شبكة ذي قار
عـاجـل










سيادة الرئيس عبد الله غول
رئيس الجمهورية التركية / أنقرة

 

ترددت كثيراً قبل أن أكتب شيئاً، ربما ستطلع عليه، وهو كلام في السياسة،  طالما كان وزير خارجيتك " أحمد داوود أوغلو" ، مُنَظِر سياستكم الخارجية، ومُفَصِل خطوطها الإستراتيجية في عمقها " الشرق أوسطي والآسيوي "، فضلاً عن عمق تعاملاته العملياتية مع (الناتو)، واستجابته التلقائية لتنفيذ بنود مقررات أنقرة الخاص بحلف شمال الأطلسي، قد أوغَلَ في تضخيم دور تركيا الطبيعي في بيئة لا تضمر عداءً للشعب التركي المسلم ، ولكنها تتوجس خيفة من اليقظة العثمانية الملازمة لهجمة الناتو على أمة العرب الإسلامية.


سيادة الرئيس ..

 

لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يزيح نظاماً سياسياً إلا شعبه، وهو بحق صاحب الحق المطلق في هذا المرمى، وليس لحكومتكم الحق بالتدخل في الشأن العربي، سواء كان هذا التدخل بالتوكيل الذي أوصى به (الناتو) باعتباركم عضواً فيه أو بطريقة أكدها السيد (أردوغان) رئيس وزرائكم، وكذا السيد (أحمد داوود أوغلو) وزير خارجيتكم ، في أن تلعب بلادكم دوراً في منطقتنا العربية، ليس بالأسلوب الطبيعي القائم على التوازن في المصالح بين تركيا الصديقة المسلمة وعواصم بلداننا العربية، إنما بأسلوب الوصاية، وملء فراغ عجز النظام العربي الرسمي، والتهديد وفرض الحلول من جانب واحد .

 

لا أعتقد، وانتم كذلك، أن تقبل تركيا بأن يملى عليها ما تفعله أو يرغمها على سلوك لا تريده ، فهل تقبل أي من البلدان العربية وغيرها أن تتدخل في المسألة الكردية في الأنضول دعماً سياسياً أو مادياً أو إعلامياً ؟! ما هو رد الفعل المتوقع إذا ما تدخل أحد في الشأن التركي ؟ ، فلماذا تسمحون لأنفسكم بالتدخل في الشأن العربي بدواعي حقوق الإنسان وحماية المواطنين في بلداننا العربية، وأنتم تعلمون ووزير خارجيتكم بأن موضوعة حقوق الإنسان هي أحد أهم أدوات السياسة الخارجية الأمريكية للتدخل الخارجي . فهل أن سياستكم أداة من أدوات السياسة هذه السياسة ؟ وإذا كان الأمر هكذا ، وهو كذلك ، فما هو تفسيركم بالاستقلالية التركية وبالسيادة التركية التي تنساق وراء دولة طالما كشفت منذ زمن بعيد عن منهجها المهيمن على مقدرات الشعوب ؟!

 

تدخلتم في الشأن الليبي، وكان لكم دوراً خطيراً في استخدامات القوة وتوفير المستلزمات اللوجستية للقوات الأجنبية المعتدية على السيادة الليبية والشعب العربي الليبي المسلم .. فمن أين لكم هذا التوكيل في العدوان على الدول الأخرى ذات السيادة، ومن أين استقيتم التخويل بالتجاوز على السيادة الوطنية لدولة عضو في الأمم المتحدة ، وكيف تنظرون إلى القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، وهل أنتم مع القانون والمبادئ ؟!

 

وبعد فعلتكم المكملة لأفعال (الناتو)، التي خططت لها أمريكا والصهيونية، التي تعادون إعلامياً كيانها الصهيوني المغتصب لفلسطين المحتلة .. أسألكم ، ماذا حدث لشعب ليبيا العربي المسلم ؟ هل نال حريته واستقراره أم دخل في نفق مظلم لا أحد يعلم قراره إلا الله العلي القدير ؟!

 

إنكم تعلمون أن القتل والتدمير والفوضى التي بشرت بها أمريكا في نظريتها، التي أعتقد بأن وزير خارجيتكم يطبق أدق بنودها وهي (الفوضى الخلاقة) . ولا أظن إنكم لم تسمعوا بها لحد الآن ؟ ، فهل من الإسلام وأنتم تتزعمون حزباً (إسلامياً) بامتياز وتعاليمه تسمح بالقتل وسفك الدماء والتدخل والاجتياح وإثارة الفوضى في بلاد الإسلام ؟ ، أين أنتم إذن من الإسلام الحنيف ؟!

 

وبعد مشاركتكم في جريمة تدمير النظام الوطني الليبي وقتل رئيسه، ألتفت وزير خارجيتكم (أحمد داوود أوغلو) صوب الشام التاريخي، الذي تغتصبون منه (الإسكندرونة)، أرضاً وتستعبدون شعبها العربي المسلم، منذ عقود طويلة من السنين، فهل تعلمون إن ذلك يخالف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ؟ ، ومع ذلك فأنكم تغضون النظر إلى هذه الحقيقة وخاصة في عصر تدعون  فيه الحرية والانفتاح وإحقاق الحقوق ودعم تطلعات الشعوب صوب الحرية، ولم تكتفون في اغتصاب الاسكندرونة ، إنما أخذتم تمارسون ضغوطكم، وهي أوراق أمريكية بامتياز على سوريا وتتدخلون في شؤونها الداخلية مع حملة التحريض على التدخل الأجنبي ، حتى بلغ الأمر حد احتضانكم  مؤتمرات في اسطنبول تعمل على تصعيد الموقف باتجاه العمل العسكري المرفوض دولياً .. ألم يكن هذا العمل يسيء إلى العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق ويهدم كل ما تم بناءه منذ سنين ويتساوق مع أوضاع من شأنها أن تثير الكثير من ردود الأفعال، ليس لدى الشعب السوري فحسب إنما لدى الشعب العربي الذي يرفض التدخل الأجنبي ؟!

 

سيادة الرئيس ..
من الغريب إنكم ، وخاصة وزير خارجيتكم أوغلو ، لا يدرك أن حكومة قطر في الخليج العربي، التي تتزعم حالياً جامعة الدول العربية بتوكيل، ليس من أمينها العام، إنما من أمريكا والكيان الصهيوني، الذي اصطدمتم به للتعمية والتظاهر باصطفافكم مع القضية الفلسطينية حين أهانتكم (إسرائيل) في البحر الأبيض المتوسط عندما أرسلتم أسطول الحرية لمعاونة غزة في محنتها . حكومة قطر لا تمثل غير نفسها وشعبنا العربي القطري براء من أفعال حكومته المشينة المسخرة بإعلامها وأموالها لخدمة المشروع الأمريكي- الإسرائيلي .

 

وربما أنتم ووزير خارجيتكم يعتقد بأننا ، نحن العرب ، مغفلون لا ندرك حقيقة نواياكم ومدى توجهاتكم وأهدافكم والشوط الذي قطعتموه على طريق ما تسميه أمريكا بنظام الأمن الخليجي والخطوات التي انتهت بدمج شبكات الأمن والاستخبارات الأمريكية مع منظومة أمن الخليج، اعتقاداً منكم بأن الأمر سيكون ميسراً وسهلاً في تكريس نظام الأمن الإقليمي في الخليج العربي ليكون بديلاً للأمن القومي العربي .

 

وإذا كنتم تعتقدون وتتوقعون نجاحات لمساعيكم في تعزيز مصالحكم وتنميتها، فلا ينبغي لكم أن تتوقعوها تستمر وأنتم تنفذون سياسات تضر بشعوب المنطقة ومنها شعبكم، الذي يتأثر كلما أوغلتم في مسارات ارتباطاتكم مع أمريكا عدوة الشعوب .. فلا تقل لي إنها مصالح تركيا العليا .. إن مصالح تركيا العليا تتحقق في خارج هذه السياقات، وعلى الأمد المتوسط حيث تترتب أوضاع من شأنها أن تتراكم في ساحتكم ضد سياساتكم وفي ساحات الوطن العربي كله بالضد من هذه السياسات.. ألا تخشون النتائج وردود الأفعال جراء الدماء التي تسفح والخراب الذي يعم أرض المسلمين في ليبيا وسوريا واليمن والعراق ؟ّ

 

يا سيادة الرئيس ..
إنه لشيء ثقيل وثقيل جداً أن يشعر شعبكم ولا يفتخر بكونه يتطلع إلى استعمار غيره أو الاعتداء أو المشاركة في عدوان على شعب آخر .. ولا أظن بأنه سيسكت، وإذا ما سكت فأنه مسحوق حد العظم، وهذا مؤشر على انعدام الحرية والديمقراطية في بلادكم .. وأنا على يقين من أنكم تدركون بأن قيادة العراق في الحكم الوطني كانت سباقة في حل قضية الأقليات ومنها المسألة الكردية، ولكنكم ولحد الآن تقمعون الأكراد في بلادكم وترفضون الاعتراف حتى بهذه الأقليات، ونحن معكم لا نرتضي حالة الانفصال طالما تتسبب في إضعافنا وإضعافكم، ولكن العدالة والحقوق شرط لازم عليكم وعلينا .

 

سيادة الرئيس ..
لا أريد أن ألقي محاضرة في الحضارات والإمبراطوريات، التي تنشأ والتي تنحدر لتضمر والتي تعيش السبات ، لأنكم تعرفون قبل غيركم لماذا مرضت الإمبراطورية العثمانية وانهارت وتفككت ؟ ، من فكك هذه الإمبراطورية المترامية التي بنت مجدها بالإسلام ومبادئ العروبة وقيمها .. عفواً سيادة الرئيس .. الذي فكك إمبراطوريتكم هو الغرب، لأن مصالحه ليست مع الإمبراطورية العثمانية آنذاك، وهو ليس مع هذه المصالح حين تستيقظ من جديد، وأنتم تعملون من أجل بزوغها حسبما تشير إليه نظريات القوة والعمق الإستراتيجي، التي جاء بها وزير خارجيتكم أحمد داوود أوغلو ، فستخسرون أمة العرب والمسلمين معاً .

 

ربما تقولون سيادة الرئيس .. إنه توافق إستراتيجي (الغرب) يريد أن يبني (الشرق الأوسط الجديد) سيدخل فيه تركيا، وهذا ما ندركه تماماً .. ولكن بناء مثل هذا لا يتساوق مع متطلبات إمبراطورية عثمانية بثوب جديد يرفضها الشعب العربي جملة وتفصيلاً ، ولا ينسجم مع المشروع الفارسي الصفوي بإنشاء إمبراطورية تمتد من الهضبة الإيرانية إلى حافات البحر الأبيض المتوسط .. ويتقاطع مع المشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات .. أين أنتم من كل هذا يا سيادة الرئيس ؟!

 

ألم تعلم .. بأن الغرب الذي تعملون في خدمته ليل نهار من أجل الانتماء إلى الإتحاد الأوربي، يرى أنكم (شوكة إسلامية) في خاصرته ويرفض قبولكم فيه أو انتمائكم إليه ؟! ، ومع ذلك نراكم تنفذون كل ما يطلب منكم عسى أن تتبدل الحال ويحن القلب الأوربي، والقلب الأوربي الذي يملؤه الحقد والكراهية على الإسلام لا يحن على عربي مسلم إلى يوم الدين !!

 


د. أبا الحكم
٢٩ / ١١ / ٢٠١١

 

 





الاحد٠٨ محــرم ١٤٣٣ هـ   ۞۞۞  الموافق ٠٤ / كانون الاول / ٢٠١١م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة