شبكة ذي قار
عـاجـل










أحزاب كثيرة حكمت في بلدانها تروي لنا تجارب الشعوب سيرتها وكثير منها لا تزال تجدد شبابها بنشاط وحيوية ومنها من انكفأت وذهب بريقها بعدما تعرضت بلادها إلى انتكاسة أو هزة لأسباب داخلية أو خارجية وكانت النتيجة أن تفككت تلك الأحزاب ولم يعد من وجودها إلا ذكرى كتبت لها في صفحات تاريخ بلدها سلبا أو إيجابا , وذاكرة الشعوب في كل التجارب العالمية تختزن أسماء تلك الأحزاب وقادتها أو مؤسسيها حيث أخذت بعدها المحلي وربما العالمي الواسع في انتشارها ومنها تجارب غربية وشرقية معروفة لم يكن لأحد حينها ليتوقع أن يختفي تأثيرها أبدا  لما قدمت لشعوبها , ولها معتنقيها ومناصريها ومن آمن بها إلا أنها غادرت الساحة السياسية لبلدانها لأنها لا تمتلك جذورا شعبية صميمية وحقيقية متأصلة في أعماق مريديها حتى وان كان لها دور ومشاركة بنسبة معينة في بناء الحضارة الإنسانية بقدر تعلق الأمر بنظريات نشوئها وتأسيسها وبنظرتها وتعاطيها مع شعوبها وغالبها كان ذو نظرة شوفينية عنصرية متعالية على باقي الأجناس البشرية.


لكننا نقف أمام إعجاز فريد شكلته ثورة السابع عشر من تموز عام 1968 فكانت علامة بارزة ومركز إشعاع في تاريخ الأمة العربية المعاصر لحجم الانجازات الكبيرة التي حققتها على الصعيدين الوطني والقومي ذلك لان قيادتها لم تضع في أي من اعتباراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في يوم من الأيام أنها مشروعا عراقيا بحتا فكانت ظاهرة فريدة من نوعها انطلقت منذ يومها الأول لبناء دولة العرب الواحدة من قاعدة شعبية رصينة وضعت أساساتها في العراق منذ مرحلة البعث التأسيسية الأولى مع مطلع النصف الثاني من القرن الماضي مستفيدة من إفرازات المرحلة ومعطيات واقع الساحة القومية , الأمر الذي حرك كوامن الأطماع الامبريالية الغربية في امتنا لإعادة ترتيب سيناريوهات متوالية لإعلان حرب مستمرة اتخذت لها جبهات عديدة وصفحات متواصلة يكمل بعضها البعض الآخر تشكل أن نجحت لا سامح الله في نتيجتها الأخيرة نهاية الأمة العربية وتذويب الهوية القومية لها , كان آخرها العدوان الهمجي لتحالف الشر الأمريكي الفارسي الصهيوني بمشاركة العديد ممن ترعبه العصا الأمريكية وارتبط مصيره بدولارها ومن طمع في لقمة حرام يسرقها من قوت الشعب العراقي .


إن ما لم تستطع إدراكه الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها وجوقة عملائها أن ثورة تموز لم تكن حدثا آنيا يلبي متطلبات مرحلة زمنية وحاجة لظرف معين بذاته يمكن تجاوزه إذا تحققت غاياته وهي ليست حركة سياسية ذات أهداف محددة أنتجتها قوالب لمجتمعات مختلفة أسست لإشباع مصالح قادتها أو شريحة معينة من الشعب وهي ليست استنساخ نموذج تجربة نجت في مجتمع ما أو تعبر عن تصورات مستقبلية في مجتمع نرجسي لمجموعة من المنظرين , بل هي حالة أنجبتها حاجة الأمة لثورة تقود الجماهير وانطلقت نحو تحقيق غايات مصيرية تستمد تجربتها من معانات الأمة العربية بكاملها من محيطها إلى خليجها بالاستناد إلى تاريخها المجيد فكانت باكورة لنضال الجماهير التي أرهقتها عقود مظلمة طويلة من الاحتلال المركبة وصراعات قوى عالمية , وما حققت من مكاسب وانجازات شهد بأهميتها العدو قبل الصديق ثبتت من خلالها مواقف قومية رسمت الخطوط العامة لمستقبل امتنا وتعمل بآلية فكرية لا تتوقف عند شخوص قيادتها التي خططت لها ونفذتها , الأمر الذي جعل منها نموذج لا يتكرر ولا يقف عند حد فاصل وهدفا للقوى الطامعة فينا .


ظروف ما قبل تموز 1968 وما رافقها من نشاطات العمل السلبي منحها طاقات استثنائية مكنتها من مواصلة النضال لتحقيق الثورة واستمرارها وابتكار أساليب جديدة ومتطورة في الجهاد خدمت مرحلة البناء وتواصلت مع الظروف الحالية ميزتها عن غيرها من ثورات انطلقت بعدها شاخت ثم ذبلت وخفت نورها وتلاشت عن الوجود , وذلك لان سياقات عملها الصميمية أصبحت جزء من دورة الحياة اليومية للمواطن العراقي ويمتد تأثيرها إلى المواطن العربي ويصعب بل يستحيل على كل قوى الشر أن تدفع الشعب إلى مغادرتها مهما حاولت أن تلصق بها من تهم كاذبة تشيطن تجربتها وتشوه مسيرتها الظافرة بدلالة استحضار شعبنا في العراق لكل الممارسات التي تديم زخم العمل الجهادي ومقاومة الاحتلال في كل القصبات والمدن العراقية من زاخو إلى الفاو في تلاحم يعبر عن دقة تنظيمية متناهية وهي ما هيأت الأرضية المناسبة التي كسرت حاجز الخوف لدى المواطن العربي فانطلق معبرا عن وحدة مصيره في ثوراته لتعم اغلب أقطار الوطن .


إذا كانت قوات الاحتلال قد ساهمت رغما عنها في تأجيج روح الثورة والجهاد من خلال غزوها للقطر كرد فعل طبيعي لشعب حر فان حكومتها التي نصبتها بالقوة على صدور أبناء شعبنا صارت حافز اكبر لمواصلة الثورة لما اقترفته من جرائم يندى لها جبين الإنسانية كجزء من استحقاق عمالتها للأجنبي ومن خلال النهم والشراهة التي أظهرها المشاركون فيها لسرقة قوت الشعب والاستهتار بمقدراته وإذلاله ومصادرة وحدته وارتباطه مصيريا ببعده القومي العربي .


إن الثورة التي يعيشها شعبنا الصابر اليوم هي الامتداد الطبيعي لثورة تموز 1968 وهي صفحة من صفحاتها المهمة لكنها أخذت طابع الشمولية أكثر فقد كانت تبني الإنسان والوطن وتعد خططها بعيدة المدى لهذا الغرض وقد استوعبت كل أبناء شعبنا في داخل القطر وخارجه إلا الخونة وعملاء الأجنبي ومن سقط المتاع , وإذا كانت فترة الحصار الظالم الذي استمر لثلاثة عشر عام هي أقسى ما ممكن أن يمر على شعب في تاريخ الإنسانية حرم فيها شعبنا من ابسط حقوقه في حياة حركة كريمة قد ساهمت إلى حد ما في تشويه صورة القيادة الوطنية في عقول المهزوزين فان الفترة ما بعد الغزو الهمجي قطعت كل سجال وحسمت المواقف في تكذيب تلك الادعاءات وردها لان الوقائع أثبتت زيف شعارات المعسكر المعادي للأمة وبينت أهداف العدوان الحقيقية , لذلك فان من كان قد تخلف عن ركب الثورة في الماضي هو الآن جزء منها وفاعل في عملية التحرير التي انبثقت منها أي إن عملية صد العدوان قد ساهمت في حشد الجماهير وتعبئتها للحفاظ على منجزات ثورة الشعب وصد العدوان وتحرير القطر كجزء من الأمة العربية والإعداد لفترة البناء المقبل وما بعد التحرير إن شاء الله , بمعنى إن سلسلة الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية ومن تحالف معها ومن خلفهم حكومة الاحتلال الرخيصة قد فشلت في تجفيف منابع الفكري التحرري العراقي والعربي القومي الذي أسست له الثورة بدلالة صمود المقاومة طيلة الفترة الماضية وانسحاب تأثير هذا الصمود إلى باقي الأقطار العربية بالاعتماد على الإمكانيات المحلية , وما نتج عنه من الانهيارات التي حصلت في كل عملية الاحتلال ومردوداتها العكسية التي أدت إلى أزمات سياسية واقتصادية وخسارات متلاحقة في دول العدوان أدت في نتيجتها مجتمعة إلى انسحاب القوات المعتدية النهائي بعد أن عزلت نفسها في جحور محصنة خارج المدن العراقية وها هي تواجه رفضا قاطعا لوجودها على الأرض العراقية بأي شكل كان وحتى عملائها الذين يحتمون بها لا يمتلكون الجرأة في الإفصاح عن رغبتهم في تمديد اتفاقية العار فراحوا يتقاذفون التهم بينهم بالرغبة في إيجاد صيغة جديدة تساعدهم في التمسك بذيول المحتل .


Iraq_almutery@yahoo.com

alqadsiten@yahoo.com

 

 





الثلاثاء١٨ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٩ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة