شبكة ذي قار
عـاجـل










هرمنا ... هرمنا ... نرددها اليوم، ولم نفهم بعد تلك الصرخة ضمن اللحظة التاريخية الراهنة، تلك الصيحة، الجملة الاكثر شيوعا على أفواه الصغار والكبار في جميع أرجاء الوطن العربي على حد سواء. ربما يرى فيها البعض انه مجرد خطاب تلقائي لمواطن مغلوب على أمره، خطاب لحظي يائس، لكن الصرخة في الحقيقة اختزلت كل الاجابات المؤجلة عن مصيرنا في ظرف مؤلم وقاس نمر به كأمة ومجتمعات، جواب الصرخة لا يمكن ان تتبناه وتلخصه حصيلة بيانات المؤتمرات المسلوقة في فنادق الخمسة نجوم التي يهرول اليها السادة اعضاء المؤتمرات القومي العربي والقومي العربي الاسلامي ومؤتمر الاحزاب العربية .. . وفصائل" حركة التحرر الوطني العربية" وكلها منادية بالحرية والتحرر والوحدة للعرب.


وما يختصر به المقام اليوم بقاعات المؤتمرات القومية والاسلامية والحزبية العتيدة الثلاث وغيرها من التجمعات والعناوين والفصائل هو الاعتراف بالشعار الخالد " هرمنا" وعلى السادة تقديم استقالاتهم بجرأة في ساحات التعبير والتحرير الملتهبة في العواصم العربية، فهيئات المؤتمرات باتت كيانات من ورق، وهي شبه بقايا لتجارب امبريالية " حسب وصف ماوتسي تونغ للامبرياليين".


ان اول رد فعل يستجيب الى مطامح الجماهير ليس رحيل الحكام؛ بل استقالة جميع امناء المؤتمرات القومية والإسلامية وأحزاب الرميم العربي، المشتغلين في الترحال والانتقال بين فنادق العواصم العربية، وبات العمل السياسي العربي من خلال هؤلاء العاملين إطارا ضمن ديكورات العملية السياسية الجارية في الوطن العربي، سواءا منهم المشاركين في غنائم السلطات العربية، حلفاء للحكام أو المعتاشين على آلام المعارضات العربية في المنافي وبلدان الإقامات على حد سواء.


ولكي نفهم اللحظة التاريخية التي نعيشها كعرب علينا ان نفهم ما يجري في وطننا العربي وتحدي مضامينه. هل هو تمرد تاريخي؟ ام موجة سياسية واجتماعية سطحية عابرة؟، وبعيدا عن ديماغوجية الإتهام الجاهز للحشود وفق نظرية المؤامرة، وفعل أيادي الخارج ،وصناعة التمرد من قبل إعلاميوا قناة الجزيرة واخواتها: الحرة والبي بي سي والعربية ... وغيرهما من اجواق المايسترو الاعلامي الامريكي والغربي، لابد من التوقف بحزم امام مثل هذه اللامبالاة السياسية من الاحداث العربية.


هناك خلط واسع بين مفهوم الثورة والانتفاضة والتمرد، ومعه الكثير من التكرار والحديث عن مخاطر غير دقيقة يكرسها الخلط المقصود والوهمي في مضامين مثل هذا الخطاب الاصطلاحي ومفاهيمه. من سيجيب على هذا السؤال وغيره حول الحدث العربي الراهن، أهم الكتاب والإعلاميون؟ أم السياسيون؟ ام علماء الاجتماع والفلاسفة؟ ايحكم علينا بالانتظار حتى تهدأ الأنفاس ويتم طرد المعتصمين في الساحات ليقول لنا البعض، هذا ماكنا نخشاه، لذا لم نقل في وقته موقفا،و ما كنا نراه هو الصائب من تحليل للواقع العربي.


علمني أحد الثوار العرب وهو الراحل جورج حبش مقولة لم يرغب الرجل في تسجيلها حينها حين قال : اننا كثيرا ما كنا نتوقع الكوارث السياسية التي حلت بنا، كحركة تحرر عربية وفلسطينية، وكنا نقول عنها في أدبياتنا السياسية من اننا قلنا وقلنا، وكم حذرنا ونظرنا عن احتمال وقوع تلك الكوارث قبل حلولها، ولكننا لم نعترف يوما لجماهيرنا بعجزنا وكيف كان آليات ونظم عملنا على احباطها او منعها، واختصر الرجل أسفه لما يجري بأنه: ناجم عن تقاعسنا واتكاليتنا على الاقدار. ويصل الراحل الدكتور جورج حبش الى القول: لقد كنا نعرف تلك النبوءات السوداء، وما سيحل بنا مستقبلا، لكنا كنا غالبا ما نكتفي بالتصريح عنها وذكر مخاطرها مبكرا، ولكن لم نعمل بشكل ثوري وبما فيه الكفاية ان نمنع حدوثها المرتقب.


اظن ان تلك الحالة عاشها الكثيرون من المناضلين العرب بمختلف فصائلهم واحزابهم السياسية وبمختلف اقطارهم، وهم اليوم شهود على ما تحقق من تلك النبوءات السوداء، فحلت الكوارث السياسية في الوطن العربي تباعا، حتى بات عصرنا العربي الذي نعيشة، يسمى بإمتياز عصر الإنحطاط العربي. لم نتسائل يوما من سيصنع حدث المستقبل الذي نريده ؟ هل النخب السياسية بحالتها الراهنة ؟ أم الجماهير التي تركت كالقطعان التائهة بين مظالم السلطات العربية القمعية وبين شعارات معارضاتها الورقية، المُؤمِلة لها بالخلاص المرتقب وإسقاط الانظمة.


لقد تهاوى النظام الرسمي العربي، دولا وطوائف وعوائل حاكمة، ومحميات، حتى بات لايستجيب لمتطلبات الخدمة المطلوبة له لدى مصالح الدول العظمى، وبات النظام برمته واقفا مستكينا لقدر بقائه على استمرار تدفق مصل النفط والغاز وامواله وامتيازاته وأُعطيات الغرب لبعضه فقط. ان النظام العربي فقد أهليته حتى بالقبول له لمتطلبات الخدمة الامبريالية للغرب وشركاته، فكان عليه إما يستقيل أو يُقال او يرحل غير مأسوف عليه أو يستجيب لأشكال متواضعة من التراجع المطلوب بمنح بعض من إمتيازاته لقطاع آخر من مكوناته من طلاب السلطة قبل ان يزحف الشارع الغاضب الذي فقد كل تحسسه وتخوفاته من ميكانزمات ردود الفعل والخوف من عذابات القمع السلطوي، فليس ما تبقى عند الشارع العربي ما يخسره في ساحات الاعتصام والتظاهر حتى لو غنم من آلامه مباركة إعلامية وتغطية من مؤسسات الغرب الاعلامية الذي يسارع ليحفظ ماء وجهه قبل فوات الأوان وقبل ان يلتقط الحكام العرب فهم مآل المسار الزاحف بالخطر الى الساحات والقصور الملكية والجمهورية والجملوكية وحتى لاعوانهم وحراسهم.


واستثناءا لبعض حالات المقاومة والممانعة في العراق وفلسطين ولبنان، وما بين ثنايا هذا المشهد وذاك غابت كثير من النخب السياسية العتيدة التي لفت أجسادها بشرانق وخيوط خطابها السياسي المستهلك، ما بين مناشدة الحكام، وندب جرائم الامبريالية، والركون الى فتاوى البيانات الختامية لمؤتمراتها العربية والاسلامية المتعاقبة في صالات فنادق الخمس نجوم، يفاجأ الشارع العربي بطعنة نجلاء من بعضهم، عندما ينهزم بعض من هؤلاء باتهام قطاع واسع من الجماهير والشباب خاصة: بانهم ضحايا تضليل إعلامي ووصف الثائرين والمنفقضين: انهم طعما وضحايا لبعض المشبوهين، وان ما يجري على المشهد العربي سوى مؤامرة؟. ولم يعرفنا هذا النفر الواهم من اعلى برج مراصده بعد عن أي مؤامرة يتحدث، وضد من حيكت هذه المؤامرة؟ ولمن مصلحتها؟ .


ان اسئلة كثيرة تتطلب الإيضاح، خصوصا أن قوى سياسية عربيةعديدة فشلت في تحرير اوطانها من نير حكامها، أو انجزت حكما راشدا او نفذت تنمية. وبعضها انزوى بعيدا حتى من المشاركة ضمن واجب التصدي لنير الاحتلال، لكن هناك من تسارع لفظيا وتداعى بتقديم خدماته اعلاميا وتعبويا لدرء سقوط عددا من الانظمة العربية، ومنهم من وصلت به الصفاقة بالإدعاء استعداده لنصرة بعض الانظمة العربية عسكريا وتعبويا لانقاذ هذا الحاكم او ذاك النظام العربي المتهالك على السقوط.
يعمل البعض من هؤلاء على تغييب الوعي الوطني والقومي بتبني نظرية المؤامرة لكي يعفو نفسه من مهمة التغيير والانخراط الواعي في اي عمل مجدي لتحرير شعبه وامته. وهناك من لم يبتعد عن تكرار الإسطوانة المشروخة لنظرية المؤامرة ويعمل على التشطير والتنظير بخلق الأوصاف والتسميات لكل حالة وساحة عربية راهنة، منتظرا نضوج حالة ما للشارع كي يصدر بيانه الأخير من صالة فندق عبر وسيلة اعلامية ليقول كفرا بعد أن سكت دهرا . لذا تسود حالة من الترقب، ولم يجب الكثير من المنظرين العرب فصل الكلام بعد عن الاسئلة التالية:


لماذا تأخر العرب عن النزول الى الشارع؟ ومنذ عقود واجيال بقيت النخب اسيرة ضمن افق تداول المفاهيم الثلاث التي تتردد اليوم في مفرداتها عبر الاعلام بكلمات هي: الثورة والانتفاضة والتمرد في هذا البلد العربي او ذاك.


هل ان الوصول الى عصر الانحطاط والانحدار العربي قد بعث كل هذه الحالات مرة واحدة في شكل من اشكال التمرد أو الانتفاضة او الثورة؟ هل ان الحراك الواسع ضد النظم العربية الحاكمة من أجل رغيف الخبز أو لاستعادة الكرامة؟ لماذا يصبح الشارع العربي بكل سلميته او عنفه ودمويته أضحى مكانا لترسيب الطبقات والفئات والافراد وسقوطها الى قاع المستنقع العربي الآسن، او الدفع ببعضها الى حالة من الطفو الى السطح؟ أي من هؤلاء سنجده على سطح الاحداث لركوب موجة لا يعرف مدياتها وعنفوانها ونتائجها؟ الكثيرون من قادة النخب السائدة على السطح او البائدة لا يجيب عن طبيعة الموجة التي وصفت بتسانومي عربي ولا يعرف الى اين سيكون مرفئها وشاطئها الاخير...؟.


لم يجيبنا أحد من يقود هذا التمرد والانتفاضة والثورة فعلا اليوم في عموم أقطار العالم العربي؟ وهل ان اتساع الموجة وشموليتها كل الوطن العربي، ما بين قطر مشارك، وآخر منتظر، أو متفرج او متفاعل سيؤكد مقولات البعض من جديد من واقع الحال العربي وتماثلاته في الشارع ان امة العرب واحده. وكما يحلو للبعض وصف الحالة بأنها نتيجة تراكم لنضاله، فهو كمن يصحو من غيبوبة نضالية دامت كغفوة أهل الكهف لا يعرف كم طال عليها الزمن. الواقع الايجابي هو أن كل الوطن العربي واع لما يجري فيه من حراك، كل في ساحته قائد وتابع، مخطط ومنفذ طالما انه حاضر وسط ساحة الحشود .


حتى وان تسمت مجتمعات عالمنا العربي بشعوب عربية، او عالم عربي؟أو مجتمعات في طور التكوين، لكن الحقيقة ابعد من حقول التنظير، فالمشهد والحراك يضم حتى تلك القوميات المتعايش في جوار وداخل الوطن العربي، منها قوميات واقليات غير عربية كالكرد والعجم والأمازيغ والأفارقة، كلها في حالة تأهب ويقظة واستعداد للانخراط بهذا التسانومي الاقليمي العارم. لقد سجل مواطنوا شمال العراق ثورة متقدمة على واقع مظالم قيادات الحركة الكردية، إضافة للاحتلالين الايراني والامريكي، انتفض الاكراد كبقية العراقيين لان قادتهم الكرد نسوا انفسهم كحركة تحرر قومي فأضحوا بفضل الاحتلال الامريكي للعراق سلطة قمعية لها راية وسفراء وقناصل وبرلمانات ورئاسات ثلاث وإعلام تلفزي فضائي واجهزة قمع مدربة في اسرائيل وبوليس سري يعتقل ضحاياه على قاعدة الشبهة بالتعارض مع النظام المليشياوي في الكيان الكردي شمال العراق، وضحاياهم اليوم لهم صوت قومي ووطني وحقوق تنكرها عليهم عصابات الحزبين الكرديين، وتقمعهم بشراسة اسوة مع غيرهم من أبناء الاقليات المتواجدة في شمال ووسط العراق من تركمان وعرب ومسيحيين وكلدان. تلك الزعامات الكردية الطالبانية والبرزانية تاجرت بقضية الشعب الكردي عبر اكثر من ستين عاما في المحافل العربية والعالمية وعندما تمكنت من السلطة صارت نظاما قمعيا.


سرعة الاحداث في الوطن العربي ومحيطه الاقليمي تبعث على الدوار ولا مُسكن سيوقف صداع الاسئلة المتعاقبة؟ الا بإجابات شافية بدون غموض وتورية في المواقف وبمجرد مشاهدة الحدث يصيب الكثيرين بالصدمة والترويع لجهلهم لما ستؤول اليه مشاهد الحدث وتداعياته الوطنية والاقليمية، الاحداث منقولة على المباشر السمعي البصري، والانشغال بكل تفاصيله وتجلياته الدقيقة تشغل على حد سواء الجمهور والسلطات الحاكمة، كل هذا ولا زلنا نسمع تنظيرات خجولة من بعض نخبنا السياسية البائدة؟ ترى الحدث ولا تقول الحقيقة كلها حوله.


السؤال من يتمرد على من في الوطن العربي؟. وهل تمردت أمريكا على ركائزها المحلية من ذوي الحكم الذاتي من الحكام العرب؟، لقد عبر أكثر من حاكم عربي بوصفه للحدث المشتعل في عاصمته بجملة أو إشارة تفصح عن أكثر من حقيقة قد يتجاهلها البعض خلال تدفق زخم الاخبار العاجلة المتعاقبة على الشاشات. قال أحد القادة العرب على غير عادته :" لقد خانتني الولايات المتحدة"؟، وهو الذي كان يبشرنا صباح مساء بقيادة العالم لاسقاط أمريكا؟ وفي المقابل نسمع من ساحات عربية عدة هناك من الجمهور من يقول لنا : " لقد خانتنا النخب السياسية البائدة في الوطن العربي، وهي تتفرج علينا بانتظار قطف الثمار المرجوة من المكافئات عن حسن سلوك قادتها لو سقطت الانتفاضة الشعبية وبقيت الانظمة"؟ . ويبدو أن المشهد الدموي العراقي وضياع دولة العراق وتمزيق شعبه لم يتم استيعاب كدرس تاريخي جمهورا ونخبا وأنظمة.


هناك إقرار صريح متداول عن غياب ملموس لدور النخب السياسية، وحتى انزواء النخب الثقافية والفكرية والأكاديمية عن محنة شعوبها وعن المشاركة الفاعلة في الحدث العربي المعاصر، لا يمكن تبرير إبتعاد الكثيرين من كل هؤلاء عن التصدر للمشهد مهما كان توصيفه، أهو : تمرد، انتفاضة،أم ثورة ؟ يبدو لا أحد يريد التورط بنفسه، لأن الكثيرين لاذوا بالصمت، إلا من كان مبرمجا في حوارات استوديوهات الاعلام او مشاركا ببعض الادوار وسط فعاليات السيرك الامريكي والغربي، وهناك غيره من التزم بعدم الافصاح عن موقفه، واكتفى بحالة من التململ والمراوحة له وبعدم الاستعجال في إصدار الاحكام، وآخر من وجد في صياغات الكلام وتدبيج الخطاب مجرد عملية توصيل لا تخلو من استجلاب فن المحاكاة والإسقاطات للتجارب غير الموفقة التي تمتلأ نصوصها السابقة بالمخاتلة والنفاق، فكان موقفهم اقرب الى الثرثرة منها الى الفكر التقويمي للأحداث ونتائجها المستقبلية ؟


هل السخرية في بعض التناول النقدي السياسي للظواهر الاجتماعية العربية العاصفة موقفا مشينا هرب البعض اليه، موقفا معبر عنه بنفس نخبوي، أم مجرد تمثيل لدور ما على مسرح الكوميديا السوداء. خطاب بتنا نسمعه ونراه ويتوجب التعليق عليه وعلى ما يجري من من خلال توجهاته؟ . هو اسلوب قديم جديد للتورية وعدم الصدق في المواقف لبعض القوى العربية التي طالما تجاهلت حالات المواجهة مع الاحداث، نتيجة لترسبات عارمة من أكداس الخوف من العقاب المنتظر؛ لذا تلعب بعض النخب اكثر من دور ولأكثر من جهة، ومنها من تلعب الان على الساحات، هناك من يرى أن تفادي القمع الكامن فينا به نوعا من التريث في إطلاق الأحكام والمواقف وتعتبر سلوكها شيئا من الحكمة السياسية؟ وبذلك يسجل كل هؤلاء هنا وهناك أسوء حالات الانتهازية السياسية بتخليهم عن أماني الجماهير، ولكونهم يشكلون رابطة مشتركة من الانتظار والترقب لما ستتركه لهم مزابل الحكام والاعطيات الموعودة لمن سيناصر الأنظمة العربية ولو بالسكوت المريب عن جرائمها وخصوصا في هذا الوقت الذي تمر به الانظمة الحاكمة وتواجه أسئلة المصير أمام حكم شعوبها عليها؟.


لماذا غاب المثقف الطليعي عن صدارة المشهد العربي الحالي وترك صدور العراة من الشباب والمضطهدين هدفا للرماة ونيران القناصين وسيوف البلاطجة وعصي الشبيحة وهراوات انصار الحاكم وحزبه وقبيلته؟ سؤال كررته كثير من الساحات المعتصمة هنا وهناك.


أمامنا مشهد عربي، يبدو مريبا وقاسيا ومتسارعا في كل تداعياته الاجتماعية والسياسية، لكنه يبدو مشهدا متكررا، يعبر عنه على شكل مزيج من ثورات وارهاصات ثورية وانتفاضات، كحقيقة لا غبار على مصداقية اندفاع جماهيرها نحو الخلاص النهائي من نير العبودية والاذلال السلطوي. لاشك أنها جماهير تحمل الغالبية العظمى منها أثقال الامية في حقل المعلوماتية والادارات الالكترونية، وهي بريئة من تهمة المؤامرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتنسيق مع الخارج، وليست لها امكانيات ووقت الترابط وزيارات المواقع الالكترونية للمعارضات السياسية والمشاركة والتظاهرعبر الفيس بوك، لأنها جماهير لا تملك ادوات الاتصال الالكتروني من حواسيب وخطوط هاتف فحسب؛ بل حتى ان نسبة كبيرة منها لا تملك الكهرباء او الهاتف او الماء الصالح للشرب، انتفضت وضحت بالكثير تدفعها كرامتها الوطنية والقومية المجروحة في دواليب حكم دولها باداراتها القمعية المتسلطة كعصابات نهب وسلب لا كرجال دولة.


وفي المشهد أيضا لصوص وطفيليون وركاب انتهازيون متأهبون لركوب الموجات والانتفاضات، حثالات سياسية مشكلة من خلائط المناسبات من ممارسي الخديعة الانتهازية السياسية للجماهير. تستشري في اوصالهم دوافع الوصوليين لقطف ثمار الثورات من دون تضحية او مشاركة فعلية لو انتصر الدم على سيف الجلاد. من سيقوم بمهمة الفرز الثوري للقوى والفئات المتشابكة في هذا الخليط؟ عند غياب النخب الثورية وطلائع القادة التاريخيين، من سيقدم التوضيح الواعي لما يجري من مناورات رخيصة في دواليب المشهد الذي بات دمويا في أكثر من ساحة عربية؟، من سيضع خارطة الطريق الثوري نحو الانتصار النهائي ويقصر من طول المعاناة في طريق الالم والتضحيات الجسام. من سيحضرعندما يغيب الواعون والفاعلون الثوريون عن ساحات الانتفاضات الشعبية الراهنة؟.


كيف نتفائل بما يجري حولنا، ونحن متغيبون قسريا بفعل بذور القصور الذاتي الثوري الكامنة فينا، والذي أورثته لنا تجارب أغلب فصائل حركة التحرر الوطني العربية وخطابها التبريري المفلس لجماهيرها الغائبة والمُغيبة عند حلول النكسات والهزائم الوطنية والقومية؟ وما أكثرها حتى صار النصر هو الاستثناء.


إذن لا بد من المصارحة قبل المصالحة، مع الذات ومع الغير، نحن لم نقل بعد كل ما نفكر به من أصوات متفائلة في عصر النشر الالكتروني، بعضنا يلهو بصناعة الاسماء ونشر المواقع والمواقف ويدبج إصدار البيانات المعلنة على الشبكة الالكترونية التي لا تلزم أحدا على تنفيذها، والتي لاتجد من يقرأها. لم تمارس القوى العربية التي ادعت طليعيتها في النضال العربي زمنا طويلا نقدا ذاتيا حقيقيا بعد لتجاربها الكارثية وهزائمها، ولم ينزل قادتها عن صهوة بغالها وحميرها وحتى التفكير بإستبدالها بخيول أصيلة تحسن القتال والمقاومة بنفس طويل وجلد مرير.


نرى ان تأجيل المصارحة هي ممارسة الخديعة بعينها مع الجماهير التي لم تعد تثق بالكثيرين، الجماهير سبقت قادتها الى الشارع، ولم تنتظر صدور البيان الاول على الاذاعات كما فعل الانقلابيون الذين سرقوا الفرص التاريخية للثورات. الطلائع البائدة لازالت تتخوف من اجتياز عتبة فكرها المتشرنق حولها، وتعيش شكوكها وتصفيات الحساب مع معارضيها، عقلية كبلت مرارا انفجار الانتفاضات والثورات خلف حواجز من الحسابات الظرفية لبعض القادة الديناصورات، خشية الاتهام يوما من " مرض المغامرة اليسارية" بالامس أو تهمة الارهاب اليوم وغدا.


لابد من رفض من يتلبس بالوهم تارة، أو عدم الدقة في التقدير للحظة التاريخية لميلاد الثورة تارة أخرى. لابد من اعادة النظر كليا بجدوى ومدى شرعية الخطاب التوفيقي المستنزف والجاري تداوله بالامس البعيد الى اليوم، لم يعد مثل هذا الخطاب وسيلة ذات جدوى مطلوبة وملحة للحوار الآن، سواء مع الذات ومع الآخر. ولا يمكن ترك الشبيبة والجماهير الغاضبة العيش في متاهاة الأسئلة والانتظار للمجهول. ربما تنفع الخبرة لدى البعض من المناضلين المخضرمين، منهم امتلكها طريدا او نزيلا في السجون او المنافي او احترفها في العمل السياسي الرتيب لعقود طويلة، هنا لابد من الاعتراف بجميل اخلاصهم لقضاياهم ولمواقعهم ولكن لابد من الاعتراف والاقرار الان أن ليس بالضرورة ان يكون كل صاحب خبرة وتجربة نضالية قائدا مناسبا لانتفاضات المستقبل. ان الفرصة والوفاء للقيم الثورية والنضالية تستدعي تقاعد البعض منهم، ويجب ان تمنح المهام لجيل آخر، يفطر بطريقة أخرى. لابد ان يعترف قادة كثيرون من أجيال سابقة بفداحة ما مر عليهم من أخطاء ولم يغيروا شيئا من طرائق العمل بعد كل كارثة. جيل يصرخ اليوم بوعي حقيقي ويعترف... هرمنا... هرمنا ، ولكننا لن نتخل عن اللحظة التاريخية الراهنة أمام ثقل الظنون القاتلة بتقصيرنا أمام شعوبنا، اقترن وجودنا باحتمال الفشل المتكرر والخيبات.


السائد للعيان وللسمع، أن هناك إسهال خطابي مسطح يعبر عن حالة مرضية يجب الامساك بها تشخيصا واعيا وإيقافها على الفور قبل شيوع العدوى الشاملة للأجيال مثل اي وباء او جائحة مرضية عضوية تهدد وجودنا كامة وشعب ومجتمعات. ان قصور الأداة الخطابية عن التبليغ بما يتطلبه الظرف الثوري من مهام في الوطن العربي بات متلازمة خطيرة لحوار الطرشان بيننا وبين من يحكمنا، بل حتى بين النخب السياسية والفكرية والثقافية والتكنوقراط، نخب تفرقت وباتت لا تعرف التواصل الجمعي وتحدد مكمن متلقيها وجمهورها وحشدهم، ولا توصل للمتلقي رسالة أيضا. متلقي اصابه الملل بالصمم وبات لا يعرف مصادر ومنابر وخطاب النخب وقبلتها في هذا الطوفان الشعبي العارم.


التعايش بين الحاكم والمحكوم تختزله معادلة الهتاف المسموع في الساحات، بين دعوة للتظاهر " سلمية"، لكنها لا تخفي شعار الغيظ من سلم غير عادل، وليس فيه من سلام الشجعان او الفرسان، طالما ان الحاكم جبان وغادر، لذا لابد من شعار اسقاط النظم بكل الوسائل بما فيها السلاح، لابد من رحيل الطغاة، جماهير الانتفاضات العربية هي مستعدة للتصعيد الثوري أكثر وأكثر، وهي تمتلك الجرأة والاقدام والثبات وهي تواجه فنون الحرب البوليسية والمطاردات في الشوارع والساحات والازقة، تتعامل وهي سلمية مع ادوات حرب خراطيم المياه والضرب بالهراوات الكهربائية، وبتصاعد طردي تشتد قبضة الانظمة مع ارتفاع كثافة الحضور الجماهيري والتحدي، وارتفاع حدة ومضامين الهتافات التي صارت نداءات للثور.


الحشود الغت معادلات الخوف والحسابات القصيرة بالهروب امام العقب الحديدية، طالما ان قادتها الميدانيون معها، لذا عمقت استعدادها النفسي المتصاعد الى تلقي المزيد من القنابل المسيلة للدموع والغازات السامة والرصاص المطاطي والمبيت في العراء ومواجهة الإعتقالات الكيفية وهجومات المرتزقة والأعوان، وحتى لجوء الحكام الى استعمال راجمات الصواريخ والقذائف بعيدة المدى تصب حممها ونيرانها على المدن والاحياء المنتفضة المسالمة.


كما تواجه الجماهير العزلاء إحتمالات إستعانة الحكام والانظمة الاستبدادية بالتحالف مع قوات الأجنبي ... وتتعرض أيضا الى غدر بعض فصائلها المعارضة التي تستعجل طلب حماية من الاجنبي وحتى غزو بلدانها، لذا تعرض بلدها للاحتلال من جديد، وتتسلط عليها نخب طامعة باغتصاب السلطة بعد التغيير وتعد المحتل القادم بالامتيازات والعقود للشركات العابرة للقارات.


المشهد العربي المأساوي ينشطر الى أكثر من كارثة، فهناك حكام يطلبون حماية الأجنبي وبقائه ووعده بامتيازات الاستثمار واعادة بناء ما تخربه " الحرب الاهلية" و" مكافحة الارهاب"... الخ .؟ وهناك معارضات تطلب التدخل العسكري لعجزها حسم الموقف على ارض الوطن المستباح. هذا هو المشهد العربي الراهن في هذه اللحظة التاريخية.


ربما يرى البعض ان التظاهر السلمي أو الانتفاضة المسلحة لا زالا بعيدين عن مستوى ووعي الجماهير المنادية بالتغيير التدريجي او القيام بالثورة. هناك من يستهين بالقدرات المجندة الراهنة في انجاز التحول الجذري، طالما رفعت الجماهير العزلاء بشعار مغازلة جهاز القمع العتيد الممثل بالجيش، هذا الجيش الذي ظل ضباطه وجنرالاته أوفياء للحاكم والنظام الى آخر لحظة، وان هناك من أفراده قد يعيد حساباته عندما يتلقى الدعوة لحماية الجماهير من بطش الاجهزة الأمنية والبوليسية والبلاطجة، ينسى البعض من المنتفضين ان الجيوش العربية كانت ولا تزال تشكل الجزء الاكبر من جهاز القمع الاحتياطي المطلوب للعمل لحماية الانظمة عندما تفشل الاجهزة القمعية المتخصصة الاخرى.


وهذا الجنرال أو ذاك سيختار الطرف الاكثر تماثلا من منظوره لشكل الحكم الاستبدادي القادر على إستلاب حقوق الجماهير مجتمعة ولو من خلال اللعبة السياسية تحت قبة برلمان مافيوي، والوعد باصلاح سياسي شكلي، سيصبح البرلمان ناديا للثرثرة والمزايدات واطلاق الشعارات المناسباتية ومرتعا للتسابق المافيوي للحصول على امتيازات ومغانم الحاكم الديمقراطي الجديد والمستبد ديموقراطيا، طالما سيوزع الحاكم باسم الاغلبية الريوع على حماته من العسكر والاحزاب، وهم يحملون ذات الحراب ويجندون ازلام العهد البائد المستعدون لنقل خدماتهم الى المؤسسة القمعية الجديدة.


هل نعود الى قراءة تاريخ الانتفاضات والثورات السابقة التي شهدها العالم منذ عدة قرون كي نختار فن الانتفاضة الانسب لكل شعب ومجتمع عربي؟، ام نرى في مسارات حركة التاريخ والمجتمعات الكثير من التشابهات والعبر في التجارب، حتى وان اختلفت طبيعة السلطات الحاكمة وتمايزت القوى الاجتماعية ذات النزوع لاستلام السلطة واسقاط ما قبلها؟


شق الاوربيون مساراتهم للوصول الى الديمقراطيات الراهنة بعد مخاضات وحروب أهلية مقترنة بقفزات اقتصادية وتغيرات كبيرة في طبيعة البنى الاجتماعية وتحولاتها، وكذلك بتوفر مناخات دولية ومحلية عبرت عنها النخب القطرية والاممية عن رؤاها حول مستقبل بلدانها والعالم، لقد تفاعلت القوى الحية مع الاحداث في بلدانها واختارت قادتها التاريخيين في كثير من الحالات بشكل موفق، لكننا لم نمر في الوطن العربي بعد بمثل تلك المسارات او التحولات الاوربية الكبرى، ولم نفرز بعد نخبنا الكفوءة القادرة على انجاز التحولات التاريخية.


وصفت الحروب بين المجتمعات او الشعوب المسماة الاوربية منذ القرن الحادي عشر بانها كانت اقرب الى النزاعات العائلية في البدء، قبل ان تتكالب مصالح الاقتصاد والصناعة وتطلعات راس المال النشيط عبر القارات، والموظف بكفاءة لتنفيذ مخططات الغزو الاستعماري لتتحول بعض تلك الدول، بفضل تلك الحروب، الى امبرياليات طامعة في استلاب الغير، لذا تدفع الى التصالح والصراع ضمن اختلافات البيت الاوربي لتحشيد كل تحالف وفق الحاجة المطلوبة لاكمال غزوة استعمارية او اقتسام لنفوذ خارج الاراضي الاوربية. كان ولا يزال العالم العربي قبلة اكثر تلك الحروب والغزوات الاوربية.


أمام حالات التمزق والانحطاط العربي يتواجد ويتبلور ويتشكل سلم اجتماعي اوربي داخلي يؤمن متطلبات كل تحالف اوربي اميركي، وتتطلع قطاعات واسعة من المجتمعات الاوربية الى الرخاء وحصد مغانم كل غزوة واستغلال النفوذ للوصول الى اسواق جديدة عند الغير. لذا افرز التعايش الاوربي المجتمعي عادات وتقاليد وسنن وقوانين وسلطات عامة تحاول إحلال التكافؤ في الفرص لمواطني دول المجموعة الاوربية عبر مؤسسات دستورية اختارت الديمقراطية ومبدأ قبول حكم الاغلبية المنتخبة، وضمان حقوق الأقلية المعارضة عبر المؤسسات البرلمانية عبر صناديق الاقتراع، واتساع أنشطة منظمات المجتمع المدني كقاعدة واسعة لجمهور يتطلع الى الاحساس بالمواطنة والمراقبة لمؤسسات الدولة والنشاط في المجالات التي تصل الى اوسع القطاعات الشعبية لتوفيرالخدمات التي تتطلبها ظروف الحياة الكريمة المعبر عنها من خلال اتفاق الإرادات، ضمن مجتمعات مستقرة ومتعايشة بشكل تعاقدي ومتصالح.


لقد بلغت حدود التجانس في هذه البلدات ذروتها بتكوين مجتمعات ودول معبرة عنها سياسيا، ولم يزل يتطلع البعض منها الى تكوين امة؛ بحكم توفر عوامل اجتماعية وقومية ودينية وتاريخية ولغوية تسهم في تسريع الاندماج الاجتماعي للوصول الى تكوين حالة امة واحدة متمايزة ضمن المجتمعات الاوربية الاخرى. وعلى العكس هنا حيث تتشكل صور مؤلمة في عالمنا العربي ليتجزء المجزأ، وينقسم المقسم، ويصبح الاصلب هشا وعاجزا على البقاء كدول ومجتمعات.


ان القوانين والدساتير وحتى بعض الاعراف الاوربية هي ترجمة لتلك التعاقدات الاجتماعية بين فئات المجتمع الاوربي من جهة ومع السلطات المسيرة للدولة القطرية او للمنظومة الاوربية الموحدة دستوريا لأجل ترجمة الإستقرار الاجتماعي وضمان النمو الأمثل وتسيير مناحي الحياة العصرية بتخفيف التوترات المحتملة في الجوانب الاقتصادية للحفاظ على مبدأ حقوق المواطنة الاوربية، وتحديد صلاحيات الحاكم، حزبا كان ام فردا أو تحالفا حزبيا. وفي المقابل اصبح النظام العربي عالة على نفسه وعلى مجتمعه وعلى غيره ويهدد بهزالة تسييره وافلاسه الاخلاقي القمعي محيطه الاوربي والعالمي بتصدير ظواهر مفرزة عن أزمات النظام العربي على شكل هجرة غير الشرعية وبطالة سائدة وارهاب وافلاس للنظم المسيرة للدولة العربية التي فشلت بانجاز التنمية المطلوبة بكل اشكالها.


وفي كل الحالات الانسانية عندما ينفرط عقد الانسجام الاجتماعي، فان مطلب الاصلاح يكون في مقدمة المطالب التي تتقدم بها النخب الواعية وتتنافس في صياغتها الجماعات السياسية المتصارعة وصولا الى اجراء أفضل التعديلات القانونية والدستورية المطلوبة لاعادة التوازن للانسجام الاجتماعي المهتز، المعبر عنه بوسائل ديمقراطية سلمية من خلال توفير أجواء النقد في الصحافة والاعلام ونشاط النقابات وضمان حق التظاهر والاضراب والدعوة الى انتخابات جديدة تكفل الانتقال السلمي للسلطة من قوة سياسية الى اخرى.


هكذا يدعو الغرب الى قيمه بقية الامم والشعوب، لكنه تغافل وشجع حكامنا على خرق المحضور من التقاليد الديمقراطية بالتزوير المقنن، وتكريس مبدأ القمع بكل اشكاله ووضع قاعدة تقول: بالقمع وحده يحيا الانسان في الوطن العربي.


ان الاضطرابات الاجتماعية تبدأ بخروج فئات من المجتمعات عن قبول الرضوخ لتغيرات غير مقبولة وفقدان الانسجام الاجتماعي المنشود، وعندما تستشعر تلك الفئات بغبن يصيبها من قبل سياسات السلطات الحاكمة في الدولة. ان جوهر وجود ميزان القوى في كل مجتمع هو الذي يكفل الوحدة الاجتماعية يتطلب وجود تعددية سياسية واعلامية يصفها خوسه اورتيغا غاسيت بانها: هي التجانس الحسن أو التجانس الخصب والمرغوب فيه، لكن الدكتاتوريات والانظمة الشمولية وحكم العوائل والإقطاعات السياسية العربية تسعى بوعي منها أو بدونه الى تدمير مثل هذا التجانس الحسن او الخصب المنشود لمجتمعاتها من خلال تسليط قمعها لاي مظهر من مظاهر التعددية؛ وبذلك فهي تفتت وحدة المجتمع باسم الحفاظ على" هيبة الدولة" وترفع من عقيرة شعاراتها بالحفاظ على وحدة المجتمع من معارضي النظام السياسي القائم، وصار فرض هيبة الدولة قانونا وحالة طوارئ مفروضا من خلال سلطة قمعية دموية وفاشية تجند لها العوائل الحاكمة أتباعها وحلفائها وقواتها من خلال تقسيم الريوع المالية وشيوع السرقة والفساد المالي والاداري وتهميش مواطنيها والغاء الحق التعددي للآخر الذي بات معارضا مقموعا وحتى فاقدا لحقوقه السياسية والانسانية البسيطة.


ان كثيرا من البؤس الاجتماعي في مجتمعاتنا العربية السائد مصدره سياسات الدولة القطرية وحكم العائلة الواحدة والحزب الواحد، وفسادها على كل المستويات بات يزكم انوف حتى دوائر الغرب الراعية لهذه الحكومات، وبسبب تزايد آليات القمع واتساعه بات القمع مصدر انشقاقات وتمردات لأغلب الفئات وخطرا على التجانس والوحدة المجتمعية المفروضة قسريا بخيار فرض الطاعة العمياء او الاقصاء.


والسياسة القمعية التي ظن الدكتاتوريون بكل عناوينهم العربية انهم يشكلون من خلالها وبسلطتهم دولا تضمن لهم سلطات لاوظيفة لها سوى ضمانة بقائهم على كراسيهم. لقد نسي هؤلاء ان الحرية والتعددية هما الخرسانة المسلحة لبناء وحدة المجتمعات، وليس القمع والشعارات المعبر عنها فيما يخص الوحدة والحفاظ على هيبة الدولة والمجتمع الا ادوات تفتيت وديناميت كامن سيتفجر في اية ظروف وعوامل مؤاتية للانفجار. فالاضطرابات تبقى متفاعلة تحت رماد ترسانة القمع والإضطهاد والام المعذبين والمطاردين والمنفيين الى ان يحين توفر الصاعق الملائم المفجر لها.


هل كان انتحار محمد البوعزيزي الصاعق المفجر لإنتفاضة الشعب التونسي فاعلا الى تلك الدرجة للوصول الى حالة ثورية في تونس؟، وان لم يكن القمع لنظام زين العابدين قد وصل مداه، ووصلت الحالة الى درجة الإتقاد المناسبة للاشتعال التي احتاجت الى ادنى طاقة إشتعال كان يحتاجها الشعب التونسي لتفجير غضبه في الشارع امام حراب السلطة وجبروتها.


لقد مرت الشعوب العربية بمسارات تطور متفاوتة، غالبا ما كانت مشوهة، لأسباب يطول شرحها هنا، فرضتها مراحل الاستعمار والتحرر الوطني غير الناجز وتكريس التبعيات بكل اشكالها للآخر الطامع فيها، لذا ستطبع هذه الاختلافات وإرثها بصمتها على الطريقة التي سيعبر عنها كل مجتمع عربي ضد نظامه السياسي وكذلك رد فعل الحاكم عربي عند احتدام الصراع بينهما، سنشهد اشكالا متفاوتة الحدة والتغيير لكنها تشترك في انها مسارات اولى نحو التمرد والانتفاضة الى الثورة الحقيقية المنتظرة.
 

 

 





الخميس١٧ جمادي الاول ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / نيسان / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة