شبكة ذي قار
عـاجـل










الأمن حاجة فطرية ينشدها الإنسان, مقابل ما يحيط به من مخاطر مصدرها الطبيعة أو الإنسان نفسه. فمنذ أن تشكلت المجموعات البشرية وضعت لنفسها أسسا معينة لحمايتها من المخاطر الخارجية. وتطورت حاجة الإنسان إلى الأمن مع تطور المجتمعات من مرحلة الصيد والرعي إلى مرحلة الزراعة ثم مرحلة الصناعة. كما تطورت وسائل الأمن المادية والمعنوية مع تطور الصناعات ومنها صناعة الأسلحة وتطور العلم ومنها علم النفس والحرب النفسية.


الأمن والخوف من الثنائيات التي لازمت حياة البشر, مثل الخير والشر, والحق والباطل, الصدق والكذب.الوفاء والخيانة. الشجاعة والجبن.. الخ.وحيثما يوجد الخوف ينشد الإنسان الأمان .لذا فان الأمن والاستقرار والسلام , من الكلمات التي تناولتها الكتب السماوية والقوانين الوضعية .


لقد عنيت الدول بموضوعة الأمن كثيرا. الأمن الداخلي, والأمن الوطني أو الأمن القومي للوطن العربي , وارتكز مفهوم الأمن على القوة المادية , أي القوة العسكرية
بكل صنوفها,ووفرت لهذه القوة الممكنات البشرية , وأدوات العنف التي تحول دون رغبات البشر الشريرة , فيما حجبت عن الناس حريتهم التي هي كالهواء له .


راعت دول الغرب الصناعية المتقدمة التوازن بين الأمن والحرية الممنوحة لمواطنيها , لان الحرية أيضا من ضرورات حياة الإنسان , فالطفل الوليد يصرخ منذ اللحظة الأولى لولادته إيذانا بدخول هذا القادم الجديد إلى هذه الحياة , وكأنه يقول لقد تحررت من سجن الرحم في بطن أمي ,أريد حريتي , أريد التعايش مع من حولي .


كما إن الأمن ملازم للخوف, فالحرية ملازمة للاستعباد ورافضة له .فالحرية حاجة إنسانية أساسية للإنسان .
أما الدول النامية إن لم نقل المتخلفة , فقد غلبت الأمن على الحرية , وتحت يافطة الأمن الوطني , والاستعداد لمواجهة العدو الخارجي فقدسلطت قواتها الامنية لكتم انفاس ذوي الراي والمفكرين والمثقفين . فلا مساحة للحرية في البلاد ولا للعباد . الحرية مصادرة بدعوى حماية أمن الوطن . والثابت في كل الأدبيات السياسية أن المواطن دائم الاستعداد للتضحية بنفسه ويقدم دمه لحماية تراب وطنه , والسجل التاريخي لامتنا العربية يؤكد أن الإنسان العربي يتقدم أقرأنه في العالم في التضحية والبذل والعطاء . وفي المقابل فانه لم ينل الحرية التي نصت عليها الأديان السماوية والدساتير الوضعية في كل دول العالم. وللأسف نجد أن غالبية الزعماء العرب وفي الدول النامية يزايدون ويطلقون الشعارات الرنانة التي تعتبر " الإنسان قيمة عليا في المجتمع " . ولكن هذه القيمة ظلت مجرد شعارات على الورق ولم تجد طريقها إلى حيز التنفيذ.


كثير من الدول تحرص على حرية مواطنيها حتى في وقت الحرب , أو رد عدوان خارجي ,لأنها تدرك أن المواطن الحر يستبسل في الدفاع عن وطنه بملء إرادته وليس قهرا , لأنه يدرك أن الدفاع عن الوطن هو دفاع عن أسرته وبيته وأرضه وتجارته . في حين أن الدول العربية حصرا غالت في موضوع الأمن , وسخرت معظم موارد البلاد من أجل الأمن , فكدست الأسلحة من مختلف الأنواع ومن كل الصنوف البرية والجوية والبحرية , كما غالت في شراء احدث مستلزمات التعذيب النفسي , وصار للأجهزة الأمنية خبرات هائلة في الإذلال ومصادرة الذات واغتيال الشخصية . بحيث صار الخنوع برأي الغربيين إحدى سمات الإنسان العربي لفترة من الزمن . في حين انفجر القدر الذي يغلي , وحصل البركان الذي تشهده معظم الأقطار العربية هذه الأيام .


الإنسان العربي كاد يصل إلى حالة الإحباط واليأس , لأنه لم ينل حقه من الحرية , ولا شعر بالأمان والاستقرار في وطنه , ولا نال أمنه الاجتماعي , ولا أمنه الاقتصادي , ولا أمنه من العدو الخارجي .فالعدو الصهيوني مازال يشكل اكبر خطر يهدد أمن الإنسان العربي في كل مكان . وما زالت الثروة العربية مستهدفة من الدول الغربية , وهاهو النموذج العراقي ماثل للعيان , حيث سيطرت الشركات النفطية الغربية على النفط العراقي بعد أن كان مؤمما في عهد النظام الوطني السابق , وكذلك ما يحصل في ليبيا ألآن هو تسابق للسيطرة على النفط .


ارتبط حرمان الإنسان العربي من الحرية والأمن بالعدل , فالعدل أساس الحكم الرشيد , وغياب العدل يعني الاضطهاد والحرمان وعدم المساواة , ومن ثم شيوع الفساد والرشوة والمحسوبية , وكذلك شيوع المحاصصة الدينية والطائفية والعرقية وغيرها من أنماط التفرقة والانقسام .


العنف الذي تستخدمه الأنظمة العربية ألان ضد مواطنيها , آت من تلك العقلية التي لم تتمكن من الموازنة بين الحرية والأمن , ورغم الانتفاضات الشعبية , فما زالت الأنظمة تستخدم ذريعة الأمن لكبح حرية المواطنين ,وما زالت تتذرع بالأجندات الخارجية , ولم تسأل هذه الأنظمة نفسها لماذا ارتمى هذا المواطن المعارض في أحضان الأجنبي , رغم أني أدين هذا الأسلوب والاستقواء بالأجنبي , وقد وصفت من يسير على هذا الدرب " بالملعون " من الشعب ومن التاريخ والأجيال اللاحقة .
إن الحكم الرشيد هو الذي يوازن بين الحرية والأمن ويحقق العدالة, كما هو الأمن مطلوب ومسئول من كل مواطن, فان الحرية من مستلزمات الحياة في كل عصر.


الأنظمة والحكام العرب الذين تعيش بلادهم حالة احتقان شديدة, هم من فقدوا بوصلة الأمان لأنفسهم ولشعوبهم, وصار مصيرهم الكنس والرحيل غير مأسوف عليهم, بل تطاردهم لعنة الناس والتاريخ.

 

 





الاثنين٢٧ جمادي الاخر ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٣٠ / أيـــار / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د . حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة