شبكة ذي قار
عـاجـل










من المؤكد أن البعض سينتابهم غضب عارم ويسخطون بشدة على كاتب هذه السطور ، لأنهم ببساطة يرفضون النقد ولا يتقبلون من يقول لهم (على عينكم حاجب) ، مع العلم أن أصواتهم لطالما أرتفعت للمطالبة بالديمقراطية وحرية أبداء الرآي كحقوق مشروعة (لهم فقط كما أثبتت الأيام)!!، على سبيل المثال طالب (الثوار) بالتغيير للوصول إلى مستوى عالي من الديمقراطية والحرية التي ترفع القيود عن المواطن وتمنحه الحق الكامل بالكلام والتعبير ، وبعد الأنتصار وحدوث التغيير أنتهى المطاف بكل تلك المطالب في سلة القمامة!!، وبات التعبير والرآي المخالف سبباً يقود صاحبه إلى العزلة والأتهام بأنه ضد الثورة!!، السؤال الذي يطرح نفسه .. هل برء الجسد المريض من العلل؟! ، نعيد السؤال بصيغة آخرى .. هل تغير شيء عن ما كانوا يشكون منه؟! ، الجواب .. نعم حدث تغيير ملحوظ ، لقد كانت الأنظمة السابقة تكمم الأفواه وتحاسب على الكلمة ، لكننا لم نسمع أنها فرضت على الساكت أن يتكلم!!، أما اليوم (بعد التغيير والتخلص من تلك الأنظمة التي كانت تصادر الكلمة) أصبح لكل فرد الحق بالكلام والتعبير المشروط ، وأركز على كلمة المشروط ، لأن المسموح به من كلام هو ما يدعم ويؤيد الثورة والثوار فقط!!، وزاد على ذلك أن المحتفظ برآيه ولايتكلم بالسياسة (لصالح الثورة طبعاً) يكون متهم بأنه من أزلام النظام السابق!!، ألم أقل إن هناك تغيير ملحوظ!!.

 

بعد هذه المقدمة أصبحت بلا أدنى شك (في نظر البعض) من المشركين بالوطنية والمرتدين عن الثورات ، وقد يعتبرون هذا دفاعاً عن الأنظمة السابقة ، على العكس ، فمن وجهة نظري الشخصية أن جميع الأنظمة العربية (بدون أستثناء) مدانة بالأشتراك في جريمة أحتلال العراق ، حتى وإن أقتصر دور النظام على السكوت والتفرج ، وهذا كفيل بأن يجعل لكل عراقي يمتلك حس وطني موقفاً سلبياً من تلك الأنظمة ، أنتهى الأمر ، أما بخصوص (الثورات) فمن حق الجميع أنتقاد مايجدونه غير مقنع بالنسبة لهم!!، مثلا .. هل أندلعت الثورات لتغيير النظام الحاكم فقط أم من أجل مستقبل الوطن والمواطن؟!، من المؤكد أن الجواب سيكون (من أجل مستقبل الوطن والمواطن) وهذا بطبيعة الحال مرتبط بتغيير النظام الذي ترأسه (فلان) منذ نعومة أظافره حتى شيخوخته ، وهذا الجواب يصل بنا إلى سؤال آخر .. لماذا دعم أعداء العرب تلك الثورات وأستبشروا خيراً بالتغيير؟!.. أذا كان كرهاً بالإنظمة فهذا يعني أن تلك الأنظمة بريئة من تهمة العمالة ، أما أذا كان محبة بالشعب فأن الصهاينة وأمريكا ملائكة وليسوا شياطين كما تصورناهم!!، وأذا تجاوزنا عن هذه وتلك نقف عند أحداث البحرين ونسأل .. لماذا لم يدعم الأمريكيون (ثوار) البحرين كما دعموا (ثوار) مصر مثلاً؟!، فأذا كان الجواب أن حمد بن عيسى أجاد الرقص بالسيف للأمريكيين فأن حسني مبارك (هز الورك) لهم ثمانية وعشرون عاماً!!، وإن كان واضحاً بأن ما حدث في البحرين حركة طائفية تقف خلفها إيران وليست ثورة كما يروج لها ، لكن هل يمنع هذا أمريكا من تسليم البحرين لاتباع إيران كما فعلت مع العراق؟!، وعلى ذكر العراق لماذا لم تدعم أمريكا مظاهرات ساحة التحرير في بغداد ما دامها تهتم بمصالح الشعوب العربية؟!، إلا يذهب بنا هذا التباين الأمريكي للأعتراف بأن هناك مصلحة أمريكية في تغيير بعض الأنظمة والأبقاء على البعض الآخر ، بالإضافة إلى مصلحة صهيونية ، وقد أعلنها الصهيوني (برنار هنري ليفي) الذي كان حاضراً على ساحة (الثورات) وبين أحضان (الثوار) ، حيث قال في لقاء تلفزيوني "أن الربيع العربي في صالح إسرائيل"!!، اذاً هذا يعني أن (الثوار) وأمريكا ومعهم الصهاينة ربطتهم مصلحة وأحدة ، أليس هذا من العجب العجاب!!.

 

لنتحدث عن (ثورة) مصر ، لأن فيها العِبر ، بعد أحداث تونس خرج بعض المتظاهرون إلى ميدان التحرير يطالبون بالأصلاحات ، فقط الأصلاحات لا أكثر ولا أقل ، في اليوم الثاني ألقى أوباما كلمة قال فيها ، أمريكا تدعم مطالب الشعب المصري وتؤيد كل رغباته!!، مباشرة بعد هذه (الشرارة) تغيرت النبرات ، أنتفخت الصدور ، أرتفعت الهامات ، أنقلب الحال من مظاهرة ومتظاهرين إلى ثورة وثوار وتبدلت المطالب من الأصلاح إلى التغيير!!، فبات شعار الثورة هو أسقاط النظام الحاكم!!، وبدأت (الثورة) ومعها حملات الأغتصاب الجماعية ، لم تسلم منها لا مراسلة تلفزيونة ولا ممثلة سينمائية ، أذاً .. شرارة أوباما الصغيرة قادت إلى حريق أكل الأخضر واليابس!!، فمنذ سنوات وصورة حسني مبارك معلقة في الشارع لم تمزق إلا بعد أن آذن أوباما بذلك!!، ويقولون أن "أسماء محفوظ" هي من أجج الثورة من خلال (الفيس بوك)!!، أمر مضحك حقاً ، لنترك هذا الجانب وننتقل لآخر .. ما الذي أستجد على الساحة المصرية بعد (أنتصار الثورة والثوار) ، ومالذي جناه المصريون وما هو مستقبل البلاد؟!، لا شيء على الأطلاق ، الحال أصبح أسوء مما كان عليه ، فوضى ، تسيب ، خسائر أقتصادية كبيرة ، فقدان للسلطة والأمن وحكومة تسيير الأعمال والمجلس العسكري أهش من عود الكبريت ، ويكفي أن يكون سي السيد (عصام شرف) لعبة بيد الفتوات والبلطجية ، وكل مجموعة تمسك بياقته وتسحبه بالأتجاه الذي تريده وما عليه إلا أن يقول "تم"!!، طيب .. أذا كان هذا حاله أمام أبناء بلده فكيف سيكون حاله أمام المجتمع الدولي ، فالذي يخاف ويرتعش من عشرة أشخاص يهددون بالخروج إلى ميدان التحرير بمظاهرة لا بد أن (يفعلها على نفسه) أذا ما هدده البيت الأبيض بشن حرب عليه!!، وما دمنا نتكلم عن عصام شرف فمن الجدير بالذكر أن وقوفه على عربات بيع الفول ليتفطر مع المواطنين ليس تواضعاً منه أومشاركة للمواطن البسيط في صحن الفول ، بل هو تملق الضعيف لمن هم أقوى منه ، والشعب المصري يعرف ذلك جيداً ، على أية حال .. مصر لن يقودها شخص ضعيف ومتملق مثل عصام شرف ، ولهذا قدم أستقالته بعد أن وجد ثوب الحكم كبير عليه ، ثم وقع الأختيار على (كمال الجنزوري) ليكون البديل ، لكن (الثوار) أعلنوا من ميدان التحرير رفضهم المطلق له ، لأنه من أزلام النظام السابق!!، ومن الواضح أن المظاهرات والاحتجاجات أصبحت تسلية للبعض ، مادامها تثبت وجودهم على ساحة دولة ضعيفة ، هذه هي الحقيقة ، هم لايريدون أن يحكمهم شخص قوي يقول لهم "لن أعمل لكم ما تريدون وأنما سأعمل ما تمليه المصلحة العامة"!!، فسيطالبون بأسقاط نظامه ايضاً لأنه طغى وأستكبر و"عطس" بدون أذن الشعب!!، وقد يسأل أحد ما .. هل من المفروض أن يبقى (المخضرمون) على كراسيهم ومن بعدهم (يتخضرم) أبناءهم؟! ، الجواب هو كلا ، فالتغير مطلوب وقد حصل بالفعل وأنتهى الأمر ، وكان يجب أن ينتهي الأمر عند هذا الحد ويعود (الثوار) إلى بيوتهم وكان الله يحي المحسنين ، لكن البعض ظل (ينفخ) في البالون حتى أنفجر ، فبعد أن نجحت فعاليات ميدان التحرير وطبل لها الإعلام ليل نهار ، ظل الميدان يعج بـ (الفتوات) وهم يمسكون بقبضات سيوفهم على السلطة الجديدة وكأن الآية أنعكست وأصبح الرعية هم القاضي والجلاد!!، مهزلة وفوضى لا مثيل لها ، هذه هي منجزات (الثورة) وهكذا اراد اعداء العرب أن يكون عليه الحال ، فليتغنوا أهل الشعارات بهذه الأنجازات العظيمة ، ويتفاخروا بالحرية التي جعلت (علياء المهدي) تنشر صورها عارية على النت.

 

 

بلال الهاشمي

باحث في الشؤون الإيرانية والتاريخ الصفوي

alhashmibilal.blogspot.com

alhashmi1965@yahoo.com

٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١١

 

 





الاحد٠١ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٢٧ / تشرين الثاني / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب بلال الهاشمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة