شبكة ذي قار
عـاجـل










هل الإنسان أم المجموعة أم المجتمع ؟
إذا سقط الجوهر .. تداعى الشكل بالضرورة .
المبادئ .. والأخلاق .. لا يفترقان في العمل النضالي.
والنضال .. يشترط الوحدة العضوية بين المبادئ والأخلاق.


المدخل :
لم يكن في نيتي أن أبحث في هكذا موضوع واسع وعميق يجمع بين الـ(سسيلوجيا) والفلسفة والسياسة في مفاصلها الفكرية والنضالية المهمة.. ولكن، وعلى مدى عقود وفي ظل النضال السري والظروف الاستثنائية على وجه الخصوص، كان مشهد الربط بين الأخلاق والمبادئ واضحاً وجلياً، بل أن الأخلاق كانت السمة الأساسية، التي تطغي على المناضل في سلوكه حيال نفسه وإزاء الآخرين، في حركته المبدئية صوب الأهداف التي يناضل من أجلها .. ولم تكن يوماً منفصلة عنها. فقد كان يعبر تعبيراً صادقاً وصافياً ونزيهاً يخلو من أي غرض خاص أو أنانية شخصانية، كقاعدة عامة، تظهر في اندفاعه وتفاعله وتضحياته وتفانيه، بالرغم من أجواء التنكيل والبطش والضغط والمطاردة .. وكانت الوشائج قوية ومتراصة في الفعل والمنهج .. في الفعل، لا نجد تجاوزاً، لأن الضرورة الأخلاقية تمنع ، وفي المنهج لا نجد نكوصاً أو تراجعاً، لأن الضرورة المبدئية الموضوعية لا تدع مجالاً للتراجع .. وعلى هذا الخط اتسع الحشد الجماهيري، والمحرك هو أن الأخلاق كان لها حضوراً مؤثراً وفعالاً لا يسمح بالتردد ولا بالتراجع ولا بالتنصل عن الالتزامات، التي يؤكدها الواقع القيمي للشعب والأمة من جهة، والالتزام بضرورة تطبيق المنهج المبدئي من جهة أخرى، فقد كانت الأخلاق عموداً فقرياً للزخم النضالي.


يقول شيخ المناضلين أعزه الله الرفيق عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي :


- كونوا قريبين من الحزب بالمودة والمحبة والاحترام والتقدير.

- لا مجاملة أحد بالحق، ولا تأخذ المناضل في الله والحق لومة لائم، لا قبل الاحتلال مع كل التضييق الذي كان، ولا بعد الاحتلال بعد أن اتسعت الفرصة أكثر.


- من أمنياتي أن يرتقي المناضلون في الحزب والمجاهدون إلى المستوى الرفيع من (الوضوح والجرأة والصراحة) على قاعدة الإيمان وقيم الرسالة ومبادئها ومعانيها العميقة.


- مئات الآلاف من البعثيين انفرطوا وذهبوا في شتى الاتجاهات .. منهم من خان، ومنهم من ارتد، ومنهم من نافق، ومنهم من جبن، ومنهم من يجلس على التل .
- هنالك من وصل إلى مفاصل حيوية وقيادية في الحزب ولم يستوعب الحالة العقائدية والمبدئية والمنهج الرسالي.
- البعث طليعة الشعب، هذه الطليعة معدة إعداداً مبدئياً وسياسياً وقتالياً و (أخلاقياً).


- البعث ليس البعث (الواحد) .. إنما الحزب الطليعي القائد لمسيرة الكفاح والجهاد والبناء . وكل ما حصل خلاف هذا المبدأ وخلاف هذه الحقيقة فهو ليس من البعث كعقيدة ومنهج، بل فرض عليه فرضاً بحكم الظروف القاسية التي مرت بها مسيرته، وبحكم الأخطاء والهفوات والانحرافات التي رافقت مسيرته.


- الحزب القائد، هو قائد بالعقيدة والمبادئ والأهداف والمنهج الجهادي الكفاحي، وبما يقدم من بطولات وتضحيات على أرض الصراع وعلى أرض البناء .. وليس بـ(قوة السلطة والسلطان) وليس (بقوة الترغيب والترهيب) وليس (بقوة البطش وكم الأفواه) وليس (بقوة التفرد والتمرد) وليس (بقوة الدستور والقانون) .


- إني أهتم وأعتز وأحافظ على كل من يرمي حجراً بوجه العدو، ويقول كلمة حق بوجهه ووجه عملائه وأذنابه يهدف إلى تحرير العراق .


التفريق كما نراه واضحاً في العنوان بين قانون المبادئ الذي يأمر، وبين قانون الأخلاق الذي يقرر - ولست هنا بصدد مناقشة ما تقدم، إنما الاسترشاد والتذكير بما قاله الرفيق الأمين العام من كلمات قليلة ومحكمة وعميقة رائعة باتت منهجاً مضافاً إلى منهج على طريق التقويم والنضال القادر على تحقيق الأهداف بنصر مبين- .. فالأمر في هذا المنحى يشكل إلزاماً مبدئياً، أما الإقرار فلا سبيل إلى دفعه، وإذا ما تنصل، عندها يسقط الإلزام بالضرورة، لأن إلزام المبدأ يتحلل بعدم إقرار الأخلاق في خضم الفعل النضالي .. ثمة نظاماً يسود العلاقات تتعاطى فيه الأخلاق أساساً يشكل متلازمة جوهرية لا فكاك منها .. فإذا ما ساحت الأخلاق إلى خارج إطارها الموضوعي، مالت المبادئ إلى التجريد تماماً، حيث تسقط الروح التي تحرك واقع الالتزام بالمبادئ .. وكما يحصل في جانب المبادئ، يحصل في جانب الدين .. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز، وهو يخاطب النبي الكريم (وإنك لعلى خلق عظيم )!! .. فالنبي (ص) يحمل الرسالة " المبادئ " السمحة ، وحاضنتها الأخلاق والإيمان أولاً والشجاعة ثانياً والعدل ثالثاً والوفاء بالعهد رابعاً والثبات على الموقف خامساً.. الخ ، تلك هي منظومة القيم التي تشكل الالتزام بالمبادئ أمام الله والشعب والوطن.


إن المبادئ والأخلاق ليستا حالة تجريدية محضة، إنما ترتبطان بالكائن الإنساني، وأخص منه الكائن الملتزم الذي يرتبط مع غيره في نسيج متراص من الالتزام بعمل منظم ومتضامن .. وقبل أن يشكل الالتزام رابطة مع المجموعة ومع المجتمع، يشكلها أولاً مع ذاته . وقد تبرز إشكالية حين يحدث الافتراق بين الالتزام بجوهر الأخلاق وبين الالتزام بالمبادئ ذاتها ، والتي تجعل منه كائناً تجريدياً محضاً يخلو من مضمونه الأخلاقي.


فالالتزام بالمبادئ وإلزامها الأخلاقي حالتين متجانستين في العمل المبدئي العام، وفي المسائلة الأخلاقية أمام الذات ، وكليهما محكومتان ، ليس بالمبدئية المحضة فحسب، إنما بالأخلاقية التي تعبر عن جوهرها المبدئي والإنساني المتراص على مستوى المجتمع والأمة .. فالمناضل إذن ، ملتزم هنا أمام نفسه وأمام الآخرين مبدئياً وأخلاقياً، ليس في نطاق ما يمليه عليه المجتمع من (عادة الطاعة)، إنما في إطار ما تمليه النفس الإنسانية من التزام أخلاقي يعبر عن جوهر المبادئ، التي يسعى إلى نشرها وتحقيقها .


فلا يستطيع أي إنسان أن يكف عن المجتمع أو يبتعد أو يتخلى عنه. ولما كان المجتمع تحكم ترابطه قيم، وهو منجذب إليه، نراه يلزم أفراده بعادات الطاعة التي تخلق الالتزام المركب (التزام قيم مبدئية) و (التزام قيم أخلاقية) ، يتوجب الحرص عليها وعلى توازنهما الضروري القائم بين المبادئ والأخلاق، بالرغم من أن المعنى في هذا يبقى محض نظري، لأن الأخلاق تظل حاضنة المبادئ الضرورية التي يتعذر التنكر لها.. لأن المبادئ تموت بدون الأخلاق التي تسمو بها إلى السطح كزنبقة الماء ( أوراقها تتماسك على سطح الماء فتعطي ثباتاً، وجذورها راسخة في القعر تعطيها ثباتاً أيضا ) !!


فالمرء وإن لم يأخذ بالقواعد الأخلاقية التي تتضمنها أحكام القيم، فأنه يظهر بمظهر من يراعيها ويعمل بها ، وهو لا يصل إلى اكتشاف أللأخلاقي فيه إلا بملاحظته نقائص نفسه، وإذا ما أشاح بوجهه عن الأخلاق فإنما أشاح عن المبادئ، والأخلاق لا تنفك عن المبادئ ولا تتجاوز عليها فهي حاضنتها في كل زمان ومكان. فالمبادئ تستمد قوتها وزخمها من معايير الأخلاق . فأن ضعفت الأخلاق التي تستمد من منظومة القيم معاييرهاـ فأن الأنا الذاتية تمسي المهيمن على الأنا الاجتماعية، التي هي مصدر القيم ومنبر الاحتكام .. ومن هنا ينشأ الافتراق وينشأ عدم التوازن في الصلات القائمة بين الأنا الفردية وتلك الأنا الاجتماعية .. وعلى هذا فأن الأخلاق قسمان متميزان، الأول: علة وجوده البنيوية الإنسانية للمجتمع الإنساني، وعلة الثاني: المبادئ التي أوجدت هذه البنية. فالالتزام في الأول، هو ضغط عناصر المجتمع بعضها على بعض بغية الإمساك بصورة المجتمع . ونتيجة هذا الضغط مرسومة في كل منا بجملة من العادات نأخذ بها أنفسنا ونتقيد بها، وهذه الآلية هي في عناصرها عادة الطاعة للقيم . أما الثاني، ثمة شيء أسمه إلزاماً ، ولكن هذا الإلزام هو قوة أوجدت الحياة الاجتماعية وعاداتها التي تشكل بمجموعها (الإلزام الأخلاقي) .. تلك القاعدة، التي يتم الرجوع إليها والتي تكمن في مبادئ الحزب، كما تكمن في قالب المجتمع .. والخروج على الأخلاق هو خروج مزدوج على حالتين : حالة المبادئ وحالة امتداداتها إلى قلب المجتمع الذي يتعاط الأخلاق في مكونات الإيمان بالعدل والحق والإنصاف، وبالتالي الحفاظ على الكرامة الإنسانية، الذاتية والاجتماعية معاً. فالمناضل وهو في المقدمة يفترض أن يتحلى بسمتين أساسيتين نضاليتين لكي تجعلا منه يحافظ على مكانته في المقدمة، وهما الثبات على المبدأ والتمسك بالأخلاق التي من دونها لن يستطع أن يصل إلى أهداف الحزب، وإن الميل صوب الذاتية والفردية، بادراك منه أو بدونه، لن يصن المكانة ولا المبادئ إذا ما فرط بالأخلاق، التي لها رؤية مزدوجة في مسيرة تعزيز خطى النضال والسير نحو المقاصد والأهداف السامية .. وخلاف ذلك يكون سقوطاً ذاتياً حيث الوضع الغريزي، الذي يتعارض مع الأنا الاجتماعية أو أنا الحزب إذا جاز التعبير.


الأخلاق الثورية هي التي تحقق الحشد ..فقد حقق الرفيق الشهيد صدام حسين رحمه الله الحشد الشعبي العارم بالأخلاق والمبادئ معاً، وكان يزور الناس الفقراء ويقدم لهم الدعم والمساعدة، وكان يسمع ويصغي ويتجاوب مع الشارع الذي كان يعج بالجماهير، فحقق القيادة الثورية بدون منازع .. فالأخلاق الثورية هي التي تحل البرجوازيات والارستقراطيات في الديمقراطية الشعبية، وهي التي تحل الأنا الفردية الغريزية في الأنا الاجتماعية وفي مقدمتها الجمع المناضل .. فالأنا الفردية الغريزية التي يعوزها جوهر الأخلاق في التعامل، يكون مظهرها مكشوفاً يتعرى كلما عبر عن لا ثوريته بطريقة لا أخلاقية .. والمعنى الأكثر وضوحاً هو ليس الأفكار فحسب إنما الخواء الروحي في احتضان الأخلاق كجوهر، وبالتالي لا جدوى من إظهار الذات بأنها أخلاقية مبدئية تتمسك بالموقف، طالما أنها تعيش المفارقة والخواء، إلا من الإصرار على مظهر لا يعني شيئاً أمام حقيقة الموقف على أرض الواقع عندما ينهار سحر الأنا الفردية ويرتد صوب الغريزة الفردية المشبعة بالأنانية. وهنا يعمل الظرف والحالة العامة للحركة معاً على كشف الاستثناء تماماً، عندئذٍ لن يكون ثمة شيء مؤقت قادر على أن يملْ التحرك النضالي بفعل متوازن أساسه الجوهر الذي يصوغ مسار الحركة أو التحرك ويعتمد عليه في الحشد والموقف ، فكأنما هنالك دائرة يصعب الخروج منها ما لم تكن ثمة روح تمنع التضخيم بصيغة الأنانية من جهة، وروح تمنع التقزيم بمسحة الخواء، فهي في كل الأحوال افتراق مذهل للحالة الكائنة بين الأنا الذاتية والأنا الاجتماعية ، وبالتالي: بين المبادئ والجوهر الكائن فيها وهو الأخلاق.. الأمر الذي يستوجب حفظ المبادئ لكي يكون الجوهر الأخلاقي ملزماً للفرد وللمجموع عند السكون وعند الحركة إلى أمام، ويمنع خرق القاعدة الملازمة للتصرف مهما كانت مبرراتها، لأن عدم الخضوع للأخلاق أو عدم الامتثال لها هو بذاته عدم الخضوع لمنطق العقل . وإن تناقض الإنسان مع نفسه يعد مخالفاً لواجب أخلاقي يحتكم إليه الجميع ارتضاه طواعية ولا يخالفه .


فالإنسان الذي يفصح سلوكه عن أنه يضع مصلحته فوق كل اعتبار، وهو يغلف نفسه بوضع الملتزم يتناقض فيه مع طبيعة الحالة المبدئية التي يشكل الالتزام ركناً أساسياً من جهة، ويتعارض مع الجوهر الأخلاقي الكامن فيه، فهو في هذه الحالة يستشعر بالحد الفاصل بينه وبين المبدأ الأخلاقي، بينه وبين المبادئ التي يؤمن بها الجميع .. وثمة حاجز يبدو يتسع ولكنه رغم ذلك فأن الجوهر يكشف عن نفسه دائماً، كما يقول (كنت) ويشير إليه (سيبنوزا) و (برجسون) في الربط الموضوعي بين الكائن والسلوك الإنساني من جهة، وبين الأنا الذاتية والذات الاجتماعية القائمة على الالتزام الأخلاقي.


فهل يمكن للأخلاق أن تستند إلى العقل، من حيث هو يرسم لنشاطنا غاية محدودة، مطابقة للعقل ولكنها مضافة إليه، غاية يعلمنا العقل كيف نسعى إليها سعياً منهجياً؟ من السهل أن نرى أنه ليس لأي غاية أن تفرض نفسها فرضاً إلزامياً لمجرد أن العقل يقترحها، حتى ولا تلك الغاية المزدوجة، التي أشرنا إليها، ولا ذلك الحرص المزدوج على صون صفوف الجمع والعمل على تقدمه المبدئي الملتزم. فالغايات المبدئية أساساً يأخذها العقل من الواقع الاجتماعي، فهي بالتالي مصاغة وفقاً له، ومن هذا يظهر الفرق بين الأخلاق التي تؤسس على المنفعة الذاتية والتي يصعب اكتشافها إلا من خلال السلوك والممارسة، وبين المنطق العقلي والأخلاقي الذي يشكل الواقع انعكاساً له بالضرورة .


يتبع ..

 

 





السبت٢٠ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٠ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة