شبكة ذي قار
عـاجـل










19-إن التغيرات التي تحدث في الوطن العربي اليوم يُشَبهها البعض بالتغيرات التي حدثت بعد مرحلة تفكك الاتحاد السوفيتي,ولكن الحقيقة إن الذي حدث في الدول الاوروبية الشرقية كان مخططاً له مسبقاً وأيظاً بتاثير مجاورة الدول الاوروبية الغربية لدول الاتحاد السوفيتي الاوروبية الشرقية منها,وكل ما أُطلق عليه من ثورات برتقالية أوبيضاء أو غير ذلك إنما في حقيقته هو جزء من ستراتيجية غربية لتغير شكل أوروبا السياسي والاقتصادي والنتيجة لينعكس على الغرب عموماً في فرض سيطرته وبكل الاتجاهات على العالم, لان كل الباحثين في الاقتصاد الرأسمالي كانوا يتوقعون تعرض الغرب لنكسات وخاصة في المجال الاقتصادي المالي والاستثماري وبسبب  كساد في مصانع الاسلحة التقليدية والغير التقليدية في حالة بقاء الوضع الدولي (اللاسلم واللاحرب )القائم في ظل الحرب الباردة أنذاك, و كذلك في مجال الطاقة أيظاً لان المخزون الغربي من النفط يكاد ينتهي وأن الامدادات بالطاقة من المنطقة العربية اصبحت في ظل الاوضاع أنذاك غيرسهلة وخاصة بعد الحضر العربي النفطي على الغرب بسبب مواقفه اللاعادلة من القضية الفلسطينية و بالذات في حرب تشرين 1973.فالذي كان يعيق إندفاع الدول الاستعمارية الى المنطقة العربية وبسط سيطرتها الكاملة هو وجود أنظمة ثورية في الشرق الاوسط, فالنظامين الثوريين للبعث في العراق وسوريا ونظام عبد الناصركانوا يشكلون مشكلة كبيرة أمام الاطماع الامبريالية وللانظمة الرجعية والعميلة العربية وفي نفس الوقت كانت هذه الانظمة الثورية تعيق تدخل الدول الاستعمارية في المنطقة ومن ثم التحكم بالعالم عن طريق سيطرتها على النفط العربي,وكان الاتحاد السوفيتي الدولة الصديقة للعرب عموماً يقف الموقف الداعم لهذه الدول العربية الثورية إنطلاقاً من الحرص على إبقاء التوازن الدولي في هذه المنطقة وأيظاً إنطلاقاً من مبادئه في دعم الدول التي تقارع الاستعمارو مرتكزاته , ولم تكن خطة أضعاف هذه الدول العربية غائبة ولو للحظة عن الستراتيجية الامبريالية الصهيونية,وحتى القيام بشن الحرب عليها وأسقاط إنظمتها بالقوة والاتيان بأنظمة تابعة لها كان ضمن ستراتيجيات الغرب الاستعماري, وقد أتبعت الامبريالية الصهيونية كل ما من شانه لتحقيق أهدافها في المنطقة,فحرب 1967 هي حرب تقع ضمن السوق الامبريالي لاسقاط هذه الانظمة الثورية,وكل المتغيرات التي حدثت بعد حرب 1967 في القطر المصري بدءاً من شن العدو الصهيوني الحرب بالنيابة عن الدول الاستعمارية على مصرلغرض تنضيج ظروف أسقاط نظامها الثوري المتمثل بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر,والذي لم يتحقق وجعلهم ينتقلون  الى للمرحلة الاخرى وهي اضعاف نظام عبد الناصر ولكن وقوف الاتحاد السوفيتي الى جانب العرب جعل موضوع هذا التغيريتأخر,ولكن جاءت ظروف وفاة عبد الناصر لتتمكن الامبريالية من توجيه الضربة القوية من الداخل المصري بعد تاجيج الوضع في مصر ودفع بعض القوى السياسية المصرية وإستخدامها لبعض العناصر من داخل النظام لتحقيق الهدف الامبريالي الصهيوني, وكان لهاذلك,وأما العراق فقد تعامل المعسكر الامبريالي معه وبنفس الفلسفة ولكن بطرق وادوات وتوقيتات مختلفة,فعراق الثورة كان قوي ويتنامى ويشع بمبادئ ثورته في المنطقة والعالم,وتم تحريك نظام خميني لاضعاف العراق ضمن سياسية معلنة أُطلق عليها بسياسة الاحتواء فأعلن الحرب على العراق والذي أستمرت ثمان سنوات وخرج العراق منها منتصراً, ومن ثم قاموا بتحريك ادواتهم من الداخل وبمساهمة النظام الايراني ايظاً مستغلين ظروف الحرب الكونية التي شنتهاهذه القوى على العراق في عام  1991 على خلفية أحداث الكويت ولم يحقوا ما كانوا ينتظرونه ولم تقف هذه المؤمرات بل عملوا ومن خلال مجلسهم الامن الدولي على محاصرة العراق. و جاء نجاحهم في تفكيك المنظومة الاشتراكية عامل قوي للانفراد بالعراق فكان غزوهم له ومن ثم إحتلاله وبكل تحدي للمجتمع الدولي لدرايتهم بعدم وجود قوة تقف أمام عدوانيتهم وبالرغم من عدم حصولهم على تفويض دولي أيظاً,,فقاموا بإحتلال العراق وأيظاً بمساهمة فعالة من نظام الملالي في طهران وتحريك بعض عملائهم في الخارج والداخل ولم تبقى أمامهم إلا سوريا البطلة ,فكانت البدايات في تونس ومصر واليمن وليبيا وليضعوا سوريا في هذا السياق وقد ظنوا خائبين بأن حشر سوريا في هذا الوقت سيكون مناسباً لاخفاء حقيقة ستراتيجتهم تجاه الانظمة الثورية في وطننا العربي وكان تقديرهم بأن التخطيط سيمر على الجماهير العربية وفي هذا فشلوا وذلك لان الوضع في سوريا غير هو ما عليه في مصر أو تونس أوحتى ليبيا واليمن,إنها مؤامرة كبيرة على العرب الاشراف ..
أما الذي يحدث في الوطن العربي من إنتفاضات فهو بسبب نضوج الوعي الثوري للجماهير العربية والتي ساهم في نشوئه و نموه حركات ثورية قومية وإشتراكية وماركسية وفي مقدمتها البعث,ويقول المفكر العربي الكبير الاستاذ ميشيل عفلق حول نظرة البعث  في نضوج ثورة الاجيال الشابة:( فالبعث يرى في معاناة الاجيال الجديدة، وفي قلقها، دليلا على اعتمال الثورة في نفوس الشباب العربي، وحاجة هذه الثورة الى التحقق، جنباً الى جنب مع نضال الجماهير ومن خلال الحرية والمسؤولية، كشرطين أساسيين، لجعل هذه الثورية عميقة وجدّية، وعامل تجديد دائم لأعمال الثورة العربية، وبخاصة في الاقطار التي اصبحت انظمتها عقبة في وجه دور الشباب، وتطلعاتهم وطموحهم، واصبح واقعها تشويه لدوافعهم المثالية، وإجهاض للدور القومي المُتميز لتلك الاقطار)*,بل ذهب القائد المؤسس للبعث الى أكثر من ذلك في نظرته المسقبلية لدور الجماهير العربية وأكد على أن دوراً قوياً سيكون للجماهير العربية في أقطار المغرب العربي لتحاكي دور الجماهر العربية في المشرق العربي في الثورة العربية فيقول:( فالأمة باتت ُتعوّل على دور الجماهير العربية، التي ما تزال طاقة احتياطية لم ُتستغل بعد.

 

وعلى مجيء المغرب العربي بقوة أكبر حاملا معه، اصالة تونس، وتطلع المغرب، وثورة الجزائر، التي كان لها ولا يزال، رصيدها النضالي الكبير في المشرق العربي، يشجع دوما على التفاؤل بدور متصاعد لها مع الاقطار ا لمغربية الاخرى، في المعركة القومية. اي في تعزيز الروح القتالية المتجهة نحو فلسطين، لمواجهة التحديات المصيرية. وكذلك في العمل الوحدوي الذي يشكل ضمانة التحرير.)**وبالفعل كانت البديات في القطر التونسي ومن ثم المصري وهي مستمرة لتعم كل كل أقطارالمغرب العربي,لتلتقي الثورة العربية في الجناح الغربي للوطن العربي بالثورة العربية في جناحها الشرقي والمتمثلة بالمقاومة العراقية لكل أنواع الاحتلال والاضطهاد,إن هذا النضوج الثوري كان بسبب فعل الثقافة الثورية التي بدئها البعث قبل اكثر من سبعة عقود من الزمن.المهم أن الثورة العربية تأخذ بالتصاعد نحو تحقيق أهدافها.  ولكن الخطر يكمن في محاولة الدول الامبرياليةسرقت هذه الانتفاضات ومن ثم تغير أهدافها لكي تجيرها لصالح عملائها ومن ثم الظهور بمظهر المؤيد للثورات العربية لضمان أطماعها في المنطقة ولتحسن سمعتها أمام الجماهير العربية والعالم الاسلامي وخاصة بعد غزو العراق و أفغانستان,وأيظاً تستطيع من خلال ذلك التستر على الانظمة التابعة لها في المنطقة والتي سوف لا يخلصها من غضبة الجماهير اية تريقعات أو مغريات .وتاييد الدول الاستعمارية للانتفاضات أو الثورات العربية ليس بغريب  على سياستها الانتهازية وهي تدين بالبراجماتية ولكنها وقبل ليس بأكثر من ثلاثة عقود كانت ـتأخذ على المعسكر الاشتراكي و بالتحديد الاتحاد السوفيتي تأيده ومساندته لثورات الشعوب ضدها وضد الانظمة التابعة لها وكان المعسكر الامبريالي يعتبر ذلك في حينه جزء من تهديد السلام والامن الدولين,فكيف يمكن الاطمئنان للامبريالية من هذا التغير بالموقف إذا ما حسبنا ذلك بأن الأمبريالية لاتبني مواقفها على مبأدئ أوقيم بل على مصالح فقط!فالامر يقرأ إن هذا التغير في المواقف مبني على أجندة خاصة بها,إنها إشارة لم يعول على الدول الاستعمارية في ثورته..


أي أن الانتفاضات العربية لم يكن مخطط لها بل تفاجئ به العالم بموقف الجماهير العربية لذلك كان الموقف الغربي على وجه الخصوص يتذبذب بين التايد في وقت وبين دعوات التهدئة وخاصة في إنتفاضتي تونس ومصر,ولكن لما تطورت الاحداث بإتجاهات لم يعد يسيطر عليها احد سواء ثوار الانتفاضة بدءت المواقف تتضح أكثر,فالدول الامبريالية كانت قلقة على حلفائها الاساسين والذين سارعوا لاجراء عمليات علاجية تقترب من تسكين الاوضاع التي تغلي في دولهم ولكنها لا يمكن ان تستمر في حقن التكسين وخاصة بعد أحداث غزو العراق الذي كشف تامراً واضحاً في إحتلاله.فالوضع العربي اليوم كله يغلي وهذا الغليان سيفجر الاوضاع في البلدان الاستبدادية و والقمعية,لذلك كان تدخل مشبوهاً للامبريالية في هذه الاحداث من خلال تاييدها للانتفاضات لكي تحاول أولاً إحتواء اي توجهات ثورية للانتفاضات وجعلها ضمن سيطرتها وثانياً تشجيع كل اعمال الفوضى في الانفاضات لكي توصل رسالة لأي محاولة للانتفاضة أو الثورة قد تستعد الجماهير العربية في الاقطار التي تحتفظ بعلاقات قوية مع المعسكر الامبريالي أي بشكل أدق العمل على إفشال نتائج أية إنتفاضة لكي تكون بمثابة درس للاخرين ..ييده و مساندأيأأاااولكي نعود الى ما جرى في دول الاتحاد السوفيتي وما يجري اليوم في وطننا العربي ولكي نفرز حقيقة الثورة عن ما جرى ويجري من تخطيط مسبق من قبل الامبريالية العالمية ولكي لا تختلط الاوراق بين ماهو ثورة و ماهو جزء من أجندة يراد لها أن تتحقق ولكي تكون الصورة واضحة ,نقول الثورة لا يصنعها الاعلام ولاالكتابات وما تنضح به عقول أو كتابات ولا الفضائيات ولا الوسائل الاتصالات الحديثة كالانترنيت وصفحات الفيس بوك,بالرغم من أهميتهاوضرورة التعامل معها وبها. ولكن الثورات الحقيقية تبدأ أولاً من حاجة الجماهير للتغيرومن ثم تختار الثورة أدواتها الحقيقة للتغير ولا يمكن أن تكون أية محاولة للتغير هي ثورة مالم يسبق الفعل الثوري وجود ثقافة للثورة والذي أُريد ان أقوله في ثقافة الثورة أن التغيريجب أن يكون مبني على ستراتيجية واضحة الطريق قد هُيئت لها شعارات تتناسب مع ستراتيجيتها ومن ثم يحدد طريقها وقد تم فرزت للثورة أدواتها(نوعية الجماهير) والتي هي جماهيرالثورة ذات المصلحة الحقيقية في الثورة وتم توعيتها بأسباب الثورة وأهدافها وطبيعة الطريق الذي أختارته الثورة,ومن ثم يتم أُختيار منها طليعة قائدةللثورة مؤمنة بألجماهير وأهدافها,وأن التغير أو الثورة لايجب أن يصاحبه فلتان أمني وفقدان هيبة الدولة(مهما كانت مؤسسات الدولة تمثل ألانظمة السابقة وخاصة الامنية والعسكرية) وهاتين المؤسستين يمكن تنظيفها من العناصر المشبوهة بإتباع سياسة الاستبدال التدريجي حفاظاً أولاً على إستمرارية الثورة وسمعتهاً لان الفوضى الامنية يعني أفشال للثورة,لذا لاتبدء الثورة الحقيقية إلا من حالة الاستقرار الامني الذي يتكشف للثورة وقيادتها واقع الحال وتستطيع فرز أعداء الثورة , وثانياً إستثمار هاتين المؤسستين لحماية الثورة ومكتسباتها, أي أن تبدأ  الثورة من الحاجة ومن ثم يتحدد طريق الثورة..لايمكن أن أن تكون مسببات الثورات هذه الادوات الاتصالات الحديثة وخاصة إذا ما افتقرت لمبادئ وقيم في تعاملها مع الحقيقة أي عدم التزامها بشرف المهنة الاعلامية او الصحافة أو أحترام للكلمة المكتوبة, ولكن لا يعني إستخدام هذه الوسائل الحديثة من قبل الدوائر و المؤسسات المشبوهة والطامعة سبباً لتحريمها على الثوار الحقيقين,ولكنها في نفس الوقت لا تعطي أبداً موشراً حقيقياً وصادقاً على هنالك ثورة,وبالتحديد لا يمكن لاي كاتب أو محلل ومتابع سياسي مستقل و حر! أن يحكم على ما تتناقله اليوم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة ووسائل الاتصالات الحديثة في وطننا العربي ويجزم بأنها ثورات ويكون قد بنى رأيه على هذه الادوات,ولكن العقلاء من هذه التصنيفات الادبية والسياسية والاعلامية أما أن يقولوا أن ما ينقل هو تشويه متعمد لمفهوم الثورة وهو في نفس الوقت إساءة متعمدة لكل حالة ثورية أًو تحمل جانباً أخر مهماً هوخلق شعور لدى الرأي العام العربي بشكل خاص بان الثورات شكل من اشكال الفوضى والاضطراب وفقدان الامن وهو ليس نتاج جماهيري نقي بل ممزوج برأي مؤسساتي سواء إعلامي أوسياسي للاساءة للثورات التي قد تكون مرشحة للتحقق في المستقبل العربي القريب ضد أنظمة تعسفية رجعية مستترة اليوم بمختلف السترات.وهنالك حقيقة لابد من الوقوف عندها إن أي حالة رفض او إنتفاضة لاتمتد تحت سقف وطني فقط لاي يمكن أن تكون حالة رفضية أو ثورية,بمعنى أن تمتد شعاراتها لكل المجتمع الوطني,وأن إنتفاضة تمثل مكونا محدد سواء كان سياسياً أو قومياً أو دينياً اوطائفياً لايمكن أن يطلق عليه ثورة,الثورة تكون شاملة في أهدافها وأدواتها ويشارك فيها الاكثرية التي تكون أيظاً ملزمة في نفس الوقت بتمثيل أهدافاً وطموحات الاقليات أيظاً ..


* كلمة في السابع من نيسان عام 1980  لمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.
** نفســـــــــــــــــس المصــــــــــــدر

 

 





الجمعة٢٨ شعبان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٩ / تمـــوز / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سمير الجزراوي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة