شبكة ذي قار
عـاجـل










مبدأ كارتر .. جاء لحماية المصالح الحيوية في الخليج العربي.
مبدأ ريغان .. الدمج بين المصالح الحيوية والأمن القومي الأمريكي.
ومبدأ بوش .. الحرب على الإرهاب .
ماذا وراء توقيت إعلان مقتل" أسامة بن لادن" في سيناريو الحرب على الإرهاب؟


اعتاد الرؤساء الأمريكيون على تبني مبدأ يطرحونه أثناء أو بعد حملاتهم الانتخابية .. ويمثل هذا المبدأ في حقيقته خطاً استراتيجياً يمكن للمراقب أن يتلمس طبيعة التوجهات السياسية والإستراتيجية الأمريكية في عدد من مناطق العالم .


وقد شاءت تجارب السنين أو العقود الماضية، أن تفصح عن حالتين إحداهما تتعلق في طبيعة التوجه نحو تنفيذ السياسة الخارجية للدولة الأمريكية ذاتها، فيما يتحكم المبدأ في مسار السياسة الإستراتيجية لهذه الدولة. والآخر ينصب على السياسة الداخلية لهذه الدولة وكيفية تكريس الحشد لانتخابات الرئاسة الأمريكية وتمويلها ووضع الخطوط العامة لمنهج الرئيس يلامس الضمانات الاجتماعية والصحية وغيرها من الضمانات والالتزامات الخاصة بتنشيط الشركات وتحفيزها صوب الدفع بعجلة الاقتصاد لمواجهة دورة الاقتصاد الرأسمالي التي تعاني من مأزق الركود والتعثر!!


وغالباً ما يتم حشد الناخبين للانتخابات الرئاسية على منوال الوعود بضمانات من هذا النوع، ولكن سرعان ما يكتشف المجتمع الأمريكي بعد بضعة أشهر أو قرب نهاية الولاية الرئاسية بأن الوعود قد تبخرت والبطالة قد ازدادت واقتصاد البلاد يسير في تدهور، والحالة تجري من سيء إلى أسوء في كافة المجالات.


والملفت .. إن معظم الرؤساء الأمريكيين لا يمتلكون الإحاطة اللازمة بالسياسة الخارجية ولا بإمكانية تصريف الشؤون الدولية، الأمر الذي يجعل بعض هؤلاء الرؤساء يعمدون إلى تخويل أو تكليف وزراء خارجيتهم بإدارة السياسة الخارجية الأمريكية، فيما يعكف البعض الآخر نحو الداخل .


والملفت أيضاً في هذا النهج الذي يتساوق مع مبادئ الرؤساء الجدد، إنه كلما وضع الرئيس ثقله في الخارج، كلما بات الداخل الأمريكي غير قادر على إيجاد الوسائل الناجحة لحل المشكلات .. بمعنى أنه كلما استمر ثقل الرئيس منصباً نحو الخارج وخاصة الثقل العسكري، كلما انهارت ركائز الاقتصاد والمال والنقد الأمريكي، فضلاً عن تفكك التزامات الإدارة الأمريكية حيال المجتمع الأمريكي وضماناته الاجتماعية والصحية والتعليمية والأمنية وغيرها .. إن الذهاب إلى الخارج وإشعال الحروب لا يحل معضلات النظام الرأسمالي ومشكلات الشركات الأمريكية التي تعاني من الركود والإفلاس وضعف القدرة على الاستمرار في جني أكبر قدر ممكن من الأرباح على حساب مسألتين مهمتين، الأولى : دخل الفرد الأمريكي. والثانية : الناتج القومي الإجمالي، الذي يشترط الحصول على الأسواق الخارجية لتصريف بضائعه المختلفة .


نموذج التعامل الأمريكي الخارجي مثلاً :

زار (باراك أوباما) الصين مؤخراً، أسفرت القمة التي عقدها مع الرئيس الصيني عن صفقة يتم من خلالها شراء الصين صادرات أمريكية بقيمة (45) مليار دولار، والهدف من هذه الصفقة :


1- محاولة إنقاذ الشركات الأمريكية من الإفلاس .
2- سيحقق لهذه الشركات الأرباح المحددة .
3- وسيحقق قدراً معيناً من وظائف جديدة وفرص عمل للأمريكيين الذين يعانون من تزايد معدلات البطالة بعد انهيار الوضع المالي الأمريكي.


و يتوزع مبلغ الصفقة هذه في شراء الصين (200) طائرة بوينغ في إطار عقود إستثمار مشترك مع عدد من الشركات الأمريكية تتضمن مشاريع في الطاقة وصناعة الطائرات وتطوير الأنظمة الالكترونية للطيران في شنغهاي، فيما يغطي النصف الثاني من الصفقة شراء سلع زراعية أمريكية.


المؤشر المرصود :

• إن لدى الصين إستراتيجية اقتصادية، تسعى من أجل تحويل الصين إلى قوة اقتصادية كبرى في المستقبل .


• الولايات المتحدة ليست لديها إستراتيجية اقتصادية، إنما لديها شركات عالمية هدفها إيجاد أسواق خارجية بكل الوسائل الممكنة، بما فيها الحرب، والحصول على أكبر قدر ممكن من الأرباح !!


• الصينيون يحصلون على (الخبرات) مقابل فتح باب الاستثمارات المشتركة وقبول الصفقات ضمن شروط لا تخل بالاقتصاد الصيني.


• يرفع الصينيون (الين) الصيني حين يتدهور الدولار الأمريكي أو في طريقه .. وبهذه البراعة،(الأمريكيون يشترون بضاعة صينية غالية، والصينيون يشترون بضاعة أمريكية رخيصة !!


التعامل الاقتصادي هذا يمثل أنموذجاً يكشف براعة الصين، كما يكشف مأزق الاقتصاد الأمريكي وطبيعته السياسية !!


أنموذج التعامل الأمريكي الداخلي :

تدخل أمريكا مرحلة الانتخابات الرئاسية بعد أن أعلن (باراك أوباما) عن نيته في إعادة ترشيحه لولاية ثانية .. فالجمهوريون يسعون في تحالفاتهم نحو إرباك الديمقراطيين بوسائل الضغط المعروفة، التي تعطل نسبياً حركة الدولة لتزيد الوضع المالي والنقدي والاجتماعي ارتباكاً وتضع حكومة الديمقراطيين في الزاوية الحرجة .. والساحة الأمريكية تعج بالمرشحين للرئاسة، تصف الصحافة الأمريكية أحدهم بأنه ضعيف الشخصية ، وآخر تنقصه الشعبية ، وآخر توافقي بالرغم من انحيازه للمحافظين الجدد، التي ما تزال ظلالهم القاتمة تخيم على أجواء البيت الأبيض، وآخر تطفح علاقاته الشخصية غير الشرعية، فيما تصف مرشحاً آخر بأنه ضعيف الحظ بحكم تطرفه .


والتساؤل هنا .. بأي طريقة تحسم الانتخابات الرئاسية لولاية (باراك أوباما) الثانية؟ هل تحسم بالعامل الاقتصادي الداخلي أم بعامل السياسة الخارجية الأمريكية ؟! هل بتلبية مطالب المجتمع الذي بات يتحرك نحو حماية ضماناته (الاجتماعية والصحية والنقابية والحقوقية .. إلخ ) والتفرغ للداخل الأمريكي أم الاستمرار في سياسة خارجية تكرس للخارج وحروبه التي لا تنتهي ؟!


فالحرب على الإرهاب سياسة إستراتيجية كونية بدأت كمبدأ للرئيس الأمريكي بوش الإبن بعد تحقيق الحادي عشر من أيلول- سبتمبر/2001 بنجاح ، وتمكن القيادة الأمريكية الإستخبارية من حصاد نتائج الصدمة التي تولدت لدى المجتمع الأمريكي في الحشد لتعزيز هذا المبدأ الكوني والذي ضرب أفغانستان واحتلالها لأغراض إستراتيجية بعيدة المدى تتعلق بالمجال الحيوي لكل من الصين وروسيا الاتحادية، وضرب العراق واحتلاله لأغراض بناء ما يسمى (الشرق الأوسط الجديد) وتأمين أمن الكيان الصهيوني واحتلال منابع النفط والهيمنة عليها واحتكار مخزونها الإستراتيجي لعقود من السنين، وإرهاب دول العالم وشعوبها، حتى بات العالم يدرك أن أمريكا تمارس الإرهاب الدولي كدولة مؤسسات بتقسيم العالم إلى (معي أو ضدي) !!


هل انتهت حقبة الحرب على الإرهاب، وهل أفرغت هذه الحرب من إطارها الإستراتيجي بمقتل (أسامة بن لادن) ؟! – بالمناسبة فقد أظهرت المخابرات الأمريكية صورة لأبن لادن على أنها بعد الحادث، وهي صورة مفبركة، عن صورة حقيقية له مأخوذة قبل سنوات - !!


المهم في الأمر.. هل أسقط عقد السنين العشر هذا المبدأ بإعلان مقتل بن لادن ؟! سواء كان قد قتل أم لا، المهم التساؤل هل أن الإعلان عن مقتله يعقبه الإعلان عن الانسحاب الأمريكي الكامل من أفغانستان، والتبرير هو مقتل (بن لادن) ، وعدم الإفصاح عن حجم المأزق الذي تعاني منه أمريكا وكذلك قوات الـ(ناتو) ؟!


وإذا كانت أمريكا حريصة على (ماء الوجه) وحريصة على سمعتها بعدم الانسحاب من أفغانستان إلا بعد أن (تثأر) من (بن لادن) ، فهل أن أمريكا قد انصاعت للتساؤلات التحريضية بعدم قدرتها على خوض حربين في آن واحد (أفغانستان والعراق)، وعدم قدرتها على فتح جبهة جديدة في الخليج العربي وفي شمال أفريقيا (ليبيا) .. فكيف لها أن تتحمل النزيف الدموي والمالي في العراق قبل وبعد (مقتل) بن لادن وتبرير انسحابها من أفغانستان ؟!


أمريكا .. والإسلام .. والحرب على الإرهاب ..

وجهت أمريكا حربها على العرب والإسلام كمنهج أعلنه (هنري كيسنجر) وزير الخارجية الأمريكي الأسبق إثر سقوط الإتحاد السوفياتي عام 1989.. حين أكد بما معناه ، أن أمريكا لا تستغني عن صراعها الإستراتيجي الكوني وستخلق عدواً بديلاً حتى لو كان وهمياً .. ثم جاء التشدد الأمريكي على لسان بوش الأبن (قيل انها زلة لسان) حين وصف الصراع بأنه حرب صليبية .. فماذا كان يرمي من ذلك؟ وما هي الوسائل للوصول إلى تلك الأهداف المرسومة في أروقة ألـ(إيباك) الصهيونية ؟
فقد اتخذت فعلاً الحرب شكلاً عملياً يقوم على توظيف خلايا تدعي الإسلام مدربة في أوربا تم زجها في التنظيمات الإسلامية في عدد من الأقطار العربية والإسلامية، فيما تسرب عدد من هذه الخلايا إلى الشيشان وإيران التي احتضنت بعض عناصر القاعدة بحكم التعاون والتوافق الإيراني الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق . وكانت تجربة هذه العناصر في الجزائر والمغرب والعراق من شأنها أن تشوه الدين الإسلامي الحنيف، حين يذبح الرجال والنساء وتبقر بطون الحوامل في الجزائر (وتدعي هذه العناصر الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية)، وكذلك ما تم في العراق من استخدام للسيوف في ذبح المختطفين من الأجانب والعرب والعراقيين وذبحهم بصورة بشعة وتصوير تلك الجرائم باسم الإسلام .. والهدف تماماً ليس لسواد عيون الحركة التحررية العراقية ولا العربية ولا الإسلامية الحقة، إنما تنفيذاً لمخطط رسمته المخابرات الأمريكية في إطار إستراتيجية كونية واسعة تتخذ من العرب والإسلام مقابل في الصراع الإستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية .


فما الذي حصل بعد مضي عشر سنوات وهي الفترة المحددة لـ(مبدأ) الرئيس كسياسة إستراتيجية كونية ؟!

- تراجع الاقتصاد الأمريكي، وباتت نفقات الحروب تأكل من الناتج القومي الإجمالي للدولة الأمريكية (G.M.P) .
- عجز في الاستمرار في استخدام القوة والقوة المفرطة .
- انهيار الدولار في السوق العالمية كحقيقة بالرغم من إصدار الدولار الورقي وضخه إلى الأسواق الداخلية وتسديد الديون الخارجية .
- تفاقم الوضع الداخلي الأمريكي وتراجع الضمانات .
- انحسار حرية الفرد الأمريكي وطغيان أجهزة الأمن بصورة لا يتصورها العقل الإنساني (أمام حالة الديمقراطية التي تدعيها الإدارات الأمريكية المتعاقبة) !!
- كراهية شعوب العالم لأمريكا ولسياستها الخارجية الإرهابية .


الأمر الذي دعا السيناتور الأمريكي (Ron Paul) في جلسة الكونغرس مؤخراً إلى طرح عدد من الأسئلة، التي تتعلق بسياسة أمريكا الخارجية ، مثل :


1- ماذا لو استيقظنا يوماً ما ، وأدركنا أن التهديد الإرهابي هو نتيجة متوقعة لتدخلنا وحشريتنا في الشؤون الداخلية للآخرين، وليست له علاقة معنا بأن تكون أمريكا حرة ومزدهرة ؟!


2- ماذا لو أدركنا أخيراً أن الحرب والإنفاق العسكري إنهما دائماً مدمر للاقتصاد ؟!


3- ماذا لو أن (الشعب) الأمريكي استيقظ وعلم أن الأسباب الرسمية للذهاب إلى الحرب هي دائماً تقوم على الأكاذيب، التي تروج لها آلة الدعاية (الإعلام) للحرب من أجل خدمة مصالح خاصة ؟!


4- ماذا لو إننا كأمة أدركنا أن السعي لتحقيق الإمبراطورية في نهاية المطاف قد دمر كل الأمم الكبرى ؟!
5- ماذا لو إن مشروع العسكرية يجري التخطيط للحرب، التي من شأنها أن تنتشر، والذي يعني أن سياستنا الخارجية لم تتغير ؟!
6- ماذا لو أن(الشعب)الأمريكي علم الحقيقة، بأن سياستنا الخارجية ليست لها علاقة بالأمن القومي، وإن هذه السياسة لم تتغير من إدارة إلى أخرى ؟!


نعود إلى مبدأ الرئيس بوش (الحرب على الإرهاب) .. فهل سقط هذا المبدأ بموت أسامة بن لادن ؟ .. ثم ماذا أرادت أمريكا أن تقول في توقيت الإعلان عن موت إنسان أمام دولة عظمى في ظروف الانتخابات الرئاسية لولاية (أوباما) الثانية ؟!


لا شك إطلاقاً بأن حاجة (باراك أوباما) في هذه الظروف إلى الآتي :

أولاً- تقوية وضعه الضعيف أمام الجمهوريين الذين يشددون الخناق عليه ابتدأ من عدم الموافقة على الميزانية الفيدرالية، فضلاً عن تنصله عن وعوده لناخبيه، وعدم قدرته على معالجة الأوضاع الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، حيث جاء ترتيب الإعلان عن مقتل أسامة بن لادن كحبل إنقاذ متهتك !!


ثانياً- جاء الإعلان عن مقتل أسامة بن لادن ليضع نهاية عقد من السنين نفذ الرئيس الأمريكي خلاله مبدأه المعروف بـ(الحرب على الإرهاب) !!


ثالثاً- سيترتب على هذا الإعلان الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان وكذلك الـ(ناتو)، استناداً إلى قرار لشبونة الذي أتخذه وزراء خارجية الإتحاد الأوربي، إغلاقاً لملف أفغانستان !!


رابعاً- سيترتب على هذا الإعلان أيضاً وضع ترتيبات الانسحاب العسكري الشكلي من العراق بعد زرع ما يسمى بقوات حماية السفارة والقنصليات الأمريكية في العراق وإدارة القواعد العسكرية الأمريكية في عدد من مناطق العراق تنفيذاً للاتفاقية الأمنية الموقعة بين الإدارة الأمريكية والحكومة العميلة .


خامساً- افتضاح وسائل التدخل الإستخبارية الأمريكية في الشؤون الداخلية العربية ومحاولات خلط الأوراق وتقويض النظم الوطنية في ليبيا واليمن وسوريا .


مبدأ (بوش) هذا قد سقط، ولم تعد رئاسة (باراك أوباما) قادرة على أن تستمر في محاربة (الإرهاب) بخديعة كبرى فضحها سيناريو أعد قبل الحادي عشر من أيلول - سبتمبر2001 .. والخيار الغبي البديل سياسة خلط الأوراق وركوب موجة الشعوب وإعادة صياغة معادلات الحكم والتفتيش عن صيغ قديمة حديثة أسمها مناطق الاستقرار بدلاً من نظرية الفوضى المخربة، التي فضحتها الشعوب !!

 

 





الجمعة٠٣ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٦ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة