شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما نقرأ التاريخ , لا نقرأه من أجل حفظ أحداثه فحسب , بل نقرأه لأخذ الدروس والعبر منه , فالتاريخ هو ذاكرة الأمم . وفي تاريخنا العربي الكثير من الدروس لمن يتعض ويعقل الأمور .


ما يجري هذه الأيام من انتفاضات واحتجاجات شعبية مشروعة, تعبر عن حال الأمة في ظل أنظمة حكم متسلطة متشبثة بكراسي الحكم حتى الممات.
الأمر المثير هو ما نشاهده من بعض المعارضات في الأقطار العربية.وبداية أقول إن المعارضة أمر مشروع, وتعبير عن تباين الآراء السياسية والمعارضة مصدر قوة للحكم, فهي التي تقوم بدور الرقابة على أداء الحكومة.ومن حق المعارضة أن تشارك في الحكم من خلال الانتخابات,وتشارك في مؤسسات المجتمع المدني لخدمة أبناء الأمة .


صحيح أن أنظمة الحكم تستفرد بالسلطة وترفض الآخر وتحول دون مشاركته في الحكم , ولكن أن تستعين المعارضة بالأجنبي فهي الخيانة بعينها ,والتاريخ العربي سجل لنا العديد من حالات الخيانة . فما زالت حادثة ( ابن العلقمي ) ماثلة للعيان .فهذا الرجل الوزير استعان بالتتار لإسقاط حكم العباسيين في بغداد عام 656 هجريه 1258 م ,وقد شاهد هذا الخائن كل الفظائع التي ارتكبها التتار بحق البغداديين , ويصف لنا المؤرخ ( ابن الأثير )تلك المجزرة في موسوعته " البداية والنهاية " , ويقول إن ابن العلقمي يتلذذ وهو يشاهد جنود التتار يقتلون العلماء أمثال ( ابن الجوزي ) الذي قتل وأولاده الثلاثة , كما قتل أكثر من 800 ألف إنسان , وقيل قتل ألف ألف إنسان , كما نهبت الدور ومؤسسات الدولة , وأتلفت مكتبة بغداد بوضعها جسرا في نهر دجلة لتعبر فوقه قوات هولاكو من جانب الكرخ إلى الرصافة .


لم يهمل التاريخ ولا ذاكرة الناس تلك الخيانة التي اقترفها ( العلقمي ) رغم مرور هذا الزمن الطويل . كما أن ذاكرة الناس لن تنسى ما يفعله العلا قمة الجدد هذه الأيام .وسوف نبدأ من أخرهم , ففي يوم 16/5/2011 أعلن عبد الحليم خدام زعيم " جبهة الخلاص الوطني " المعارضة للنظام السوري تأييده لتوجيه ضربات عسكرية دولية لبلاده على غرار ما يحدث في ليبيا , واتهم المجتمع الدولي بالكيل بمكيالين في تعامله مع الأحداث العربية " . وظهر على القناة الثانية الإسرائيلية لينال مباركة الكيان الصهيوني , ومن ثم رضا الإدارة الأمريكية " . ويبدو أن خدام استفاد من التجربة الليبية ,فقد أعلن انه عمل على تحريك ملف سوريا من مجلس حقوق الإنسان إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي , وتساءل لماذا يحمي المجتمع الدولي الرئيس بشار الأسد , أهو خوف من استفزاز إيران على حساب الشعب السوري ؟ , واتهم خدام الأسد بأنه يساعد ألقذافي ويمده بالطيارين والفنيين لضرب قوات المعارضة المسلحة .


السياسيون المعاصرون يعرفون من هو خدام , وما هو تاريخه مع أسرة الأسد منذ أربعة عقود , ورفاقه يعرفونه ويعرفون قيمته منذ كان محافظا لمدينة دمشق , حتى صار نائبا للرئيس , وهو الذي لوى عنق الدستور السوري ورشح بشار الأسد لمنصب الرئيس بعد وفاة والده .


إن دمشق وأهلها عصية على الأجنبي , ولا تفتح أبوابها إلا للعرب الشرفاء . وفي الوقت نفسه عنيدة لا تقبل الظلم والاضطهاد , وما على الرئيس الأسد إلا الاستجابة لمطالب الشعب , وقبول الحوار مع الأخر , وإشراكهم في الحكم وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين , لأني اعرف عددا من قياداتهم الوطنيين , فهم لا يقبلون الاستعانة بالأجنبي , وعبد الحليم خدام يهين كل قوى المعارضة السورية الوطنية , الذين يتجلى مطلبهم في الحرية الحقيقية , واحترام حقوق الإنسان .


أما المعارضة الليبية فمن حقها أن تنتفض ضد ديكتاتورية ألقذافي , ولكنها وقعت في الفخ , عندما استعانت بحلف الأطلسي والولايات المتحدة , وشاءت أم أبت فإنها أوقعت ليبيا تحت المظلة الأوروبية , وسوف ترى النتائج في المستقبل القريب , ولا سيما بعد سقوط حكم ألقذافي .


كان المفروض أن تتعض المعارضات العربية من تجربة المعارضة العراقية , صحيح أنها أسقطت حكم صدام حسين , وأنها انتقمت من الشعب العراقي من الطرف الأخر شر انتقام , حيث تحدثت التقارير الأممية عن مقتل حوالي مليون إنسان , وتشريد حوالي أربعة ملايين خارج بلدهم , وترميل حوالي مليونيين امرأة , والحكم الجديد لم يقدم بديلا أفضل من السابق , فالفساد يزكم الأنوف , والسرقات بالملايين وقيل بالمليارات في صفقات مشبوهة ,ووصل الفساد إلى البطاقة التموينية واستيراد مواد فاسدة للإضرار بصحة المواطنين , والاحتلال ما زال مخيما على بلاد الرافدين , وهناك تنغيم حكومي يوحي بضرورة بقاء القوات الأمريكية في العراق لأمد أخر, بذريعة أن الجيش العراقي ما زال غير جاهز للقيام بالمهمة الأمنية على أكمل وجه, ولن يخرج إلا بالكفاح المسلح .


من حق المعارضة أن تنال الحرية في القول والعمل والمشاركة في الحكم , ولكنها ترتكب حماقة كبيرة عندما تستقوي بالأجنبي , لان الدول الغربية لا تعرف غير مصالحها , ولا تعير بالا للصداقات والتحالفات , فهي صداقات وتحالفات مؤقتة وفق مصالحها , وقد شاهدنا كيف تخلت عن أعز أصدقائها في المنطقة مثل حسني مبارك وزين العابدين بن علي , وقبلها تخلت عن شاه إيران , والأمثلة في العالم كثيرة .


إن الذين يستقون بالأجنبي سيلعنهم التاريخ والناس أجمعين , وسيلحقون بابن العلقمي ,وتلعنهم الألسن جيلا بعد جيل .

 

 





الاربعاء١٥ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د . حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة