شبكة ذي قار
عـاجـل










قد لايعني أسم (محمود هاشمي الشاهرودي) شيئاً لدى البعض لكنه بكل تأكيد يعني للآخرين بأشياء كثيرة ، خصوصاً الدعوجية ، فقد أرتبط الشاهرودي بتنظيم حزب الدعوة منذ زمن طويل وله علاقات وثيقة بقياداته ، وبصورة خاصة كان له ارتباط متين بأستاذه العميل (محمد باقر الصدر) الذي رشحه لأن يكون وكيل مرجعيته في إيران وحلقة الوصل ما بينه وبين الخميني (خلده الله في قعر جهنم) ، الأمر الذي أنتهى بإيصال رأس محمد باقر الصدر إلى حبل المشنقة ، (راجع: ماهي حقيقة محمد باقر الصدر ولماذا قدم الخميني رأسه للموت – بلال الهاشمي) ، وبعد مضي ثلاث عقود على مغادرة محمود هاشمي الشاهرودي العراق يعتزم اليوم أن يعود بحلة جديدة يخفي تحتها النوايا الحقيقية التي عادت به إلى النجف مجدداً ، لكن الغاية من قدومه أمراً بات يدركه القاصي والداني إلا وهي أبقاء بساط المرجعية الدينية النجفية تحت المقاعد الفارسية!!، فمرجعية السيستاني تكاد أن تنتهي فصولها بموته وغياب ظله ، فالرجل كما يشاع عنه مريض وربما أقترب كثيراً من نهايته ، وعلى هذا الأساس فأن إيران لن تبقى مكتوفة الأيدي دون أن تجد لبساط المرجعية وريثاً من الجذر الفارسي يستفرد به (كما حكمت العادة بذلك) ، ولو فرضنا إن السيستاني لايزال بصحة جيدة جداً فأن إيران يجب أن تستغل نفوذها في العراق وتقتنص هذه الفرصة الثمينة التي (لم يحصلوا عليها من قبل ولن يضمنوا حصولهم عليها مجدداً) لتشكيل مرجعية النجف على المقاس الذي يناسبهم ، فأي بذرة يزرعونها اليوم سيحصدون ثمارها غداً ، ومن المؤكد في الأمر أن رجال الدين في النجف لم تغب عنهم الغاية الحقيقية لقدوم الشاهرودي ، ففرشوا الطريق بالسجادة الأحمر وجهزوا الورود لأستقبال (مرجعهم القادم) وأعدوا العدة للترحيب به بمراسيم (اللطم والتطبير وضرب الزناجيل) ، لكن شيئاً ما حدث غير الخطة وأجّل قدوم الشاهرودي الذي أرسل بالنيابة عنه صهره (محمود الخطيب) لأفتتاح مكتبه في النجف رسمياً وكان ذلك في منتصف الشهر الماضي ، أي قبل شهر تقريباً ، ويعود السبب في هذا التغيير المفاجئ إلى رفض السيستاني أستقبال الشاهرودي ، وكما يبدو أن الموقف أكبر من أن يتقبله السيستاني بروح رياضية ، فبعد كل تلك الخدمات الكبيرة التي قدمها إلى إيران ياتون له بشريك!! ، وتأكيداً على أعتراض السيستاني أمتنع عن أرسال من ينوب عنه في حفل افتتاح مكتب الشاهرودي في النجف ، وليس هذا فقط وأنما وصلت رسالة إلى الشاهرودي مضمونها أن مرجعية النجف لن تدعم تصديكم للمرجعية!!، وقد نقلت الأنباء الواردة من النجف إن بعض من اتباع السيستاني طعنوا بشهادة الأجتهاد التي منحها محمد باقر الصدر للشاهرودي قبل أكثر من ثلاثون عام!! ، وهذا يعني أن السيستاني ليس لديه أستعداد ليتنازل عن جزء من مملكته للشاهرودي حتى وأن جاءته الأوامر من الولي الفقيه!!، بالمقابل نشر موقع الشاهرودي تصريح ينفي من خلاله دعمه لأي كتلة سياسية أو جهة حزبية في العراق!!، كما وأن وكيله ذكر في أحد لقاءاته أن الشاهرودي لم يأتي من أجل طائفة واحدة وأنما جاء ليجمع اللحمة الوطنية ، ومن الواضح أن الشاهرودي يريد أن يقول بأنه صاحب رسالة أجتماعية وسياسية ، وأن له ثقل كبير في العراق رغماً عن أنف السيستاني!!.

 

حسب وجهة نظري الشخصية أن موقف مرجعية السيستاني من الشاهرودي لم يتبناه السيستاني شخصياً وأنما حاشيته ، بمعنى أوضح أن وراء هذه الأزمة يقف آل السيستاني والمحيطون بهم ، فهؤلاء هم محرك المرجعية النجفية والمنتفعين منها أما السيستاني فمجرد أسم قد يكون صاحبه ممدداً على فراش الموت في هذه اللحظات ، والظرف الذي وضع آل السيستاني بهذا الموقف هو الخوف من غياب ظل المرجعية عنهم أو حتى أنحساره بمقدار قليل ، فبدونه تنكشف عوراتهم ويصبحون تحت رحمة المطلين عليهم ، وفي الحقيقة أن هذا الظرف مر به جميع آل المرجعيات السابقة ، فبعد وفاة محسن الحكيم وانتقال المرجعية إلى أبو القاسم الخوئي حدثت خلافات وانشقاقات أدت إلى أرتماء بعضاً من آل الحكيم في أحضان عدو والدهم الازلي (الخميني) من أجل النكاية بآل الخوئي!!، وبعد وفاة أبو القاسم الخوئي تعرض آل الخوئي لحملة تشهير كبيرة وتصفية حسابات أغتيل على أثرها (محمد تقي الخوئي) بعد أن أفتضح أمر أختلاسه سيولة مالية من مؤسسة الخوئي في بريطانيا ... وغيرها من حكايات يطول ذكرها ، على أية حال ، آل السيستاني مهددون بالفضيحة وكشف المستور أذا ما سُحب بساط المرجعية من تحت أقدامهم ، خصوصاً عندما يكون لصالح محمود هاشمي الشاهرودي ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا يخاف آل السيستاني من هذا الشخص بالذات؟!.

 

أذا ما بحثنا بين مئات رجال الدين في العراق عن المؤهلين للأستفراد بالمرجعية بعد السيستاني سنجد أن أقرب ثلاث شخصيات للمرجعية هم أسحاق الفياض وبشير النجفي وهما من أصول ليست فارسية ، والأخير هو محمد سعيد الحكيم وهو لايحضى بالقبول الإيراني لأسباب كثيرة ، أهمها أصوله العربية التي ترجع إلى جبل عامل في لبنان ، كما أن العداء التاريخي بين الخميني ومحسن الحكيم لعب دوراً كبيراً في تجريد آل الحكيم من حق التصدي للمرجعية ، بل حتى التفكير بها أصبح خطاً أحمر لاتسمح إيران بتجاوزه ، ولهذا تم أغتيال محمد باقر الحكيم عام 2003 من قبل المخابرات الإيرانية بعد أن ظهرت نواياه تجاه المرجعية ، وسبقته بأيام محاولة أغتيال محمد سعيد الحكيم لكن المحاولة لم يكتب لها النجاح ، وزيادة في التنكيل بآل الحكيم نشرت إيران مذكرات الشيخ سمامي (وهو أحد المقربين من الخميني) والذي ورد فيها تفاصيل الخلاف العقيم بين محسن الحكيم والخميني وكيف خرج الآخير مطروداً من مجلس الحكيم في حادثة مشهورة!!، أذن من تبقى على طول الساحة وعرضها لايعنون شيئاً لإيران ولا يمتلكون قاعدة شعبية عريضة تثبت وجودهم على ساحة المرجعية بقوة ، فعلى هذا الأساس أرسلت إيران محمود هاشمي الشاهرودي ليكون الوريث الشرعي للمرجعية ، فهو يحضى بقبول كل من حزب الدعوة (وهي الجهة ذات السلطة العليا في المنطقة الخضراء) ، التيار الصدري الذي يتصادم مع مرجعية السيستاني والمجلس الأعلى الذي يقوده عمار الحكيم ، وهناك تلميحات قوية تشير إلى أن الشاهرودي يمثل الاب الروحي للتيار الصدري وحزب الدعوة والمجلس الأعلى بتفرعاتهم ، وهذا ما يخيف آل السيستاني ، فالشاهرودي منافساً ثقيل الوزن ويمتلك قاعدة عريضة في العراق بالإضافة إلى أنه يحضى بمباركة الولي الفقيه في إيران ، ومن يدري فقد يسحب البساط من تحت مقعد السيستاني بسهولة ويصبح آل السيستاني تحت رحمة الصدريين!!.     

 

أختيار محمود هاشمي الشاهرودي لم يأتي عبثاً فهذا الشخص كان الذراع الأيمن للخميني (خلده الله في قعر جهنم) في المهمات الحساسة ، فقد كان مكلف بالتنسيق مع المخربين والعملاء وباقي الحركات الأرهابية المسلحة في العراق ولبنان وغيرهما من دول المنطقة ، بمعنى أدق كان الشاهرودي حلقة الوصل بين مخابرات الولي الفقيه والمتعاونين معهم ، وهو كما يسمى بالعرف المخابراتي بـ (ضابط أرتباط) ، بعد أنتقال الخميني إلى جهنم وبئس المصير أستمرت العناية والرعاية بالشاهرودي من قبل الخامنئي ، الذي قربه من السلطة أكثر ومنحه مناصب حساسة جداً ، فجعله رئيس مجلس القضاء لعقد من الزمن ، وبالتأكيد أن هذا المنصب لايمنح لعابر سبيل أو شخص غير مضمون الولاء ، وعندما تصادم الولي الفقيه وحكومة نجاد مع هاشمي رفسنجاني تم تعيّن الشاهرودي رئيسا للهيئة العليا لحل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث!!، وبعد كل هذه الرعاية التي حضي بها الشاهرودي والأهتمام هل بقي شك بأنه رجل إيران وموضع ثقتهم؟!، أذن عودة الشاهرودي للعراق ونيته في التصدي للمرجعية هي تكلفة من الولي الفقيه ومهمة عليه أن ينجزها لصالح إيران ، وربما يقوم في المستقبل بربط مرجعية النجف بذيل عباءة الولي الفقيه ويحقق الحلم الفارسي بنقل مركز القيادة الشيعية إلى إيران!!، ومن المؤكد أن مكتب الشاهرودي في النجف سيحصل على دعم كبير جداً من إيران وكذلك من حكومة (القامّة والزنجيل) ، فقد تناقلت الأخبار أن الولي الفقيه سيرسل مجموعة من رجال الدين إلى النجف ليشكلوا قاعدة أكاديمية لأفتتاح الحوزة العلمية الخاصة بمرجعية الشاهرودي ، وقد تعهد نوري المالكي بتقديم كافة التسهيلات التي تؤمن وصول رجال الدين الإيرانيين إلى النجف والأقامة فيها!!، كما أن الأنباء أشارت إلى أن مكتب الشاهرودي في النجف سيقوم بتقديم المعونات المادي لبعض العوائل العراقية ، وهذه حركة قديمة غايتها لفت الأنظار إلى مرجعية الشاهرودي ، وهي بالأساس فكرة بريطانية طبقها المرجع (كاظم اليزدي) عام 1917 عندما وزع الأموال البريطانية على العامة لجرهم إلى بابه.

 

الخاتمة .. أن بعض المنافقين الذين يطمعون برضا حكومة (القامّة والزنجيل) استغلوا قضية الشاهرودي وبدأوا يروجون له ولمرجعيته ، معتبرينه المنقذ الذي سيجمع شمل العراقيين بظله ويعيد للحوزة في النجف مكانتها العلمية وينتشل شيعة العراق من الضياع الذي سببه لهم السيستاني .. إلخ من المنجزات التي لن تتحقق لابالشاهرودي ولا بجيش من أمثاله ، فإيران لم ترسله للتقويم وأنما للسيطرة على مرجعية النجف أكثر من قبل وجعلها تابعة لولاية الفقيه رسمياً ، والغرض من ذلك منح إيران دور أكبر في قيادة العالم الشيعي من داخل إيران وليس من النجف ، حتى الحوزة العلمية الجديدة ستكون من ضمن أطار حوزة قم بمفاهيمها العلمية وأهدافها ، بأختصار .. ما بدأه السيستاني في تفريس الحوزة العلمية والمرجعية الدينية سيتممه الشاهرودي على أكمل وجه.  

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

alhashmibilal.blogspot.com

alhashmi1965@yahoo.com

٢١ / تشرين الثاني / ٢٠١١ 

 

 





الاثنين٢٥ ذو الحجة ١٤٣٢ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢١ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة