شبكة ذي قار
عـاجـل










مقدمة :
إن صنع سياسة ومنها سياسة التحالفات، قد تنتهي إلى تحالفات مضادة ومؤثرة، والمثل الشعبي يقول " من يزرع الشوك لا يحصد غير الشوك " ، وهذا المثل على بساطته له مدلولاته كما له نتائجه المؤثرة على جميع الصُعد :


1- صنع الحكام الكويتيون سياسة تجاه العراق مؤذية لا تنم عن روح الأخوة العربية ولا لمبادئ حسن الجوار، فاعتدوا على الأكبر منهم أخاً وجاراً ، اعتدوا عليه بقضم أراضيه واستحوذوا على ثرواته النفطية وهيمنوا على ممراته المائية وحرموه من منفذه الطبيعي المشروع على الخليج العربي .


هذه السياسة التي بدأها الحكام الكويتيون، صنعت سياسة مضادة لا تسمح بالتجاوز ولا بالعدوان، فكان الذي حصل حين دخل الجيش العراقي الباسل إلى الكويت وضع حكامها أمام حالة الفرار المخزي المعروفة، صرفوا مبالغ خيالية وهي ثروات شعب الكويت العربي، من أجل إشعال نار الحرب .. وبعد أن انسحب العراق من الكويت وحوصر من لدن الأجنبي سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً وعسكرياً في صيغة فريدة من نوعها، وخاصة نزع أسلحته وتدميرها، حتى الأسلحة الصاروخية الدفاعية قصيرة المدى قد تم تدميرها بوحشية لم يألفها العالم من قبل .. وكان الاعتقاد السائد بأن الحكام الكويتيين سوف يكفون عن ممارسة أساليب إيذاء العراق وشعبه ، بعد أن تدخلت الأممية الغاشمة .. إلا أن هؤلاء الحكام عادوا ينتجون سياسة من نوع آخر، لا تكتفي بسياسة احتلال الأجنبي للعراق بل بسياسة تدميره وتفكيكه، ومنذ عام 2003 استمرت هذه السياسة أكثر فعالية حيث صرفت من أجل تنفيذها مليارات الدولارات .


الحكام الكويتيون يدركون أن العراق ومنذ الأزل هو وحدة جغرافية واحدة لن تتفكك لا بالتقسيم ولا بتفتيت شعبها، ومع ذلك يستمرون في سياسة التدمير، وربما لا يدركون أن مثل هذه السياسة ستصنع سياسة أخرى في المستقبل تكرر 2 / آب / 1990 ، لأن ما أصاب العراق وشعبه جراء سياسة حكام الكويت لن يستطع طفل عراقي أن يغفر لهؤلاء الحكام سلوكهم العدواني وما سببوه من تدمير شامل .


والرد على هذه السياسات قد يكون آنياً في صيغة عسكرية، وقد يدعوا الأمر إلى تراكم أفعال تلك السياسات لتصنع منها سياسة في المستقبل، حين تسنح الظروف والفرص السياسية المناسبة، وتكتسب من القوة ما يجعل الذين يصنعون سياسة التدمير يندمون أشد الندم .


الحكام الكويتيون يحاصرون العراق ويملئون رئتيه برمال الصحارى بدلاً من هواء الخليج، وهو حق مشروع له، وسياسة بناء الموانئ الضخمة ليس لها ما يبررها، لا في السياسة ولا في الإستراتيجية، ولا في الحاجة التجارية، لأن ما هو كائن من جغرافية وسكان لا يسمح بإثارة الغبار بوجه عملاق جريح يتلوى ألماً في شمال الكويت !!


شعب الكويت، هو شعب عربي معظمه من البصرة والفاو وأبو الخصيب.. إلخ والباقي عمالة أجنبيه، وأرض الكويت تاريخياً هي جزء من أرض العراق ، وإذا كان العراق قد دخل الكويت بجيوشه، ليس لكي يضمها إلى البصرة، إنما لكي يؤدب الأخ أخاه على أفعاله غير الحميدة التي أضر بها شعب العراق ( تآمر مع الأجنبي ضد المصالح الحيوية للعراق، دمير العراق اقتصادياً، أحرج بدفع الديون، زورت عملته الوطنية، سرق نفطه من حقول نفط (الرميلة) ، قضمت أراضيه بالزحف نحو الشمال دون وجه حق )، الأمر الذي أدى، كما أسلفنا ، إلى إنتاج سياسة التأديب !!


الآن ، سياسة الحكام الكويتيون مستمرة لا يأبهون بما ستتمخض عنه هذه السياسات من نتائج في المستقبل، معتمدين على تحالفاتهم مع الأجنبي ودولارات النفط، وكليهما، الأجنبي بدأت قواه تخور اقتصادياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً وعسكرياً، حتى أن منصب (السناتور في الكونغرس الأمريكي بات عرضة للمزاد لمن يدفع أكثر من الشركات .. وديون أمريكا قد طفحت صوب رقم خيالي (4) تريليون دولار) ، أما دولارات نفط الكويت فلن تعمر طويلاً وإن استثماراتهم الخارجية باتت تتآكل ، ونفط جارتهم إيران بات هو الآخر على وشك النضوب .. فأين المفر، وعلى أي شيء تقع خيارات الحكام الذين لا هم لهم سوى الأكل والشرب والتناسل غير المشروع. تحالف الحماية، في حقيقته غير مضمون أبداً، لأنه مرتبط أساساً بالمصالح وبالمتغيرات في السياسة، فماذا سيفعل هؤلاء الحكام حينئذٍ ؟! ، بكل بساطة ، تتخلى أمريكا عن حلفائها .. تخلت عن شاه إيران، وتخلت عن عميدها الغبي حسني مبارك، وتخلت عن حصانها الأجرب بن علي، وتخلت وانسحبت من هنا وهناك تحت وطأة ضغط الخصم الدولي أو تهديده وحسب المسافات التي تفصل بين ضخامة المصالح واتساع النفوذ في هذا الموقع أو ذاك على هذا الكوكب الذي يتبلور عليه نظام التعددية القطبية رغم أنف أمريكا والصهيونية وحلفاؤهم الصغار !!


2- يعمد البعض إلى عقد تحالفات مع دول أجنبية، بغض النظر عن ماهيتها .. والتحالفات هذه إما أن تكون من أجل الدعم والإسناد، أو من أجل الحماية .. ولكن وكما هو معروف في علوم السياسة ونظرياتها، إن التحالفات تنتج تحالفات في المقابل، لأن الذي يحكم ما بين الدول سياسة توازنات، والتوازنات متنوعة ومتعددة، وأهمها توازنات في القوى وتوازنات في القوة ، وتوازنات في المصالح .. فظهور حلف ( الناتو ) أنتج حلف ( وارسو )، وحلف الـ(سنتو) أنتج تحالفات قوى من نوع آخر مضاد لطبيعة العقل الاستعماري .. والأمثلة هنا متعددة ولسنا بصدد ذكرها .. بيد أن متغيرات البيئة الدولية، ومنها الإقليمية، كثيرة جداً، فهناك متغيرات اقتصادية وأخرى سياسية وعسكرية وإستراتيجية وتقنية، إلخ .. فكيف ندرك أو نقيس التأثير النسبي لكل واحد من هذه المتغيرات، والتعرف على الطريقة التي تتفاعل بها كل هذه المتغيرات مع بعضها، ثم كيف يمكن رصد التأثيرات المتبادلة بين المتغيرات الخارجية والمتغيرات الداخلية، فضلاً عن سلوك النظام الدولي ومكوناته الفرعية، لكي يتوضح ما إذا كان هذا التأثير يميل لأن يكون إيجابياً أو سلبياً ، ومع التوازن أو الإخلال المتعمد في ركائزه بهدف تقويض أسس النظم وتدميرها ؟ ، فيما تكون بعض المتغيرات ذات طبيعة (كيفية) وليست (كمية)، فكيف يتم قياسها أو تحليلها بهذا الأسلوب أو ذاك، ومنها صراع الأفكار المذهبية والتأثيرات الثقافية والحضارية، فضلاً عن موجة الأخلاقيات والأخلاقيات المضادة المتفسخة ومؤثراتها السيكولوجية ؟!


ما يحصل في منطقتنا من متغيرات .. هي في طبيعتها متغيرات مركبة تجمع بين (المتغير السياسي) و (المتغير العسكري) و (المتغير الأيديولوجي) ، وهي متداخلة بعضها مع بعض .. إذ يستوجب الأمر فرز هذه المتغيرات وفهمها فهماً عقلانياً والعمل على تشخيص الترابط القائم والممكن الكائن بين هذه المتغيرات وإخضاعها للتحليل العلمي الموضوعي لكي يصار إلى استنباط الرؤية الحقيقية والواقعية لطبيعة الصراع ومؤثراته في إطار من الاستنتاجات الصحيحة .


فالتحالفات بين دولتين أو أكثر لا تأتي من فراغ نتيجة رغبات آنية تفتح أقنية معينة لهذا الغرض ما لم تكن هناك متغيرات من النوع سالف الذكر تستوجب التحالف، ولكن هنالك حالات من التحالف تفتقر إلى المبررات الموضوعية من جهة، وتفتقر إلى الواقعية والعلمية السياسية والإستراتيجية في بناء التحالف، الأمر الذي ينتج عنه سياسات مضادة تتراكم إلى حد لم تعد الحالة قادرة على تحملها .. وكلها تدخل في خانة دفع المخاطر أو إيقافها أو تحجيمها بمتغير آخر يظهر في صيغة توازن نسبي أو تكتل قد يرتقي إلى مستوى التأثير في ميزان تعادل القوى أو القوة أو توازن المصالح .


3- أحياناً قد يشكل التحالف في مرماه الإستراتيجي - باعتباره سياسة توصل إليها جانبان - إشكالية على المدى البعيد نتيجة خلل مركب (سياسي- أيديولوجي- إستراتيجي) في طبيعة التحالف ومنذ بداياته، يتمثل بالتعارض الكائن في مكوناته وأهداف ركائزه من جهة ، وتعارضه مع حركة واقع السياسة الإقليمية في عمقها التاريخي من جهة أخرى .. كما لا يستند إلى تكامل عناصر مكونات التحالف ذاته في حدودها الدنيا ، الأمر الذي يجعل التراكم قائماً والافتراق قائماً عن تلك الحركة، التي يتطلب فهمها والتعامل معها وعدم إهمال مصالحها .. إلخ


فالإشكالية هنا مركبة من أساسها، تكشف أن التحالف من هذا الطراز لا يستند على حقائق الواقع الموضوعي القائم على طبيعة الوحدات السياسية وارتباطاتها وتحالفاتها، كما لا يستند إلى تكامل في عناصر مكونات التحالف ذاته .. فالتحالف القائم بين دول مؤتمر (شنغهاي) معروفة هي أطرافه ومكوناته وركائزه وأهدافه، مع الفارق طبعاً إزاء تحالف من نوع آخر، يقوم على قاعدة من التجانس والتنسيق يعتمدها حيال محيطه لا غبار عليها ما دامت لا تثير في شكلها أو تنتج تحالفات أو سياسات مضادة !!


ومن هنا نستنتج .. إن أي دولة عربية تقيم تحالف أمني أو إستراتيجي مع إي دولة أجنبية - والتحالف هو عبارة عن سياسة - سينتج سياسة مضادة ، الأمر الذي يضع الواقع الإقليمي على حافة الاضطراب الذي ينتج هو الآخر سياسات أو تحالفات أو محاور !!


الأقطار العربية جميعها بحاجة إلى بعضها البعض في الحماية والدعم والتكامل السياسي والاقتصادي والثقافي والأمني والعسكري والإستراتيجي للمحافظة على مصالحها القطرية، والمحافظة على المصلحة العربية العليا، وليس بحاجة إلى توازنات قوى أجنبية لها أجندتها الخاصة مهما بلغ تقربها ومهما بدت متعاطفة مع القضايا العربية في مجملها .. فسياسة المحاور مرفوضة أساساً إذا ما تم الترويج لعنصر التوازن الأجنبي .


فإذا كانت تركيا، كما قيل، تريد أن تمسك عصا التوازن في المنطقة من الوسط ، وإذا كانت إيران تريد أن تمسك هذه العصا كهراوة ، وإذا كان الكيان الصهيوني يمسك العصا من أحد أطرافها بخبث ، وإذا كانت أمريكا تمسك العصا الغليظة لهذا الغرض .. فأين نحن العرب كأقطار من كل هذا ؟! ألم يحن الوقت لكي نصحو ؟!

 

 





الجمعة١٢ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٢ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة