شبكة ذي قار
عـاجـل










الثقافة العربية .. أساسها الانتماء والشعور القومي الأصيل .
والانتماء الأصيل .. لا يكيل بمكيالين .
والهوية القومية العربية .. لا تحتاج إلى براقع أجنبية .
وتسويق تلك البراقع .. ازدواجية مقيتة !!


المدخل :

قليل هو الحديث الذي يحمل تصورات حول مستقبل المنطقة العربية ثقافة وسياسة ومجتمع .. فاللغة العربية يتم تشويهها بصياغات مشبعة بالثقافات الكولونيالية، وتأثيرها على الثقافة العربية من خلال النخب التي يعتمد عليها الغرب من أجل (تغريب) الثقافة العربية كبير .


ونخب التغريب هذه تشكل تبعية ثقافية تتكفل سبل عدم فك الارتباط بمضامين الثقافة الغربية، فهي في كل الأحوال مركبة ترتبط بفكرة (الأرقى) و (الأقوى) و (الأكثر علماً ومعرفة) .. هذه المفردات لا تدع مجالاً للثقافة العربية الأم في أن تسود، لأنها في ضوء هذا المفهوم التغريبي تؤكد على التخلص من الشكل الخارجي للاستعمار، وهو الأمر الذي لا يحل الإشكالية ولا يؤدي إلى التحرر الحقيقي حيث تبقى عملية التحرر سطحية وغير جوهرية .


والثقافة التي يتركها المستعمر بعد رحيله سياسياً، لها قاعدة لا تتمثل فقط بوجود السياسة والجيوش، إنما لها أبعاد فلسفية ومادية واقتصادية وأيديولوجية تبقى تتبناها (النخبة) التي تأثرت ثقافياً بالكولونيالية الاستعمارية .. وعلى هذا الأساس فأن الاستعمار ليس احتلالاً سياسياً- جغرافياً فحسب، ولا تبديلاً لنظام اقتصادي رأسمالي محل نظام اقتصادي عربي على سبيل المثال، إنما هو فكرة وثقافة غربية تعمل على تغيير القيم الثقافية، التي تستهدف إلغاء الشخصية الوطنية والقومية في مجتمع الأمة عن طريق البناء الاقتصادي الحر وإفرازاته الطبقية والاجتماعية.


إن عملية القضاء على الشخصية القومية يعد هدفاً ثقافياً استعمارياً يمهد لتسلل الإمبريالية إلى مواقع ما يسمى إعادة تشكيل المجتمع بتغيير أنماط سلوكه وبالتالي منظومة قيمه، وإن البدايات الأولى للهيمنة تبدأ من ثقافة (التغريب) الفنية والقيمية لتتسع صوب البناء والمشاريع الرأسمالية الكبرى .. ومن هنا تنشأ - حسب فكرة النخبة- ثقافة (التفوق) الغربي التي تضع الثقافة القومية بمستوى (أدنى) !!


فالثقافة الغربية تصف نفسها بأنها ثقافة (عقلانية) .. وهذا يعني أن باقي الثقافات، كما توحي، يمكن وصفها بأنها ثقافات بدائية أو (غير عقلانية) ، وبما أنها ثقافات غير عقلانية فهي ثقافات أقل شأناً من الثقافات الغربية !!


ومع كل هذه الفلسفات ترتكب الثقافة الغربية (العقلانية) المجازر والإبادة الجماعية والحروب حيال الشعوب والثقافات (البدائية) و (غير العقلانية)، التي تدافع عن نفسها ووجودها الحضاري وتحافظ على حريتها واستقلالها !!


إن إعلان الحروب وارتكاب جرائم الحرب، التي تعد غير عقلانية لكونها تتأسس على ثقافات غربية غير عقلانية بالضرورة، فهي في انحطاطها دونية المستوى الأخلاقي !!


فإذا كانت الثقافة تضم في جوفها جانباً عقلانياً وآخر غير عقلاني في آن ، فإن الصراع وصيرورة التناقضات الثقافية، التي تعتمل في الأحشاء بين قديم يشترط النظر في تعديله وبين جديد يريد التأكد من عدم تعارضه مع المكون الثقافي في تطوره وتقدمه، تؤكد هذه الصيرورة، في جانب منها، الوعي العقلاني للأمة .


فالثقافة العربية هي ثقافة علم وثقافة منهج، فضلاً عن ثقافة أسطورة وثقافة خرافة ترفض المنطق العقلي، فيما الثقافة (التغريبية) لدى البعض تولد مركب نقص، فهي تصنف بين ثقافة عقلانية وثقافة غير عقلانية تدفع نحو الارتباط بالثقافة الغربية للتخلص من عقدة الدونية الثقافية ، ومن هنا .. يبدأ الانسلاخ عن الثقافة الأم !!
فالثقافة القومية العربية يتوجب أن تتحرر من واقعين: الأول- التحرر من البنيان الثقافي العربي المتخلف. والثاني- التحرر من التشبه، غير الواعي وغير العقلاني وغير المنطقي، بالثقافات الغربية .


ثنائية النظرة .. وازدواجية الموقف ..

يتحدث البعض من الأخوة المثقفين والسياسيين العرب كثيراً على الفضائيات وصفحات الجرائد العربية وفي التلفزات المحلية ..إلخ ، كلاماً مفرحاً ومثلجاً للقلب طالما يعبر عن روح الانتماء القومي والاعتداد بالذات العربية والتذكير بعمق الحضارة العربية الإسلامية العريقة ومقومات الوجود العربي، التي يحاربها الاستعمار والصهيونية وأتباعهما بكل شراسة منذ عقود من السنين . ولكن الأمر سرعان ما يتحول إلى إشكالية تحمل تناقضاً بوجهين، الأول : يتعلق بالعام وهذا لا غبار علية حيث الثقافة القومية العربية، والثاني : يتعلق بالخاص ويشكل تناقضاً حيث الثقافة الوطنية . والتناقض من هذا النوع يتعذر السكوت عليه، لسبب بسيط هو أن العام (القومي) يرتبط بالخاص (الوطني).. فلا عام بدون خاص ولا خاص بدون عام .. فهما في الأساس وحدة موضوعية متلازمة في الشكل والجوهر.


والمعنى في ذلك ، حين يتم الحديث عن الثقافة القومية والتذكير بعمق الحضارة العربية الإسلامية وقيمها ومقومات الوجود العربي والتغني بالأمجاد والرموز العظام وما تحقق من إنجازات للإنسانية على مر العصور، لا يجوز السكوت أو الصمت الفاضح حيال التيارات التي باتت تطفح في عدوانيتها وأساليب محاربتها للثقافة القومية العربية وإسلامها الحنيف .. ولا ينبغي الاصطفاف مع من يسيء للعرب ولأمة العرب، وليس المقصود هنا الأنظمة العربية السائدة، التي لا تمثل جوهر العروبة ولا جوهر الإسلام .. وحملات التشويه القادمة من الشرق ما زالت تعمل على تدمير القومية العربية وثقافتها الضاربة في عمق التاريخ، بتسفيه نصوصها والإساءة إلى رموزها، ومواكبة الجهود من أجل طمس الهوية العربية .


المثقفون العرب، يتجاهل بعضهم الهجمة الفارسية الصفوية، والبعض الآخر يلوي الحقائق باتجاه لا يخدم الأمة (الأمة هنا ليست الأنظمة) وهي تحارب على جبهات متعددة " الاستعمار والصهيونية والصفوية فضلاً عن مرتكزات الاستعمار القديم والحديث في شكل بؤر تنتشر على الفضائيات والصحف ووسائل الإعلام الأخرى" . ففي الوقت الذي يهاجم فيه منهج الفرس الطائفي القومية العربية والدين الإسلامي يومياً وتفصيلياً، لم يحرك البعض من المثقفين العرب ساكناً وهم معروفون بأعمدتهم السياسية والثقافية وبإطلالاتهم المتكررة من على شاشات فضائيات السلطة الرابعة المتحمسة لإشعال النار في كل ساحة إلا ساحات أسيادها . فالهوية العربية تطمس في العراق ولا أحد يتحدث منهم عن الخبث الإيراني الصفوي لتغيير الواقع الاجتماعي فيه. مثلاً : دعونا نذهب إلى جنوب العراق لنرى ماذا يحصل هناك :


أولاً- بنوك إيرانية في كل محافظة ترتبط مباشرة بجهات مالية ونقدية وإستخبارية تستهدف ربط إقتصادات تلك المحافظات بالاقتصاد الإيراني .


ثانياً- تأسيس عدد من القنصليات الإيرانية لتسهيل تدفق الإيرانيين إلى محافظات الجنوب، وإحكام القبضة الإستخباراتية الإيرانية على القوى العاملة في تلك المحافظات و(تجسير) صلاتها بمؤسسات الدولة الإيرانية .


ثالثاً- تفكيك النسيج الاجتماعي العشائري العربي في محافظات الجنوب على وجه الخصوص، وفرض العادات والتقاليد الفارسية وقيمها من أجل التمهيد لإحلال مكونات اجتماعية فارسية كي تمسك بمفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية .


رابعاً- تعريض المذاهب في الدين الواحد إلى صراعات مذهبية دموية .


خامساً- تعريض التعايش الاجتماعي السلمي لمخاطر الاحتراب والتفكك .


سادساً- تعريض منظومة القيم العربية الإسلامية إلى التفسخ .


سابعاً- أدخل الإيرانيون الصفويون إلى العراق ( المتعة القائمة على التهتك، والمخدرات ، والمواد والبضائع الفاسدة) .


ثامناً- زرع الإيرانيون محافظات الجنوب بخلايا ولي الفقيه وأمدوها بالسلاح والعتاد وبكل مستلزمات التخريب .


تاسعاً- يعمل الصفويون على إبعاد العراق وشعب العراق القومي العربي عن محيطه العربي، من خلال التشريعات التي يطلق عليها بنصوص الدستور التي أشرف على إعداد مسودته " بول بريمر" حاكم العراق السابق في ظل الاحتلال.. وتشير أحدى فقراته إلى أن الشعب العربي في العراق ، وليس العراق ، هو جزء من الأمة العربية .. وبهذا النص أسقطوا العراق باعتباره جزءً لا يتجزأ من الأمة العربية !!


فماذا يقول المثقفون العرب الذين يتغنون بالثقافة القومية وبالحضارة العربية وقيمها ويسكتون على ما يجري للشعب العربي في العراق من اجتثاث للفكر بالقتل والإقصاء والتشريد على أيادٍ فارسية صفوية ؟! ألم يكن من دواعي الكرامة ودواعي المنطق العقلي أن يتم الحديث عن المخاطر التي تتعرض لها الثقافة والحضارة العربية ، والإنسان العربي في العراق ؟! لماذا يصمت المثقفون حين يسألون عن الوضع في العراق ؟ ولماذا يهمل المثقفون العرب حقيقة المقاومة الوطنية الباسلة وما أنجزته من نتائج عملاقة لولاها لزحف الوباء الطائفي والعرقي على الجميع ؟


عاشراً- النظام الوطني في العراق كان سداً منيعاً يحمي الأمة من عدوان يأتي من الشرق عبر العصور.. أسقط هذا السد الإمبرياليون والصهاينة وغيرهم من (العرب) الأراذل، وطفح تهديد الشرق وطفح الوباء وباتت الأمة اليوم على حافة الهاوية في كل الساحات مستباحة بالتهديد والجتياح في أي لحظة .. لماذا لأن سد العراق قد انهار، وهذا ما اعترف به المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي . فهل يدرك المثقفون العرب هذه الحقيقة ؟!


هنا .. للجواب ثلاثة أوجه، الأول: لكونهم مثقفين فمن البديهي أنهم يدركون هذه الحقيقة . والثاني : أنهم مثقفين ولكنهم يعتاشون على النظام الإعلامي لدولهم ولا يحيدون عن منهجه السياسي والإعلامي والثقافي، والثالث : أنهم مثقفين يتبعون انتمائهم المذهبية والعرقية ويلعبون على منهج (التقيه) الفارسية !!


أحد عشر- يسأل أحد هؤلاء المثقفين العرب عن مسوغ زيارة مقتدى الصدر إلى الدوحة ومقابلته أمير سلطة الـ(C.I.A) فيها، وهل تأتي الزيارة في سياق الوساطة القطرية من أجل تمديد بقاء المحتل الغازي في العراق؟ وهو الإستعمار الذي ما زال يقتل وينهب ويعيث في أرض الرافدين فساداً .. يجيب هذا المثقف القومي العربي ، بأنه لا يدري !! ، ثم ألم يتعامل مقتدى الصدر مع الاحتلال في عمليته السياسية من خلال كتلته البرلمانية حتى الوقت الحاضر، فيما ينفذ أجندة إيرانية بما يقوم به في العراق من قتل على الهوية وإرهاب وتشريد وتصفيات ؟!


هؤلاء المثقفون القوميون العرب الفاضحون يدركون جيداً ما يجري أمام أعينهم وما تحتها تماماً .. فهم إما مسخرون لخدمة إعلام سلطة الملوك والرؤساء والأمراء العرب، أي (مرتزقه) ، أو يعزفون على وتر ينتمون إليه مذهبياً أو عرقياً ، وما الثقافة القومية العربية التي يتغنون بها سوى ستارة رائعة وجميلة يختفون خلفها وينفثون روائحهم القذرة في كل ساعة وكل يوم .. ولكن روائحهم النتنة هذه لا يغطيها غربال أبداً !!

 

 





الجمعة١٧ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة