شبكة ذي قار
عـاجـل










عرف حزب البعث العربي الاشتراكي مفهوم الثورة وتبناه ضمن إطارين متداخلين. فالثورة عند البعث أولا، هي التغيير الجذري الشامل لأسس النظم القائمة التي هي أسس رجعية _ إقطاعية _ رأسمالية أو شبه رأسمالية وفوقية تعسفية ظالمة. النظم القائمة متخلفة بوليسية فاسدة ماليا وإداريا ولا يمكن إصلاحها عبر الدعوات أو تنفيذ انتقال نمطي من الشمولية إلى نهج ديمقراطي مقحم خارجيا عبر إرادة الامبريالية الأمريكية ومصالحها السياسية والاقتصادية. الفشل سيكون حتميا لان لهذه الأنظمة خطوط تعويض أولى وخطوط بديلة تترتب بصفوف متوالية خططت للنفوذ عبر بوابات التغيير هي بذاتها أو عبر تعاقدات مفضوحة مع قوى عرفتها الأمة على إنها قوى رجعية متخلفة كهنوتية طائفية أو عرقية شوفينية وقبلية جرداء وفي كل الأحوال فان الخطوط المختلفة للأنظمة العربية الشمولية المتهرئة لا يمكن أن تتعاطى بالديمقراطية كنهج سياسي لا في تبادل سلمي للسلطة ولا في اعتماد الديمقراطية كبديل للشمولية والمركزية البوليسية المخابراتية المعادية للشعب وتطلعاته المشروعة لأن فاقد الشئ لا يمنحه أبدا. أما الإطار الآخر للثورة القومية التحررية فيتمثل بفكرة الانقلاب على الذات وعلى الواقع بالاستناد إلى عقيدة قومية وحدوية تحررية إنسانية تعيد تكوين الذات القومية للإنسان وتضعه في مسارات الحياة السليمة في حقوقه المختلفة وأيضا في واجباته المختلفة. ولم يغادر البعث هذا الإطار الثوري لا في سلطته التاريخية في العراق وتواصل معه بحيوية بارزة في مقاومة الاحتلال بالسلاح لوحده أو بالائتلاف والتوافق الثوري الجهادي مع قوى وطنية وقومية وإسلامية غير طائفية.


إن ما تناضل من اجله حركة الثورة العربية المعاصرة وقواها الطليعية هو ليس انقلابا على السلطة في صيغة انقلاب عسكري أو شبه عسكري ولا صيغة الانتقال السلمي للسلطة الذي ابتدعته أميركا بعد أن قصمت ثورة العراق ومقاومته البطلة ظهر المشروع الأمريكي الذي صمم لينفذ بقوة السلاح فلجأت أميركا لاستبداله بما سمي بالعملية السياسية، وهي عملية مخابراتية صممت لتضع العراق كنموذج للديمقراطية المصدرة على الرؤوس النووية وأفواه مدافع الدبابات، وسعت بكل مخالبها القذرة لتخترق انتفاضة شباب الأمة في كل مكان لتطوع نتائجها وصولا إلى نماذج حكم شبيهة بنظام الحكم الفاشل في العراق. كلا الأسلوبين لن يحققا طموح الأمة، لأن الأول غير مصون من الانحرافات كما جربت الأمة مرارا، والثاني هو الأسلوب الذي أطلقته أميركا والصهيونية والطائفية الفارسية عبر مشروع الفوضى الخلاّقة، والذي تم اعتماده بعد أن تعاقدت أميركا مع أحزاب الطوائف السياسية وأحزاب الأعراق العميلة والخائنة للأمة.


ثورة قومية .. نعم .. انتقال سلمي للسلطة .. لا ..فالانتقال السلمي للسلطة أو ما أطلقت عليه أميركا ربيع العرب هو إصلاح نوع من أنواع الإصلاح السياسي لا أكثر ولا اقل يتم بموجبه نقل السلطة من الأنظمة العربية التي تآكلت وسجلت على نفسها ألف خطيئة وخطيئة بحق العرب وأرضهم وكرامتهم .. ما ندعو له ونناضل من أجله هو أن تنهض القوى الوطنية والقومية والإسلامية المعتدلة غير الطائفية وتقود حراك الشعب العربي وتوجه طاقات انتفاضاته لتضمن نتائج لصالح الأمة .. هذا هو جوهر موقفنا حتى لو شاكسنا نصف سكان الأرض لأننا بدأنا ثورة الأمة التي تعني الانقلاب على الذات وتغيير الواقع تغييرا جذريا وإعادة بناء الإنسان وفق استحقاقاته التراثية والحضارية والثقافية عبر تنمية بشرية حقيقية ونظام اجتماعي اشتراكي عادل منذ ستين عاما ونحن من أجج روح التحدي في مقاومتنا البطلة للاحتلال الأمريكي. لقد كانت ثورة الأمة قائمة في عراق البعث ولذلك استمرت المؤامرات عليها سنوات طوال حتى أجهضت. نريد ثورة عربية حقيقية تقودها قوى طليعية وليس ثورة تقودها قطر والإمارات وأحزاب الطوائف ... نحن ثوّار ولسنا بحاجة لنقسم على ثوريتنا غير إننا لن نتحالف مع الطوائف السياسية وأعراق الشوفينية ولن نعادي ذاتنا لمجرد إننا نرى في الأنظمة القائمة خللا في حال أمتنا .. نحن مَن نزيل الأنظمة هذه بقدراتنا وطاقات العرب الجبارة .. لا نريد أن نفطر على عظام بعد أن طال صيامنا .. نريد ثورة تنتج امة عربية واحدة , نريد ثورة شعبية ترفع الوية الكفاح المسلح لتحرير العراق وفلسطين والاحواز والجولان وكل شبر عربي محتل.


الخطة الأمريكية الغربية لإعادة تشكيل النظام العربي على ما يبدو فيها وجهين متوازيين يقوم الأول على استخدام الغضب العربي وانقطاع حبال الصبر حيال الأنظمة العربية التي تحولت إلى كيانات ديناصورية عبرتها الحياة وتجففت في عروقها كل معاني وقيم وقوانين ومقومات النظام السياسي، واجتازتها عجلات الزمن حتى غدت عالة حتى على القائمين على أركانها وزواياها. إن تفجر الانتفاضات العربية في تونس ومصر قد فتح بابا جديدا للإصلاح السياسي الذي كانت أميركا تلح على عملاءها في المنطقة لإجراءه، لكي تتيح لهم فرصة الاغتسال من غبار عشرات السنوات الذي تراكم ومعه العار والشنار والذل والمهانة والترهل بالفساد الباطن المستتر والظاهر الطافح بكل أنواعه وعناوينه. وحيث إن هذه الأنظمة قد فشلت في الاستجابة للإصلاح الذي توده وتريده وتنشده أميركا فان مفاجئة انتفاضة تونس ونجاحها بالإطاحة بالديناصور زين العابدين بن علي قد فرضت تشغيل الماكنة السياسية الماسونية والصهيونية فأنتجت فكرة النقل السلمي للسلطة بكل تداخلاتها التي تتظافر فيها عناصر الثورة المضادة وعناصر متبقية من النظام واستخدام فترة الإعداد لما يسمى بالممارسة الديمقراطية التي تداعب عقول معظم الناس بإيحاءات لا صلة لها بالديمقراطية الحقيقية لأنها ستؤدي إلى عودة نسخة مصورة مع بعض الرتوش على النظام الساقط من حيث إنها ستبقى خادمة لإرادة ومصالح أميركا والغرب وبعيدة كل البعد عن أهداف العرب وتطلعاتهم في الوحدة والحرية ونماء الحياة الذي ثاروا من اجله. والوجه الآخر هو استخدام القوة العسكرية في حالة عدم تمكن التظاهرات الشعبية من إسقاط النظام. إن نجاح التظاهرات في إسقاط بن علي والديناصور الأكبر مبارك لم تفلح في الإطاحة بالقذافي ولا بصالح ولا الأسد ولذلك تداخلت عناصر الإطاحة الشعبية المستثمرة والمخترقة مع عناصر القوة الغاشمة في ليبيا بشكل واضح وجلي وفي اليمن وسوريا بشكل أكثر تسترا واخفاءا.


نحن إذن إزاء حالة من حالات التغيير التي لا نجد أية صلة بينها وبين مضامين الثورة القومية التحررية التي ينشدها العرب وطلائعهم القومية ونزعم إن التخلص من الأنظمة الدينصورية طبقا لتحليلاتنا ورؤانا لن يخطو أبعد من بوابات بيوتنا، وان طبيعة القوة الظاهرة في التصدي هي قوى معروفة في عداءها المطلق للقومية العربية وفكرها، بل إنها تكفره وتخونه وتسفهه وهذا أمر معروف ومفروغ منه. والحل في تقديراتنا هو أن تتصدر القوى القومية بقوة السلاح وبزخم مواردها البشرية الهائلة لتقود الانتفاضات العربية وتمنع استثمار ممكنات التغيير الراهنة بأية وسيلة كانت من قبل أحزاب الكهنوت الديني والطوائف المشرذمة.


تعيش أمتنا وشعبها العظيم في منعطف طرق هو الأخطر في كل تاريخها ومن أبرز مظاهر الخطورة فيه هو تداخل الألوان بين ما هو اتجاه طموح لثورة عربية تنتقل بالأمة وبلدانها إلى حال مختلف ومتقدم في كل حيثيات الحياة المتحركة في جنباته، وبين قوى مضادة للثورة داخلية تسندها قدرات مال وسلاح وتقنيات لا يمكن لأي مفكر أو متأمل أن يستهين بقوة تأثيراتها. ومن بين مظاهر خطورة المرحلة أيضا هو تداخل الشعارات وتقدم قوى سياسية تقليدية في عداءها للإيديولوجية العربية الثورية وأخرى تم تجربتها لأول مرة بعد ذبح العراق ففاحت منها روائح التقسيم والتفتيت لأوطاننا طائفيا وعرقيا في أفعال مكشوفة ومعلنة على مسرح العمليات الملتهب بكل أنواع التشرذم. إننا إزاء مرحلة تأججت فيها روح التغيير نحو الأفضل فهللنا لها وصفقت لها أضلعنا ورئاتنا وأكبادنا غير إنها شهدت أيضا تأجج الفعل المضاد لثورتنا وتطلعاتنا، ونشهد إن طلائعنا القومية لم ترتق بعد لتكون هي المتسيّدة للمشهد بكل جنباته، بل على العكس فإنها ما زالت تترنح تحت وطأة الفأس الذي أسقطه الاحتلال على رأس الأمة في العراق وتقوم أنظمة عربية معروفة بجهلها وأميتها وحلفها وحقارتها ولا أخلاقيتها بعضها كان سندا ومنطلقا لاحتلال العراق بتغذية بعض قوى الثورة المضادة وبعض القوى السياسية المتعاقدة مع أميركا.


إن ربيعنا العربي المنشود هو في ولادة شعار وتطبيق ممكنات دعم المقاومة المسلحة من قبل جماهير الأمة المنتفضة في كل مكان لان المقاومة المسلحة وأدوات إسنادها السياسية والإعلامية والمادية والبشرية هي الطريق الأوحد لتحقيق ثورة الانقلاب الجذري وثورة تغيير الذات ثورة الوحدة والتحرر والحرية وانطلاق الحياة المنتجة المرفهة .

 

 





الثلاثاء١٩ رجـــب ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / حــزيــران / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة