شبكة ذي قار
عـاجـل










يحاول البعض ترويج ثقافة العداء أو التقاطع بين الفكر الإسلامي والفكر القومي وكأنهما نقيضين في اتجاهين مختلفين لا يلتقيان أبدا وقد يتصور البعض من أنصار التيار القومي الوحدوي خصوصا كبار السن منهم أو من لم ينهل بما يكفي من الفكر أن تيارهم أصيب بنكوص وانكفاء لصالح الفكر الإسلامي وان فكرهم قد تراجع سنوات إلى الوراء أو لربما إلى مربع الصفر خصوصا بعد الغزو الأمريكي الهمجي للعراق ولهم في ذلك تبريراتهم التي تدفع بهم إلى قبول هذا التصور أو إلى الإقرار به كنتيجة حتمية مما أصابهم بشيء من خيبة أمل , فبعد أن امتنعت دول الإقليم غير العربية عن الموافقة على أن تكون أراضيهم ممر لدخول قوات الغزو والتعاون معها في العلن انفتحت في الجانب الآخر دول عربية وجعلت من أراضيها مراكز انطلاق أو ممرات وجندت مواردها المالية لدعم قوات العدوان وقسم منها معروف راح يجاهر إلى هذه اللحظة بكل صلف ووقاحة بما يساهم به في تغطية نفقات قوات الغزو التي كانت تهدف إلى تحطيم قدرات العراق وتهميشه وتفتيته وهو القطر العربي الذي عرف بدوره القومي البطولي في كل المهمات القومية بينما كان ينظر لها أن توظف إمكانياتها لخدمة القومية العربية وقضاياها المصيرية على الأقل لدور العراق ومواقفه في حماية وجودها كدول في اقل تقدير .


حقيقة الأمر تختلف كثيرا عن هذا التحليل إذا كان فهمنا للفكرين , القومي والإسلامي فهما صحيحا لأنهما يستمدان القوة من بعضهما فلو رجعنا إلى عصر ما قبل صدر الإسلام حيث كان العرب كأمة تنتشر على امتداد وطنها الواضح المعالم يخضعون لحكم القبيلة كدولة جاء الإسلام ليصهرهم ويوحدهم في دولته الكبيرة الواحدة رغم إن القبيلة حافظت على سماتها وخصوصيتها وكينونتها واستمر هذا الحال قائما حتى بعد أن انتشر الإسلام ودخل إلى باقي القوميات وبغض النظر عن طريقة اعتناقها له سلما أو فتحا بحد السيف فإنها ظلت تحافظ على خصوصيتها القومية وهذبها الإسلام بقدر تعلق الأمر بأداء العبادات وتنظيم العلاقات وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم عن الضعيف والانتصاف له من الظالم حتى انتكست بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية على يد المغول عام 1258 وتوالي الاحتلالات إلى إن انطلقت ثورة العرب الكبرى عام 1916 حيث كانت أولى الثورات العربية المعاصرة التي حملت طابع التحرر القومي بروح إسلامية فكرا ومضمونا وجهدا وهذا لا يعني البتة إن الفترة بين الاحتلال المغولي الأول والثورة الكبرى كانت أمتنا في سبات , فقد قامت دولة اليعاربة في عمان سنة 1624وتمكنت من تحرير الخليج العربي والبصرة والجزيرة العربية من النفوذ البرتغالي وطاردتهم في الهند وسواحل شرق أفريقيا وانهوا آخر وجود لهم سنة 1695 ثم محاولات حاكم مصر محمد علي باشا وابنه إبراهيم الذي تمكن من نشر نفوذه في اغلب المشرق العربي بعد تحريره من النفوذ العثماني وعينه تتجه إلى الأقطار المغاربية لبناء دولة عربية حديثة ( 1805 – 1848 ) لولا غدر التحالف العثماني الغربي .


مع بداية القرن العشرين بدأ المد القومي يتصاعد بشكل ملحوظ ويتجه إلى إبراز معالم هويته الواضحة في كل البلاد العربية مستمدا قوته من الإسلام كأحد أهم الأواصر القوية في التوحد , وبدأ العرب يتطلعون إلى إنشاء دولتهم القومية التي تمتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي إلا إن الاحتلال الغربي وللطيبة وحسن الظن بالآخرين التي يتمتع بها العرب استغل الإسلام ليجعل منه عامل يستعين به لتفريق الأمة والسيطرة عليها من خلال تقوية وتعزيز تفتيت الإسلام إلى مذاهب وطوائف متناحرة إضافة إلى انه جعل من نفسه حجر عثرة وباب موصد في وجه إي خطوة باتجاه الوحدة العربية على العكس من الاحتلال العثماني الذي سبقه حيث كان يستغل الإسلام عامل جذب وشد لتقوية سلطته عند العرب من جهة والاستنصار بهم ضد الفكر ألصفوي الفارسي الذي انحرف بنهج آل بيت الرسول عليهم السلام والطامح إلى بسط نفوذه على سهل العراق في الوسط والجنوب مستفيدا من وجود العتبات المقدسة وتحت شعار المظلومية .


إن المخاضات الصعبة الكثيرة التي مرت بها امتنا العربية وهي تحاول الانعتاق من حالة الخضوع لسيطرة الأجنبي والاستقلال طورت ونضجت الفكر القومي العربي فكانت باكورة إبداعه ونواته التي كان يعتزم الانطلاق منها نحو دولة العرب القومية الواحدة , مثلتها الوحدة المصرية السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة , وهذه التجربة الرائعة على ما علق بها من شوائب وسلبيات كانت تستمد قوتها في جذورها على الإسلام في كلا القطرين المنصهرين فيها ورغم عمرها القصير إلا إن دراستها وتحليل خطواتها أتاحت لطرفي الصراع " الفكر القومي التحرري من جهة والفكر المعادي له – الفكر الغربي الذي يسيطر على القرار السياسي الرسمي العربي والعالمي " أن يمتلكا رؤى جديدة ويطورا أسلحتهما وهيئا أرضيات مناسبة كمثابات انطلاق جديدة في معركة ما بعد تجربة الوحدة المصرية السورية .


الغرب أيقن إن الدولة العربية الواحدة حتمية ومطلب جماهيري قائم لا محال فراح يعزز من قوة قبضته على النظام الرسمي العربي ليقاتل الجماهير العربية بالنيابة عنه وراح يمد هذا النظام بعناصر القوة التي تمكنه من كبح جماح إي تحرك شعبي بالاتجاه القومي ويثير العداء بين الإخوة وله باع طويل نعرفه جميعا في تسويف وتمييع الخطوات الوحدوية , كجامعة الدول العربية ومجلس تعاون دول الخليج العربي ومؤتمرات القمة العربية ومؤتمرات البرلمانات العربية حتى صار شعار القمم منهم اتفقنا على أن لا نتفق وصارت قرارات القمة لا تصدر إلا بعد أن توافق عليها أجهزة المخابرات الغربية وتباركها بينما في الجانب الآخر نجحت الجماهير العربية في الالتفاف حول الأحزاب القومية الشعبية واستطاعت أن تنجز خطوات جبارة أهمها قيام ثورة السابع عشر من تموز 1968 المباركة في العراق بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي كحاضنة للفكر القومي ورواده , ووحدة شطري اليمن , وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة في الخليج العربي .


إن امتلاك الغرب لعناصر القوة سهل عملية تقاسم الأمة العربية بينها كغنائم حرب نتيجة خسارة الدولة العثمانية حربها فكانت امتداد للحروب الصليبية لأنها استمرت في نفس الأهداف ولكنها بطريقة جديدة توقفت عند حدود الوطن العربي فقط حيث منحت الدول الأوربية ( دول البلقان ) التي كانت تحت النفوذ العثماني استقلالها وكذلك تركيا وإيران ( طبعا استمرت السيطرة الغربية على أواسط آسيا وشرقها لأسباب مختلفة وبعيدة جدا تتعلق بعملية الصراع الجديد في تلك الفترة والذي نشأ بين المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي ) , تقاسم النفوذ الغربي على الأمة العربية أدى إلى أن ينهض كل قطر بمسئولية ثورته التحررية بإمكانياته الذاتية مع مساعدة محدودة ممن سبقه في الاستقلال وتباعد مواعيدها ولكنها لم تفترق ولا زالت في مضامينها .


لقد لعبت الدول الغربية دورا مهما في إثارة النعرات الطائفية في امتنا فساعدت على تشكيل الأحزاب والتكتلات التي تتمظهر بالإسلام وهي معروفة للجميع وعملت على دعمها بكل وسائل القوة والاستمرار وطرحتها إلى الشارع العربي كبديل عن الفكر القومي وقد نجحت إلى حد كبير في خلق انهيارات حادة في بنية الأمة العربية في نفس الوقت الذي كانت ترسل حملات التنصير التي تنال من ذات الدين الإسلامي من خلال ممارسات شاذة وخرافات متطرفة لبعض طوائف المسلمين .


إذا قلنا إن غزو العراق واحتلاله ومحاولات تدمير الفكر القومي الذي نمى وترعرع فيه مع مطلع القرن الماضي وتعزز ليبلغ ذروته أثناء فترة الحكم الوطني ليكون منارته الأعلى بين الأقطار العربية فان ذلك مبني على وقائع أثبتتها خمسة وثلاثون عام عجزت الامبريالية العالمية من إيقاف عجلة التقدم فيها فلم تجد بديلا إلا الغزو والاحتلال العسكري المباشر وها نحن اليوم نرى أن الولايات المتحدة بالتحالف مع الكيان الصهيوني والفكر ألصفوي يقدمون ملفاتهم التي تؤكد كلامنا تباعا , منها ما هو سري يمارس في الخفاء بعيدا عن الأنظار ومنها ما هو معلن بكل وقاحة كمشروع بايدن ودستور حكومة الاحتلال ومشاريع تقسيم العراق وهي بداية لا سامح الله إن نجحت فلن تبقي على الخارطة السياسية العربية التي نراها اليوم وقد رأينا واقعا تقسيم السودان ومحاولات الأصوات النشاز التي تدعو إلى الانفصال في اليمن .


ستبقى العروبة دم ينبض في عروق كل غيور مع بقاء الإسلام الذي وعدنا الله جل في علاه بحفظه فهما جناحان لطائر واحد وكل محاولات الغرب الصليبي لن يكون مصيرها إلا مزابل الإنسانية والتاريخ .



Iraq_almutery@yahoo.com

alqadsiten@yahoo.com

 

 





الخميس٢٠ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عراق المطيري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة