شبكة ذي قار
عـاجـل










إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر  ولابد لليل أن ينجلي  ولابد للقيد أن ينكســر لهذان البيتان للشاعر التونسي الكبير أبو القاسم ألشابي صدى خاصا في خضم هذا الربيع العربي كما يحلو لوسائل الإعلام والدوائر السياسية الأجنبية تسميته ، واني اخترت أن اكتب في هذا الموضوع لترابطه مع ما كتبت من حلقات في خواطر ما بعد الغزو والاحتلال والإصلاح والتغيير وفق المفهوم الديني والأخلاقي ، وقبل البدء  بكتابة  الموضوع بحلقاته لابد من التأكيد على حاجة الأمة العربية لربيع عربي أصيل ينبع من صلب حاجاتها ويستجيب لجملة أماني وتطلعات وحاجات الإنسان العربي وخاصة إن القرن الواحد والعشرين الذي نعيشه  يراد به أن وئد كل  نهضة  تعبر عن  الشعوب المضطهدة المغلوبة على أمرها  وإنهاء كل أشكال الاستغلال والهيمنة الأحادية التي يتوسم بها هذا القرن بعد تفكك الاتحاد السوفيتي والجنون التي إصابة كأبوي الإرهاب  الإدارة الأمريكية كي تتمدد في  مناطق إستراتيجية من حيث الموقع والثروات التي تمتلكها  ومن ضفة لأخرى لنوحد جهودنا كطليعة عربية ونخب وجدت ذاتها بالفكر القومي النهضوي واختارت التضحية والجهاد طريقا للوصول إلى أهداف الأمة المترابطة جدليا وعضويا لأنها الجواب الشافي  والشامل على علل الأمة منذ سقوط الدولة العربية الإسلامية على يد هولاكو ، حتى نأخذ موعدا مع التاريخ  وهذا ليس خيالا أو حلما أو تخيلا ونستجيب لتطلعات شعوبنا لنضطلع بدورنا على أفضل وجه ، متمسكين بقيمنا المشتركة قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والسخاء واحترام حقوق الإنسان والمرأة ، لينشأ مع وطننا العربي الكبير فضاء للسلام والاستقرار يخلوا من الاغتصاب والاحتلال والظلم  وتعاد الأرض لأصحابها الشرعيين  ، وتنبني العلاقات بين الدول  بتكافىء وتبادل المنافع مع الاحتفاظ  بالخصوصية  والهوية

 

التحديات والآمال التي أثارتها الثورة العربية  الكبرى دعت طرفي المعادلة  أن يكونان في  صراع مستمر سببه أن الجماهير التي  نظرت للمستقبل العربي بعين الثورة  تعرضت إلى هزة كبرى  بفقدانها الوطن الموحد في ظل الإمبراطورية العثمانية ليكون مقاطعات موزعة بين بريطانيا وفرنسا وايطاليا  بمعاهدة سايكس بيكو وتسلب منه أراضي  لتضاف إلى دول إقليم ويؤسس لوعد يراد منه  الفصل فيما بين جسم ألامه الأسيوي والإفريقي بكيان مسخ يبنى على العدوان والتوسع  ،  ولفهم ألأحداث التي جرت مؤخراً في العالم العربي وتحديدا" تونس الخضراء ومصر التي استجابة جماهيرها لعنفوان الإرادة الشعبية التي عبرت عنها  الشغيلة التونسية والقوى الوطنية والقومية الرافضة لمنهج وسلوك زين العابدين بن علي كي تقتص من الحاكم الذي لم يتردد ليكون عراب الغزو والاحتلال  للعراق والمساوم على حساب القضية العربية المركزية فلسطين من خلال الدور الذي نهض به لخدمة المصالح الامبريالية الصهيونية  مرد وفا فعله هذا  بإيذاء الجماهير المصرية  ومصادرة إرادتها من خلال التزوير والتسويف ، ويجب الاعتراف بأن الربيع العربي كان بمثابة مفاجئة لكل القوى الداخلية والخارجية وغير محسوب مما ولد شعورا لدى قوى العدوان بضرورة  امتصاص هذه المفاجئة العربية وتسخير كل الإمكانات والقدرات لسحب البساط من تحت أقدام الشباب العربي الذي اثبت جدلية  تناقض الاعتقاد بان  الأنظمة السلطوية كانت وحدها الكفيلة بصد التطرف في العالم العربي ولطالما تذرعنا بالتهديد الإسلامي لتبرير نوع من المحاباة إزاء حكومات كانت تنتهك الحرية وتعرقل نمو بلدانها وإنها تتميز بالثبات وعدم التغيير وفجأة في مدينة سيدي بوزيد، ودون الانتماء لتوجه سياسي أو ديني، يضرم شاب النار في نفسه فيؤسس لثورة شعبية تهز عرش بن علي وتجعله يهرب بجلده فجأة ، فاشتعل لهب الحرية ليشب في المنطقة بأسرها ونهض شباب مصر ضد القمع. أصبح المواطنون هم من ينادي بكرامتهم ويصرخ تعبيرا عن توقهم للحرية الفردية، واحترام الفرد والحرية في التعبير عن آرائهم ، فهذه القيم تتجاوز الحضارات والثقافات والحدود فضلا عن كونها ملكا مشاعا ، لكن التجربة المصرية الفريدة أثبتت عمق الوعي والترابط فيما بين الشعب والمؤسسة العسكرية كامتداد للتأريخ والترابط وأصبح ميدان التحرير  الاستوديوهات المباشرة التي تعطي الدروس تلو الدروس بكيفية الوصول إلى النصر  وإسقاط  فرعون مصر الجديد وحزبه والمفسدين ،  وليس فجأة يجدد الشعب العربي الارتباط بتقاليد الانفتاح والتغيير والحداثة التي ميزته طيلة قرون ولربمى قد أغفل ذلك  نوعا ما  وتجدر الإشارة مثلا إلى التأثير الهائل لخلفاء دمشق وبغداد ، فضلا عن القاهرة وقرطبة ، أيام كان ابن رشد وابن ميمون وابن حزم يلهمون العالم وأيام نسجت الديانات التوحيدية الكبرى الثلاث معا على الأراضي الأندلسية ، نموذجا للتعايش المنسجم والسلمي واليقظة المتميزة التي شكلتها النهضة العربية ، هذه الحركة الإصلاحية المستنيرة التي تغذت من منابع الثقافة العربية مستندة إلى عصر التنوير، وكانت وراء نشوء نخبة مثقفة تنزع إلى الحداثة في بلدان الضفة الجنوبية  فمن تونس إلى دمشـــق ،

 

مرورا بالقاهرة وبيروت ، اضطلع التونسي والطهطاوي والأفغاني والبستاني ، وخليل جبران لاحقا ، بدور ناقلي المعارف. فقد فتحوا العالم العربي ، عبر قراءاتهم وأسفارهم وكتاباتهم ، أمام إشكاليات التربية ومكانة المرأة في المجتمع وتنظيم الدولة  ، وأنه منذ منعطف القرنين التاسع عشر والعشرين إلى الحرب العالمية الثانية ، عرف الوطن العربي الكبير  أو على الأقل العديد من نخب عصره التحرري ، بفضل حركات تستند إلى الدستورية وإرهاصات ديمقراطيات برلمانية وتعددية سياسية  لاسيما في مصر وسوريا والعراق وتونس ، فأقول هذا الربيع العربي ما كان لأي مركز أبحاث أو بعثة دبلوماسية أو خبير التنبؤ بحجمه أو زمن وقوعه أو من هم أدواته  على الرغم  من  وجود إشارات منذرة – كأنه حكم على هذه المنطقة من العالم بالعيش في بيئات تكتم أنفاسها ، دون الحصول على الحق في الحرية والحداثة بالرغم من موروثها الذي تزخر به بطون الكتب والآثار غير أنه ومنذ مدة طويلة ظهر بوضوح وجود شرارات حركة التجديد المستحيل كبحها  في كافة الأقطار العربية  ظهرت الشرارات بفعل الفقر والبطالة وارتفاع أسعار المواد الغذائية ، بعد أن فقد الحاضر معناه وبات المستقبل مغلقا ومجهولا لعموم الشعب   وتناغما" مع العصر والتطور التكنولوجي الهائل ظهرت الشرارات على الموجات والشبكة العنكبوتية، وغذتها وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية ، بينما عززها شباب ديناميكي لم يفتأ تعليمه يتحسن  شباب يتوق إلى الانفتاح على العالم  ، ظهرت الشرارات في الأوساط المثقفة والفنية. أقصد مثلا عبد الرحمن الشرقاوي، الذي تحكي روايته "الأرض"، التي حولها المخرج يوسف شاهين إلى فيلم سينمائي، ثورة فلاحين في قرية بدلتا النيل. أقصد كذلك صنع الله إبراهيم ، الذي تتناول جميع مؤلفاته النظام المصري بسخرية كما أقصد نجيب محفوظ ، الفائز بجائزة نوبل ، والكتاب الطيب صالح وإميل حبيبي وكاتب ياسين وجميع العلماء والشعراء والموسيقيين والمخرجين الذين اضطلعوا بدور بارز في الكفاح من أجل الحرية والتسامح والعدالة

 

 

يتبع بالحلقة الثانية

 

 





الثلاثاء٢٠ ذو القعدة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ١٨ / تشرين الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عــبــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة