شبكة ذي قار
عـاجـل










 

في حوار خاص مع الشاعر رعد بندر

 

 

الشاعر العراقي رعد بندر لوكالة أنباء الشعر العربي : من يتبجح بأنه كتب لصدام حسين تحت طائلة التهديد فقوله وليمة كبرى للضحك .. وإسقاط جنسية الجواهري كذبة فجة

 

وكالة أنباء الشعر العربي / حاوره : عمر عناز

 

مجرَّةٌ من شِعرٍ هو العراق، هكذا تُفصِحُ سماءُ القصيدةِ التي تتقد نجوماً على صحفٍ من ذهبٍ يبدعها أبناءُ الرافدين الذين كلما عَمقَ الحزنُ والوجعُ لمع معدنَهم الإبداعي حتى أقصى مسافات الإدهاش، مجرَّةٌ من شعرٍ تزدحمُ بنخلٍ يهزُّه العراقي فيساقطُ قصيداً جنياً وجهته السماء لأنه ملائكي، من هذه الانثيالات انبثقَ رعد بندر فارساً من قصيدٍ على مهرةٍ من شعرٍ تعدو فتقدح حوافرها مضيئةً دبيبَ الوحي في دجلة والفرات وهما يهدران في قلبه الذي دلفنا اليه بقاربٍ من محبةٍ، فكانَ هذا الحوار ..

 

وهما يجريان كل صباح عراقي .. بماذا يتحدث النهران الخالدان دجلة والفرات في خاطر رعد بندر؟ 

رغم مرور ِكل هذه السنواتٍ على مغادرتي الوطن إلا أنني ما زلت ُمبلّلا ًبدموع دجلة والفرات ، للماءِ عيون تبكي في العراق ، وله سُـلّـم ٌمن الشموع ِيحمل ُأدعية َونذورَ الأمهات ِإلى السماء ، إنه تحديث عارم للميثولوجيا ، المغوليِّون القدامى أغرقوهما بالأحبار ِوالمغوليِّون الجُدد أغرقوهما بالدماء ، شِبَاك ُالصيَّادين كانت تعثر ُبالأسماكِ الناطة ِمثل قلوب العشاق والآن تعثر ُبالجثثِ الطافية ، كانا قبل هذا الوقت مِنديلين من حرير وقارورتين من ماء الورد ورغيفين من الخبز ، كان لنوارسهما بياضُ قلوب العراقيين ولطينِهما سُمرة ُالوجوه ، لا الرصافة هي الرصافة ولا الجسر ُهو الجسر ُولا عيون المها هي عيون ُالمها ، إنهما الآن نهران غريبان في وطنهما يحملان شواطئهما كل َّصباح ويبحثان عمَّن يمنحهما لجوء ًفي وطن ٍآخر دون ضغائن وتخلف وموت مجاني .

 

كتبت في معظم أشكال الشعر بما فيها ( قصيدة النثر ) ، ماقولك فيمن يرى أن النزوع لقصيدة النثر سببه عدم مواكبة العمود لمتغيرات العصر وضيق اتساعه ؟

تأتي أهمية ُالقصيدة من حجم ِالشعر الذي فيها بأي قالب ٍكانت ، الحداثة ُلا تعني حشر ما هو سائد ٌويومي في القصيدة العمودية ولكنها نحت ُصورة ٍشعرية ٍلم يسبقك إليها أحد ، ربما تصادفُ هذا لدى بعض الشعراء في عصور ما قبل الحداثة ، ، أعتقد أن من يُحسِن ُكتابة القصيدة العمودية يكون مهيئا أكثر من غيره لكتابة قصيدة النثر التي ستلقي بظلالها حتما على منجزه وعندها يكون تعامله مع الشعر مختلفا ًعمَّا كان عليه ، لقد كتبت ُقصيدة النثر وأنا مؤمن بها ليس بوصفها فنا ًشعريا ًفقط بل لأنها عالم ٌآخر يتناقض تماما ًمع ما هو متداول ، عالم ينمو خارج أقواس ِقوانين الشعرية التي توارثناها عن الفراهيدي وخارج إملاءاتِ خروقات قصيدة التفعيلة للكلاسيكية المتعارف عليها ، عالم ٌمنفتح على غرائبيةٍ أفتقدتها طوال ثلاثين عاما ًمن كتابة الشعر، بالتأكيد الكثير من كتّابها هاربون من فشلهم في كتابة القصيدة العمودية ولهذا لم يعمِّروا طويلا ، هناك من كتبها على أنها عملية توريط للقاريء ، وهي كذلك بالفعل ، ولهذا قيل يستطيع المتلقي أن يحكم وبسهولة على أية قصيدة عمودية أو حرة على أنها قصيدة رديئة ولكنه لا يستطيع أن يقول ذلك عن أية قصيدة نثر ، متغيرات العصر لا تأثير لها على نتاج الشعرية، الشعر ليس موضة تنتهي لتبدأ أخرى إنه يخضع لتطوراتِ اللغة واضاءاتها ، الشعر الأندلسي تطورٌ لغوي أنيق وهو غير قابل للمقارنة بينه وبين الشعر الجاهلي وبالمقابل لغة شكسبير التي يُصنفها الآن حداثييو الغرب على أنها كلاسيكية غير قابلة للمقارنة مع لغة بريتون مثلا، لقد هز ّجان راسين العالم طوال مائتي عام ولكنه أصبح لرومانتيكيي القرن التاسع عشر غير مفهوم وتقليديا ًجدا ً، إقرأ رسائل إخوان الصفا ستقف على تحديث عقلي سابق لزمانه بكثير ،  لقد أحببت ُفي قصيدة النثر تمرّدَها وسعيها لازاحةِ الفضاء الحسّي الجماعي لصالح الرؤية الفردية ونسفها للغة التي لم تعُد لغة ًللشعر ، إنها الصهْرُ الجريء لصناعة لقطةٍ ما لا تتجاوز قراءتها عدة ثوان ٍولكنها تجبرُك على التوقفِ عندها لساعاتٍ مضنية ، القصيدة العمودية أربكها الداخلون إليها من الباب الخلفي (الترهيميون) بمعنى أدق ، الذين يعتقدون بأن الشعر يُبنى بالكتل الكونكيريتية ، والمتخبّطون داخلها ، والمتطفلون على قداستها، هؤلاء هم من أعطوا المبررَ للنزوع الذي تحدثت َعنه في سؤالك ولكنها رغم كل ِّهذا تبقى كالجسدِ الذي يُجدد ُخلاياه الميتة دائما .

 

من البصرة .. شاعر شاب يقتحم سماء الشعر في بغداد بكل ثقة .. هل كنت تفوق أقرانك ومجايليك بما أهَّلك لتصدر المشهد؟

إذا انتمينا إلى حقيقة أن الشعرَ موهبة أولا ، أكون ُقد أجبتك على سؤالك بالكامل ، أظنك تعرف بأن جيليَ الشعري وُلِد َمن رَحِم ِالحرب في بدايةِ ثمانينيات القرن المنصرم وأخذ قاموسه منها ، رغم تحفظي على التجييل أساسا ، أتذكر أنني قلت ُفي حوار ٍقديم نـُشر في مجلة الطليعة الأدبية بأن انطلاقتنا نحن الشعراء الشباب تشبه انطلاقة خيول ٍفي عتمة، النظريات ُالنقدية التي تحدثتْ عن الأجيال الشعرية أثبتت تراجعَها أمام اختصاراتِ تلك الأجيال بشاعر ٍأو شاعرين ، التجييل ُلحظة ٌزمنية صامتة ٌمحنّطة خاملة تماما ًكالصورة الفوتوغرافية في حين أن الشاعر دويّ ٌوحِراك وتأثير، السيّاب ونازك الملائكة قاما بعملية جراحية جريئة ومعقدة لتشطير بُويضةِ التفعيلة في البيت الشعري الواحد فأربكا خلودَها ، ولكننا لو عقدنا مقارنة شعرية بين نازك والسيّاب سنكتشف أن السيّاب أشعر من نازك بكثير ولو طبّقنا نظريات النقد عليهما سنصنّف السيّاب شاعرا ًونازك الملائكة ناقدة ً، العديد من الأدباء العراقيين بدأوا شعراء وانتهوا نقادا ًوهذا ليس تقليلا ًمن شأنهم ، لا يمكن أن يتحوّل الجواهري مثلا الى ناقد لأنه مخلوق شعريّ ألقاه العصر العباسي خطأ ًعلى القرن العشرين ، هذا المخلوق الشعري ألغى عشرات الشعراء الذين عُرفوا في مدينته النجف، أغلق زمنهم عليهم بإحكام تاركا لهاث أنفاسهم خلفه، ربما كانت بداياتي على درجةٍ عالية من المغامرة ، يقول كولن ولسن وصل الإنسان لما هو عليه من رفعةٍ لأنه أكثر المخلوقاتِ حبا للمغامرة ، فهل هناك مخلوق ٌعلى الأرض أكثر مغامرة من الشاعر ، إنني الآن أحسد ُنفسي على تلك البدايات لأنها أسهمت في صناعتي ، عندما تقول (من البصرة شاعر شاب يقتحم سماء الشعر في بغداد بكل ثقة) فإنك تعترف بأن الموهبة تفوّق وما دامت كذلك فهي إذن نقطة حاسمة ينتهي بعدها الجدل .

 

يُتهم الشعراء المقربون من السلطة في زمن الرئيس الراحل صدام حسين بأنهم كانوا يقومون بدور سياسي داخل المؤسسة الثقافية من خلال رفع تقارير أمنية ضد الشعراء والأدباء.. ماحقيقة ذلك؟

هذا الكلام رُوِّج َله بطريقة فجّة بعد احتلال العراق ، ومروِّجوه هم أدباء الظل ِّفي الداخل العراقي ، أولاءك الذين هرّولوا للانضمام للحركات والتيارات والأحزاب وأصبحوا من أشد المتحمسين لها للتعويض عن فشلهم ، هناك من يستمتع ُبخداعه فينقاد ُلأيِّ اتجاهٍ يحتاجه خادعه وعليه فلا خيار إلا خيار التبعيةِ لإرادة الخادع الذي يحوِّل المخدوع الى كتلةٍ بلاستيكية من السهل تشكيلها وتطويعها كما يريد ، نعم كان للشعراء المقربين دور ولكن هل تعرف ما هو ؟ لقد كان دورهم هو الوساطة لدى الرئاسة ووزارة الثقافة واللجنة الأولمبية للإسراع بتلبية الطلبات الخاصة جدا للأدباء ولا أريد أن أفقد هدأتي هنا لتعريةِ من يرفعون ياقاتِهم الآن بوصفهم أبطالا !! على أية حال هناك حقيقة يجب عدم اغفالها وهي أن غياب المبدعين بعد احتلال العراق أعاد الطمأنينة لغير المبدعين كي يأخذوا مساحاتهم وهذه الطمأنينة سرعان ما انتهت الى ضغينة ٍأدمن َعليها هؤلاء الذين تحوّلوا الى مادةِ تشحيم ٍلماكنةِ المحتل وحكوماته .

 

ما قصة ( قيامة الضحك ) ؟

هو كتاب يتحدث ُعن فترة إشرافي على منتدى الأدباء الشباب ومن بعده رئاستي لاتحاد الأدباء وعملي نائبا لرئيس التجمع الثقافي ومديرا عاما في وزارة الثقافة وسترد فيه أسماء كثيرة ووثائق بخط أيدي من يدعي البطولة الآن ، هذا الكتاب سيفكك مفاصل الكثير من الإلتباسات والتناقضات وتداعيات المشهد الثقافي ما بعد الاحتلال ، وسيسلط بروجكتروراته على ناقلي البنادق من كتفٍ الى أخرى ، إنه لا يشتغل على خزين الذاكرة بل يتجاوزها ، وسيكون صدمة كبيرة للبعض وفضحا مخزيا للبعض الآخر !!

 

تبؤات منصب نائب رئيس التجمع الثقافي في العراق أيام كان رئيس هذا التجمع عدي صدام حسين.. كيف تقيّم الفعل الثقافي آنذاك .. وهل فعلا كانت المؤسسة الثقافية تفرض على الأدباء أن يكتبوا ضمن نهج النظام حصرا؟

ربما تعرف أن عدي صدام حسين هو أول من بادر َبطبع نتاج الأدباء في بداية التسعينيات تحت عنوان (سلسلة ضد الحصار) التي كانت تصدر عن جريدة بابل ، لم يضغط أحد على الذين أصدروا مجاميعهم الشعرية والقصصية ضمن هذه السلسلة ومنهم من خرج من العراق وعارض النظام فيما بعد وطرح مجموعته التي صدرت على نفقة عدي صدام حسين على أنها وثيقة من وثائق معارضته ، فكيف والأمر هذا أن تفرضَ المؤسسة الثقافية على الأدباء أن يكتبوا ضمن نهج ِالنظام كما تقول ؟ كل ما في الأمر أن هذا وغيره الكثير أشاعَه ُحاملو المباخر لحكومات المنطقة الخضراء ، أنا لا أدافع عن النظام فهو لا يحتاج لدفاع أحد بعد أن عاش العراقيون بين مطرقة وسندان (الديمقراطية) التي أفقدتهم آدميتهم وأثبتت قذارتها طيلة ثماني سنوات موغلةٍ بالإنحطاط .    

 

تستهجن دوما أن يكون هناك مثقفون معارضون لنظام صدام حسين بل إنك تصفهم في حوار سابق بأنهم ( منافقون بامتياز ) .. أليست هذه مصادرة لحقوق الآخرين في اتخاذ موقفهم؟

عزيزي أنك تعرف جيدا ًمع من تجري حوارَك الصحفي هذا ، أنت تجريه مع شاعر ٍمرَّ من بين أصابعهِ حِرَاك ُالثقافة العراقية في تسعينيات القرن المنصرم ، وهذه الفترة كما تعرف مهمة في تأريخ ثقافة العراق تماما كما هي مهمة في تأريخه السياسي ، فعندما أتحدث ُعن المثقفين المعارضين الذين خرجوا في التسعينيات أو من لم يخرجوا وبعد الإحتلال ادعوا البطولات النادرة فإنني أتحدث داخل مساحةٍ أعرفُ عمق َمواطيءِ أقدامهم عليها وما هو حجم امتدادات خطواتهم فيها وهم يعرفون جيدا أن المساحة التي أعنيها هي طاولة مكتبي في اتحاد الأدباء أو التجمع الثقافي وبعدهما وزارة الثقافة ، علينا أن نفرّق يا عمر بين المعارض والمعارض بالعدوى وأظن أن الفرق واضح بينهما ، فإنك تملك أن تعارض حزبا حاكما تحت أي مسوّغ دون أن تقودك اختلافاتك معه أو معارضتك له الى فرش وطنك على الرصيف لبيعه ! هذا النوع من المعارضة معارضة نظيفة للغاية علينا جميعا احترامها وفي المقابل هناك معارضة قذرة للغاية علينا جميعا فضحها والبصاق عليها ، ثم قل لي كيف يمكن لادباء عراقيين شعراء كانوا أم قاصّين أم نقادا أم روائيين طبعوا في مؤسسات النظام الثقافية ثلاثة أرباع منتجهم الأدبي ونشروا ما يكتبونه في صحفها ومجلاتها وشاركوا في مهرجاناتها ومؤتمراتها واستلموا راتبا شهريا من رئيس النظام الذي يعارضونه ومنهم من ترأس مؤسسة ثقافية أو فرعا من فروع اتحاد الأدباء في المحافظات أو قسما ثقافيا في مجلة أو صحيفة ومنهم من كان عضوا في المكاتب التنفيذية للإتحاد أو لمنتدى الأدباء الشباب ومنهم من عملوا مدراء تحرير في الصحف الإسبوعية التي كانت تصدر بإشراف مباشر من عدي صدام حسين وبعد هذا (النضال) الشرس ضد (الدكتاتورية) طرحوا أنفسهم على أنهم معارضون سواء من كانوا داخل العراق أو خارجه ؟؟ ماذا تسمي هؤلاء ؟ أمّا من يتبجح بالقول بأنه كتب للرئيس صدام حسين تحت طائلة التهديد أو الوعيد فقوله هذا وليمة كبرى للضحك.

 

وموقف الجواهري والبياتي من حكومة صدام حسين .. بماذا تفسره؟

الحديث عن الجواهري والبياتي يختلف تماما عن حديثي عن من أعنيهم في إجابتي السابقة ، سأقول لك الحقائق التالية والتي سأؤجل سرد تفاصيلها الآن لأنك ستقرأها في كتابي القادم ، الجواهري زار سفير العراق في براغ عام 1992 وفاتحه برغبته بالعودة الى بغداد والاستقرار فيها ولكن بعد ذهابه الى الأردن تلبية للدعوة التي قدّمت له من قبل الملك حسين ، وأملى يومها على أحد العاملين في السفارة قصيدته التي كتبها في هجاء بوش الأب الذي شن َّحربه التحالفية ضد العراق في 1991 تلك القصيدة التي تم َّالتعتيم عليها بعد الاحتلال ، حينما وصل الأمر الى وزير الثقافة والإعلام شكّل وفدا ًرسميا للقائه في الأردن وكان فرات الإبن البكر للجواهري ضمن هذا الوفد الذي التقى الجواهري في فندق القدس في عمّان ، كما أن الجواهري زار السفارة العراقية في الأردن بصحبة الوفد والتقى السفير العراقي ، أما البياتي فقد كان يحضر الى مهرجان المربد إبان الحرب العراقية الإيرانية ثم استقر في بغداد بعدها غادرها الى الأردن وقد التقيت به عام 1994 في بيت المستشار الثقافي في السفارة العراقية وحينما انعقد المؤتمر التاسع عشر للأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب في الدار البيضاء في المغرب سافر َمع الوفد العراقي الذي كنت أترأسه ، لم يكن ضمن الوفد في حينها لأنه تلقى دعوة ًخاصة من الأمين العام فخري قعوار لحضور المؤتمر ولكنه كان يقضي معظم وقتهِ في جلساتنا المسائية والشبه يومية في غرفتي مع الوفد العراقي ، وتعرفُ أن من يقرأ شعر البياتي لا يمكن أن يصنفه معارضا لنظام ما دون غيره كذلك لا يمكن أن يحسبه على هذه الجهة أو تلك ، ثم أنه عمل لفترة طويلة مستشارا ثقافيا في السفارة العراقية في إسبانيا في السبعينيات وبأمر من الرئيس صدام حسين نفسه ، المعارضة العراقية أخي عمر قبل الاحتلال اشتغلت على هذا النوع من التكريس لفقرها للأسماء الأدبية الكبيرة فكانت تتكيء في خطابها الثقافي المسيّس على الجواهري والبياتي وغيرهما خاصة بعد أحداث 1991 وفق سياسة رسم الفجوات وتعبئة الرأي العام باتجاهها ، كم تحدثوا عن الجواهري بوصفه معارضا وكم كتب متشاعروهم قصائد نسبوها إليه وسرعان ما افتضح أمر تلك القصائد ، ولم ينته ِتكريس رسم الفجوات الأجوف هذا حتى بعد الاحتلال حين صنفوا الروائي فؤاد التكرلي على أنه معارض وكتب أبواقهم الكثير عن هذا الموضوع والحقيقة أن فؤاد التكرلي كان يعمل موظفا في السفارة العراقية في تونس لفترة طويلة وبأمر من الرئيس أيضا وكنت ألتقيه في السفارة العراقية في تونس كلما زرتها وكان آخرها عام 2001 حين حصل على جائزة سلطان العويس ، أحد هذه الأبواق والذي يسمي نفسه بروفيسورا وهو يسرد سيرة عبد الوهاب البياتي في أحد المواقع على النت يقول (وقيل أن صدام حسين جعله ملحقا ثقافيا أو مديرا لمركز ثقافي في مدريد ) لاحظ كم من التسويف في هذه العبارة وكم في مفردة (قيل) من ابتذال وهو يعلم بأن الرئيس صدام حسين أمر بتعيين البياتي مستشارا ثقافيا في سفارة العراق في إسبانيا ولكن هذا البروفيسور لا تقوده أمانته الأكاديمية لقول الحقيقية كما يعرفها بل يقوده انحيازه لصالح من يعمل معهم.

 

يوما أوفدك صدام حسين لإقناع الجواهري بالعودة الى العراق .. ماحكاية هذه الرحلة ؟

لتصحيح المعلومة أن الرئيس صدام حسين لم يوفدني لإقناع الجواهري بالعودة ولم أطرح على الرئيس أي أمر بهذا الخصوص في أي لقاءٍ جمعني معه رحمه الله ، لقد فاتحت ُعدي صدام حسين بالموضوع بوصفي نائبا له ورئيسا لاتحاد أدباء العراق فتحمس له كثيرا ، ثم سافرت ُالى دمشق والتقيت ُالجواهري لمرتين في بيته وقرأ لي قصيدته في هجاء بوش التي تحدثت ُعنها ، فاتحته بعدها بالأمر وأخبرته بأنني أحمل له دعوة مفتوحة مقدمة من رئيس التجمع الثقافي لزيارة العراق وله الخيار في البقاء أو العودة ثانية الى دمشق ففي كلا الحالتين هو محط اعتزاز وتقدير الجميع ، سألني عن المسافة بين عمّان وبغداد عن طريق البر فهو يعرف أن الحصار منع السفر جوا الى العراق وشكا لي معاناته جراء المرض وإنه لا يقوى على السفر كل تلك المسافة ولكنه أبدى رغبته بتلبية الدعوة وقال بأنه يحتفظ بهاتف السفير العراقي في الأردن وسيتصل به لترتيب الزيارة بعد تحسن حالته الصحية ، لقد كانت لدى الجواهري رغبة حقيقة للعودة ولكن ثمة عوامل كثيرة منها ما هو خاص وما هو عام أربكت الموضوع وضغطت عليه باتجاه صرف نظره عن العودة .

 

أكدت سابقا أن حكاية إسقاط الجنسية عن الجواهري " كذبة"  فيما أكدت ذلك السيدة خيال الجواهري؟ ماتعليقك؟       

هذا الموضوع يا عمر لا يحتاج ُالى تعليق إنه ببساطة كرة ثلج دحرجَها نوري المرسومي وكيل وزارة الثقافة أنذاك عندما كتبَ مقالة نشرها في جريدة العراق ، كرة الثلج هذه سرعان َما تلاقفتها صحف ُالمعارضة وتعاملت ْمعها على أنها قرار ٌرئاسي وليس رأيا شخصيا ، كنت ُحينها رئيسا لاتحاد الأدباء وطلبت ُالإجتماع بالمجلس المركزي وأصدرنا بيانا ننفي فيه اسقاط الجنسية ونشرناه في الصحف العراقية والعربية ، كما أن الأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب والتي كان يرأسها فخري قعوار نفت الخبرَ في بيان ٍصدر عنها تم توزيعه على الإتحادات الأدبية في الوطن العربي ونشرَ في صحف تلك الدول ، وللمعلومة لا يوجد قانون في العراق منذ تأسيس الدولةِ العراقية حتى الآن يُشرّع اسقاط الجنسية عن أي ِّمواطن عراقي ، ولو كان هناك قرار ٌصادر عن الرئيس بهذا الشأن لنشر في جريدة الوقائع العراقية المختصة بنشر القرارات الرئاسية والمراسيم الجمهورية وأظن أن خيال الجواهري تحمل شهادة الدكتوراه في المكتبات بمعنى أن إختصاصها الأكاديمي يُحتم عليها التنقيب في الوثائق فما بالك بوثيقةٍ مهمةٍ مثل هذه تخص والدها لكي تدفع عنها شبهة تمسكها بهذه الكذبة الفجة ، يقول جوبنز الذي كان وزيرا للدعاية في حكومة هتلر كلما كانت الكذبة كبيرة يكون رجحان تصديقها كبيرا.

 

يأخذ عليك الكثيرون عدم قيامك بإصدار ديوان شعري ، ويفسرون ذلك بمرحلية حكمتَ بها قصائدك وجعلت معظمها يدور في إطار ايديولوجي .. ماتعليقك؟

من قال لك أنني لم أصدر مجموعة حتى الآن ؟ لقد صدرت لي في تونس (يشبهني تماما) عام 2001 وهي مجموعة قصائد نثر ثم هل تعتقد أن القصائد التي أرخّت دماء الوطن ودموعه ووجعه وانتصاره وحصاره ومطاولته ومقاومته يمكن أن تكون مرحلية أو مؤدلجة ، كنت وما زلت ُوسأبقى أزهو حد َّالتباهي بكل ِّحرفٍ فيها وبكل ِّوقفةٍ وقفتها خلف منصةِ الشعر طيلة ثلاثين عاما ، هناك شعراء أصدروا عشرات المجاميع الشعرية ولم يعرفهم أحد أو يحفظ لهم بيتا واحدا من الشعر وهناك شعراء كتبوا قصيدة واحدة حُفظت أو أصدروا مجموعة واحدة عُرفوا بها ، إصدار المنتَج عملية توثيقية لا يُؤاخَذ عليها المنتِج ، رُواة الشعر عبر التأريخ كانوا مطابع متنقلة لشعراء كتبوا قصائدهم وناموا ملء عيونهم عن شواردها ، ولكنني يبدو أحتاج الى الأعداء كما تحتاج النباتات الى الضوء !

 

تعمل عضوا في اللجنة العليا لمسابقة أمير الشعراء منذ انطلاقتها ، بماذا يحدثنا رعد بندر حول هذه المسابقة ؟

أمير الشعراء إضاءة ٌمبهجة جعلت أصابعَنا تتلمسُ الشعر في العتمة التي أسدلت أستارَها على  المشهدِ الشعري العربي ، إنه منعطف ٌنادرُ الحدوث في زمن ِالركود الثقافي الذي ألقى على هامات ِمبدعيه ركاماتٍ هائلة ًمن أغبرة ِالتهميش والإقصاء ، لم تكن مهمته إضاءة الشعر فقط بل إضاءة النقد أيضا وحرّض أدلاّءه على اكتشاف ِالأسماء التي لم يقفوا يوما ًعلى تجاربها ، أبو ظبي أول ُعاصمةٍ عربية اكتشفت هذا الركود وزحزحت تكدساتهِ لصالح الشعر الذي فقد بريقه أو كاد ، لهذا أنا لا أسميه مسابقة بل مهرجانا أسّس قاعدة عميقة وراسخة لتحديث رؤية صناعة نجوم الشعر وفق مبدأ تنافس المواهب .

 

بعيدا عمَّا في حلقات النهائي أفرزت النسخ الأربع من أمير الشعراء 20 شاعرا .. من الشاعر الذي تمنيت أن يكون أميرا للشعراء ولم يكن .. ولماذا ؟

كل الذين وصلوا الى النهائيات مؤهلون لنيل اللقب في جميع النسخ الأربع ولكن كما تعرف فإن مهرجانا بهذه الضخامة له آليته ومنهجيته التي يعمل بهما ، لكل شاعر من هؤلاء نكهته وتعاطيه مع القصيدة ولهذا يتوزع اعجابي الشخصي عليهم جميعا دون استثناء .

 

يرى بعض الشعراء العراقيين - ممن قد يخالفونك ايدلوجيا- أنك من يقف وراء عدم حصولهم على فرصة المشاركة في مسابقة أمير الشعراء رغم تفوقهم الإبداعي على الساحة .. ما ردك؟

لا يمكن لأي عضو في اللجنة ِالعليا أو اللجنةِ التحكيمية أن يسلب عن أي شاعر فرصته في المشاركة ، الشاعر وحده هو من يفرض حضوره بقوة من خلال شعره ، وللعلم فإن تقييم القصائد مهمة اللجنة التحكيمية المؤلفة من خيرة أساتذة النقد والذين ينحازون للشعر وليس للشاعر ومن عملية التقييم هذه يتم دعوة الشعراء ، إن الذين يجعجعون بإقصائهم إمّا لم يبلغوا بعد ُسن الرشد في الشعر أو مدفوعون بوهمهم على أنهم شعراء كونيون علينا جميعا رفع قبعاتنا إجلالا لهم .

 

صوَّتت أغلب الدول الأعضاء في الأمانة العامة لاتحاد الأدباء العرب لصالح رفع قرار تعليق عضوية اتحاد أدباء العراق لإعادته لمحيطه العربي.. بم تفسر اعتراض المعترضين رغم وجود توافق أغلبية؟

إذا كان هناك ثمة توافق كما تقول فيجب أن يمرَّ القرار بناء ًعلى تصويت الأغلبية عليه أليس كذلك ، ما حصل للعراق في 2003 ليس فصلا عشائريا بين الأمانة العامة واتحاد الأدباء في العراق اقتضى تعليق العضوية ، الذي حصل هو احتلال غير قانوني وغير شرعي ، فلا مجال للمكابرة لأن من قادوا الإتحاد بعد 9/4 / 2003 لا تشفع لهم ابتسامات منتخبيهم الفاقعة ولا تزيل عن وجوههم بقع التحايل على الواقع ، وأن البالونات الحكومية والحزبية التي نمت في حاضنة الضغائن وتزييف التأريخ والطائفية المقيتة في طريقها الى عاقول الغضب الشعبي ، عندها سيجد ُهؤلاء أنفسهم عراة ومطرقي الوجوه خلف طاولاتهم ، أنا شخصيا أشفق عليهم وأتمنى أن لا يكررّوا طلباتهم للأمانة العامة بإعادة العضوية لأنهم بتكرارها يُظهرون للآخر بمظهر الكسيح الذي يُصرّ على الإشتراك في سباق ماراثوني .!

 

هجوت نزار قباني في قصيدة مشهورة .. ماالقصة التي تأسس عليها هذا الموقف .. وهل ثمة رد فعل لاحق من نزار؟

في عام 1991 قرأت للقباني قصيدة أساء فيها للعراق فرددت عليه بقصيدتي التي أشرت َأنت إليها والتي نشرتها عدة صحف عربية في وقتها ، حينما كتبتها لم أنتظر ردة فعل القباني عليها لأنني قلت ما أريد قوله ، بعد مغادرتي العراق شاهدتها على النت في عدد كبير من المواقع والمنتديات ويبدو أن من نقلها أسقط َعنها الكثير من المفردات والجمل وغيَّر بها وأضاف إليها ومن المؤلم أنني لا أستطيع إعادة نشرها أو تذكّرها على الأقل بسبب فقدي لنسختها الأصلية مع ما فقدت ُمن إرشيفي الشعري بعد احتلال العراق .

 

كان المربد يستقطب الكثير من الأسماء العربية اللامعة سابقا كنزار والبردوني ودرويش ، لماذا انحسرت المشاركات بهذه الفاعلية؟   

يعرف الجميع أن الحصار لم يكن حصارا اقتصاديا بالمعنى المتعارف عليه ، لقد أيبسَ كل منابت ِالحياة بما فيها الثقافة فحينما تنقطع خيوطك المعرفية مع الآخر يتأكد ُإليك بأنك تواجه مخططا كونيا للعزلة ، وحينما لا تجد ُفي السوق قلم َرصاص ٍواحد يتقاسمه أطفالك لكي يقوموا بواجباتهم المدرسية تتيقن ُبأنك في انتظار موتٍ قادم ، المربد لم يكن ظاهرة ًشعرية بل كان عُرفا ًشعريا نبيلا ، كان العراق ُمثل أبٍ كادح ٍيعرف مقاسات مِعَدِ أطفاله فيقسّم الخبز عليهم ، المربد هو الابن ُالجميل والمدلل الذي يمنحه أبوه حصته من الخبز ثم ينام مبتهجا بجوعه ، مفردة الإنحسار في سؤالك يجب استبدالها بالمقاطعة وللأسف من ذكرت َمن الشعراء قد توفاهم الله وإلا لطلبت ُمنك إحالة السؤال إليهم !

 

كيف يقرأ رعد بندر واقع المشهد الشعري العراقي الذي يبدعه الشباب ، خصوصا انك كنت قريبا منهم في العراق ، فضلا عن تواصلك عبر مسابقة أمير الشعراء؟

كان الكثير ُمنهم يحضرون الى بيتي كل اسبوع ويقرأون جديدهم ، كنت سعيدا بحضورهم وسماع قصائدهم ولم أنقطع ْعن متابعتهم رغم مغادرتي العراق منذ ثماني سنوات ، ولطالما أفرحتني مشاركاتهم في أمير الشعراء ، لكنني الآن سأجيبُ عن سؤالك فيما يخص المشهد الثقافي العراقي بشكل ٍعام من أجل توسيع دائرة الإجابة بعيدا عن شخصنتها ، كثيرا ما أسأل نفسي كيف َلا يحترق ُالشاعر ُبجمر شعره وهو يرى وطنه محتلا ؟ كيف لا تدوس أقدام قصيدته على رؤوس سالبي حرياته ؟ كيف يستسلم ُللكتابة عن الذات وهي تحرق أمامه ، وعن الجمال وهو محاط ٌبالقبح ، وعن الحب وهو مسَّور ٌبالكراهية ، وعن المرأة ِوهي تغتصَبُ داخل المعتقلات ، كيف َيمكن ُأن يكون َالمثقف ُبراغماتيا حد َّالضحالة ، كيف يجرؤ أن يدافع َعن دُمىً معلقةٍ بخيوط ٍواهنة في أصابع صانعيها ، إنني أنظر ُالى المشهد كمن يتأمل ُلوحة ًحافلة بالخدع البصرية ، لا يمكن للمثقفين أن يكونوا سَدنة ًمهمتهم تلميع ُطِلاءِ الأضرحة كما يقول اوسترياس ، ليس تكريما لمن بداخلها بل تزلفا لمن يدّعون حراستها ، كيف يمكن ُلأصوات البعض أن تعلو للدفاع عن ظلاميةِ المد الطائفي في البحرين ومساندةِ ريح تأجيجه الصفراء في حين يُصابون بالخرَس إزاء الخراب والبؤس والموت والتشرذم الميلشياوي الذي يحصل في العراق منذ احتلاله ، مثل هؤلاء ليسوا سوى مخلوقاتٍ صغيرة في متاهةِ مربعاتٍ ليس لها مخرج ، إذا تحوّل الشاعرُ الى كائن ٍمتفرج على ما يدور من حوله فهذا يعني نهايته كمبدع ، الشاعر سياسي بالفطرة فإذا كانت الثقافة تعني التجذر المعرفي وإذا كانت السياسة تعني السلطة لما احترمنا بابلوا نيرودا ولا أندريه مارلو ولا حتى المتنبي والشريف الرضي ، ولهذا ما عاد المتلقي العراقي أو العربي يُنقب عن الشعر وحده داخل القصيدة العراقية بل عن الشعر والموقف معا ، من يعتقد أن حياديته ومحاباته سيجعلانه يحظى باعجاب العراقيين وتوقيع الأوتوكرافات لهم فهو غبي بامتياز ، ما أتفه الذين يضعون أيديهم في جيوبهم وهم يمرون على جثثِ العراقيين في المزابل في حين يرفعونها احتجاجا عندما يحرّكها ريمونت كونترول الطائفية البشعة ، لا مجال عندي لاحترام من مسخهم الماسخون نعاماتٍ جبانة ، أو من اختاروا الحياد للمرور بزعانفهم عبر الزحام ، أو من أصابتهم عدوى داء ميرسول كائن البير كامو في رواية الغريب .

 

متى ستعود الى بغداد؟

أنا وإن ْكنت ُبعيدا عن بغداد لكنني فيها دائما ، يا عمر حين ترى العراقيين وهم يقذفون الدبابات الهاربة بأحذيتهم وتشم رائحة لهاثهم وهم يركلون ظلاميي التخلف وعرّابيه ، لحظتها ستجدني خلف منصة المسرح الوطني .

 

 





الخميس١٤ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٦ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة