شبكة ذي قار
عـاجـل










يرى العالم السياسي مارك دافيلد ان أثر التدخل العسكري الغربي في العراق كان في الواقع لاجتثاث التمدن والتحديث في تلك البلاد. وهذه مفارقة عجيبة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان الحملات العسكرية ضد العراق وافغانستان كانت بدعوى التزام الغرب بتمدين وتحديث الدول المتخلفة.واكثر مايصدق فيه قول دافيلد هو على واقع نظام التعليم في العراق وخاصة نظام التعليم العالي. فقد انتهى التدخل العسكري الى تدمير جامعات العراق والتي كانت سابقا الافضل في المنطقة وتحويلها الى مؤسسات غير فاعلة. وطبقا لتقرير رسمي في 2008 (2) كان نظام التعليم في العراق حتى بداية الثمانينيات الأفضل في الشرق الاوسط ونتيجة الى الانحدار المستمر منذ ذلك الحين حتى الان اصبح من اضعف الانظمة في المنطقة"


العراق لديه تراث ممتد كمركز التعليم والثقافة كما يلاحظ ايريك هيرينج "يميل العراقيون الى رؤية انفسهم سليلي بلاد الحضارة في مساهماتها القديمة في تطوير الكتابة والانظمة القانونية والمكتبات والرياضيات والفلك والطب والتكنولوجيا وهكذا " (4) والموصل كانت تضم اقدم مكتبة في العالم يرجع تاريخها الى القرن السابع.وفي 832 كان بناء بيت الحكمة قد جعل من العاصمة بغداد مركزا لا يضاهى للبحث والتبادل الفكري وترجمة الفكر الاغريقي واليوناني ومن بغداد اخذت هذه الترجمات طريقها الى اوربا في القرون الوسطى وساهمت في تنويرها. (5)


وقد جعل صدام حسين التعليم من اولويات نظامه. واستثمر بقوة خاصة في السنوات الاولى من حكمه بنظام تعليم شامل معرفي ومرتبط عالميا وكان علمانيا ومفتوحا للنساء اللواتي كن بحلول 1991 يشكلن 30% من الهيئة التدريسية الجامعية (6)


وكما نشرت صيحفة بزنس ويك استخدم صدام حسين عوائد النفط لتحويل العراق الى ما يعتبره الكثيرون اكثر دولة في الشرق الاوسط معاصرة وصناعة. وقد اصبحت جامعات ومستشفيات العراق موضع حسد الجيران. (7)


وفي ظل حكم صدام حسين ارتفع مستوى التعلم من 52% في 1977 الى 80% في 1987 وبين 1968 و 1980 تضاعف عدد العراقيين الذين يرتادون الجامعات وكانت الدراسة مجانية في الجامعة والتي تتضمن غالبا الدراسة في الخارج ايضا وقد خرج النظام التعليمي اعدادا كبيرة من الاطباء والعلماء والمهندسين المهرة الذين أثروا الطبقة المتوسطة وارسوا التطور في العراق. وكانت الجامعات العراقية لسمعتها في المنطقة تجتذب الطلاب من الدول المحيطة ، نفس الدول التي تستضيف الان الافا من الاساتذة العراقيين الذين هربوا من البلاد. (9)


وكما يقول الصحفي توماس ريكس : ينبغي الا نرى الحربين الامريكيتين ضد العراق في 1991 و 2003 بشكل منفصل وانما هي حرب واحدة طويلة ممتدة تخللها عقد من العقوبات والقصف المتقطع والكثيف (10) كانت العقوبات الجائرة تشمل مواد التعليم وتحظر على العراق اعادة تأهيل المدارس او بناء مدارس جديدة بل حتى منعت اقلام الرصاص. وفي ظل هذه الظروف هبطت مستويات التعلم في 1998 من 80% الى 50% مثل مستوى غينيا الجديدة ، وتضاعف عدد الاناث المتسربات من المدرسة في التسعينيات .


ولم يكن حال الجامعات افضل فقد كان محظورا ارسال حتى المجلات الى العراق ناهيك عن المواد والكتب والمعدات اما البعثات فقد كانت مما لا يمكن التفكير فيه. كما هاجر حوالي 10 الاف من اساتذة الجامعات بسبب الظروف المعيشية الصعبة الى دول قريبة وبعيدة. وحل محلهم قليلو الخبرة مما ساهم في انحدار مستوى التعليم


كان يمكن تخيل عالم آخر غير الذي كان بعد احتلال العراق. كان يمكن ان تصنع نهضة حقيقية للجامعات، بافساح الحرية الفكرية واتاحة الكتب الحديثة وعودة الاساتذة المهاجرين والتواصل مع جامعات العالم بانتهاء العقوبات . ولكن الذي حدث كان شيئا آخر بدأ بالكارثة الاولى وهي النهب. حيث دمرت المباني وسرقت او احرقت المعدات والاثاث والمكتبات ومع أن الولايات المتحدة كانت قد ادانت نهب وحرق الصرب للتراث البوسني قبل عقد من السنين ولكن حين حدث ذلك في العراق، كان كل الذي قاله وزير الدفاع دونالد رامسفيلد "الاشياء تحدث" ""الحرية ليست نظامية" وقد وصف الدكتور سعد اسكندر المدير العام للمكتبة الوطنية والوثائق ماحدث من فقدان وسرقة وحرق وثائق قديمة بقوله "بكلمة واحدة كانت كارثة على مستوى قومي. هذه الخسارة لا يمكن تعويضها. انها تشكل ذاكرة تاريخ العراق الحديث" (21)


اما في الجامعات فقد نهب كل شيء من المكتبات الى الاثاث الخشبي والحواسيب ومعدات المختبرات والتجهيزات الكهربائية ومالم يسرق اشعل فيه النار واحترق. وكل هذا الخراب اتبعته سلطة التحالف بطرد عشرات الالاف من المدرسين والاساتذة ومسؤولي ادارات الجامعات والمدارس حسب قانون (اجتثاث البعث) .


بعد اشهر من صدور قانون اجتثاث البعث الذي يرأسه احمد الجلبي قدم حوالي 1000 طلب لاستعادة الوظيفة وقال اصحاب الطلبات أنهم انضموا لحزب البعث لاسباب معيشية ولا علاقة لها بالايمان بالايديولوجية .. الأمريكي الذي كانت له سلطة النظر في طلباتهم كان اندرو ايردمان وعمره 36 سنة وقد حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ قبل ثلاث سنوات من الغزو وليس لديه اية خبرة كأستاذ ولا كمسؤول اداري في اية جامعة ولم يكن يتكلم العربية . وكان رسميا كبير مستشاري وزارة التعليم العراقية وبما ان وزير التعليم كان معتقلا فقد كان ايردمان يعتبر فعليا هو الوزير في اوائل ايام الاحتلال. وقد وصفت لنا الصحفية كريستينا اسكويث حاله بما يلي :


الى اللقاء في الحلقة الثانية

 

 





الاربعاء١٠ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٠ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ترجمة موجزة : عشتار العراقية نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة