . تارة عن طريق دعمها لانتفاضة شعبية تنتهي بقيام انقلاب عسكري على اثر انسحاب الجيش العراقي من الكويت عام 1991 وما لحق بالبنى التحتية للمؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية في الدولة العراقية من خراب ودمار نتيجة الحرب . وتارة أخرى عن طريق فرض حصار دولي شامل على العراق ، يعقب تلك الحرب التي دمرت البنى التحتية للمؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية للدولة العراقية ، والذي يتزامن مع فرض قرارات مجلس الأمن الدولي على العراق لتجريده من أسلحته الحيوية ، وحسب وجهة نظر الإدارة الأمريكية فستتسبب هذه العناصر مجتمعة "الحرب والدمار والحصار والقرارات" في تآكل النظام وتهاوي بنيته الاقتصادية والأمنية والعسكرية والسياسية ، فضلا عن استنفاذ شعبيته عند العراقيين وبالتالي تصبح مسالة سقوط نظام الرئيس صدام حسين أمر محتما وان استغرق ذلك سنوات مادامت الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على احتواء خطره من خلال استمرار فرض الحصار الدولي الشامل عليه. إلا إن إحداث عام 1998 وما تلاها قد شهدت تحولات مهمة في المشروع الأمريكي لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين سنأتي على ذكر تفاصيلها لاحقا .

 

 

تحولات المشروع الامريكي عام 1998:-

بعد مرور أكثر من سبعة أعوام على فرض الحصار الدولي الشامل على العراق والذي اشترط مجلس الأمن الدولي لرفعه خلو العراق من أي أسلحة ذات قدرات تدميرية شاملة ، تستمر اللجان الدولية بعملها لتدمير ترسانة العراق من أسلحة الدمار الشامل وتدمير قدرة العراق على إنتاج تلك الأسلحة ، الأمر الذي جعل العراق يدخل في نفق مظلم لانهاية له . فممارسات اللجان الدولية مع السلطات العراقية اتسمت عبر هذه السنوات السبع بالكثير من المماطلات والتسويف بل ووصلت أحيانا إلى درجة الاستفزاز والتجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية السي أي ايه .

 

فهذه اللجان لم تراعي حرمة دار مواطن أو جامعة عراقية او مصنع مدني او مخزن للأغذية ، بل وتدخلت أحيانا في أمور لا يحق لها قانونيا التدخل فيها كالاطلاع على مشاريع القوات المسلحة العراقية كالتدريب والصيانة أو على مشاريع هيئة التصنيع العسكري لإنتاج أسلحة غير محظورة .

 

إن المشكلة في هذه الممارسات والتصرفات الشائنة لا تنحصر في مجرد عدم مراعاة حرمة هذا الدار أو تلك الجامعة .. بل أنها تعني المزيد من القتل .. المزيد من المعاناة .. المزيد من الدمار والخراب .. تعني استمرارا  لحصار إثم يقتل مئات الآلاف سنويا من الأطفال والشيوخ والنساء .. تعني استمرارا لمعاناة العوائل والآسر .. تعني استمرار لمعاناة التلميذ والمعلم .. الطالب والمدرس .. المريض والطبيب .. الفلاح والعامل والمهندس .. الجندي والضابط .. الشعب وقيادته ..

 

فكان على القيادة العراقية أن تضع حدا لممارسات تلك اللجان.. لممارسات القتل والتجويع والتدمير والخراب ،  فقررت يوم 5/8/1998 وقف التعاون مع اللجان الخاصة وطالبت بوضع جدول زمني يربط بين التقدم الحاصل في نزع أسلحة الدمار الشامل من جهة وبين رفع تدريجي للحصار الدولي الشامل المفروض على العراق في الجهة المقابلة .

 

وبينما أعربت إطرافا دولية عن حق العراق في تنفيذ مطالبه الداعية إلى ربط عمليات لجان التفتيش الدولي برفع الحصار ، فقد رفضت الإدارة الأمريكية رفضا قاطعا تلك المطالب ، بل إن الأمم المتحدة والتي من المفترض أن تكون هيئة عالمية مستقلة قد بادرت إلى تقليص برنامج المساعدات الإنسانية أو ما يعرف ببرنامج النفط مقابل الغذاء ابتدءا من يوم 26/8/1998 تناغما مع السياسة الأمريكية ، وفي يوم 9/9/1998 اصدر مجلس الأمن الدولي قراره المرقم 1194 بشأن قرار العراق وقف التعاون مع اللجنة الخاصة الذي صدر يوم 5/8/1998.

 

وفي خطوة استفزازية للقيادة العراقية ومن اجل تصعيد الموقف فقد اجتمعت وزيرة الخارجية الأمريكية سيئة الصيت مادلين أولبرايت مع مسعود البرزاني وجلال الطالباني بهدف تدعيم المعارضة ضد نظام الرئيس صدام حسين . وفي يوم 4/10/1998 وبخطوة أكثر استفزازية أصدرت الإدارة الأمريكية ما يسمى "بقانون تحرير العراق" حيث أخذت واشنطن على عاتقها تغذية ما تسمى "بالمعارضة العراقية" بكل ما يلزم من اجل أن تكون النظام البديل لنظام الرئيس صدام حسين . ومن بين ما خصصت الإدارة الأمريكية لما تسمى "بالمعارضة العراقية" فضلا عن الأموال والإذاعات والصحف ومعسكرات التدريب والسلاح فقد احتضنتهم دوليا ورحبت بهم بين أوساط المحافل الدولية العربية والغير عربية .

 

وعلى اثر تلك التطورات ومن اجل الضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإيقاف تلك السياسات الاستفزازية فقد أكدت القيادة العراقية يوم 31/10/1998 وقف تعاونها مع اللجان الخاصة للأمم المتحدة ، إلا أن مجلس الأمن الدولي لم يكن مجلس امن دولي حقيقي إنما كان هو الأخر ألعوبة بيد الخارجية الأمريكية ولم يتخذ أي قرار ينصف به العراق مما وقع عليه من حيف وظلم وتعسف فاصدر في يوم 5/11/1998 قراره المرقم 1205 والذي دعى فيه القيادة العراقية إلى استئناف تعاونها مع اللجان الخاصة ، فتراجعت القيادة العراقية يوم 14/11/1998 عن قرارها وقف التعاون مع اللجان الدولية بعد فشل مساعي الدول الداعمة للمطالب العراقية الداعية إلى ربط عمليات لجان التفتيش الدولي برفع الحصار ، ولتجنيب العراق حملة جوية جديدة هددت بها الإدارة الأمريكية لقصف المواقع العراقية.

 

إن ما كان يحاك للعراق في تلك الفترة اكبر مما يمكن أن تتحاشاه القيادة العراقية ، فالإدارة الأمريكية تعمدت في تلك الأيام إلى تصعيد الموقف وباستمرار مع القيادة العراقية بحيث ترغم القيادة العراقية على قطع تعاونها مع فرق التفتيش الدولي وبالتالي توفير الحجج والذرائع للإدارة الأمريكية من شن حملة جوية جديدة لقصف المزيد من المواقع العراقية ولتحقيق المزيد من الخراب والدمار للمنشاءات والبنى التحتية العراقية المدنية والعسكرية الأمر الذي يعود سلبا على إمكانيات العراق الدفاعية وبالتالي تسهيل مهمة الولايات المتحدة الأمريكية لغزو العراق مستقبلا . وعلى ضوء هذه السياسة الخبيثة فقد التقى مفتشي اللجنة الخاصة بما تسمى "بالمعارضة العراقية" في يوم 4/12/1998 الأمر الذي حتم على القيادة العراقية إيقاف تعاونها مع تلك اللجان بعدما بات واضحا أنها ليست لجان دولية لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل ، إنما هي أداة من أدوات المشروع الأمريكي لغزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين .

 

وفي دليل صارخ على مدى تواطئ اللجان الدولية مع السياسة الأمريكية الهادفة إلى تصعيد المواقف باستمرار مع القيادة العراقية فقد قيام كبار المفتشين الدوليين الاسترالي الجنسية روجر هيل يوم 13/12/1998 بمغادرة العراق على رأس فرق التفتيش الدولية . فاعتبرت القيادة العراقية السفر المفاجئ  للجان الدولية ، بمثابة التمهيد لشن حملة جوية جديدة سميت لاحقا بـ"عملية ثعلب الصحراء" حيث قامت الطائرات الأمريكية والبريطانية بشن ضربة جوية ضد 97 موقع عراقي منتخب بدأت في 16/12/1998 واستمرت لمدة أربعة أيام حيث انتهت يوم  19/12/1998 وقد جرت العملية بسبب ما وصفته الدولتان بعدم تعاون العراق مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الباحثين عن أسلحة الدمار الشامل العراقية.

 

وعلى اثر ذلك العدوان والذي خلا من أي مسوغ قانوني ، فقد رفضت القيادة العراقية عودة اللجان الدولية ما لم يتم وضع جدول زمني لرفع الحصار يضع حدا لمماطلات تلك الفرق ولمطالبها التعجيزية التي أدخلت العراق في نفق مظلم لا نهاية له .

 

إن إصرار القيادة العراقية على وضع جدول زمني لعمليات التفتيش يتزامن مع رفع تدريجي للحصار، قد لاقى تجاوب من بعض دول العالم حيث بدء الحصار الشامل المفروض على العراق بالتآكل والانحلال تدريجيا حتى على المستوى السياسي والدبلوماسي . الأمر الذي أدى إلى قلق الإدارة الأمريكية من احتمال تمكن القيادة العراقية من إنهاء الحصار الدولي المفروض على العراق . وبالتالي فان قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على احتواء خطر نظام الرئيس صدام حسين ستتعرض بمرور الوقت إلى الزوال ، الأمر الذي يعني عودة العراق إلى الواجهة الدولية كعنصر مؤثر ايجابيا بالنسبة لمناهضي الولايات المتحدة الأمريكية وكعنصر مؤثر سلبي تجاه هيمنتها على دول المنطقة وكعنصر تهديد على امن وسلامة الكيان الصهيوني ومشروعه العالمي .

 

وعلى اثر تلك التطورات فقد أعادت الإدارة الأمريكية حساباتها وخططها بشان العراق ، فبدأت وبشكل عملي في تفعيل ما يسمى بقانون تحرير العراق ، فخصصت مبلغ 2 مليون دولار لوكالة الإعلام الأمريكية للسنة المالية 1999 وذلك من أجل تقديم الدعم اللازم للمنظمات التي تقوم بالبث الإذاعي والتلفزيوني لما تسمى بالمعارضة العراقية ، وخصصت مبلغ 97مليون دولار لغرض دعم ما تسمى بالمعارضة العراقية سياسيا وعسكريا .

 

وهكذا فقد شهدت عام 1998 تحولا مهمة في السياسة الأمريكية إزاء العراق ، فبعد إن كانت الإدارة الأمريكية تعول على انتفاضة شعبية أو انقلاب عسكري أو على ما تترتب عليه من نتائج بسبب الحصار الدولي الشامل المفروض على العراق ، أصبحت هذه الإدارة تعول على ما تسمى بالمعارضة العراقية في مشروعها الجديد لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين.

 

ستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين لعام 1999:-

إن تبني الإدارة الأمريكية لما يسمى بقانون تحرير العراق ليس مجرد تخصيص مبلغ معين أو مجرد دعم لما تسمى بالمعارضة العراقية كما قد يعتقد البعض ، إنما هي سياسة أمريكية تعبر عن وجود ستراتيجية أمريكية متكاملة طويلة الأمد نسبيا لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين .

 

لذا فان غزو العراق لم يكن مجرد تصفيات شخصية بين الرئيس الأمريكي الجديد جورج واكر (دبيلو) بوش الابن وبين القيادة العراقية التي اتهمت في 9/5/1993 عن تدبير محاولة لاغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج هربرت واكر بوش الأب ، مثلما لم يكن مجرد رد فعل انتقامي على إحداث أيلول/ سبتمبر/ 2001 ، أو حتى مخطط أمريكي جرى الإعداد له قبل إحداث أيلول / سبتمبر/2001.

 

بل إن غزو العراق كان نتيجة لإستراتيجية أمريكية متكاملة بنيت على عدة محاور وقد شاركت في صياغتها العديد من المؤسسات الأمريكية البحثية والسياسية والأمنية والعسكرية منذ عام 1998 . حيث هيئ لغزو العراق موارد بشرية ومالية ومادية غير محدودة استهدفت ، مايلي :-

 

 اولا / تشويه القيادة العراقية :

لقد اعتمد واضعو الاسترتيجية الأمريكية على واحد من أهم المبادئ التي اكتشفها البشر على مدى العصور وان كان هذا المبدأ قديما وبسيطا إلا إن فكرته رغم ذلك تبقى من أخبث الطرق إلا وهو إسقاط الرموز .

 

فمع الكم الهائل للتطور التكنولوجي الذي وصلت إليه المؤسسات الأمريكية المتخصصة بهكذا مجالات فقد تمكنت والى حد كبير من تشويه صورة وأفعال القيادة العراقية ، سواء بين أبناء الشعب العراقي أو في الأوساط العالمية كالمؤتمرات والاجتماعات والمحافل واللقاءات الدولية.

 

واستعانت لتحقيق هذا الغرض بالعديد من المنظمات الدولية كل حسب اختصاصها ، فاللجان الدولية الخاصة لنزع أسلحة العراق المحظورة والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد أخذتا على عاتقهما مسؤولية وضع تقارير دورية بين الفينة والأخرى على عدم تعاون القيادة العراقية معها وعلى خرقها للقرارات الدولية المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل العراقية .

 

اما منظمة حقوق الإنسان فتصدر بين الفينة والأخرى تقريرا خاصا عن وضع حقوق الإنسان في العراق، تتهم فيه القيادة العراقية باضطهاد حقوق المرأة والطفل والأقليات والقومية والطوائف وما شابه .

 

بل إن الأمر تعدى المنظمات الدولية ذات الطابع السياسي حتى وصل الحال إلى المنظمات الدولية ذات الطابع المدني ، كمنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة العمل الدولية وصندوق النقد الدولي ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة والبنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأغذية العالمي .

 

لقد اعتمد واضعو تلك الاسترتيجية طريقة بث الخبر من عدة جهات في أماكن وأزمنة مختلفة وبطرق مختلفة نسبيا حتى يجد المرء نفسه إمام واقع لا يقوى على دحضه أو على الأقل على فهم حقيقة ما يجري مما يخلق ضعفا وفتورا بالشعور بالمواطنة لدى المواطن. إن الشعور بللا مواطنة هو اخطر ما يهدد المجتمعات والدول فلا ثقة بالنفس ولا قدرة على الصبر والصمود والمطاولة والمراوغة لتحقيق ما تهدف إليه القيادة وبالتالي عزل الجماهير عن قياداتها وعزل القيادة عن جماهيرها وإشاعة روح اللامسؤولية والسلبية وعدم الثقة بالحكومة وتحميلها كل السلبيات التي يمر بها المواطن في حياته اليومية .

 

إن تطبيق مبدأ تسقيط الرموز وتشويه صورة وأفعال القيادة العراقية لم يكن ليحقق إغراضه وأهدافه أو على الأقل لم يكن ليحقق نجاحا كبيرا في أوساط الشعب العراقي لولا ما تسبب به فرض الحصار الدولي الشامل على العراق من إضعاف لقدرة الحكومة على تيسير سبل  الحياة الكريمة للمواطن العراقي ، فانقطاع الكهرباء والماء وضعف الخدمات البلدية وتقادم المؤسسات التعليمية والتثقيفية والعلمية والطبية وتراجع نسب المتعلمين وارتفاع نسب الأمية وتفشي البطالة المقنعة و ضعف القدرة الشرائية لموظفي الدولة والقوات المسلحة وأصحاب المصالح المحدودة وهم من يمثلون أغلبية الشعب العراقي ساهمت في إضعاف موقف الكثير من أبناء الشعب العراقي وقوضت من قدرة القيادة العراقية على مواجهة الغزو فيما بعد.

 

ثانيا / تدمير قدرات العراق الحيوية :

كما اعتمد واضعو الاسترتيجية الأمريكية لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين ، على ضرورة تجريد العراق من قدراته الحيوية . نقول قدرات العراق الحيوية ولا نقول أسلحة الدمار الشامل لان ما نتج عن فرض الأمم المتحدة لقرارات مجلس الأمن الدولي السيئة الصيت على العراق ، لم تكن تستهدف منع العراق من حيازة أسلحة دمار شامل ، بل استهدفت أيضا بل وأحيانا قبل أن تستهدف تدمير تلك الأسلحة ، نقول تستهدف قدرات العراق التكنولوجيا والعلمية . فكثيرا ما قامت اللجان الدولية بتدمير معامل ومصانع ومعدات تقنية استخدمها العراق لإنتاج أسلحة الدمار الشامل رغم وجود إمكانية تحويلها للإنتاج المدني كما هو الحال مع المعدات المتطورة لتصنيع قوالب الصواريخ العراقية المحظورة حيث كان بالإمكان أن تحول تلك المعدات لإنتاج قوالب تستخدم في الصناعات المدنية أو حتى العسكرية الغير المحظورة كصناعة السيارات والدبابات والطائرات وما شابه .

 

بل إن اللجان الدولية الخاصة بتدمير أسلحة العراق المحظورة مارست سياسة اشد خبثا من هذا حيث أصرت تلك اللجان على تدمير ابسط الموجودات في مصانع العراق المحظورة فدمرت المكاتب والحاسبات وأجهزة التكييف ودواليب السجلات والمقاعد ..!!

 

باختصار شديد كان على تلك اللجان الدولية أن تنزل أفدح الخسائر بقدرات العراق التكنولوجية والعلمية ، لتحرم القيادة العراقية من أي فرصة على تعزيز قدرات العراق على الصمود بوجه الحصار الشامل وبوجه الغزو فيما بعد .

 

إن هذه السياسة ، سياسة تدمير اكبر قدر ممكن من القدرات العراقية ليست بالأمر الجديد على القيادة العراقية حيث عهد على إدارة بوش الأب أيام حرب عام 1991 نفس السياسة حيث ضربت كل مرافق ومعامل ومصانع ومخازن الدولة العراقية سواء كانت عسكرية أو مدنية صناعية أو زراعية تجارية أو خدمية تعليمية أو سياحية .

 

ثالثا / المراقبة الشاملة والمستمرة للعراق :

لقد اعتمد واضعو الاسترتيجية الأمريكية لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين ، مبدأ مهما للغاية إلا وهو مبدأ المراقبة الشاملة والمستمرة للعراق . حيث أعدت الولايات المتحدة الأمريكية  لهذا الغرض تخصيصات مالية وفنية وبشرية ضخمة عدا تلك التي خصصها مجلس الأمني الدولي لمراقبة العراق . فمجلس الأمني الدولي وبموجب إحدى قراراته الجائرة فرض على العراق زرع كاميرات مراقبة حيثما أرادت اللجان الدولية في المصانع أو المخازن أو حتى في دوائر مدنية لا تمت بصلة لبرامج العراق التسليحية المحظورة.

 

وبالإضافة إلى وسائل المراقبة الدولية والتي وضعت تحت خدمة المخابرات الأمريكية ، فقد اعتمدت الإدارة الأمريكية على برنامج خاص بها لمراقبة العراق بشكل شامل ومستمر ، من خلال الأقمار الصناعية التجسسية وطائرات الاواكس وطائرات اليو تو وطائرات تجسسية مسيرة ميدانية المهام .

 

كما تضمن البرنامج الأمريكي لمراقبة العراق آليات العمل المخابراتي التقليدي ، ولكن بحكم ضعف مصادر المخابرات الأمريكية داخل العراق نتيجة فعالية جهاز المخابرات العراقي والذي شكلا طوق امني حول أهم إسرار الدولة العراقية ، فقد عملت بعض الأنظمة العربية والإقليمية والأجنبية على تقديم كافة خدمات الدعم للمخابرات الأمريكية . حيث زودت الشركات الروسية والفرنسية واليابانية المخابرات الأمريكية بخرائط المشاريع التي نفذتها في داخل العراق ، أو بنسخ من عقود الصفقات التي أبرمتها تلك الشركات مع الحكومة العراقية فيما سبق . كل ذلك من اجل توفير اكبر قدر ممكن من المعلومات عن الوضع العراقي في كافة المجالات السياسية والدبلوماسية والأمنية والعسكرية والاجتماعية والدينية والثقافية والعلمية والاقتصادية والإعلامية والصناعية والزراعية والتجارية والخدمية .

 

رابعا / تجنيد المصادر البشرية للمخابرات الامريكية داخل العراق :

تولت المخابرات الإيرانية مهمة تزويد المخابرات الأمريكية بقدر كبير من أرشيفها الخاص بالوضع العراقي لاسيما أيام الحرب العراقية الإيرانية ، بالإضافة إلى وضع عملاء المخابرات الإيرانية تحت خدمة المخابرات الأمريكية حيث وجهت المخابرات الإيرانية أوامرها لحزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وفيلق تسعة بدر وباقي العملاء فيما تسمى بالمعارضة العراقية المدعومة من إيران بضرورة التنسيق والتعاون مع المخابرات الأمريكية .

 

وهنا فمن الجدير ذكره أن نوضح للقارئ الكريم بان بعض عملاء إيران داخل العراق قد نجحوا في تنفيذ المهام الموكلة إليهم من قبل المخابرات الأمريكية. لقد اعتمد اؤلئك العملاء على سياسة تدمير الدولة العراقية من الداخل وان كانت مواقعهم أسفل الهرم في مؤسسات ودوائر الدولة العراقية إلا إن بمجمل تواجدهم في الدولة العراقية فقد استطاعوا من تنفيذ أعمال تنسب أو تـُحمّل بالنهاية إلى القيادة العراقية .

 

أي وبمعنى أوضح فان اؤلئك الخونة قد استطاعوا من تقديم العون لبرنامج المخابرات الأمريكية لتشويه صورة وأفعال القيادة العراقية داخل المجتمع العراقي ، سواء من خلال إطلاقهم الشائعات المغرضة أو من خلال بثهم للأكاذيب والادعاءات الملفقة أو من خلال استغلال صلاحياتهم المحدودة في إعطاء الأوامر المغلوطة أو في إصدار أوامر تثقل كاهن المواطن البسيط أو من خلال قيامهم بممارسات سيئة أو بتعاملات فضة مع المواطنين بغية إحداث شرخ وفتنة وفرقة بين القيادة العراقية من جهة والشعب العراقي من جهة أخرى .

 

كما ساهمت أنظمة عربية وأجنبية في توفير المصادر البشرية للمخابرات الأمريكية داخل العراق ، حيث أجهضت المخابرات العراقية العديد من محاولات الاختراق التي كان يقوم بها تجار أو دبلوماسيون عرب أو أجانب لصالح أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية .

 

تطورات الإحداث منذ ُ عام 1999:

إن تطورات الإحداث منذُ عام 1999 ستبين لنا مدى صحة هذه النظرية أو بالأحرى ستعطي الأدلة تلو الأدلة على واقعية النظرية التي تنص على وجود ستراتيجية أمريكية متكاملة طويلة الأمد نسبيا لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين .

 

ففي مساعيها لشيطنة القيادة العراقية عالميا ، سربت الإدارة الأمريكية يوم 4/1/1999 تقارير خاصة لوسائل الإعلام  تتحدث عن دعم القيادة العراقية لشبكات إرهابية عالمية حيث ادعت في تلك التقارير محاولة المخابرات العراقية لتجنيد أسامة بن لادن . وفي يوم 6/2/1999 سربت الإدارة الأمريكية لوسائل الإعلام تقارير أخرى تتحدث عن عرض قدمه الرئيس صدام حسين لأسامة بن لادن يدعوهُ فيه للإقامة في الأراضي العراقية. بينما سربت الحكومة البريطانية يوم 21/3/1999 تقارير خاصة لوسائل الإعلام تتحدث عن قيام القيادة العراقية بتجنيد طيارين انتحاريين لمهاجمة المصالح الأمريكية .

 

وفي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام تتحدث عن مزاعم دعم القيادة العراقية لشبكات إرهابية عالمية ، كانت المخابرات الإسرائيلية تدبر لمحاولة اغتيال للرئيس صدام حسين بواسطة صواريخ موجهة خاصة بتنفيذ مثل هكذا مهام. إلا إن جهاز المخابرات العراقي كان بالمرصاد فأعلنت القيادة العراقية يوم 17/1/1999 عن إحباط محاولة المخابرات الإسرائيلية لاغتيال الرئيس صدام حسين .

 

وفي إعقاب فشل محاولة المخابرات الإسرائيلية لاغتيال الرئيس صدام حسين بواسطة صواريخ موجهة خاصة لتنفيذ مهام القصف الدقيق الجراحي وفي رد فعل ثأري على ما يبدو فقد أصدرت الإدارة الأمريكية يوم 26/1/1999 تعليماتها لقواتها الجوية بتدمير نُظم الدفاع الجوي العراقية بالكامل ، والتي تمكنت من تدمير 20% من نظم الدفاع الجوي العراقي على حد مزاعم الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" يوم 24/2/1999.

 

ثم أخذت الإحداث تأخذ منحا خطيرا و جديدا ، فبعد أن كانت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية هي من تأخذ على عاتقها مواجهة نظام الرئيس صدام حسين ومواجهة ما يسمى بالتهديد العراقي على دول المنطقة ، فقد دخلت إسرائيل هذه المرة على الخط وبشكل علني ورسمي حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية يوم 5/2/1999 عن مساعيها لإقامة دولة كردية في العراق .

 

ثم تناقلت وسائل الإعلام يوم 26/2/1999عن وجود خطة أمريكية لإقامة نظام جديد في العراق ، وبعد أيام وبالتحديد في 8/3/1999 كشفت الإدارة الأمريكية عن تصعيد نشاطها السري في العراق لإحداث ثورة شعبية ضد نظام الرئيس صدام حسين . الأمر الذي فرض على ما تسمى بالمعارضة العراقية تشكيل هيئة رئاسية مؤقتة لها يوم 8/4/1999.

 

وفي الوقت الذي تصر فيه الإدارة الأمريكية على استمرار فرض الحصار الشامل على العراق وتعطيل أجزاء كبيرة من مذكرة التفاهم او برنامج النفط مقابل الغذاء بحجة الاستخدام المزدوج لبعض السلع والبضائع والمعدات والأدوات المدنية والضرورية لحياة الشعب العراقي اليومية تلك السياسة الخبيثة التي أدت إلى وفاة مليون ونصف مليون عراقي حسبما جاء في تصريح وزارة الصحة العراقية يوم 7/4/1999، تمنح هذه الإدارة يوم 24/5/1999 ، مبلغ 97 مليون دولار لما تسمى بالمعارضة العراقية في إطار ستراتيجية إسقاط نظام الرئيس صدام حسين .

 

وفي محاولة مكشوفة من قبل الإدارة الأمريكية لخداع القيادة العراقية وتشتيت أنظارها وإيهامها بعدم وجود ستراتيجية متكاملة متفق عليها بين الإدارة الأمريكية وتلك القوى المعارضة ، يعلن قائد القوات الأمريكية المركزية يوم 26/5/1999معارضته لتسليح ما تسمى بالمعارضة العراقية ، في حين إن اتخاذ مثل هكذا قرارات لا يدخل ضمن صلاحيات القادة العسكريين في الولايات المتحدة الأمريكية بل ضمن صلاحيات البيت الأبيض والرئيس الأمريكي تحديدا .

 

وفي إطار سياسة الحرب النفسية وتدعيم ما تسمى بقوى المعارضة العراقية وتهيئتها لاستلام زمام الأمور في العراق ، تتناقل بعض وسائل الإعلام يوم 6/6/1999 تسريبات من ما تسمى بالمعارضة العراقية عن تأسيس تنظيمين أو فصيلين جديدين لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين . ثم تعلن ما تسمى بالمعارضة العراقية يوم 10/6/1999 عن انعقاد مؤتمرها الخاص في لندن من اجل تدارس سبل الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، ثم يلتقي المنسق الأمريكي لما يسمى بقوى المعارضة العراقية بقيادات تلك القوى في لندن يوم 13/8/1999. وتماشيا مع هذه السياسة الخبيثة تتناقل وسائل الإعلام يوم 14/9/1999 من مصادر خاصة "بالمعارضة العراقية" إنباء عن مساعي أمريكية لتنشيط قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 688 والصادر في 5/4/1991 والمتعلق بوضع حقوق الإنسان في العراق ، في إشارة إلى إن "المعارضة العراقية" تلاقي دعما دوليا وليس أمريكيا فحسب.

 

وفي إطار الحرب الدبلوماسية على العراق والإصرار على عزل القيادة العراقية عن الأوساط العالمية وتهميش دورها وإحباط محاولاتها لرفع الحصار عن العراق ، تقوم إحدى المنظمات اليهودية في أوروبا يوم 1/9/1999 بتحرك نحو بابا الفاتيكان لإقناع بعدم الالتقاء بالرئيس صدام حسين في حال زيارة البابا للعراق . في حين تتحرك الحكومة البريطانية للضغط على البابا يوحنا بولس الثاني لمنع الأخير من زيارة العراق . ونجحت هذه المساعي فعلا في منع البابا من زيارة العراق حيث أعلن الفاتيكان تعليق زيارة البابا للعراق وذلك يوم 25/10/1999.

 

وإتباعا لسياسة الإصرار على استمرار فرض الحصار على العراق يجدد ريتشارد بتلر يوم 29/9/1999 اتهاماته للعراق بامتلاك أسلحة دمار شامل. بينما حملت الإدارة الأمريكية نظام الرئيس صدام حسين مسؤولية معاناة الشعب العراقي حسبما جاء في تقريرها الخاص للأمم المتحدة الصادر يوم 9/11/1999.

 

وفي إطار سياسة الحرب النفسية المعادية للعراق وإرباك القيادة والشعب العراقي ، تتناقل وسائل الإعلام يوم 4/9/2000 تسريبات من قبل المخابرات الأمريكية تزعم بوجود ترتيبات خاصة لتولي قصي صدام حسين مقاليد الحكم في العراق ، على اثر إصابة الرئيس صدام حسين بمرض سرطان الغدد الليمفاوية حيث ادعت تلك التقارير عن خضوع الرئيس صدام حسين للعلاج في إحدى المستشفيات العراقية .

 

وعلى جانب أخر من ستراتيجية الولايات المتحدة لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين ومن اجل شيطنة القيادة العراقية في الأوساط الدولية وإحباط الجهود الرامية لإنهاء الحصار الدولي المفروض على العراق ، تتناقل صحف أمريكية يوم 25/1/2001 تقارير مسربة من السي أي إيه تزعم بإعادة تشغيل العراق لمصانع تنتج المواد الكيمياوية المحظورة . بينما تتحدث وسائل إعلام أخرى يوم 28/1/2001 وعن لسان ما اعتبرته منشقا عراقيا بان الرئيس صدام حسين، يملك قنبلتين نوويتين تتمتعان بالقدرات العملياتية الكاملة ، ويقوم حالياً بإنتاج قنابل أخرى. بينما صرح ريتشارد بتلر، كبير مفتشي الأسلحة السابق في العراق، بأن مجلس الأمن قد يلحق به ضرر بالغ إذا تبين أن الصين قدمت أليافا بصرية، لدعم أنظمة الدفاع الجوي  في العراق .

 

وهنا نتسأل ما دخل اللجان الدولية الخاصة بتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية بصفقة تجارية أبرمتها الحكومتين العراقية والصينية ، وان كانت تستخدم لتقوية وسائل الدفاع الجوي العراقي ..؟!

 

والان ، فهل وعت القيادة العراقية الستراتيجية الأمريكية ؟!!

إن عينة قليلة جدا مما شهدته الإحداث بين القيادة العراقية من جهة والإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ومجلس الأمن الدولي من جهة أخرى خلال الفترة الممتدة بين عام 1998 وعام 2001 ، أي ما قبل إحداث 11 / أيلول - سبتمبر/2001 ، تبين لنا وبما لا يقبل الشك أو التأويل إن خطة غزو العراق وإسقاط نظام الرئيس صدام حسين لم تكن خطة ارتجالية أو ردة فعل عاطفية أو شخصية أو ثأرية ، إنما هي ستراتيجية أمريكية متكاملة وشاملة ومدروسة بعناية فائقة وكل ما يشاع عكس ذلك ، فهو تكتيك أمريكي خاص لفبركة الإحداث والوقائع يراد به تبرير الإخفاقات التي منيت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووزارة الدفاع البنتاغون ، نتيجة وعي وفهم وإدراك القيادة العراقية للسياسة الأمريكية بشكل عام ولإستراتيجية غزو العراق وإسقاط نظامه الوطني بشكل خاص . ذلك الوعي والإدراك الذي جعل القيادة العراقية تـُهيئ نفسها لحرب العصابات بل وتهيئ العراق أرضا وشعبا لواحدة من اكبر الملاحم القتالية في تاريخ البشرية .

 

ملاحظة :

سنتحدث إن شاء الله في الجزء الرابع عن الاستعدادات والتحضيرات التي اتخذتها القيادة العراقية لإفشال ستراتيجية الولايات المتحدة لغزو العراق وإسقاط نظامه الوطني .

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر

بغداد الجهاد

٠٩ / نيسان / ٢٠١١

 

 





الثلاثاء٠٨ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الرفيق رأفت علي والمقاتل النســـر نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة