شبكة ذي قار
عـاجـل










الاسقلال والسيادة من اكبر المهمات التي اضطلع بها الشهيد صدام حسين طيلة السنوات الماضية ,
وقد دافع والحزب عن هذه الثوابت المبدئية بكل السبل , وبعد الغزو الامريكي للعراق 2003 , وتسلم اعوان امريكا وايران السلطة في المنطقة الخضراء , صار العراق مستباحا من نظام الملالي والقوات الامريكية واجهزة المخابرات الصهيونية  , فضاعت السيادة والاستقلال الوطني . في هذه المقالة نسلط الاضواء على صناعة القرار الوطني في صون السيادة والاستقلال .   


اولاً : صدام حسين وصناعة القرار التاريخي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بات من المسلم به، ان صدام حسين اصبح في عداد القادة التاريخيين الذين تركوا بصماتهم على حقبة زمنية في التاريخ، من خلال قيادتهم شعوبهم نحو الظفر في شتى المجالات، ومجابهتهم كل التحديات التي كانت تواجه بلادهم وشعوبهم وكياناتهم.


صدام حسين قائد تاريخي، حفظ للعراق استقلاله الوطني وحفظ للامة العربية شخصيتها القومية، من خلال الانتصارات العسكرية  التي حققها ضد المعتدين الغزاة، ومن خلال الانجازات العلمية المتطورة،  التي اكدت قدرة العرب على التعامل مع العلم والتقنية باستجابة عالية للمتطلبات الوطنية والقومية، واعاد للامة بعض سيرتها في الانجازات العلمية  التي رفدت بها الامم والشعوب في اوربا والعالم واصبحت نواة لهذا التقدم العلمي الذي نشهده اليوم.


لماذا هذا الحكم….ولماذا تميز صدام حسين بانه صاحب الدور القيادي في حياة العراق والامة العربية….؟ وصاحب القرار السياسي التاريخي في استقلال العراق الوطني وحماية هذا الاستقلال، وفي توفير فرص الامن القومي العربي…؟


1-اتسم صدام حسين بكل السمات  التي تميز القادة التاريخيين. فقد اجمعت الدراسات الحديثة والقديمة ان القائد الناجح يتميز بالبسالة، والحسم، والثقة بالنفس، والتحمل والجلد، والحماس والمبادأة، والاستقامة، والعدل، واللياقة البدنية، والعقل الراجح، والتمسك بالقيم الروحية والاجتماعية.


و إذا كانت السمات- الآنف الذكر- تميز القادة الناجحين عموما  فان صدام حسين تميز بسمات ادق خصوصية، في حياة العراقيين والامة العربية منها على سبيل المثال:


أ.انه قائد عصري، تميزبالحيوية والتفاعل مع مسار الحياة وفي الوقت نفسه مشبع بروح التراث، ويتصل بالامة العربية وتاريخها وتراثها ورسالتها اتصالا " حيا "، لذلك فهو تمتع بقدرة اتخاذ القرارات التي تلبي روح العصر، وتستمد روحها وحيويتها من اصالة الامة وتراثها المجيد، وشكلت الافعال وانماط السلوك الكفاحي في معركة قادسية صدام وام المعارك والحواسم، صدى لروح البطولات  التي صنعها الاجداد العظام، وبرز صداها في الحياة المدنية في التربية والتعليم والاثار والحياة الاجتماعية، حيث استنهضت الومضات المشعة في تاريخها واستحضرت ارواح الابطال الذين صنعوا سفر المجد العربي.


ب.صلته الحية بالشعب وتمثله لكل همومه وتطلعاته. لانه ادرك منذ وقت مبكر مقدار الظلم والعسف الذي مارسته الانظمة ضد ابناء الشعب. ولذلك صاغ نظرية خاصة في ( حب الشعب) واكد على كسب الشعب لامد طويل كيف…؟


- خاطب عقول ابناء الشعب قبل قلوبهم، فاثار عندهم حس المحاكمة والاستنتاج.
- بنى جسور الثقة المتينة مع ابناء الشعب بالصدق والوفاء للوعود، وعدم التدخل في تفاصيل حياتهم.

- سعى بدأب حثيث لبناء وحدة وطنية متينة في البلاد لايمانه بان الشعب الموحد القوي يولد جيشا قويا ويصنع امكانات علمية متقدمة.


ج-حمل خصائص البعث ومبادئه وتمكن من تمثيلها بصدق وترجمتها إلى نظرية عمل خاصة، لها خصائصها الوطنية. ولذلك جمع في ذاته جدلية الصلة الحية والقوية بالامة والتاريخ والصلة الحية بالشعب، أي جدلية الاصالة والمعاصرة.


2- لم يرضخ لظروف الزمان والمكان، ولم يقبل ان يتدحرج الشعب مع الحالة المفروضة عليه ومع التيار في الزمان والمكان. ولم يقبل الخوض فيما كان ويستند عليه، ولم يرضخ إلى الكائن، بل كان يحرص على معرفة ماكان، وماهو كائن، وماسيكون. وهو ماعبر عنه بالحرص على احياء التراث والتاريخ، ولكنه حذر من الاستسلام لكل ماكان ، محفزا لماسيكون، في ضوء ماهو كائن في الحاضر. فهذا الربط الجدلي بين عناصر الزمن للاحداث هو الذي ميز القائد التاريخي، وهو الربط الجلي بين التراث والمعاصرة. و إذا مانظرنا إلى جميع القرارات  التي صدرت خلال عمر الثورة نجد انها نبعت من رؤية استراتيجية لكل ظروف الزمان والمكان في الماضي والحاضر والمستقبل.


3-القائد العظيم هو الذي يخرج من بين شعب عظيم، تلك قاعدة متعارف عليها. وصدام حسين واحد من شعب له تاريخ حضاري عريق، ولكنه جاء هبة لهذا الشعب ليقوده نحو صنع امجاد جديدة. ولذلك كانت عنايته عظيمة بالعلم واقتناص كل الفرص  التي تؤمن امتلاك التقنية المتقدمة، التي تؤمن السير مع المتقدمين علميا من حولنا ان لم نتقدمهم. وقد تجلى الاصرار على تنمية القدرات العلمية لابناء الشعب في اصعب ظروف العراق قساوة. وتحقيق الشيء الكثير مما كان يصبو اليه واخرها الانجازات العلمية في الميدان العسكري والمدني، رغم كل ظروف الحصار القاسية التي مر بها العراق .


4-لانه ديمقراطي ويؤمن بالحرية فقد  اعتبر الدفاع عنها معركة حياة او موت،  فلم يحتكر السلطة رغم انه مثل مركز القيادة في اتخاذ القرارات التاريخية منذ بداية الثورة عام 1968، وكان شعاره بان يكون سيفا يتقدم السيوف وليس السيف الوحيد، وان يظل راية تخفق مع كل الرايات فوق روابي الوطن.


ومن هذا المنطلق ظل حرصه شديدا على مبدأ القيادة الجماعية وعدم التفرد بالقرار. رغم قدرته على ان ينفرد بصنع القرارات التاريخية، نظرا للقدرات العقلية والكفاءة النظرية، والتنظيمية التي كان يمتلكها. ورغم ان العمل الجماعي ظل طابع القيادة في العراق إلا ان رفاق القائد التاريخي، اعترفوا بدوره المتميز كرمز من رموز الامة العربية. ولذلك حرص القائد الشهيد ان يتقدم الصفوف الاقتحامية بجرأة وبسالة وحكمة ومعه كل المخلصين من القادة المدنيين والعسكريين. وبهم وبالشعب العظيم تحققت سلسلة المنجزات والانتصارات العظيمة خلال مسيرة الثورة وخلال وقوفهم امام القضاة التابعين لارادة الاجنبي , فقد ظهروا امام الرأي العام العربي والعالمي متراصين اقوياء لا ترهبهم قرارات المحاكم اللاشرعية  .


5-واضافة إلى ايمانه بالعمل الجماعي في القيادة، فقد ترجم صورة القائد ، من صورة لاهوتية، إلى صورة واقعية، يعرفها ابناء الشعب، ويحبونها ويطيعونها ولايخافونها. انه القائد الذي صنع نظرية ( حب الشعب)- كما اسلفنا- اعتبر الشعب مدرسته وملهمته في الحياة تعلم من الشعب وهو يقوده، منحهم الثقة بالنفس، وسند ظهره بعزيمتهم الصلدة، سعى إلى المبادأة وعرف ان الكل يتدافعون خلفه للوصول إلى الهدف.


6-الحرص على احكام الموازنة في اتخاذ القرارات، أي عدم القبول بالحالة الوسطية بين الموقف اليميني والموقف اليساري، او بين نظريتين او فكرتين. ولكنه حرص على فهم النظريتين وعدم رفضهما معا، بل أعتمد موقف جديد له خاصيته المنسجمة مع خصائصنا الوطنية والقومية منها:.


أ-سادت اتجاهات في السياسة تؤكد تغليب العوامل الذاتية الداخلية على العلاقات والعوامل الخارجية. وبعضها يغلب العلاقات والعوامل الخارجية ويعطيها اهمية كبرى. ولكن صدام حسين أكد ضرورة اخذ العوامل الخارجية المؤثرة بعين الاعتبار عندما نقيس ونعمل بالقدرات والممكنات الذاتية. والحرص على مواءمة الاشياء والامكانات مع الخصوصية الوطنية والقومية.


ب-عند تأميم شركات النفط الاجنبية عام 1972 ، لم يأخذ  بالرأي الفني الذي حذر من مخاطر التأميم، ولم يأخذ بالرأي الذي طلب التسرع ولكنه وجد في كل منهما مشروعيته وصاغ قرار التأميم بما يلبي طموحات الشعب، وما يدفع مخاطر التأميم السلبية ومحاولة الشركات والقوى الاستعمارية اجهاض التجربة.


ج-عند دراسة وضع اول خطة استراتيجية تنموية اقتصادية عام 1975 عرفت بالخطة الانفجارية، حذر من مخاطر النظرية  التي تقول بان بلدان العالم الثالث ومنها العراق بلدان زراعية وعليها ان تهتم بالزراعة فقط، كما حذر من اتجاه نقل الصناعة بدون دراسة ومؤائمتها مع خصوصيات البلد. وكان القرار ان يكون الميل في التنمية الاقتصادية لصالح الصناعة ثم الزراعة، لان التقدم الصناعي، يخفف من حدة الرضوخ لتقلبات السوق العالمية واحتكار الدول والشركات لمكائن ومعدات الصناعة، ويؤمن فرص عمل كبيرة. كما يؤمن في الوقت نفسه مستلزمات الخدمات والتنمية الاجتماعية..


د-عندما تفجرت أزمة الطاقة في عقد السبعينات من القرن الماضي، اندفع البعض إلى تسويق اكبر كمية من النفط لانه رأى ان بدائل الطاقة باتت على الابواب. في حينه كان قرار صدام حسين " يجب ان يكون احد اخر برميلي نفط في العالم عراقيا"


هـ-اوقفت الدول  التي خاضت الحروب عمليات التنمية في بلادها. وسخرت كل القدرات للحرب. اما صدام حسين فكان قراره ان يظل العراق قويا في الميدان العسكري والميدان العلمي والميدان الاقتصادي والميدان الثقافي. ورغم ما أحرقته الحرب من معدات عسكرية الا ان العقل القيادي ظل يتعاقد مع الدول لشراء اسلحة تسلم للعراق بعد خمس او ست سنوات من تاريخ التوقيع، بحيث يكون بمقدور القوات المسلحة ان تتسلم اسلحة جديدة وحديثة عند نهاية الحرب. كما قرر العقل القيادي كسر احتكار صناعة السلاح خلال فترة الحرب  وقد رفدت الصناعات المتنوعة   القوات المسلحة خلال الحرب. وحققت توازنا حقيقيا مع العدو الصهيوني. وقد جاء اعلان صدام حسين عن امتلاك العراق للسلاح الكيماوي المزدوج، تعبيرا عن قدرة صانع القرار في احداث توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني وكسر احتكاره للرعب النووي في منطقة الشرق الاوسط، وبذاك الانجاز الوقائي اعاد للامة العربية ثقتها بنفسها، وقدرتها على مواجهة التحديات الخارجية.


وفي سنوات الحرب والحصار شهد العراق بناء وافتتاح اكثر من جامعة، ومئات المعاهد الفنية، والوف المدارس، كما ظلت مسيرة التعليم في تقدم، وظلت الحركة الفنية والادبية تنتعش يوما بعد اخر.


ثانياً : الاستقلال الوطني 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاستقلال الوطني يعني استقلالا في الفكر والتصرف، والبناء واقامة العلاقات المتوازنة مع الاخرين، ومن ثم قدرات مختلفة لحماية الكيان الوطني المستقل وحماية الامكانات المادية فيه، ومكونات النهوض لدى الشعب، التي شكلت قاعدة اساسية لنهوض الامة العربية وتكونها…


كيف فهم الاستقلال الوطني؟
انها سلسلة من الاسئلة المترابطة تبدأ بالوطن الذي عرفته الكتب المدرسية بانه البقعة الجغرافية المحددة المساحةالمعترف بها دوليا,  التي تعيش فوقها مجموعة من البشر لهم لغتهم وديانتهم وتاريخهم وعاداتهم ويحملون جنسيته . ويرتبطون بهذا الوطن بروابط الالفة والمحبة ، والاستعداد الفطري للدفاع عنه يعرفون حقوقهم وواجباتهم التي حددها الدستور. وبهذا الاستعداد عرف مصطلح ( الوطنية). بأنها ليست شعارا يُقال، بل هي فعل وممارسة مقرونة بايمان عميق واستعداد دائم للتضحية دفاعا عن الوطن ومكتسبات الشعب وتاريخهم وتراثهم ودفاعا عن مستقبلهم ايضا. والوطني هو الذي يقدم عطاء لهذا الوطن والامة، وتتفاوت درجات الوطنية بمقدار مايكون للوطني اسهم ورصيد اكبر في ( بنك الوطنية ).


والاستقلال الوطني، ليس نظرية تقال في كتب السياسة والقانون، ولكنه نظرية واستعداد لترجمتها إلى فعل مصحوبا بايمان عميق باهمية الوطن واستقلاله واستعداد للدفاع عنه. واساس مقومات الاستقلال الوطني وحمايته، هو المجموع العددي والنوعي للقوة المادية والمعنوية الموجودة في البلد، وتوفر الارادة الوطنية  للدفاع عن الاستقلال، وتوفر القدرة على تحريك القوة، وتوليد قدرة دفع كبيرة تحقق الهدف.


ولكن هل الاستقلال الوطني يعني الدفاع عن الوطن فقط…؟ ام هو بناء وطني بكل ما تعنيه كلمة البناء، أي البناء الاقتصادي، والاجتماعي والثقافي والفني، واساس هذا البناء وقاعدته هو الوحدة الوطنية بين ابناء الشعب؟ وفي مفهومنا فهو البناء المادي والروحي للاستقلال الوطني، وهو البناء الذي صمد خلال منازلات  قادسية صدام  وام المعارك والحواسم .


 صحيح ان الاستقلال الوطني يصنعه الافراد والمجتمع عموما من مدنيين وعسكريين. والاصح ايضا ان الاستقلال تصنعه. اضافة إلى ذلك القيادة. القادرة على توحيد طاقات الامة وتحريكها لتشكيل قدرة نوعية. وخلال مسيرة البناء الوطني يتفاوت الاستقلال بتفاوت الاداء بين فرد واخر وبين مجموعة واخرى، كما يظهر السلوك المندفع والمتحمس للبناء مقابل السلوك المتردد او الجبان او السلوك الانتهازي. وخلال مسيرة البناء الوطني المعروفة في العراق ابتداء بتصفية شبكات التجسس وتأميم شركات النفط الاحتكارية، وحل المسألة الكردية حلا عادلا، واقامة الحكم الذاتي للاكراد، والاقدام على تنمية انفجارية، واعادة بناء القوات المسلحة في الكم والنوع، واقامة الجبهة الوطنية، والعمل الوحدوي مع العرب، واقامة علاقات متوازنة مع دول العالم. ان هذه المسيرة  التي قادها صدام حسين اعطت اكثر من درس :


1- قيادة العراق  الثورية ليست من صنف القيادات التي ترضخ للتهديد، لانها تؤمن بمباديء قومية ايمانية اشتراكية، ومستعدة للتضحية من اجل ترجمتها إلى حيز الواقع فعلا وعملا. فهي ليست من نمط القيادات التي تتلون كل يوم بلون وحسب المواسم والحالات، بل هي ثابتة على المباديء تتعامل مع الاخرين تعاملا اخلاقيا بعيدا عن المراوغة والشر. وقد اثبتت القيادة العراقية مصداقيتها في اكثر من تجربة واثبتت تمسكها بتلك المبادئ اثناء المحاكمة المسرحية التي اعدت فصولها في مدينة الفن الامريكية .


2-اكدت تجربة العراق لجميع الدول صغيرها وكبيرها في العالم، ان الذي يمتلك ارادة وطنية، يمكنه ان يشيد البناء الوطني القادر على صون الاستقلال، وان يقيم علاقات متوازنة مع الاخرين، علاقات تقوم على الود والاحترام. وفي الوقت نفسه، لايرضخ للابتزاز  أو محاولات التوريط والايقاع.


3-اعطت تجربة العراق في تعزيز الاستقلال الوطني والدفاع عنه درسا غنيا مهما لامتنا العربية وشعوب العالم، بضرورة الاهتمام بالعمق التاريخي والحضاري، لاستنباط العبر من رموزه ومن سيرة الاجداد وهو الدرس الذي حقق صلة عضوية بين الاصالة والمعاصرة في حياة الامة العربية الماصرة. فالتاريخ ليس سجلا لتدوين الاحداث فحسب، بل هو مدرسة تتعلم منها الاجيال معاني الاستقلال ومعاني الحرية والكرامة، والاستعداد للدفاع عنها، بصورة عصرية تستجيب لمستلزمات العصر الحديث.


4-اعطت تجربة المنازلة التي خاضها العراق مع اعداء الامة درسا عظيما للشعوب والامم التي تهتم بتاريخها وتراثها ورسالتها الحضارية الانسانية في دفاعها عن استقلالها الوطني. والدرس الاكبر هو للامة العربية بوجه الخصوص. فالعراق الذي يملك عمقا تاريخيا، ويحمل عمق الامة العربية وتراثها العظيم قاتل قوى الاعداء، بقدراته الذاتية الوطنية اولا، وبروح وزخم الامة ورسالتها الحضارية. وبهذه الروح دافع عن الامة العربية وعن كيانها القومي وعن رسالتها الانسانية، فكان انتصاره انتصارا للعراقيين وللامة العربية كلها. وفتحت المعارك التي خاضها ، فرصة كبيرة للتعبير عن المشروع القومي الحضاري، حيث وجدت القوى – المعادية للامة العربية، نفسها في حالة مواجهة مع العرب والمسلمين بعامة , وكانت معركة الجهاد العظمى ضد القوات الامريكية الغازية من انبل واعظم المعارك , حيث كانت حافزا لانبعاث هذا الدفق الثوري لدى جماهير الامة ضد الظلم والاستبداد والاطاحة بالمستبدين .


5-اكدت تجربة الاستقلال الوطني في العراق، ان الاستقلالية لاتعني الانغلاق والانعزال عن الاخرين. لان قيادة العراق التاريخية أمنت بنظرية حية متطورة تستجيب لمستلزمات العصر، فهي نظرية ترفض الانغلاق والانعزال، وتؤمن بالتفاعل الحي مع الحياة والاستجابة لمتطلبات العصر ، واحتياجات الانسان المادية والروحية. وبذلك استبقت الاسباب التي فجرت ازمة الدول الشيوعية عند ما اخلت بالتوازن بين ماهو مادي وماهو روحي ومعنوي. وقد اثبتت تجربة الاستقلال الوطني في العراق، ان الاستقلالية تتعزز بمقدار مايكون التفاعل حيا مع الدول والقوى في العالم وبمقدار مايكون الحوار رائد المتحاورين والمتفاعلين.


ثالثاً : الاستقلال الوطني والامن القومي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان احد العوامل التي دفعت حزب البعث إلى القيام بثورة تموز 1968 هو الرد على عدوان الخامس من حزيران 1967 وبناء قاعدة محررة صلبة، تكون مرتكزا لانطلاقة قومية نحو الوحدة، والدفاع عن الامة وكيانها القومي. ومنذ الايام الاولى للثورة لم تغب القضية القومية عن اعين قادة ثورة تموز، فكانت الوحدة و فلسطين حاضرة في الذهن والقلب، وأمام العين. ولذلك بادر صدام حسين باسم القيادة العراقية، إلى طرح اكثر من مشروع يعزز التضامن والعمل الوحدوي ابتداء من مشاريع احياء جبهات المواجهة مع الكيان الصهيوني، ومرورا بتطويق خيانة السادات وعقد مؤتمر  قمة عربي استثنائي في بغداد، واعلان بنود الاعلان القومي، ومجلس التعاون العربي.


أشرت المبادرات التي قادها صدام حسين في ميدان العمل القومي ومجابهة الاخطار المحدقة بالامة العربية والسعي للدفاع عن الامن القومي العربي جملة من القيم والدروس:


1-السعي لاحباط محاولات القوى الصهيونية والامبريالية لتجزئة الامة العربية والوطن العربي مجددا لان مثل هذه المحاولات لاتخدم المصالح المشتركة بين الاقطار العربية والدول الكبرى بل تخدم الصهيونية وكيانها الاستيطاني في فلسطين.وقد اراد  ان يؤكد لدول العالم، ان اللعب بورقة الخلافات العربية، ورقة خاسرة، لان الخلافات بين العرب ظاهرة عرضية وليست دائمة.


فالامة العربية معروفة في تاريخها إذ عاشت حالات مد وجزر. حالات نهوض ونكوص. وكانت تنهض من بين الركام والهبوط لتتوثب مجددا وتقوم بدورها الطليعي في رفد البشرية بعطاءات الخير والانسانية. فالمراهنة على خلافات العرب، وحالة التردي لفترة طويلة مراهنة خاسرة، لان العرب اخذوا يدركون مخاطر التهديدات الخارجية، وكذلك يدركون اهمية التضامن في شتى المجالات لحماية امنهم القومي .


2-ان حماية الامن القومي واجب كل العرب، كل من مكانه، وضمن حدود قدراته. ويتعزز الامن القومي كلما كان الاتفاق شاملا بين العرب، حول نقاط مركزية فالاعلان القومي، وجملة المشروعات التي طرحها صدام حسين كانت ترجمة عملية لواجبات العرب لحماية امنهم القومي. فلم يعد الامن القومي شعارا يقال في المناسبات بل هوممارسة واستعدادا للتضحية.


3- تؤشر مسيرة العمل القومي الوحدوي ، اصرار صدام حسين  على طرد حالات الانكسار واليأس في النفس العربية، وزرع حالة الثقة بالنفس من خلال اظهار قدرات الامة في الماضي والحاضر. وقد جاء النصر العراقي في قادسية صدام، وام المعارك الخالدة ، ومقاومة الاحتلال الامريكي واجباره على الانسحاب من العراق , وانتفاضتي  الشعب الفلسطيني ليؤكد قدرة الامة على الصمود والمقاومة وعدم الرضوخ والاستسلام ، رغم اختلال الموازنة لصالح القوى الامبريالية والصهيونية ،, واصبح الانتصار يؤكد مقدار نضج الامة العربية وادراكها لمخاطر المؤامرة حولها، ولدورها التاريخي برفد البشرية بعطاءات الخير والسلام. ومن اجل ان تعزز الثقة بالنفس خاطب صدام حسين العقل العربي والضمير الانساني عند العربي. لكي ينهض ويحاكي حركة التقدم في العالم ويسير في مجرى حركة التاريخ إلى امام، ولايقف حول حركة التاريخ، ويقوم بدور الشاهد عليها، بل دور الفاعل والقائد لها.


ان استنهاض العقول العربية، يستند إلى امكانات الامة الغزيرة، التي اسيء استخدامها من قبل بعض الانظمة لدوافع مختلفة، ولهذا كانت مخاطبة صدام حسين للاجيال العربية بكيفية خلق الفرص التاريخية التي تنقل العرب خطوات إلى امام. وتبدأ هذه الفرص بالعلم والتقنية وتتبعها العوامل الاخرى، وفي مقدمتها الاقتصاد لكي تشكل فرصا تاريخية نحو الخطوة المتقدمة إلى امام.


4-اشرت مسيرة العمل القومي الوحدوي، الفهم الواقعي للامة العربية والظروف المحيطة بها، والظروف التي جعلتها تنكمش وتتردى أوضاعها.
ان الفهم الواقعي الذي ليس ذاك الفهم الذي يقود إلى الرضوخ للواقع  أو يستسلم له، بل هو فهم ممكنات الامة ومعرفة دليل العمل الذي ينطلق من هذه الممكنات دون القفز في الهواء وتجاوز الواقع. انها الواقعية الثورية التي تنشد الهدف الاستراتيجي حقا. فمعرفة حالة التردي في الاوضاع العربية تحتم الانطلاق من هذا الفهم للارتقاء بالاوضاع فوق حالة التردي. فالدعوة للتضامن كخطوة واقعية لاتعني الاستسلام للواقع، ولكنها فهم ثوري للواقعية، واحداث حالة انقلابية في الحياة العربية، دون ان تنسى الهدف الاستراتيجي المتمثل في هدف الوحدة…


ان فهم الواقعية في الاوضاع العربية والتعبير عنها باسلوب عملي قابل للترجمة هو الفهم المطلوب في ظروف امتنا العربية. كما ان فهم الواقعية لدى صدام حسين اشر ضرورة اتباع المرونة مع العربي بما لايتقاطع مع المباديء الاستراتيجية. كما اشر ضرورة المصارحة باتجاه فهم مشترك. وضرورة نبذ الخلافات وزرع الثقة بدلا من الشك والهواجس من خلال عدم التدخل في الشؤون الداخلية  أو التهديد بالقوة  أو التسلط.


رابعاً : الاستقلال الوطني والامن القومي في السياسة الدولية

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ادرك  صدام حسين منذ بدايات الثورة، ان القوى الكبرى كانت تحسب ان الذي جرى في العراق، هو حالة تقليدية اشبه بما    جري في بلدان العالم الثالث، أي انها حالة تتبع موجة الثورية اللفظية وتنطفيء مع مرور الزمن، وتسقط تجربتها عند مواجهتها اولى المشكلات في الداخل. ولكن ثورة العراق تجاوزت الحدود المتصورة في ذهن القوى الدولية. واخذت التجربة العراقية ابعادا جديدة مع مرور الوقت، وتجاوزت التحديات الداخلية والخارجية بعد ان قطعت شوطا في بناء الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقلال الوطني، وبعد ان وقفت بحزم ضد التدخل الخارجي. وقد وضع صدام حسين محددات لاقامة العلاقة مع الدول الكبرى تقول : بان العراق يتعامل من خلال المباديء مع من يحترم المباديء. ويتعامل من خلال المصالح بشرط عدم الاضرار بمصالح العراق الوطنية،  أو الاضرار المتعمد بالقضايا الوطنية والقومية. وان لايتدخل احد من خلال المصالح المتبادلة  أو المشتركة في الشؤون الداخلية، وان يكون لدى الدول استعداد لتقديم التقنية للمساعدة في نهضة العراق.


ان هذه المحددات والاصرار على الالتزام بها ومحاسبة من يخالف بندا منها، جعل الموقف العراقي يلقى الاهتمام والتحسب من القوى الدولية الكبرى. وقد اشرت المواقف السياسية على الصعيد الدولي ما يأتي:


1-ان العلاقات مع دول العالم ضرورية وواجبة، لانها تقع في خانة انفتاح الدول والشعوب والحضارات على بعضها البعض، وكذلك ضرورية لتبادل المصالح بين الدول والشعوب في
شتى الميادين.


2-هناك فرق بين الصداقة والتبعية. فالصداقة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بعيدا عن حالات التدخل في الشؤون الداخلية  أو مصادرة القرار الوطني. وبالذات في حالات الصداقة بين الدول الصغرى والكبرى. وقد كان حرص صدام حسين كبيرا على بلورة الكيان الوطني العراقي في المستقبل، كيان الذي يتمتع باحترام وتقدير دول العالم. ولذلك كان حزمه شديدا في قطع كل يد تمتد لكي تتدخل في شؤون العراق، وحرصه اشد على بناء علاقات الصداقة مع الجميع إذا احترموا استقلال العراق الوطني، وامن الامة العربية القومي. ورغم اهمية اقامة العلاقات مع الدول الكبرى لتبادل المصالح المشتركة، فانه لايأسف على قطع هذه العلاقة مع اية دولة مهما كان عنوانها، إذا تمادت وارادت ان تتدخل في شؤون العراق، وتهدد امنه , وشتان بين ما كان , وما هو كائن الان في عراق المحاصصة والطائفية .


وقد عانى العراق كثيرا من سوء الفهم والدعاية التي شنتها وسائل الاعلام الغربية بخصوص اتفاقية الصداقة بين العراق والاتحاد السوفياتي السابق، ولكن الثبات المبدئي والترجمة العملية للمباديء ازال سوء الفهم المتعمد، واكدت مواقفه في السياسة الدولية في ( ادانة التدخل السوفياتي في افغانستان وادانة التدخل الامريكي ايضا فيه ) استقلالية القرار الوطني في العراق وانه يقيم صداقة متكافئة مع دول العالم ولايتبع احداها. وقد انطلق من ان الذي يقبل التبعية لهذا القطب الدولي، وهو اجنبي، يمكن ان يقبل التبعية لاي طرف اجنبي اخر.


3- الرؤية الثابتة بشأن مستقبل دول عالم الجنوب الفقيرة، اذ ان مستقبلها مرهون بمقدار حرصها على وحدتها الوطنية، ونبذ الفرقة والتناحر والاقتتال الديني والعرقي والطائفي، والتعاون في شتى المجالات لتكوين مجموعات  أو تكتلات اقليمية، تقوى على حماية نفسها. وهذا هو حرص اصدام حسين على نجاح حركة عدم الانحياز، وتعزيز مؤسسات العالم الثالث، وانشاء تجمع مؤسسي لدول الشرق اولا، لتحقيق حالة من التوازن في القوى العالمية، للحد من هيمنة القطب الواحد، عقب انتهاء الحرب الباردة تفكك الاتحاد السوفيتي.


4-اعزز صمود العراق، صمود حركات وطنية اخرى في العالم، وصارت المقاومة والرفض عنوان القوى الوطنية في العديد من دول العالم، ضد كل اشكال الهيمنة العسكرية التي تجسدها الادارة الامريكية، وضد اشكال الهيمنة الاقتصادية والثقافية والاعلامية التي تجسدها العولمة، التي تلبس ثوبا أمريكيا لا يصلح للآخرين ولا يقدم لهم أي نفع يرتجى , كما عزز صمود المقاومة الوطنية العراقية بكل فصائلها بوجه الاحتلال الامريكي وانهاكه جسديا ومعنويا , واجباره على الانسحاب , من اشتعال الانتفاضات العربية ضد الانظمة المستبدة في أكثر من بلد عربي.


وخلاصة القول : ان الاستقلال الوطني – الناجز، بكل مفاهيم الاستقلال ، اساس في صياغة عناصر الامن القومي، ويسهم بفعالية في انشاء نظام عالمي متوازن، يحافظ على الامن والسلم الدوليين.
 

 

 





الاربعاء١٣ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٩ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. حسن طوالبة نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة