شبكة ذي قار
عـاجـل










تكمن أهمية تعزيز منظومة القيم والأخلاق في بناء المجتمع وأهمية شراكة المؤسسات والأحزاب ودورها التكاملي في استثماره وتعزيزه كإستراتيجية مجتمعية تعمل على تهذيب طباع البشر وترتقي بسلوكهم الذي يهدف للبناء والتقويم فالإنسان هو أساس كل شيء مما يستوجب ان يولى الاهتمام والعناية ومنذ نشأته الأولى بتلقينه القيم والمثل والأخلاق الكريمة وحب العمل والتفاني فيه وحب الغير والإيثار على نفسه وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والتي ستشكل بالنهاية مجموعة من القيم والمثل الأخلاقية الحميدة التي ستنعكس إيجابا على سلوكياته وتصرفاته في المجتمع.

 

الأخلاق من أهم القيم المعنوية ومن أهم الأسس الحضارية لذلك أكد عليها الإسلام الحنيف وكذلك منظومة القيم الإنسانية والعادات والأعراف الاجتماعية لما لها من تأثير خاص في سجية وطبيعة الإنسان السوي حتى في زمن الجاهلية الأولى كان العرب فيها يمتدحون مكارم الأخلاق ومن الطبيعي ان يفخر الإنسان بدماثة الأخلاق وحسن السلوك والتصرف والمعاني العالية ومن الغريب ان يحصل العكس وهو ما يمكن تسميته بالتفاخر المذموم الذي يمقته كل ذو عقل مدرك واعي، فالفخر المذموم هو آفة من الآفات القاتلة لصاحبها وهو من الصفات السيئة المنبوذة وحقيقة الأخلاق تكمن في داخل النفس والسلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك ونتيجة له ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه الأخلاق.

 

ما دفعني للتطرق لهذا الموضوع هو ما يحصل في بلدي العراق خلال فترة الاحتلال حين أنغمس المجتمع في أتون أجندات أحزاب تحمل صفات دخيلة على قيمنا المجتمعية ولا تمت بفكرها للأخلاق بل وتنعدم فيها هذه الرؤية باعتبارها قوى تتعاون مع المحتل الغاصب ومع دول حاقدة تعمل على غرس الظواهر السيئة التي تتعارض وروح المواطنة، فغياب القيم المجتمعية يقود بالنتيجة إلى فشل مجهودات الانتقال نحو مجتمع التنمية والديمقراطية ويقود إلى يأس المواطن وعزوفه عن التفاعل والمشاركة وبالتالي يقود إلى فقدان روح المواطنة والعمل على تجسيد ذلك عبر المؤسسات المشبوهة وعبر برامج موجهة من خلال الاستثمار السيئ للوسائل الحديثة التي تواكب العصر والاستثناء حاصل ولو بقدر معين..

 

من خلال نظرة منصفة وبتجرد يتضح ان البعث من خلال تاريخه الطويل عمل بشكل ممنهج للوصول لبلورة منظومة قيم أخلاقية وعمل على ترسيخها وتخليقها من خلال ردم أي فجوة بين الأخلاق والعمل السياسي لكون التباعد بينهما (الأخلاق والسياسة) هو أساس ومصدر العراقيل التي تنعكس على جميع الأصعدة وهذه الرؤية تبلورت عبر الإيمان من ان ذلك سيقود بالنتيجة إلى انتقال منظومة القيم الأخلاقية للمجتمع بما يجعله يستحق مكانة متميزة بين الأمم وبالتأكيد ان هذا الهدف لا يأتي من فراغ فالبعث يرى ان الإنسان هو غايته والمواطن عزيز مادامت دولته وحكومته تعزه وتحترمه وتحفظ كرامته وتكون حريصة على صيانة حريته، وقطعا سيواجه البعث الكثير من الصعوبات في مجتمعات عملت فيها الأحزاب الطائفية بكل قواها وبوسائلها غير المشروعة من أجل إبعاد المواطن عن محيطه بحيث لا يستطيع تفهم طبيعة التحديات رغم ان شعبا كشعب العراق يتشبع بالوطنية وتاريخه البعيد والقريب يشهدان له، فعلى البعث النابع من صميم الشعب والمنطلق من رؤى وأفكار وإرهاصات وطنية أن يعمل من أجل إعادة ثقة الشعب بنفسه وعليه تقع مسؤولية تاريخية للعمل على إعادة منظومة القيم الأخلاقية التي شوهتها الأحزاب الطائفية وتنقيتها من أجل تسهيل الانتقال إلى المجتمع المثالي المنشود لكونه ليس حزبا سياسيا يريد الوصول للسلطة بل هو مشروع نهضوي يتجاوز الأهداف الضيقة وينطلق إلى حيث الأهداف الكبرى وعمله يتميز بكونه عمل مدروس ومبرمج ومحدد السمات والمعطيات وواضح الهدف ويمتلك رؤية نقدية وتقويمية، فسنوات الاحتلال وما خلفته لم ترتكزعلى أسس وتوجهات وطنية وإنما على العكس أسست لتشييد دولة الفوضى التي لا تنسجم وروح العصر التي تقوم على أساس حرية المواطن مدنيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا فحين لا يتلاحم الحاكم او السياسي مع ما يريده الشعب ومنها على سبيل المثال السكوت والخنوع على التجاوزات الحاصلة على سيادة البلد وحين لا يقف أمام أي تجاوز حاصل تجاهه كفرد أو كمجتمع فهذا يقود بالنتيجة إلى انه دخيل على منظومة قيم المجتمع ومنها المجتمع العراقي ويكون الحاكم في واد والشعب في واد أخر وبالتالي يكون عضوا غريبا في جسم سليم فالسيادة بالنسبة لشعب العراق تكتسب أهمية كبرى لذا فالعودة للتعريف بروح المواطنة وتنامي الوعي يستلزم الاستمرارية في مهمة التثقيف ومنها  التثقيف الذاتي وهو أمر هام وضروري وفق وسائل الإقناع وتوسيع فضاء حرية الرأي من خلال الحوار مع القوى والأفراد بمختلف اتجاهاتها السياسية لشرح وجهة نظر الحزب فقيم الحياة العامة لا تبتعد كثيرا عن القيم الحزبية والمصداقية يجب ان تكون صفة متلازمة لها تؤثر وتتأثر فيها، وأي ممارسة خاطئة تنعكس سلبا على نظرة المواطن للحزب وبالمقابل أي سلوك إيجابي من قبل الحزب ينعكس إيجاباً على صورته في أذهان الجماهير والبعثي الفرد يجب ان يكون الأنموذج والقدوة والمثل لأنه صورة معبرة ومرآة عاكسة للمنظومة ككل وما يؤديه البعثي من دور إيجابي في الحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية يحتاج مزيداً من المراجعة والتطوير والارتقاء والتركيز على العدالة الاجتماعية التي تعتبر ركنا مهما من أركان المجتمع العصري.

 

نستخلص من كل ما تقدم ان على البعث تقع مسؤولية بلورة الأفكار كضرورة وطنية وايجابية من أجل بناء الإنسان وهو الغاية بل وأهم غاية بعد أن فعلت الأحزاب الطائفية بخبث فعلها بعيداً عن القيم الفكرية والسلوك الإيجابي محاولة الوصول إلى ما تريد تحقيقه بعقلها الباطن والظاهر فجعلت فلسفتها الحزبية ومنظومتها الأخلاقية بشكل لا يتساوق وخصوصية شعب وطني كشعب العراق، وعملنا يجب ان ينصب من أجل انتشاله وعدم تركه يتخبط في دهاليز الأحزاب التي تنشد مصالح ذاتية ضيقة تساهم بشكل كبير في ضعف العلاقة المجتمعية بل وتمهد لفتح الأبواب لكل أنواع الانحرافات واللامبالاة التي تؤثر بشكل مباشر على الثقة بين الشعب وارتباطه الوطني وحين يتحرك البعث بفكره وفعله سيكون طوق النجاة وسيعيد روح المواطنة التي تعتبر واجب وطني ليعود شعبنا أعز وأقوى مما كان تطوراً وارتقاءً..

 

msm_ata@yahoo.com

 

 





الخميس٢٠ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب منهـل سلطـان كـريـم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة