شبكة ذي قار
عـاجـل










لكي نتجنب الجدل العقيم وحوار الطرشان المترافق عادة مع التعاطي مع ما يحصل في الأمة ويوصف بأنه ربيع أو ثورات عربية بصيغة حوارية أو فكرة الرأي والرأي الآخر, ومنها ما جرى ويجري في ليبيا, فإننا سنقولها من البداية هنا إننا نعبر عن قناعتنا كطرف معارض للربيع الأمريكي المزعوم ولدينا تحفظات يصل بعضها إلى حد التعارض مع بعض هذه الثورات وأدواتها والنتائج المتوقعة منها ضمن تقييماتنا المبنية على انغماسنا في تجربة قومية نضالية طويلة مع التأكيد على إننا مع ثورة أي شعب عربي إن كانت أدواتها ونتائجها ضمن الأطر والمديات التي تحقق حرية العرب ووحدتهم, ومبني أيضا على معطيات ونتائج ما جرى ويجري في العراق. مع ملاحظة إن مَن يحاولون أن يفرضوا منطقا مختلا من أن ما جرى في العراق مختلف هم في واقع الحال في جلهم من مؤيدي ما جرى في العراق، غير إن الدور الموكل لهم الآن كأصوات تباع وتشترى في مزادات النخاسة هو أن يخلطوا الأوراق وكأنهم يقفون ضد ما جرى في العراق ويؤيدون ما يجري في ليبيا والإيحاء بأن ما جرى في العراق احتلال غير مبرر في حين إن ما يجري في ليبيا له ما يبرره. المتابع والقادر على فصل خطوط التشابك يجد إن المبررات التي سيقت في غزو العراق تكاد تتطابق مع تلك التي تسوق الآن في ليبيا وغيرها من الأقطار العربية المستهدفة.

 

موقفنا قومي وطني لا يخضع لتأييد أهوج لنظام ما، وتجربتنا مع كل الأنظمة ما زالت دما ينزف ودمارا حل في الإنسان والأرض غير إننا أرفع وأسمى وأشجع من أن نخطأ أخطاءهم في موالاة الأجنبي لذبح العربي، وأن نُجر تحت أي ظرف كان للتنكر لأهدافنا ومبادئنا وعقيدتنا ورسالتنا القومية وهو ما يسعون إليه بكل السبل والوسائل وأقذرها وأحطها وأعظمها وحشية لإيقاعنا فيه .. موقفنا ثوري جهادي نضالي يرى إن الثورة الحقة هي التي ينفذها أبناء الوطن بقدراتهم الذاتية وبالاعتماد على قوى الشعب والقوات المسلحة .. قناعاتنا هي إن الثورة لها حين وميقات ينضّجه الثوار ويضعون دستوره بلا قيود وسلاسل تقيّد حراكهم وسياساتهم في حال إن هم لجئوا للأجنبي، وان حصل هكذا لجوء فانه ينهي معاني ومضامين الثورة .. قناعاتنا إن الثورة تتجنب كليا الارتماء في أحضان القوة الأجنبية لأن تجربة امتنا ماثلة وصارخة وجراحنا نازفة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وعملاءهم في المنطقة. دستور الثورة هو حماية الاستقلال وليس التفريط به وحماية الثروات وليس وضعها مكافآت وعطايا وهبات لشركات الدول التي يتورط العملاء بالخنوع لها لتحقيق أهداف استلام السلطة. دستور الثورة هو حماية الوحدة الوطنية والانتماء القومي وليس جلب الطائفية السياسية المفرّقة والمجزأة وأحزاب الأعراق المتناحرة وذات الإيديولوجيات الأممية المتسترة بالإسلام ستارا مزيفا كاذبا والإسلام منها براء.

 

ما يجري ويحصل وفق تقديراتنا هو بين معسكرين. أحدهما جرى إعداده لسنوات طوال خارج وداخل بلداننا وتمت تربيته بحيث يقدّم نفسه ثائرا وفاتحا للتخلص من أنظمة دكتاتورية وقمعية بوليسية ومتهرئة فاقدة لعوامل التطور والنماء. المعارضة الليبية نموذج لهذا المعسكر يشبه إلى حد بعيد معسكر المعارضة العراقية التي أُستخدمت في إسقاط النظام الوطني العراقي بمساعدة مباشرة من قوات تحالف دولي قادته أميركا. كلاهما وُلدت وترعرعت في حضن أميركا ولندن وباريس وتل أبيب والرجعية العربية المعروفة، وفُرض عليها تحت ظروف الاغتراب وإرهاصات العودة للوطن وإذلال اهانة الغربة أن تسير على مناهج تنتجها بحوث معاهد الاستراتيجيات الصهيونية وماكنة السياسة الماسونية.

 

وتمت تغذية هذا المعسكر بإرهاب المسلمين بعد 11 سبتمبر ووضعهم بين مطرقة اتهامهم بالإرهاب وسندان الإبعاد عن ملاذات الهجرة ومنافعها الدنيوية. حيث فُصل المسلمون غربيا إلى فريقين, إرهابيون تنتظرهم وحشة جزيرة غوانتينامو ووحشية معتقلاتها والفريق الآخر مسلمون عليهم إثبات وسطيتهم واعتدالهم عبر طريق واحد لا غير هو الانتماء إلى معسكر المعارضة لأوطانهم وأقطارهم العربية بانتظار لحظة استخدامهم لتحقيق فكرة التغيير في النظم العربية. استخدمت ظروف الاغتراب والهجرة القاسية لإنتاج كتائب مدرّبة مخابراتيا وعسكريا يمكن أن تكون أو أن تحمل اسم القاعدة أو الإخوان المسلمين أو ثوار الإسلام .. المهم إنهم خرق للإسلام ولبعض التنظيمات الإسلامية المعروفة، وهم أدوات عالية الأداء لإثبات وسطيتها لإرضاء من يُنفق عليها ويؤيها، وكم أتمنى أن يلتقط مَن هم أكثر مني دراية بالمجموعات الإسلامية وبوسائل الضم المخابراتي هذه الجزئية ويوضحوها في بحوث ومقالات تنفع الإسلام والعرب وكل حر شريف في الإنسانية. المهم أن هذه الكتائب قد أعدت وبذل مجهود هائل وأموال طائلة في إعدادها بعد أن وجدت أميركا وحلفاءها أنفسهم في مأزق وجيب مهلك بعد غزو العراق، ووجدت كذلك نفسها أمام ضغط شعوبها الرافضة والمتحفظة على العودة إلى سبل صورة الاستعمار القديم والاحتلال العسكري الذي ينتج ما يقرف المزاج الناعم لهذه الشعوب ويصيبها بالقرف جرّاء رؤية المقعدين والمجانين وتوابيت القتلى في العراق وأفغانستان والإضرار بالاقتصاد ولو بشكل آني مرحلي.

 

ثمة شبكة رهيبة معقدة ومركبة ومتداخلة لنمط من الإسلام السياسي أُعدت في معسكرات المخابرات الأمريكية ودول حلف الناتو ونمت تحت ظلال ركام أبراج التجارة العالمية التي استهدفتها غارات القاعدة المزعومة وتشرب من دماء نزفت وتتقمص أرواح أزهقت في ذاك الحدث الجلل الذي حصل ليعطي أميركا كل مبررات العدوان على العرب والمسلمين وليمنحها حق الدفاع عن النفس في غزوات وثورات تنفذها بذراع التنظيمات الإسلامية المخترقة. ولم يكن الإسلام السياسي هذا وحده المتواجد في مخاض الولادة المخابراتي هذا، بل كانت تنظيمات أخرى من العلمانيين والليبراليين الذين هاجروا إلى الغرب هربا من بطش الأنظمة أو البطالة، أو حتى من المبعوثين للدراسة من أنظمتهم وكانت ليبيا من بين الدول التي لها طلاب كثر في بريطانيا مثلا وكان اغلبهم من صغار السن الذين ابتعثوا لإكمال البكالوريوس فوجدوا أمامهم حياة اجتماعية منفتحة وضعوا فيها وأفرغوا كل مراهقتهم وطاقة نفوسهم الشابة وسقطوا في براثن الازدواج بين بيئتهم الأصلية وبين البيئة الجدية فسقطوا فريسة للتمرد على نظامهم وكان هذا ثمنا لا يراه كثيرون لخطأ تربوي يتعلق بعمر الابتعاث ومرحلته الدراسية. لقد عرفنا العشرات من الليبيين في مدينة بريطانية واحدة كانوا يصلون في النهار ويفسقون في الليل ويشتمون نظام القذافي وهم يراقصون شقراوات الليالي الانجليزية الصاخبة لأنه كان السبب في وضعهم بهذا النعيم ويشتمونه بعد صلاة الظهر لأنه وضعهم في هذا التناقض الأكبر من قدراتهم على الاحتواء. وهكذا تشكل الطيف السياسي الديني الطائفي من اللاهثين لإقناع أميركا والغرب بأن الإسلام ليس كله ابن لادن كي لا يخسروا  جنسياتهم الغربية التي منحوا بعد الإقامة ولا الإقامة التي ستؤدي إلى منحهم الجنسية بعد حين ولا الحياة التي تمنحهم رفاهية غير موجودة في بلداننا الغارقة على بحر من عوامل الغنى غير أنها لا تغني شعبنا ولا يفقدون مستوى التعليم والتربية لأولادهم التي يوفرها النظام الامبريالي وعجز عن توفيرها عرب الأنظمة الفاسدة ... انهم عرب قلوبهم ملئها الغيظ والبغض والغل والثأر تجاه أنظمتهم وصار إسقاطها عندهم حلال ومشروع حتى لو ركبوا كل عجلات الحرام.

 

كان قرار إسقاط النظام العراقي قد أُتخذ بعد أن قرر النظام الوطني تأميم النفط وأعلن عن هوية وطنية قومية تعادي الامبريالية والصهيونية وتحشّد لتحرير فلسطين وتنفّذ برامج مختلفة للوصول إلى أية صيغة ممكنة من الوحدة العربية الكلية أو الجزئية. غير إن قرار التغيير في العراق قد اضطرت أميركا لتنفيذه بعد قرابة ثمان وعشرون عاما لأنها لم تتمكن من تنفيذه بأسلوب المؤامرة والفعل الخارجي بما في ذلك فرض حصار دام قرابة 13 عام. لكن الحصار أجهض الكثير من قوة العراق ولوي عظام شعبه بالتجويع والموت مرضا وركع اقتصاده الذي كان عملاقا ومن بين أقوى اقتصاديات المنطقة قبل الحصار. إذن أُجبرت أميركا على استخدام القوة العسكرية المتحالفة مع الدول الكبرى والعظمى وواجه الغزو نتائج كارثية ورفضا شعبيا واسعا في أميركا وأوربا أجبر المخططين للبحث عن وسائل بديلة لإكمال تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أقرت تنفيذه منتجات بحوث المعهد الاستراتيجي للصقور الأمريكان الصهاينة. وممكن ملاحظة ان من يتحدث على القنوات الفضائية من المتمردين كلهم يتحدثون الانجليزية بطلاقة تامة وبلكنات محلية وكأنهم انجليز!!

 

دخل الاحتلال ومعه أدلاء ومترجمين من الذين دربهم في المعسكرات التي اشرنا إليها وهم عرب من جنسيات مختلفة خليجية ومصرية وسودانية وغيرها فضلا عن العراقيين من الذين لا وصف لهم غير ساقطين موتورين مرتزقة كما أسلفنا، ثم تلا ذلك دخول بعض التشكيلات السياسية والعسكرية العلمانية والشيعية السياسية من إيران ودول أخرى من الذين أُعدوا للعب دور الواجهة العراقية للاحتلال. أما في ليبيا فلقد تم اختزال العمل العسكري ليقتصر على مجاميع مخابرات صغيرة تسند الكتائب المدربة التي اشرنا إليها من الإسلاميين السياسيين والعلمانيين وسواهم من الموتورين والمرتزقة وعاشقي حياة الليبرالية التي أسقطتهم في أحضان الرذيلة بكل أنواعها. واختزال العمل العسكري لم يحصل في ليبيا إلا لاحتواء ردود الفعل الشعبية في أميركا وأوربا المحتملة في حالة اللجوء إليه من جهة ولتجنب الخسائر الكارثية التي حصلت وما زالت تحصل في العراق.

 

النظام العراقي الوطني حاز على سمعة عربية وإقليمية دولية طيبة كبيرة قبل أن تبدأ ضرورات شيطنته وتبشيعه أمريكيا وصهيونيا حتى يوم بدا الغزو والاحتلال وجدنا إن لا نظاما على وجه الأرض يجرؤ على استنكار الغزو علنا أو إسناد النظام الوطني العراقي بأية وسيلة كانت بما في ذلك بعض الأصوات التي تنشط الآن رافضة المقارنة بين غزو العراق وما يسمونه ثورة ليبيا !. ورغم إن أساليب التبشيع ضد نظام ليبيا كانت ربما اشد من تلك التي جُربت مع العراق غير إن النظام الليبي ظل يجد مَن يشجب العدوان عليه أو قول كلمة طيبه بحقه ليس لأنه أفضل من نظام العراق الوطني بأي حال من الأحوال، بل بسبب تجربة احتلال العراق الكارثية ونتائجها المأساوية التي ما زالت في أسوأ الصور إلى اللحظة.

 

إذن .. كلا العاصمتين العربيتين قد استهدفتا لغرض التخلص من الأنظمة كلُ لأسباب خاصة به أولا ولأن البلدين ينتجان ويخزنان أضخم كميات من النفط وأجودها في المنطقة وخاصة النفط الليبي المعروف بخصائص جودة معينه. كلا النظامين كان يتبنى منهجا قوميا ويربي مواطنيه عليه مع فروقات مهمة أيضا في هذه النقطة بدرجة الجدية وأسس البناء القومي الفكري والميداني، وإسقاطهما هو قرار صهيوني حتى لو لبس ثياب شعبية في صورة ثوار تسوقهم أجهزة الإعلام الأمريكية والمتأمركة. كلا النظامين توجهت نحوهم الرماح والسهام والصواريخ والطائرات من قطر والإمارات والكويت وإيران وتركيا وغيرها من دول الجوار كقواعد انطلاق للعدوان. ومَن يرى في هذه الدول على إنها دول ثورية وتدعم الثوار لإنتاج نظام عربي وطني قومي فهو أما لاهث وراء السراب أو مغفل أو بليد أو منتفع. عمالة وتبعية ورجعية هذه الدول محسومة من زمن بعيد وتصنيفها كقوى رجعية وقوى عمالة محسوم من عقود طويلة. إن الأمة تتطلع الآن إلى انبثاق مقاومة عربية جديدة في ليبيا تطرد كتائب الناتو وتساهم في تصعيد ثورة العرب نحو حقوقهم التي ستظل قائمة وقابلة للتحقق مادامت هناك قطرة دم عربي تسري في عروق إنسان.

 

 





الجمعة٢٦ رمضـان ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٦ / أب / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة