شبكة ذي قار
عـاجـل










على الرغم من الأهمية القصوى لمفهوم ألأمن الوطني والقومي وشيوع استخدامه ، فإنه حديث في العلوم السياسية ، وقد أدى ذلك إلى اتسامه بالغموض مما أثار عدة مشاكل ، فلا يُعَدُّ اصطلاح الأمن هو أفضل المصطلحات للتعبير عن الأفق الوطني للدولة المعاصرة من ناحية ، كما لم يتبلور المفهوم لكي يصبح فرعا" علميًّا في علم السياسة منفصلاً عن علوم الإستراتيجيات الأخرى وتنطبق عليه قواعد تأسيس النظرية ، بدءاً من وضع الفروض وتحديد مناهج البحث الملائمة ، واختيار أدوات التحقق العلمي ، وقواعد الإثبات والنفي وإمكانية الوصول إلى نظرية عامة ، وبالتالي الوصول إلى قانون يحكم ظاهرة الأمن الوطني والقومي ، ويعود استخدام مصطلح الأمن الوطني القومي إلى نهاية الحرب الكونية الثانية ؛ حيث ظهر تيار من الأدبيات يبحث في كيفية تحقيق وتلافي الحرب ، وكان من نتائجه بروز نظريات الردع والتوازن ، ثم أنشئ مجلس الأمن القومي الأمريكي عام 1974م ، ومنذ ذلك التاريخ انتشر استخدام مفهوم الأمن بمستوياته المختلفة طبقًا لطبيعة الظروف المحلية والإقليمية والدولية وعلى الرغم من حداثة الدراسات في موضوع الأمن فإن مفاهيمه قد أصبحت محددة وواضحة في فكر وعقل القيادات السياسية والفكرية والاقتصادية في الكثير من الدول وقد برزت كتابات متعددة في هذا المجال ، وشاعت مفاهيم بعينها في إطاره لعل أبرزها (( الأمن القومي الأمريكي والأمن الأوروبي و(( الأمن الإسرائيلي)) والأمن القومي السوفييتي قبل تفككه حيث حل محله مفاهيم الأمن الروسي والأذربيجاني و الاكراني وبقية الدول المستحدثة ما بعد التفكك )) ولغرض التوصل إلى مفهوم متفق عليه للأمن الوطني أو القومي ، فإنه يجدر بنا التعرف على ذلك المدلول في إطار المدارس الفكرية المعاصرة


* مفهوم للأمن وفق الشريعة الإسلامية هو ما ورد في القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى (( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)) ، ومن هنا أن الأمن هو ضد الخوف، والخوف بالمفهوم الحديث يعني التهديد الشامل ، سواء التهديد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي ، أو السياسي الداخلي منه والخارجي وان كان هذا التهديد مباشر أو غير مباشر


* فالأمن من وجهة نظر دائرة المعارف البريطانية يعني حماية الأمة من خطر القهر على يد قوة أجنبية .


* يرى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق يعني الأمن أي تصرفات يسعى المجتمع عن طريقه إلى حفظ حقه في البقاء  .


* روبرت مكنمارا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وأحد مفكري الإستراتيجية الأمريكية البارزين يرى إن الأمن يعني التطور والتنمية سواء منها الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في ظل حماية مضمونة ويستطرد قائلاً (( إن الأمن الحقيقي للدولة ينبع من معرفتها العميقة للمصادر التي تهدد مختلف قدراتها ومواجهتها لإعطاء الفرصة لتنمية تلك القدرات تنمية حقيقية في كافة المجالات سواء في الحاضر أو المستقبل (( وفي إطار هذه الحقائق يكون المفهوم الشامل للأمن من وجهة نظري هو)) القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية ، الاقتصادية والعســـــــــــــكرية ، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج ، في السلم وفي الحرب ، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة (( ، وعلى ضوء ما تقدم فإنه يتطلب تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالإستراتيجية الأمنية المخططة للتنمية الشاملة ، بهدف تأمين الدولة من الداخل والخارج ، بما يدفع التهديدات باختلاف أبعادها، بالقدر الذي يكفل لشعبها حياة مستقرة توفر له أقصى طاقة للنهوض والتقدم ، ومن هنا فإن شــــمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة  


أوله : البُعْد السياسي ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة واستقلاليتها
ثانيًا : البُعْد الاقتصادي الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له
ثالثًا : البُعد الاجتماعي الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشـــــــــعور بالانتماء والولاء للوطن والأمة
رابعًا : البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم التي لا تتعارض مع الحداثة والعلم
خامسًا : البُعْد البيئي الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة خاصة التخلص من النفايات ومسببات التلوث حفاظاً على الأمن الاجتماعي


وان صياغة الأمن الوطني أو القومي تتم على ضوء أربع ركائز أساسية هي

أولاً : إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية
ثانيًا : رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها
ثالثًا : توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية ببناء القوة المسلحة وقوة الشرطة القادرة على التصدي والمواجهة لهذه التهديدات
رابعًا : إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.. وتتصاعد تدريجيًّا مع تصاعد التهديد سواء خارجيًّا أو داخليًّا


بدأ الفكر السياسي العربي في الاهتمام بصياغة محددة ومفهوم متعارف عليه في منتصف السبعينيات، وتعددت اجتهادات المفكرين العرب من خلال الأبحاث والدراسات والمؤلفات سواء في المعاهد العلمية المتخصصة، أو في مراكز الدراسات السياسية، والتي تحاول تعريف ذلك الأمن، ولعل من المهم أن نشير إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية، والذي وضع عام 1944م، وأنشئت الجامعة على أساسه في مارس عام 1945م، لم يذكر مصطلح "الأمن"، وإن كان قد تحدث في المادة السادسة منه عن مسألة "الضمان الجماعي" ضد أي عدوان يقع على أية دولة عضو في الجامعة سواء من دولة خارجية أو دولة أخرى عضو بها. كما أن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية والموقعة عام 1950م، قد أشارت إلى التعاون في مجال الدفاع، ولكنها لم تشر إلى الأمن القومي العربي ، ونصَّت المادة الثانية منها على ما أطلق عليه "الضمان الجماعي"، والذي حثَّ الدول الأعضاء على ضرورة توحيد الخطط والمساعي المشتركة في حالة الخطر الداهم كالحرب مثلاً، وشكَّلت لذلك مجلس الدفاع العربي المشترك، والذي يتكون من وزراء الدفاع والخارجية العرب ، كما أُنشئت اللجنة العسكرية الدائمة ، والتي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية ، هذا ولم تبدأ الجامعة العربية في مناقشة موضوع الأمن القومي العربي إلا في دورة سبتمبر 1992م وبدوافع خارجية الغرض منها النيل من العراق قيادة وشعب تمهيدا لتحقيق الأهداف الأمريكية من خلال جامعة الدول العربية والزمن عاد نفسه ولكن بالشكل الأكثر افتضاحا" من خلال ما اتخذ من قرار بشأن الأحداث الليبية والطلب من الغرب ممارسة دوره العدواني بمشاركة قطرية وإماراتية ، واتخذت بشأنه قرار تكليف الأمانة العامة بإعداد دراسة شاملة عن الأمن القومي العربي خلال فترة لا تتجاوز ستة أشهر تعرض بعدها على مجلس الجامعة ، وقد تم إعداد ورقة عمل حول مفهوم الأمن القومي العربي لمناقشتها في مجلس الجامعة العربية ، وحددت الورقة ذلك المفهوم بأنه (( قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصيانة استقلالها وسيادتها على أراضيها ، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية ، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية ، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة ، و الإمكانات المتاحة ، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية التي تؤثر على الأمن القومي العربي )) ، هذا ولم تعرض الدراسة الشاملة عن الأمن القومي العربي على مجلس الجامعة ، كما أن العديد من المفكرين عبَّروا عن قصور المفهوم الذي توصلت إليه اللجنة حيث اتسم المفهوم بالغموض من جانب ، والخلط بين التعريف والإجراءات من جانب آخر ولهذا فإن الورقة أفاضت بعد ذلك في تحديد إستراتيجيات العمل الوطني في كافة المجالات ، ولم تحدد اختصاصات تنفيذ ها ومتابعة أيٍّ منها


في النهاية يمكننا القول إن الفكر السياسي العربي لم ينتهِ بعد إلى صياغة محددة لمفهوم الأمن القومي العربي يواكب تحولات المناخ الإقليمي والدولي و توازناته وانعكاسها على تصور وأبعاد هذا الأمن ، وإن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للتحليل ومفتوحاً لمناقشة على أن تراعى الأمور التالية


أولاً : أمن الوطن ضد أية أخطار خارجية أو داخلية للدولة وهو ما يُعبَّر عنه "بالأمن الوطني


ثانيًا : الأمن القُطري أو الجماعي، ويعني اتفاق عدة دول في إطار إقليم واحد على التخطيط لمواجهة التهديدات التي تواجهها داخليًّا وخارجيًّا، وهو ما يعبر عنه "بالأمن القومي"


ثالثًا : الأمن الدولي .. وهو الذي تتولاه المنظمات الدولية سواء منها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي و دورهما في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين


رابعًا: أمن الفرد العربي ضد أية أخطار تهدد حياته أو ممتلكاته أو أسرته  .




يتبع في الحلقة الثانية

 

 





السبت١٨ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامـــل عــبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة