شبكة ذي قار
عـاجـل










 

 

العراق بين تموز ١٩٦٨ وتموز ٢٠١١

بمناسبة ذكرى ثورة ١٧ تموز المجيدة .. لماذا العراق ؟؟؟

 

 

 

عراق المطيري - خاص بالراية


إن الحديث عن ثورة السابع عشر من تموز 1968 المجيدة بعد ثلاث وأربعون عام على انبثاقها ومسيرتها المليئة بالمفاخر الانجازات العظيمة , بعيدا عن لغة الإحصاء والأرقام التي تتصاغر أمام انجاز تاريخي لعب دورا مهم في كينونة حياة العرب , أمر لا يمكن لباحث أو كاتب معاصر لها عاشها وعشقها أن يغطيها في صفحات معدودات فمسيرتها تجربة عربية خالصة انفردت بسمات وان اشتركت في قسم منها مع عدد من الثورات العربية التي زامنتها , إلا أنها انفردت في مميزات أخرى للحظة التاريخية التي انبلج فيها مع فجر ذلك اليوم فجر عربي جديد قد يحتاج إلى زمن طويل لكي يعيد انطلاقها سواءا في العراق أو في إي قطر عربي آخر , فلم تكن الثورة حدثا عابرا في حياة الأمة العربية عموما والشعب العراقي خصوصا, ولم تكن انقلابا عسكريا هدف إلى تغيير وجوه النظام الحاكم , وكذلك فإنها ما كانت رقما في سلسلة التناحر بين الأحزاب والقوى المحلية أو الإقليمية التي كانت تحاول فرض أفكارها قسرا على الجماهير . لم تكن ثورة السابع عشر من تموز إي من تلك الحالات ولا سواها بل كانت تعبير عن حاجة الأمة العربية إلى قيادة ريادية تحمل فكر رياديا يصل بها إلى مرحلة النهوض الشامل ويزيح عنها غبار قرون من الزمن طوال انحدرت بها إلى الظلام الدامس الذي فرضته قوى الامبريالية بمختلف أشكالها وصورها ابتداءا من احتلال بغداد وانهيار الدولة العباسية على يد المغول عام 1258 للميلاد إلى نكبة العرب الكبرى التي ضيعت فلسطين عام 1948 أو بالأصح ما قبلها مع اتفاقية سايكس – بيكو التي قسمت امتنا عام 1916 وما تلاه من استهتار الغرب في مشاعر أمتنا حيث وعد بلفور عام 1917 , كانت ثورة 17 تموز ردة فعل لتلك النكبات وتعبير عن حاجة الأمة لمن يقودها إلى إعادة انجاز دولة العروبة التي تستنبط كل عناصر وجودها وقوتها من الدين الإسلامي وهو رسالة الأمة الخالدة .


كانت ثورة السابع عشر من تموز المباركة ردا عمليا على توالي الانتكاسات العربية التي أرادت قوى الاحتلال والامبريالية العالمية أن تضعنا فيها كأمة , وهي جزء من حركة التحرر الشعبي العربية ولكن بأسلوب ثوري عصري جديد يضع كل المفاهيم القديمة للتحرير خلف ظهره وينطلق إلى عالم عربي متطور من الإبداع الخلاق تصطف خلفه كل الجماهير العربية التي أرهقتها سـنوات التخلف والانحطـاط , لذلك فإنها كانت متميزة في كل شيء منذ اللحظات الأولى التي بدأ التخطيط لها فانطلقت هادئة بيضاء حرصت على أن لا يتم فيها إي إطلاق للنار ولا تسيل فيها قطرة دم واحدة .


بدأت ثورة السابع عشر من تموز المباركة أولى خطواتها بفتح ذراعيها لكل الجماهير فلا سجون ولا قيود ولا تسلط ولا تفرد ولا ثأر ولا عداوات ولا عنصرية ولا فقر ولا جوع ولا ولاء بعد الله والدين إلا للوطن والعروبة.


لقد وضعت الثورة البيضاء فكر البعث في أول محك حقيقي مع الواقع ولكي تثبت أنها من رحم المعاناة الشعبية اليومية كان لابد لها أن تبيض السجون فكان أول قرار لثوار تموز إطلاق سراح كل السجناء السياسيين وفتحت أبواب المشاركة لهم في حكم العراق فكانت الجبهة الوطنية والقومية والإسلامية ومن ثم بدأت سلسلة من القرارات الإستراتيجية العملاقة بعد أن قطعت السبل أمام التدخلات الأجنبية من خلال تصفية شبكات التجسس التي كانت تدير دولة العراق من الداخل وتنخر في جسمها فشرعت قوانين كان المواطن لا يتجرأ حتى أن يحلم بها فقضت على الإقطاع وشرعت قانون الإصلاح الزراعي وأنهت مذابح شمال القطر مع أبناء العراق الأكراد وأممت نفط العراق وانتصرت في أهم معركة اقتصادية في تاريخ البشرية مع شركات النفط والاحتكارات العالمية وتزينت سماء القطر بمداخن المعامل العملاقة ولأول مرة تعلن منظمات الأمم المتحدة أن العراق خالي من الأمية وخالي من الأوبئة الفتاكة وخالي من الأمراض السارية والمعدية وسعت قيادة الحزب والثورة إلى أن يكون توزيع الثروات العراقية على كل المواطنين في الوقت الذي نضمن للأجيال اللاحقة حياة مرفهة كريمة .


لقد ارتفع دخل المواطن العراقي إلى المستويات القياسية العالمية وفق برنامج تخطيط علمي لم يستثني أي مرفق في الحياة اليومية وأصبح العراق عبارة عن ورشة عمل دءوب لم يستثني أي مفصل إطلاقا فازدهر التعليم والجيش كما ازدهرت الصناعة والتجارة والصحة والسياحة والزراعة والثقافة واقترب القطر من درجة الاكتفاء الذاتي وانقلاب الميزان التجاري من السلبي إلى الايجابي لأول مرة في تاريخ العراق .إذا كان ذلك التفوق على الصعيد المحلي الداخلي فان العراق على الصعيد القومي والعالمي كان حاضرا في المناسبات القومية ففي معارك الأمة كان العراق سباقا وستبقى مقابر شهداءنا على جبهات القتال مع الكيان الصهيوني منارات فخر وعز تشهد للعراق وقفاته البطولية ولأول مرة يرفع شعار نفط العرب سلاح في معاركنا القومية فكان سلاح لا يقل في الأهمية عن البندقية بل ربما أمضى منها جعل الغرب يعيد حساباته في مواقفه التي يكيل فيها لصالح الصهيونية كجانب و من جانب آخر راح العلماء العراقيون يثبتون وجودهم في كل أقطار الأمة العربية فاكتشفوا النفط لأول مرة في اليمن وفي السودان وغيرها غير مد يد العون والمساعدة في المواقف المحرجة والأزمات ناهيك عن المواقف السياسية التي مثلت نبض الشارع العربي إزاء الأزمات والانتكاسات القومية التي مرت بها امتنا العربية كركوع الخائن محمد أنور السادات في الكنيست الصهيوني وما تلاها من اتفاقيات في كامب ديفيد .عادت بغداد كما أرادها الرشيد قبلة ليس للعرب فحسب بل للعالم تجاوزت كل محن التاريخ الأغبر وصار العراق مركز استقطاب وموطن العرب الأحرار ومثلهم الأعلى , وهذا ما لم تكن تطيقه الحركات الامبريالية العالمية والصهيونية , فثورة بهذا المنحى ولها هكذا انجازات في بلد يمتلك هذه القدرات الهائلة وشعب له مثل هذا العمق في التاريخ يجدد حياته بحب يتطلع لمستقبل مجيد وضربت مصالح أعدائها في الصميم لابد أن تكون العدو الأول والهدف الذي لا تحيد عن إسقاطه فراحت تكيد لها الدسائس وتخطط لإجهاضها من خلال تذويب عناصر قوتها وكسر سلاحها الذي تمثل في الشعب العراقي وعمقه العربي وخيراته .


إن التآمر على ثورة السابع عشر من تموز يدفعنا إلى الرجوع قليلا إلى ما قبل انبثاقها , فحين انسحبت بريطانيا مجبرة من العراق تركت بين شعبه بذور الفتنة العرقية والطائفية التي ظلت تغذيها بين الحين والآخر لتحقق مجموعة من الغايات ولتبقي الحاجة إليها كمرجع شأنها في ذلك شأن كل البلدان التي احتلتها كما فعلت في الهند وباكستان وأفغانستان والسودان وغيرها , ولتحقيق هدفها في العراق كانت تغذي الفتنة بين الأكراد والعرب وتدفعهم إلى التمرد ولكن فطنة قيادة الثورة وحكمتها استطاعت أن تنهي كل اثر لذلك من خلال قانون الحكم الذاتي وتمثيل الأكراد في الحكم الوطني وهو منجز لم يكتسبه الأكراد إلى يومنا هذا في إي من دول المنطقة التي يتواجدون فيها بكثافة عالية كتركيا أو إيران أو سوريا وبذلك ضاعت أول فرص التآمر على الثورة ثم خسارة المعركة الاقتصادية في تأميم النفط التي كسرت ظهر الامبريالية أمام صمود الشعب العراقي فكان لابد لها أن تفتح جبهة جديدة قادها شرطيها الإيراني في المنطقة شاه إيران محمد رضا بهلوي فكانت حكمة قيادة الثورة أهلا لحلها سلميا من خلال اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي تعرض الشاه على أثرها لعقوبة أنهت حكمه لعدم انصياعه للإرادة الغربية فتم إبداله بالخميني كشاه جديد يرتدي عباءة الإسلام ليستنزف خيرات العراق من خلال حرب طاحنة استمرت لثمانية أعوام انتهت بتجرعه السم الزعاف على حد تعبيره .


لم تتوقف سلسلة تآمر الغرب عند هذا الحد بل حركوا مشايخ الخليج وخصوصا الكويت للتلاعب بأسعار النفط خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط الأوبك لضرب اقتصاد العراق الذي كان بأمس الحاجة للإعادة إعمار ما دمره عدوان الخميني من خلال تدني سعره إلى ما لا يغطي حتى كلفة الإنتاج وفشلت مع هذا الاسلوب كل محاولات الوساطة العربية لان هؤلاء لا يمتلكون أمرهم في الخروج عن أوامر الإدارة الغربية لتشابك المصالح وارتباط المصير إضافة إلى الاستفزازات الوقحة التي كان يطلقها حكام بؤرة الرذيلة والعمالة والخيانة حكام مشيخة الكويت التي دفعت بالجيش العراقي إلى تأديبهم .


كان سلوك حكام مشايخ الخليج اخطر الحلقات التآمرية على الشعب العراقي وثورة تموز , فبعد أن جعلوا ارض الخليج العربي قاعدة انطلاق للهجمات الغربية ضد العراق وساهموا فيها , منحوهم الفرصة المثالية لتحقيق ما عجزوا عن تحقيقه طيلة السنوات الماضية في جانبين مهمين هما استنزاف فعلي لكل ثروات العراق وإمكانياته المادية ومنعه من تحقيق برنامجه الإنمائي , والثاني يتمثل في أول حملة إبادة جماعية في تاريخ الإنسانية من خلال حصار ظالم شمل كل مفاصل حياة الإنسان العراقي استمر ثلاثة عشر عام لم ينتهي مع غزو تحالف الشر للقطر بل هو مستمر إلى أن يتمكن العراق من استعادة وضعة الطبيعي .


لقد أدركت الامبريالية العالمية إن منع العراق من تصدير نفطه جعل منه صاحب اكبر احتياطي نفطي في العالم وهذا سيؤول في كل الأحوال إلى تحكمه أولا وأخيرا في الاقتصاد العالمي الأمر الذي أدى إلى تدخل عسكري وغزو همجي يحقق كل الأهداف التي تفرغ القطر من كل مقومات قوته التي زرعتها فيه ثورة السابع عشر من تموز من خلال حكومة هزيلة تأتمر بأمر أكثر من جهة خارجية , فتحول قانون الحكم الذاتي إلى بذرة تدعو لانفصال شمال القطر عن جسده وبدل قانون الإصلاح الزراعي تراجعت الزراعة إلى مستويات لم يعرفها العراق أبدا وبدل قانون التعليم الإلزامي ومحو الأمية انتشرت الأمية بنسبة كبيرة جدا وانسحبت على كل الفئات العمرية , أما تأميم النفط فقد تحول بمجموعة من العقود المقرونة بالرشوة إلى انتكاسة حقيقية في اقتصاد القطر وهكذا انهارت كل مفاصل الدولة العراقية ومعروفة للجميع أحداث ما بعد 2003.


ثورة السابع عشر من تموز ثورة شعبية حقيقية منبعها الجماهير وغايتها ووسيلتها الجماهير وأعظم الانجازات التي حققتها هو بناء الإنسان العراقي البطل لذلك فهي ممتدة وقائمة ولن تنتهي لأنها شعلة وراية حملها الرعيل الأول من جيل الثورة الرائد وتتناقلها الأجيال وان تغيرت صورتها فمضمونها واحد وثابت لان منهجها عبارة عن صفحات متجددة تتولد من ضرورات المرحلة وهذا ما لم تستطع كل قوى الشر تهديمه لذلك فإننا اليوم نشهد على ارض العراق براكين يفجرها الشجعان أبطال المقاومة الباسلة تحت إقدام الغزاة وعملائهم في نفس الوقت الذي تصدح هتافات أبنائهم في ساحات التحرير بصدى ثورة تموز المباركة .نحن ندين بالولاء والوفاء للرعيل الأول لثورة السابع عشر من تموز الخالدة .


رحم الله شهداء تموز الأبرار
رحم الله شهداء العراق والعروبة
عاش العراق وعاشت امتنا العربية حرة طاهرة

 

 





الاثنين٠٣ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري - خاص بالراية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة