شبكة ذي قار
عـاجـل










انحدار أمريكا نحو السفح .. حتمية صارمة.
الأزمة المالية الحادة .. سبباً رئيساً .
تولد عن الحروب الخارجية والإنفاقات العسكرية .
أمريكا عملاق مدجج بالسلاح .. ولكنه محشو بالقش !!

 


مقدمة :
قوى العالم المختلفة عبر العصور، كما الحضارات، تنمو وتترعرع وتكبر وتشيخ ثم تدخل مرحلة الضمور أو الاضمحلال أو السبات الذي قد يدوم قرون .. فقد ظهرت قوى جبارة وبعضها حقق عبر مرحلة زمنية قياسية توازنات في القوى وتوازنات في المصالح ، ولكن سرعان ما تظهر أو تتبلور قوى أخرى تشق طريقها نحو بناء القوة والتوسع في مجالات تعتقد أنها حيوية لنموها وتأثيرها في المحيطين الإقليمي والدولي .. بيد أن حسابات القوة تظل نسبية مهما بلغت معدلاتها واتسعت روافدها وتوازنت مكوناتها ، لأنها لا تقاس وحدها على أرض الإقليم إنما تقاس القوة في أبعادها الجيو- إستراتيجية .


ومن هذا المدخل .. ثمة مسألة تخفيها الإدارة الأمريكية عن العالم، ولكن الكونغرس الأمريكي يكشف عنها بطريقته الخاصة بعد أن قرأ أوضاعه الداخلية المالية منها على وجه الخصوص، والاجتماعية، التي لا تقل أهمية طالما بات الأمر يرتب أوضاعاً يصعب معالجتها إذا ما تراكمت في المستقبل، ومنها أن الرفاهية، التي اعتاد عليها المجتمع الأمريكي منذ عقود طويلة لم تعد في المرحلة الراهنة قد حافظت على مستوياتها بل تراجعت تلك المستويات إلى الحد الذي أمسى فيه المواطن الأمريكي يشكو من الضرائب الثقيلة، وتآكل دخله الإجمالي، وتراجع مستوى رعايته الصحية، وتردي مستويات إنفاقه، وضعف قدرته الشرائية .


وعلى الرغم من تخمة الشركات الأمريكية القليلة التي تتحكم بمقدرات المواطن الأمريكي وبمستقبل البلاد، واتساع خطوط الفقر وما تحته، حتى بلغت نسبته أكثر من (15) مليون مواطن أمريكي يعيشون تحت خط الفقر في دولة القوة وحقوق الإنسان ، أعلنت الكثير من الشركات الأمريكية إفلاسها ، واندماج البعض منها للمحافظة على مكانتها المالية والإنتاجية، فيما باتت وظائف رجال الكونغرس بالمزاد العلني للذين يدفعون أكثر في تمويل الحملة الانتخابية ليحصل على لقب (كونغرس مان)، والذي يكلف صاحبه والشركات التي تقف خلفه الملايين من الدولارات شريطة أن تباركه (الإيباك) الصهيونية !!


صحيح، أن الاقتصاد الرأسمالي يمر بأسوأ مراحله من تراجع وانهيار، امتداداً لأزمة الاقتصاد الرأسمالي في (وول ستريت) منذ عشرينيات القرن المنصرم، والتي أدت إلى انتحار العشرات من الرأسماليين الصيرفيين ، وكذلك الثلث الأول من شهر أغسطس- آب/2011 ، حين أعلنت وكالات الأنباء الأوربية عن خسائر الشركات الأمريكية والأوربية نتيجة لذلك، خلال الفترة من 5-8 أغسطس- آب من السنة ذاتها والتي بلغت (917) مليار يورو ، وحسب مؤسسة (ديكسيا) المعروفة، وتراجع البورصات في (وول ستريت) نسبة تجاوزت 3% ، خسرت دول الخليج (عشرات الملايين) من الدولارات نتيجة لارتباطها بواقع الغرب النقدي وخاصة الدولار الأمريكي .


وقد أظهرت نتائج الحالة المزرية التي يمر فيها الاقتصاد الأمريكي والأوربي والحرب الاقتصادية والنقدية بينهما في البورصات عدداً من المسببات، تقع في مقدمتها (عجز أمريكا التحكم في ديونها المتزايدة بشكل كبير – بلغت الديون الخارجية (4) تريليون دولار، فيما يعجز الدولار الأمريكي عن إيجاد قاعدة الذهب لتعزيز وجوده في الأسواق العالمية وذلك – حسب قرار وكالة ستاندرد إند بوزر – فقد وصل الدين الأمريكي نسبة 100% من إجمالي الناتج القومي المحلي، الأمر الذي حدا بالوكالة المذكورة إلى التحذير بأن أمريكا، إذا لم تستطع أن تتحكم في وضعها المالي فأنها ستضطر إلى تصنيفها خلال عامين !!


لم تقتصر الأزمة المالية الأمريكية على الداخل الأمريكي إنما باتت لها أبعاداً عالمية لم يسبق لها مثيل في الاقتصاد العالمي ، بسبب من تشابك أو ترابط الأسواق والمؤسسات المالية وخاصة في أوربا . أما في آسيا والعالم النامي بصورة عامة فقد وصلها مد الانهيار المالي الأمريكي من خلال حالة الانهيار غير العادية في التجارة العالمية من جهة، وانهيار الدولار الأمريكي من جهة أخرى، (وفضيحة سداد الديون الأمريكية للصين كانت كارثة أمريكية، حيث ثبت لصندوق النقد الدولي أن لا خزين إستراتيجي من الذهب لدى أمريكا وإن ما تم سداده مجرد معدن عادي مطلي بالذهب، الأمر الذي جعل الصين ترفض استلام ديونها .. أما صندوق النقد الدولي فقد خلقت أمريكا لرئيسه مشكلة أخلاقية ) !!


ففي كل مرة تبرز فيها الأزمة المالية الأمريكية، (تعالج) بإجراءات سياسية غير عادية، ليس لمعالجة الأزمة ذاتها إنما لتخفيف آثارها وتقليل الخسائر الاقتصادية التي تهدد الواقع الاجتماعي الأمريكي .. ومع هذه الإجراءات الوقتية ومع تكرارها ومنذ عقود، فأن واقع الحال قد حكم بأن الأزمة باتت تمثل تغييراً كبيراً في النظام (المالي والاجتماعي والسياسي)، الأمر الذي يؤكد تغيراً جوهرياً سيلحق بالولايات المتحدة الأمريكية .. وكذا الأمر بإقتصادات دول العالم المختلفة .


فالمواطن الأمريكي لم يعد في خانة المواطن المرفه لأن المجتمع الأمريكي لم يعد مرفهاً، وإن الإنفاق الاستهلاكي للمواطن الأمريكي لم يعد مثل ما كان لأن (ضرائب الحروب) قد أثقلت كاهله، فهو معبأ للانفجار، لأن المجتمع الأمريكي غير المتجانس بات غير قادر على إنفاقاته الاستهلاكية المفتوحة (أيام زمان) إضافة إلى عوامل أخرى، فهو مجتمع مقبل على ربيع أمريكي يصعب تصور انفجاره بوجه مهزلة الشركات الكبرى أولاً وبوجه مهزلة الحزبين الديمقراطي والجمهوري .


والحقائق التي أبرزتها الأزمات الاقتصادية والمالية الأمريكية المتتالية هي :
أولاً- إن اتساع التدخل الخارجي وشن الحروب واستمرارها يعد سبباً رئيساً من أسباب الانهيار الاقتصادي والمالي الأمريكي .


ثانياً- وإن قوانين الاقتصاد تشترط (الاستقرار) في مناطق الأسواق والتعاملات المالية والنقدية الخارجية، وإن (عدم الاستقرار) السياسي يدفع إلى انكماش الأسواق وتخوف الرساميل وهروبها إلى أماكن آمنه .


ثالثاً - إن الناتج القومي الإجمالي لأي دولة يرتبط إلى حدٍ ما، أو أن ديمومة انتعاشه ترتبط على المدى البعيد بالعالم الخارجي (الأسواق)، وإن النمو الاقتصادي له شروطه في إيجاد المنافذ الكفيلة بالمبادلات والتوازنات، فإذا ما تقلصت أسواق الخارج فكيف يصار إلى نمو الاقتصاد وارتفاع معدلات نمو الناتج القومي الإجمالي ومعدل دخل الفرد، الذي وصل في الولايات المتحدة، نتيجة لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، إلى نهايته !!


إن تكرار أزمات الاقتصاد الرأسمالي تعني أن هنالك خلالاً عميقاً، ليس فقط في السياسات الاقتصادية فحسب إنما في طبيعة الاقتصاد الرأسمالي ذاته، وإن الأساليب المتبعة لمعالجة هذا الاقتصاد المريض بداء عضال، هي أساليب تخديرية وترقيعية مؤقتة لا تبحث أو ليس بالمستطاع وضع حلول جذرية لأزماته المتكررة، الأمر الذي يؤكد أن نظام الاقتصاد الرأسمالي لم يعد قادراً على الاستمرار، وليس أمامه إلا البحث عن بديل ( لا يحتكر الثروة ولا يحتكر السلطة ) بيد فئة أو مجموعة صغيرة تملك الكثير، فيما الأغلبية الساحقة لا تملك شيئاً .


أما الديمقراطية الأمريكية، فأن المكون (الصناعي العسكري)، هو الذي يحدد خطوط السياسة الخارجية الأمريكية، وهي خطوط لم تعد قادرة على شن الحروب كما شنت على (فيتنام وأفغانستان والعراق)، لأن مسألة الحرب تعتمد على إنفاقات عسكرية باهظة تنعكس على طبيعة الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي والتعليمي والتربوي ومناهج التطوير والبحث العلمي. وإن نظام الرفاهية الاجتماعية الأمريكي قد أنتج جيلاً يعتمد على الحكومة في الضمان الاجتماعي المتراجع، فيما ينتهي النظام التعليمي الأمريكي إلى إنتاج ظاهرة الطلاب الأميين على الأرصفة، ليلتحقوا بجيش المعاقين والمتأزمين نفسياً نتيجة الحروب الإمبريالية !!


يتبع ...
 

 

 





الثلاثاء٠٦ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة