شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا كان اليهود شعب الله المختار وبنوا إسرائيل خير خلق الله وبهذا الادعاء قد نالوا تعاطف العالم فأعطاهم فلسطين وطنا بعد أن طرد الفلسطينيين في أبشع جريمة إبادة واستيطان بديل فلماذا لم ينزل القران على هؤلاء القوم ولماذا يستميت بعض العرب ليلغي فكرة اصطفاء الله لنا كأمة ويقفزون فوق هذه الحقيقية ليدسوا رؤوسهم في أممية طائفية تسئ لله سبحانه وللدين ولكل مقومات الإيمان قبل أن تسئ للعروبة؟

 

هذه محاولة متواضعة لمدخل فكري وفلسفي اكبر من قدرات الكاتب على الإحاطة به غير إن العزاء هو في صدق النية في خلق المدخل لمن يريد أن يتفوق في ربط قدرات الخلق الاعجازية الإلهية لتحقيق هدف عام هو إن الله قادر على كل شئ وهو بالتالي لا يعبث أبدا بأهدافه ولا بانتقاء السبل الأكمل في تحقيقها. وانتقاء العرب لحمل رسالة الإسلام يقع في إطار كمال الاختيار وعدم عبثيته وعليه فان محاولات البعض لتفريغ الجسد العربي من روحه, الإسلام, لن يغير حقيقة الصلة وعضويتها فالعروبة جسد والإسلام روح والعروبة كينونة انتقاها الله لتحمل الإسلام لخواص ايجابية وسمات أخلاقية للعروبة معرفه ومثبته في القران المجيد. إن الله القادر على كل شئ كان يمكن أن ينزل الإسلام الحنيف بفروع شيعية وسنية وليس دينا واحدا كما هو حاله الحقيقي الاصيل وان المنكرين لصلة العروبة بالإسلام هم أنفسهم مَن حولوا الإسلام إلى عدة ديانات ومزقوه بكيانات سياسية دينية طائفية ...والله قادر أيضا على أن يمنح غير العرب شرف حمل الرسالة والشعوبيون فقط هم من ينكرون على العرب هذا التكريم الرباني.

 

باعث الحياة في الجوامد .. ومنزل الوحي عربيا ...

أهل الإسلام السياسي والذين يجندون إمكانياتهم هم ومن يقف في إسنادهم ودعمهم من أجل فك عرى الصلة بين العروبة والإسلام وتمييعها ضمن منطق حق يراد به باطل هو أممية الدين الحنيف يدركون قبل غيرهم إن الله جل في علاه قادر على كل شئ وكان يمكن أن يكون الوحي بإسلام شيعي وآخر سني مثلا بدلا من إسلام واحد مزقوه هم إلى ملل ونحل والله سبحانه قادر على أن يختار امة أو قوما آخرين بدل العرب لحمل الرسالة ولغة أخرى غير اللغة العربية ..وسأحاول إدخال بعض ما أراه إعجاز لله جل في علاه تجعل من الذات المقدسة أمرا لا يطاله مسيّسوا الدين وينفي عنهم حق التأويل والتفسير ويسقط عنهم حق إلغاء العروبة كاختيار رباني لإبلاغ الرسالة وان أممية الإسلام لا تقفز فوقها لان العروبة ركن البناء الأول الذي بدونه تصبح الأممية التي يدعون محض وهم وشبح لا وجود له وان السمة الأممية للإسلام الحنيف تمر عبر حقيقة انتماءه للعرب أولا.

 

الحقيقة الأهم عن الخالق سبحانه جل في علاه انه لم يتجلى في كيان مادي عياني محدد، بل هو روح تتسامى ووجدان ينفذ إلى كل شيء في الوجود عبر سببية لا يمكن تفسير أي شيء في الكون دون الرجوع إليها.

 

تنبثق الحياة من جوامد ... السبب هو الروح التي تؤطر التشكيل النهائي لهذه الجوامد ... والروح ليست فقط هي المكون الوجداني الحسي للمخلوقات الحية، بل هي موجودة كامنة في الجوامد بإرادة الجبار سبحانه ... ولا يمكن لكائن مَن يكون أن يتحدث عن الروح إلا بالانطلاق من التكوين المادي الجامد الذي تحرك الروح فيه الحياة.

 

ثمة حقيقة كيمو _ فيزيائية ربانية: هي إن الكائنات الحية من نباتات وحيوانات تتكون من عناصر وان جميع هذه المخلوقات تتحلل بعد موتها إلى هذه العناصر. لنأخذ الإنسان مثلا كأرقى المخلوقات الحية: تتفكك خلايا الجسد بما في ذلك العظام إلى عناصر كيميائية من أهمها الكربون والأوكسجين والنتروجين والهيدروجين والكالسيوم، وهي العناصر الأهم التي تشكل مواد البروتينات والكاربوهيدرات التي يتكون منها النسيج الحي والعظام التي يمكن تمثيلها بالجوامد (الصخور) التي تشكل الأرض. الكالسيوم هو العنصر الأهم في العظام. كل هذه العناصر وسواها الكثير موجودة في الأرض والماء وفي الهواء، وعليه فان مكونات الجسد الحي موجودة في المكون الكوني الصلب وموجودة أيضا في المكونين السائل (الماء) والغازي (الهواء). لو أخذنا أيا من هذه العناصر الكيميائية ودرسنا تركيبه فإننا سندخل في أعظم آيات الله ومعجزاته ونفهم أن ما من شيء خلقه الله أو نزل من الله إلا ومرتبط بكينونة محددة وأسباب محددة وبأدوات ناقلة لان العلم بالمادة وبالفقه والقانون كله يستند على المكون البشري كخليفة لله في الأرض ومن العبث أن يتم تناول أي مكون في الوجود إلا ومعه صلة الإنسان به مستفيدا ومتفاعلا .

 

العنصر يتكون من متنافرات لا يجمعها جامع إلا مسبب رباني هو المعجزات بعينها.

فالالكترونات جسيمات متناهية في الصغر تحمل شحنات سالبة ومع ذلك فان أزواجها الداخلة في تركيب الذرة تتعايش في أفلاك (اوربيتالات) متناهية بالصغر بسبب: إن الله جل في علاه قد جعل بينها قوة جذب مغناطيسي تتغلب على قوة التنافر الالكتروستاتيكي أو الكهروستاتيكي ... لنتوقف هنا قليلا وندخل من المعجزة الربانية: لولا الدوران المتعاكس للالكترونات في أفلاكها لما تكونت العناصر. وبعد ذلك تأتي جزئية أخرى ربما أهم وأعظم من الجزئية السابقة وهي إن الالكترونات ذات الشحنات السالبة تتوقف عند مسافة محددة من النواة الموجبة الشحنة رغم قوة الجذب البديهي بين الشحنات المتشابهة! وهذه معجزة وآية إلهية أخرى... فلولا وجود قوة طاردة بين النواة الموجبة والالكترونات السالبة لدخلت الالكترونات على النواة وانتهى التكوين المادي للعناصر وبذلك ينتهي الكون كله بأحياءه وجوامده.

 

سنتوقف هنا ونترك معجزة النواة وتكوينها من دقائق متجاذبة وأخرى متنافرة ولولا إرادة الله لما وجدت نواة قط، أي، لما وجد كون قط.

الإنسان إذن يتكون من العناصر المكونة للأرض والهواء والماء والعكس صحيح وهي عناصر ندرسها في علم الفيزياء والكيمياء والبيولوجي دون أن نتوقف كثيرا عند هذه الحقائق وسواها وقد وفق الله بعض العلماء لإبراز بعض جوانب الإعجاز الخلقي والعلمي في القرآن الكريم غير إن هذا الإعجاز وفهمه وطروحاته ظلت إلى اللحظة ملك لنخبة من الناس فقط ولم تأخذ إطارها التعليمي العام المطلوب.

 

لنعد الآن إلى أصل الموضوع ... العروبة والإسلام .. حيث إن الدين عموما والإسلام كخاتم للديانات هو من عند الله سبحانه طبقا لعقيدة كل مؤمن على الأرض وطبقا لمعطيات اعجازية تتجاوز حدود الإنسان وقدراته الإدراكية والحسية والوجدانية ... إذن الدين مكون من مكونات الكون تماما كما الأرض والماء والهواء والمخلوقات الأخرى، غير انه مكون وجداني حسي وله مسبباته تماما كما هي مسببات تكوين العناصر وتآلف مكوناتها المتنافرة والمتناقضة.

 

الدين هو المكون أو التعبير الوجداني والحسي لكل مكونات الكون وليس الإنسان فقط... أي انه التعبير المحسوس وجدانيا وماديا كتشريع منقول من السماء عن الله سبحانه وتعالى ... ومن يؤمن بالله فان عليه أن يؤمن إن الله لا يكون ولا ينزل شيئا من علياءه وكبره المقدس إلا بواسطة وإلا بمسببات يتجلى فيها العلم والمنطق. ثم إن الله سبحانه حق معلن لا مواراة و لا ادعاء فيه وهو قوة خارقة تعلو فوق قوة كل المكونات التي جاد بخلقها، بما فيها من طاقة الذرة والنواة وأعاصير الهواء والماء وبراكين الأرض لأن الطاقة الكامنة في هذه المكونات كلها قد بثها الله سبحانه في معجزة التكوين الذري للعناصر، أي إنها موجودة في نوى الذرات وفي الذرات نفسها، وتعبر عن نفسها عند تفكك هذه الذرات أو النوى.. وهذا يعني بديهيا إن في الإنسان والنبات طاقة نووية وطاقة ذرية وطاقة إعصار وبراكين! نعم.. إن الله سبحانه وتعالى لا يستحي حين يكون ويخلق ولا يستحي حين يوزع الأدوار على مخلوقاته ومكوناته الحي منها والجامد، الساكن منها والمتحرك، كما إن الله لا يستحي في أن يختار قوما من بين خلقه لإيصال وتبليغ وحيه ورسالته.

 

من يفهم الإسلام، كواحد وكخاتم للديانات، على انه مكون رباني وانه من المكونات الوجدانية التي أراد الله لخلائقه البشرية أن تعتنقها وتحس بكينونتها فعليه أن يؤمن إن محمدا عربي الأصل واللغة. وان الله لا يعبث في تكوين الذرات والنوى التي يتكون منها الحي والجامد كما أسلفنا واختياره لخاتم الأنبياء كمثل اختياره جل في علاه لتنوع الكون. إن الله وضع الطاقة في ذرات العناصر ومنها كوّن الماء والأرض والهواء وكل الكائنات وهو القادر، وهو من وجّه الإنسان وعلّمه ليستثمر الطاقات الكامنة هذه. وعليه فان جعل الإسلام خاتما للديانات يقتضي تكوينا ماديا ووجدانيا وروحيا لاستلامه وبثه. محمد بن عبدالله كان هو ذلك التكوين المادي الوجداني ومنه إلى كل العرب ومن ثم من العرب إلى الإنسانية. إن الله جلّ في علاه لا ينتج عنه أي شيء قط إلا ومعه مسبب وأداة تنفيذ... وان الله سبحانه وتعالى كان بوسعه أن ينزل الإسلام على بني إسرائيل مثلا أو على قوم آخرين مثلما كان بإمكانه أن يجعل الالكترونات السالبة تكون النواة ويجعل البروتونات الموجبة تحوم حولها محل الالكترونات!..

 

إن من يؤمن بالله حقا عليه أن يؤمن به كحزمة معجزات وآيات. الله سبحانه وتعالى لا يتجلى في أمر غير إعجازي، بل هو نور السماوات والأرض ولا يمكن لإنسان مؤمن أن يجرد أي منتج رباني عن معجزته. القرآن معجزة الإسلام ولا يمكن أن تنزل إلا على مكون إعجازي من مكونات الباري الجبار والقرآن صريح وواضح وجلي في إعلان الانتقاء الرباني لأمة العرب لحمل الإعجاز القرآني.

 

العروبة إذن تكوين مادي للروح العملاقة المتمثلة بالإسلام الحنيف. والعروبة هي المكون المنتقى ربانيا لحمل الرسالة العظيمة وان الإيحاء بوحدة الأمة ماديا ووجدانيا في القران الكريم لا يمكن أن يقفز إلى الأممية قبل أن يظهر كينونته في وحدة العرب. ولن يكون هناك أبدا شعب أو قوم يفهمون الإسلام كثورة ربانية كما العرب ولن يكون هناك فقيه أو عالم مهما أوتي من العلم والإلهام خارج لسان العرب ولغتهم . والبعث الذي نؤمن به هو الذي ينبثق من كينونة الإسلام العربي ومن كينونة العرب المنتقاة ربانيا ..والله ناصرنا .     

 

 





الاحد٠٤ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٢ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أ.د. كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة